
يسعى الرئيس الصيني شي جين بينج إلى إصلاح العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، محاولاً إظهار الصين على أنها "الشريك الأكثر موثوقية"، في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب عزل دول التكتل الأوروبي بسبب قضايا تتراوح بين الرسوم الجمركية والدفاع.
وقال مسؤول أوروبي لـ"بلومبرغ"، إن صانعي السياسات وقادة الأعمال في الصين، يبحثون عن أسواق جديدة في أوروبا وخارجها، في ظل الحظر التجاري الأميركي، وللمساعدة في توطيد هذه العلاقات، يُجهّز شي لرفع العقوبات عن عدد من نواب الاتحاد الأوروبي، وهي "خطوة رمزية" إلى حدّ كبير تدل على حسن النية.
وذكرت الخارجية الصينية في بيان، الخميس: "بصفتهما أكبر اقتصادين في العالم، ستعمل الصين وأوروبا معاً على حماية النظام التجاري متعدد الأطراف"، مُضيفةً أنها تُرحّب بمزيد من أعضاء البرلمان الأوروبي لزيارة الصين، دون التطرق إلى التقارير بشأن رفع العقوبات.
وفي حين لا يزال القادة في أوروبا يعارضون بشدة دعم بكين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد أبدوا استعدادهم للمضي قدماً في بعض القضايا، إذ يدرس مسؤولو الاتحاد الأوروبي فرض الحد الأدنى من الأسعار على السيارات الكهربائية الصينية، بدلاً من التعريفات الجمركية التي تصل إلى 45.3% والتي فُرضت العام الماضي بسبب شكاوى من فائض الصادرات.
خلاف طويل الأمد
وذكرت "بلومبرغ" أن هذه الخطوة ستساعد في وضع حد للخلاف الطويل الأمد الذي شهد فرض بكين رسوماً انتقامية على الكونياك الفرنسي، كما تم تأجيل إتمام تلك العملية لمدة ثلاثة أشهر، مما خفف الضغط على المنتجين.
في معرض شنغهاي للسيارات هذا الأسبوع، عرض المسؤولون التنفيذيون الصينيون، خططهم الاستثمارية في أوروبا، في الوقت الذي ينسحب فيه المصدرون عبر البلاد من الأسواق الأميركية.
وحث بعض النظراء الأوروبيين، على اتباع نهج أكثر براجماتية لحل النزاعات، ودعوا إلى المضي قدماً في تعاون أوثق مع بكين.
وقالت رانا ميتر، رئيسة قسم العلاقات الأميركية الآسيوية في كلية هارفارد كينيدي: "من الناحية المثالية، ترغب بكين في فصل أوروبا عن الولايات المتحدة وجعلها بمثابة درع طبيعي لطموحات الصين".
لكن بينما قد يكون الاتحاد الأوروبي حذراً تجاه الولايات المتحدة، فإنه لن يتخلى عن السوق الأميركية أو توجهه التقليدي لصالح الصين، التي يعتبرها الكثيرون "شريكاً تجارياً غير موثوق به للغاية"، وفق "بلومبرغ".
وشكلت أوروبا لسنوات حاجزاً بين أكبر اقتصادات العالم، لكن مواقف الكتلة تجاه بكين ساءت بعد أن أثار تفشي فيروس كورونا مجموعة من الخلافات الدبلوماسية. وقد شهد ذلك توحد القادة الأوروبيين إلى حد كبير مع واشنطن بشأن "تقليص مخاطر" اقتصادهم من الصين ومعارضة تدفق الصادرات الرخيصة التي تهدد الوظائف.
إضعاف التحالف الأميركي الأوروبي
وذكرت "بلومبرغ" أن ترمب أضعف هذا التحالف بفرضه تعريفة جمركية بنسبة 20% على أوروبا، ومطالبته الاتحاد الأوروبي بدفع تكاليف الدفاع مع التقرب من بوتين.
ولم يُحرز القادة الأوروبيون تقدماً يُذكر في محاولة سد الخلافات مع ترمب، على الرغم من عرض الاتحاد الأوروبي على الجانبين إلغاء جميع التعريفات الجمركية على السلع الصناعية.
ومع تفاقم الخلاف، حذّر وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، الاتحاد الأوروبي من توطيد العلاقات مع بكين، مُشبّهاً هذه الاستراتيجية بـ"قطع الرقبة"، وذلك بعدما زار رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بكين في وقت سابق من هذا الشهر، مُتعهداً بتعاون أكبر.
قمة أوروبية في بكين بحضور شي
ويستعد القادة الأوروبيون لزيارة بكين في يوليو المقبل لحضور قمة، كان من المتوقع عقدها في بروكسل، نظراً لتناوب مكان انعقادها. وقرر المسؤولون خرق البروتوكول بعد أن رفض شي، بحسب التقارير، السفر إلى أوروبا لحضور المحادثات، التي يحضرها عادةً رئيس الوزراء من خارج البلاد.
ومن الطموحات المُحتملة في حال نجاح القمة، إحياء اتفاقية استثمارية أمضى المسؤولون سبع سنوات في التفاوض عليها، مع أن ذلك سيكون على الأرجح هدفاً طويل الأجل.
وألغت بروكسل هذه الاتفاقية في اللحظة الأخيرة في عام 2021، بعد أن ردّت الصين على العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب ممارسات حقوق الإنسان في منطقة شينجيانج بالإعلان عن إجراءات ضد 10 أفراد وأربعة كيانات من أوروبا.
واعتبرت "بلومبرغ" هذه الاتفاقية "دليلاً على استقلال أوروبا عن الولايات المتحدة وقدرة الصين على التعاون مع حلفاء أميركا الذين تبنوا نهجاً أكثر اعتدالاً. وبالنسبة للكتلة المكونة من 27 دولة، كان من شأن الاتفاقية أن توسع نطاق الوصول إلى السوق الصينية مع منح بكين بعض الحماية من الموقف المتشدد تجاه الاستثمار الصيني في أوروبا".
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في وقت سابق من الشهر الجاري في مكالمة مع رئيس مجلس الدولة (رئيس الوزراء) لي تشيانج، إنه ينبغي على الجانبين إجراء حوار رفيع المستوى بشأن التعاون الاقتصادي والتجاري والأخضر والرقمي في أقرب وقت ممكن.
وأبدت وزارة التجارة الصينية، استعداد بكين لـ"تعميق التعاون العملي" مع الاتحاد الأوروبي، من أجل "الحفاظ على استقرار سلاسل الصناعة والتوريد العالمية".