
تبدو الرياض ومسقط بصدد إعادة رسم العلاقات الاستراتيجية صوب تعميق الارتباط بين الجانبين، وأفادت مصادر "الشرق" في الرياض بأن النية تتجه لتعزيز مختلف مناحي التعاون؛ لأجل رسوخ ما سمّاه مصدر في الرياض "وحدة المصير المشترك بين البلدين"، وهي الرسالة التي يسعى اللقاء المرتقب، الأحد، في "نيوم" شمال غربي السعودية، إلى تعزيزه.
ولا يمكن وضع عنوان منفرد لهذه القمة التي تجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بسلطان عُمان هيثم بن طارق بن سعيد، وتبحث ملفات عديدة.
مسارات الزيارة
تعتبر هذه أول زيارة خارجية للسلطان هيثم بن طارق بن سعيد، منذ تسلّمه مقاليد الحكم في يناير 2020، ويعد اختياره السعودية وجهةً أولى له تأكيداً عُمانياً على ما تعتبره مسقط أهميةً حيوية بالنسبة لها.
وقال مصدر مقرّب في الرياض لـ"الشرق" إن "السلطنة والسعودية بثقليهما السياسي والاقتصادي والعسكري إقليمياً ودولياً تمثلان صمام أمان لمنطقة الخليج".
وتذهب الصحافة العُمانية إلى أن هذه الزيارة تأتي ضمن سياق توثيق العلاقات المتينة بين الرياض ومسقط، والتي تشمل مختلف المجالات، إلى جانب التنسيق المشترك في إدارة الملفات والقضايا ذات الطبيعة الاستراتيجية، مثل "الملف النووي الإيراني"، و"الأزمة اليمنية"، و"تداعيات الانسحاب الأمريكي من المنطقة"، وسبل تفعيل "مجلس التعاون الخليجي" و"القضية الفلسطينية" والتطورات المرتبطة بها.
محطات تاريخية
زيارة السلطان هيثم بن طارق بن سعيد تعود بالذاكرة السياسية الخليجية إلى أول زيارة خارجية للسلطان الراحل قابوس بن سعيد، بعد توليه زمام الحكم في السلطنة (23 يوليو 1970)، حيث كانت وجهته إلى العاصمة السعودية الرياض، وذلك في سبعينيات القرن الماضي (ديسمبر 1971)؛ تلبية لدعوة تلقاها من الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز، أعقبتها عدة زيارات عززت من التعاون السعودي العُماني المشترك، وتكللت بتوقيع اتفاقية الحدود بين البلدين عام 1990 في حفر الباطن.
وتتواصل الجهود العمانية بالتنسيق مع الحكومة السعودية، للتعامل مع الملف اليمني من خلال الاتصالات الأخيرة بين مسقط وجماعة الحوثي لأجل الدخول في حوار سياسي مع الحكومة اليمنية الشرعية، والقبول باتفاقية الرياض لإنهاء الحرب في اليمن.
تعاون اقتصادي استراتيجي
وبلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية والسلطنة بنهاية عام 2020 نحو 3.36 مليار دولار، وارتفع خلال الربع الأول من 2021 إلى 2.15 مليار دولار، وتستحوذ عُمان على 10% من صادرات السعودية إلى دول مجلس التعاون الخليجي، بينما تعمل عُمان على تقديم التسهيلات للمستثمرين السعوديين، عبر منحهم تأشيرات إقامة طويلة الأجل تصل إلى 5 أو 10 سنوات، ومن المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في سبتمبر المقبل.
وتعمل السعودية وعُمان على استكمال مشروع المنفذ البري الذي يربط الرياض بمسقط مخترقاً صحراء الربع الخالي بمسافة 680 كيلومتراً، ويختصر نحو 800 كيلومتر من زمن الرحلة، ويبدأ الطريق من البطحاء، وحقل شيبه النفطي حتى يصل إلى السلطنة، وهو الطريق الوحيد الذي يربط بين البلدين، وبلغت تكلفته 945 مليون ريال، ومن المتوقع أن يفتح الباب أمام زيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري، بجانب سهولة تبادل حركة البضائع ووصولها إلى موانئ السعودية على البحر الأحمر والخليج العربي، وموانئ عُمان على بحر العرب، كما يمكن ربط المناطق الصناعية السعودية بالدقم وميناء صلالة في عمان.
ويراهن الطرفان على تعاون وتنمية مشتركة في مجالات القطاع السياحي، والخدمات اللوجستية والصناعات، حيث تستفيد السلطنة من تجربة السعودية في استغلال موقعها الاستراتيجي، وتأسيسها للمناطق الاقتصادية والموانئ.
وعلمت "الشرق" أن الجانبين بصدد تأسيس مجلس للتنسيق السعودي العُماني، ووضع رؤية مشتركة لاستدامة العلاقات بينهما، وتتجه السلطنة -وفق مصادر "الشرق" في مسقط- إلى الالتحاق بمبادرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان "الشرق الأوسط الأخضر" لمكافحة التغير المناخي.




