من تيغراي إلى دارفور.. النزعات الانفصالية تهدد دولاً إفريقية

time reading iconدقائق القراءة - 16
جنود يشاركون في عرض عسكري إحياءً لذكرى إعلان استقلال دولة أرض الصومال - 18 مايو 2015 - REUTERS
جنود يشاركون في عرض عسكري إحياءً لذكرى إعلان استقلال دولة أرض الصومال - 18 مايو 2015 - REUTERS
دبي – إيلي هيدموس

تشهد مناطق كثيرة في العالم ما يمكن تسميته "يقظة هويات"، تسعى من خلالها مجموعات إلى الانفصال عن الدول التي تنتمي إليها، سواء بمبرّرات سياسية، أو اقتصادية، أو عرقية.

البعدُ العرقي والقبلي في المسألة الانفصالية يغلب في إفريقيا، حيث تخوض أقاليم صراعات لانتزاع استقلالها، علماً بأن القارة عانت من الاستعمار، الذي شكّل الحدود بين دولها، كما أن ثرواتها تثير شهية دول كبرى.

وأوردت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية أن ثمة في إفريقيا "أكثر من ألف مجموعة عرقية ولغة، جُمعت معاً بفظاظة، بواسطة صنّاع خرائط استعماريين"، مضيفة أن "النزعات الانفصالية تثير استياء الاتحاد الإفريقي، مثل سلفه، منظمة الوحدة الإفريقية؛ لأن بلداناً كثيرة هي مصطنعة، تتفوّق فيها غالباً الولاءات القبلية على تلك الوطنية".

وأشارت إلى "تضاؤل المشاعر الانفصالية في كل أنحاء القارة، مع تحسّن الحوكمة، وقبول الفيدرالية أو اللامركزية على نطاق واسع، ورسوخ الديمقراطية أكثر"، مذكّرة بأن الحرب الأهلية النيجيرية (1967-1970)، عندما سعت المنطقة الجنوبية الشرقية، المعروفة باسم "بيافرا"، إلى الانفصال، خلّفت مليونَي ضحية، كما أن محاولة مشابهة في إقليم كاتانغا، في جنوب شرقي الكونغو، عام 1960، أثارت "فوضى استمرت 5 سنوات".

إريتريا

واستدركت المجلة أن "ثمة حالتين أخريين لحروب أهلية طويلة ودامية"، أدتا في النهاية إلى انفصال مُعترف به دولياً، بعد انفصال إريتريا عن إثيوبيا، في عام 1993، وجنوب السودان عن شماله، في عام 2011، لافتة إلى أن "الدولة الجديدة شهدت فوضى داخلية منذ ذلك الحين".

وأضافت أن جمهورية أرض الصومال صوّتت، في استفتاء نُظم في عام 2001، بأغلبية ساحقة على الاستقلال عن بقية الصومال، الذي دمّرته حرب أهلية. وأشارت إلى أن أرض الصومال "كانت تُدار بشكل منفصل من بريطانيا، قبل أن تصبح جزءاً من الصومال، في عام 1960"، وتابعت: "كلما طالت فترة بقائها مستقرة وديمقراطية نسبياً، كانت فرصها أفضل في نيل اعتراف دولي".

"ترسيم تعسّفي للحدود"

يعتقد المؤرخ النيجيري تويين فالولا، وهو أستاذ التاريخ في "جامعة تكساس"، بأن الاستعمار هو أصل كل الحركات الانفصالية في إفريقيا، التي تعود إلى حين قسّمت القوى الاستعمارية الأوروبية القارة في ما بينها، خلال "مؤتمر برلين للكونغو"، في عامَي 1884 و1885، وفي نهاية الحرب العالمية الأولى. وقال: "جمعوا معاً مئات الشعوب والأمم، التي كانت موجودة سابقاً في نحو 50 بلداً".

وأفاد موقع "دويتشه فيليه" بأن القوى الأوروبية "لم تأخذ بالاعتبار الهياكل القائمة، أو الانتماءات الدينية والعرقية"، مشيراً إلى نموذجَين انفصاليَين لأمبازونيا في الكاميرون، وتوغولاند الغربية في غانا، نتيجة "ترسيم تعسّفي للحدود".

تيغراي و"الإرث الاستعماري"

يقع مقرّ "الاتحاد الإفريقي" في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وتتمثل إحدى مهماته المركزية في "الحفاظ على الحدود الوطنية الحالية"، كما كتب جاي براين أتوود، وهو دبلوماسي أميركي سابق، في موقع "ذي هيل". وأضاف: "رغم الأصول الاستعمارية لذاك الترسيم، هناك خوف مستمرّ من أن الخصومات العرقية القديمة يمكن أن تهدد سلامة دول قومية، كما حدث في إثيوبيا".

واعتبر أن إقليم تيغراي الإثيوبي يشكّل "أحدث منطقة حاولت الانفصال عن الحكومة المركزية لدولة إفريقية"، علماً بأن "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" استعادت عاصمة الإقليم، ميكلي، الأسبوع الماضي، من القوات الحكومية، لكن ذلك لم ينهِ الصراع بين الجانبين.

وذكّر أتوود بنيل رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، جائزة نوبل للسلام، معتبراً أن النزعات الانفصالية المحتملة في البلاد قد تنبع من "الحماس الإثني الثوري، والتوتر مع الحكومة المركزية التي ربما تجاهلت احتياجات إقليمية، والتأثيرات المدمّرة للفقر"، متحدثاً عن "سوابق تاريخية لا يمكن تجاهلها".

وبعد 60 سنة على التحرّر من الاستعمار في إفريقيا، و137 سنة على مؤتمر برلين، الذي استضافه الزعيم الألماني أوتو فون بسمارك، "تعمل دول إفريقية كثيرة بشكل جيد نسبياً، ولكن لا يزال هناك نحو 18 صراعاً على مستوى الدولة، و2.8 مليون لاجئ يفرّون من العنف والاضطهاد"، وفق أتوود.

وأضاف أن "الأفارقة لا يزالون يكافحون من أجل عقلنة الحدود الموروثة، التي كثيراً ما تشجّع الصراع العرقي"، وتابع: "يمثّل تيغراي مجموعة من العوامل الإثيوبية الداخلية، لكنه أيضاً إلى حد كبير أحد أعراض الإرث الاستعماري".

لكن مجلة "ناشيونال إنترست" تنبّه إلى أن إثيوبيا باتت تشكّل "قنبلة موقوتة"، معتبرة أن "الانقسام العرقي فيها سيؤدي في النهاية إلى تقطيع أوصال الدولة"، بحيث "تواجه مصير يوغوسلافيا"، بعد وفاة رئيس الوزراء السابق، ميليس زيناوي، "مهندس الفيدرالية العرقية"، الذي شكّل بالنسبة إلى إثيوبيا، ما كانه جوزيب بروز تيتو ليوغوسلافيا.

إقليم بيافرا

ذكّر اعتقال الزعيم الانفصالي في نيجيريا، نامدي كانو، في لندن الشهر الماضي، وتسليمه إلى أبوجا، بسعي إقليم بيافرا، في جنوب شرقي البلاد، إلى الاستقلال عن السلطة المركزية. وأسّس كانو، في عام 2014، حركة "السكان الأصليون في بيافرا"، لإحياء النزعة الانفصالية في الإقليم، علماً بأن محاولة أولى أدت إلى حرب أهلية، بين عامَي 1967 و1970.

وعزّز تصاعد انعدام الأمن والعنف الطائفي في نيجيريا، حركات انفصالية في البلاد، بما في ذلك "السكان الأصليون في بيافرا"، التي أعلنت، في يناير الماضي، تشكيل وحدة أمنية مسلحة، تستهدف مواجهة رعاة عرقية فولاني. لكن السلطات النيجيرية تعتبر هذه الوحدة تخريبية، وحظرت نشاطاتها، في عام 2017.

واستبعد المحلل السياسي النيجيري جبرين إبراهيم نجاح تلك الحركة، قائلاً: "مطالبتهم بالانفصال أمر مشروع. لكن الواقع على الأرض هو أن تقسيم نيجيريا أمر صعب. نحن معاً منذ أكثر من قرن".

لكن تويين فالولا يرى أن السبب الرئيس للنزاع يتمثل في كيفية تطبيق الهيكل الفيدرالي في نيجيريا، في ستينيات القرن العشرين، أو "سوء الإدارة بعد الاستعمار". وأضاف: "كلما ركّزت على شيء أكثر من اللازم، تحدث أزمات ثانوية جديدة".

واعتبر أن "الظروف التي أدت إلى (المحاولة الانفصالية في) بيافرا، لا تزال قائمة". أما لوتيي دي فريس، وهي أستاذة مساعدة في "جامعة فاغينينغين" بهولندا، فرأت في التهديد بالانفصال وسيلة للضغط من أجل كسب ثقل سياسي.

جمهورية "أمبازونيا"

وأشارت مجلة "فورين بوليسي" إلى "زخم" اكتسبه انفصاليو بيافرا، وحركة مؤيدة للاستقلال في غرب الكاميرون، الذي يتحدث سكانه الإنجليزية، لا الفرنسية، كما في المناطق الأخرى بالبلاد.

وأضافت أن الطرفين يحشدان، منذ 5 سنوات، مؤيدين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويصطدمان مع قوات الأمن الحكومية.

وتابعت أن قادة من الحركتين أعلنوا تحالفاً رسمياً، في الشهر الماضي، رجّحت أن يثير "عنفاً وعدم استقرار في البلدين، وفي مناطق غرب إفريقيا ووسطها".

على حدود نيجيريا، تقاتل جماعات مسلحة لتأسيس دولة انفصالية تُسمّى "أمبازونيا"، علماً بأن مظالم الكاميرونيين الناطقين بالإنجليزية تعود إلى عام 1961، عندما مُنحت البلاد استقلالها عن بريطانيا.

وفي عام 2016، لجأت حركة "أمبازونيا" إلى العنف، بعدما قمعت قوات الأمن الحكومية مدرّسين ومحامين، احتجّوا على تهميش الكاميرونيين الناطقين بالإنجليزية، في دولة ذات أغلبية فرنكوفونية. وأسفر العنف عن سقوط 4 آلاف مدني ونزوح أكثر من 700 ألف شخص، وفقاً للأمم المتحدة و"مجموعة الأزمات الدولية".

توغولاند الغربية

تحدثت "دويتشهزز فيليه" عن "تشابه تاريخي بين أصول الحركات الانفصالية، في الكاميرون وغانا"، مشيرة إلى تقسيم توغو، التي كانت مستعمرة ألمانية، بين بريطانيا غرباً وفرنسا شرقاً، بعد الحرب العالمية الأولى، قبل أن يندمج الجزء البريطاني مع غانا الحديثة.

في سبتمبر 2020، اندلعت مجدداً توترات في شرق غانا، أو توغولاند الغربية، وأعلن الانفصاليون المنطقة دولة ذات سيادة. وجرت محاولات سابقة، بدأت في عام 2017، علماً أن جزءاً من السكان المحليين يشعرون بأنهم غير ممثلين بشكل كافٍ في حكومة غانا.

زنجبار

خضع أرخبيل زنجبار لقوى عدة، في مراحل مختلفة. وكانت البرتغال أول قوة استعمارية، تلتها سلطنة عُمان وبريطانيا، علماً بأن زنجبار كانت أيضاً سلطنة مستقلة، لفترة وجيزة.

بعد استقلالها عن بريطانيا، شهدت ثورة في عام 1964. وبعد أشهر، اندمجت زنجبار مع تنغانيكا، وشكّلتا جمهورية تنزانيا المتحدة.

مع ذلك، لا تزال زنجبار تتمتع بحكم ذاتي جزئياً، ولديها حكومة وبرلمان. لكن فكرة القومية راسخة بقوة في مجتمعها وسياستها، وتسعى أحزاب إلى تحقيق هدف الاستقلال.

وتسعى "جمعية الحشد والدعوة الإسلامية" إلى فصل زنجبار عن تنزانيا، واتهمت أخيراً بالتحوّل إلى جماعة سياسية، ونشر الكراهية بين سكان زنجبار.

كابيندا (أنغولا)

تنتمي مقاطعة كابيندا إلى أنغولا، لكنها جيب منفصل جغرافياً عن بقية البلاد، من خلال مصبّ نهر الكونغو. وكانت كابيندا محمية برتغالية، إلى أن ضمّتها لشبونة إلى أنغولا.

تنتج كابيندا 60% من النفط في أنغولا، ويتهم انفصاليون الحكومة المركزية بجني أرباح طائلة منه. ومنذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شهدت المقاطعة صدامات دموية متكررة، وهجمات شنّها الانفصاليون.

أرض الصومال

في 18 مايو 1991، أعلنت جمهورية أرض الصومال استقلالها، بعد انهيار الصومال. وخلال أكثر من عقد، كان يستحيل التكهّن بمآل هذا الانفصال. لكن أرض الصومال الآن هي واحدة من أكثر دول الأمر الواقع استقراراً في العالم، ولديها أراضٍ محددة بوضوح، وسكان دائمون، وحكومة شرعية. لكنها لا تحظى باعتراف دولي، كما أوردت مجلة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية.

وأشارت إلى أن جذور الانفصال تعود إلى زمن الاستعمار. فبين عامي 1880 و1960، كان شمال غربي الصومال، الذي يشكّل أرض الصومال الآن، محمية بريطانية، فيما كانت المنطقة الواقعة من الشمال الشرقي إلى الجنوب، خاضعة للإدارة الإيطالية.

نالت أرض الصومال استقلالها، في 26 يونيو 1960، تلتها بقية الصومال في 1 يوليو. في ذاك اليوم، اتحد الجانبان لتشكيل جمهورية الصومال. ووجب على الدولة الجديدة التغلّب على تحديات كبرى، لمواءمة تقاليد إدارية مختلفة، وإحداث توازن بين مختلف العشائر. وفي عام 1961، نُفذت محاولة انقلاب في شمال غربي الصومال، بعدما شكا ضباط من حرمان في المنطقة.

وذكرت المجلة أن العامل الأكثر أهمية الذي يمنع كل الدول الإفريقية من الاعتراف بأرض الصومال، قد يكمن في تصميم "الاتحاد الإفريقي" على عدم المسّ بالحدود الاستعمارية في القارة، خشية أن يؤدي ذلك إلى ديناميات انفصالية غير متوقعة في سائر أنحائها.

دارفور

يقع إقليم دارفور في غرب السودان، وكان منطقة مستقلة وقادها سلطان، حتى عام 1916، عندما دمجتها المملكة المتحدة ومصر بالسودان. تصاعد الصراع في دارفور، في عام 2003، مع متمردين شكّلوا "جبهة تحرير دارفور"، وقاتلوا الحكومة السودانية، لتحرير البلاد من القبضة المركزية لنظام البشير. 

تُعرف "جبهة تحرير دارفور" الآن باسم "حركة تحرير السودان"، التي وقعت على اتفاق سلام مع الحكومة السودانية.

كتب ديفيد بيلينغ في صحيفة "فايننشال تايمز" أن الأفارقة تقبّلوا غالباً الحدود في القارة، على رغم أن دولها الحديثة شُكّلت في مؤتمر برلين، عامَي 1884 و1885، بواسطة "مستعمرين يدركون القليل من الحقائق، العرقية أو السياسية أو الجغرافية" عن القارة.

وذكّر بانفصال إريتريا عن إثيوبيا، وجنوب السودان عن شماله، فيما أن أرض الصومال دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع، بعد انهيار نظام سياد بري في الصومال، عام 1991.

ونبّه إلى أن إفريقيا "ليست محصّنة ضد المشاعر الانفصالية، التي ظهرت من كاتالونيا إلى كردستان، ومن اسكتلندا إلى كيبيك"، مذكّراً بتلك النزعات في الكاميرون ونيجيريا وأماكن أخرى.

وأضاف: "على رغم اختلاف كل حالة، فإن جميعها ينبع من فشل الحكومة المركزية في إتاحة تعبير، سياسي واقتصادي وثقافي، لجماعات تجد نفسها خارج مركز السلطة".

ورأى أن "تماسك الدول الإفريقية" يشكّل "معجزة صغيرة"، وزاد: "على الجميع أن يجتهد لجعل الأقليات تشعر بأنها جزء من كيان أعظم. إن لم يفعلوا ذلك، لن يصمد المركز إلى الأبد".

اقرأ أيضاً: