
يرش المزارع الباكستاني هوملا ثاخور المبيدات الحشرية على خضراواته اليابسة على بُعد شارع واحد من نهر السند، لكنه يشعر بالقلق على المستقبل فالشمس في أوجها ومنسوب النهر في انخفاض حاد، والهند تتعهد بقطع الإمدادات من المنبع بعد هجوم مسلح أسقط ضحايا في كشمير.
تقع مزرعة ثاخور، التي تبلغ مساحتها نحو 5 أفدنة، في منطقة لطيف آباد في إقليم السند بجنوب شرق البلاد، حيث يتدفق نهر السند إلى بحر العرب بعد أن ينبع في التبت ويمر عبر الهند.
وعبر أكثر من 15 مزارعاً باكستانياً والعديد من الخبراء الآخرين عن مخاوفهم، خاصة أن الأمطار كانت نادرة في السنوات القليلة الماضية.
وللمرة الأولى، علقت الهند، الأربعاء، معاهدة مياه نهر السند لعام 1960، التي توسط فيها البنك الدولي، والتي تضمن المياه لنحو 80% من المزارع الباكستانية، قائلة إن هذا التعليق سيظل سارياً حتى "تتخلى باكستان بشكل موثوق ولا رجعة فيه عن دعمها للإرهاب عبر الحدود".
وألقت نيودلهي باللوم على باكستان في هجوم الثلاثاء على السياح. ولطالما اتهمت الهند جارتها باكستان بـ"دعم الإرهاب العابر للحدود"، لا سيما في كشمير، حيث يقود مسلحون تمرداً ضد الحكم الهندي منذ أواخر ثمانينيات القرن، فيما نفت إسلام آباد هذه الاتهامات مراراً.
وتقول الهند إن 2 من المسلحين الثلاثة، الذين هاجموا السياح وأسقطوا 26 شخصاً في كشمير، كانوا من باكستان، فيما نفت إسلام آباد ضلوعها في الأمر، وقالت إن "أي محاولة لوقف أو تحويل تدفق المياه التابعة لباكستان.. ستُعتبر عملاً حربياً".
وأدت المعاهدة إلى تقسيم نهر السند وروافده بين الدولتين المتنافستين المسلحتين نووياً.
ويقول مسؤولون حكوميون وخبراء من كلا الجانبين إن الهند لا تستطيع وقف تدفق المياه على الفور، لأن المعاهدة سمحت لها فقط ببناء محطات طاقة كهرومائية دون تخزين كبير أو سدود على الأنهار الثلاثة المخصصة لباكستان؛ لكن الأمور قد تبدأ بالتغير خلال بضعة أشهر.
تهديدات هندية
وقال وزير الموارد المائية الهندي تشاندراكانت راجوناث باتيل في تصريحات صحافية: "سنعمل على ضمان عدم وصول أي قطرة من مياه نهر السند إلى باكستان". ولم يرد على الأسئلة بشأن المخاوف في باكستان.
وقال مسؤولان حكوميان هنديان، رفضا الكشف عن هويتيهما نظراً لمناقشة موضوع حساس، إن البلاد قد تبدأ خلال أشهر في تحويل المياه إلى مزارعها باستخدام القنوات بينما تخطط لبناء سدود كهرومائية قد يستغرق الانتهاء منها ما بين 4 إلى 7 سنوات.
وقال كوشفيندر فوهرا، رئيس لجنة المياه المركزية الهندية الذي تقاعد في الآونة الأخيرة، إن الهند ستتوقف على الفور عن تبادل البيانات مثل التدفقات المائية في مواقع مختلفة من الأنهار التي تتدفق عبر الهند، وستمتنع عن إصدار تحذيرات من الفيضانات وتتخطى الاجتماعات السنوية في إطار لجنة نهر السند الدائمة التي يرأسها مسؤول واحد من كل من البلدين.
وأضاف فوهرا، الذي كان يشغل أيضاً منصب مفوض نهر السند في الهند ويقدم الآن المشورة للحكومة من حين لآخر: "لن يكون بحوزتهم الكثير من المعلومات بشأن موعد وصول المياه، أو كمية المياه التي ستصل"، مشيراً إلى أنه "بدون المعلومات، لا يستطيعون التخطيط".
ولا يقتصر الأمر على الزراعة فحسب، بل إن نقص المياه سيؤثر أيضاً على توليد الكهرباء، ويقول خبراء اقتصاد إن هذا قد يؤدي إلى شلل الاقتصاد.
وقال وقار أحمد، الخبير الاقتصادي ورئيس فريق العمل بشركة "أوكسفورد بوليسي ماندجمنت" البريطانية، إن باكستان قللت من شأن التهديد المتمثل في انسحاب الهند من المعاهدة.
وأضاف أن "الهند لا تملك البنية الأساسية اللازمة لوقف تدفقات المياه، خاصة خلال أوقات الفيضانات، لذا فإن هذه الفترة توفر فرصة حاسمة لباكستان لمعالجة عدم الكفاءة في قطاع المياه لديها".
وتتقاسم الهند وباكستان بموجب معاهدة مياه نهر السند 6 أنهار؛ تم تخصيص مياه الأنهار الشرقية (سوتليج وبيس ورافي) للهند، في حين أن الأنهار الغربية الثلاثة (السند وجهيلوم وشيناب) تذهب إلى باكستان.
نزاعات التشغيل
في السنوات القليلة الماضية، سعت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى إعادة التفاوض على المعاهدة، وحاولت الدولتان تسوية بعض خلافاتهما في المحكمة الدائمة للتحكيم في لاهاي بشأن حجم منطقة تخزين المياه في محطتي كيشينجانجا وراتل للطاقة الكهرومائية.
وقال فوهرا: "يمكننا الآن متابعة مشاريعنا بإرادتنا الحرة".
وفي رسالة، الخميس، أبلغت الهند باكستان أن الظروف تغيرت منذ توقيع المعاهدة، بما في ذلك الزيادة السكانية والحاجة إلى مصادر طاقة أكثر نظافة، في إشارة إلى الطاقة الكهرومائية.
وقال متحدث باسم البنك الدولي إن البنك "وقع على المعاهدة لمجموعة محدودة من المهام المحددة"، وإنه "لا يبدي رأيه في القرارات السيادية المتعلقة بالمعاهدة التي تتخذها الدول الأعضاء".
وقال نديم شاه، الذي يملك مزرعة مساحتها 150 فداناً في السند يزرع فيها القطن وقصب السكر والقمح والخضروات، إنه يشعر بالقلق أيضاً بشأن مياه الشرب، مضيفاً: "لدينا ثقة في الله، ولكن هناك مخاوف بشأن تصرفات الهند".
وتروي الأنهار الثلاثة المخصصة لباكستان، وهي دولة يبلغ عدد سكانها 240 مليون نسمة، أكثر من 16 مليون هكتار من الأراضي الزراعية، أو ما يصل إلى 80% من إجمالي الأراضي الزراعية.