"الرفيق ترمب يبني الصين".. ضغوط الرئيس الأميركي تعزز نفوذ شي جين بينج

الرسوم الجمركية تطلق موجة من "الدعم القومي" لصالح بكين

time reading iconدقائق القراءة - 12
الرئيس الصيني شي جين بينج يلوح بعد خطابه في المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في بكين. 23 أكتوبر 2022 - Reuters
الرئيس الصيني شي جين بينج يلوح بعد خطابه في المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في بكين. 23 أكتوبر 2022 - Reuters
دبي -الشرق

واجه الرئيس الصيني شي جين بينج على مدى الأعوام الماضية، شكوكاً واستياءً متزايديْن داخل الصين، بسبب الإغلاقات الصارمة المرتبطة بجائحة فيروس كورونا وتباطؤ الاقتصاد، والهجمات التي استهدفت رواد الأعمال، إلا أن نظيره الأميركي دونالد ترمب قدم له "هدية" لحشد التأييد والدعم الداخلي، حسبما أوردت "بلومبرغ".

وتجتاح الصين في الوقت الحالي موجة جديدة، لكنها هذه المرة تصب في مصلحة شي، الذي واجه في عام 2022 احتجاجات "نادرة ومتزامنة" في الشوارع ضد سياساته المتعلقة بـ"كوفيد"، ما دفع الرئيس الصيني إلى إنهاء أشد تدابير احتواء الفيروس صرامة في العالم بشكل مفاجئ.

وأظهرت مقابلات أُجريت مع عشرات الأشخاص داخل الصين، من دوائر الأعمال والحكومة، أن هناك "إجماعاً قوياً" يتبلور للتصدي بقوة لخطوة ترمب المتعلق برفع الرسوم الجمركية على العديد من السلع الصينية إلى 145%، وهو مستوى يهدد فعلياً بالقضاء على التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم. 

ويتحد خلف الرئيس الصيني كل من المستثمرين الماليين، والمصنعين في المناطق الساحلية الشرقية، وصناع السياسات في مختلف الإدارات، وحتى الفصائل النخبوية التي خسرت نفوذها بسبب توسع سلطته، بل حتى المنتقدون المعتادون ورجال الأعمال الذين تضرروا من سياساته في السنوات الأخيرة، يريدون منه أن يصمد في مواجهة هذا الهجوم الاقتصادي غير المسبوق.

الرأي العام.. عامل حاسم

ويشكل الرأي العام عاملاً حاسماً في المواجهة القائمة بين الولايات المتحدة والصين، والتي تحمل تداعيات عميقة على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية، بعدما رفع ترمب الرسوم الجمركية إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من قرن.

ورغم أن كلا البلدين سيتكبدان خسائر، فإن المخاطر تبدو أكبر بكثير بالنسبة للصين، إذ من المرجح أن تتجاوز أي تسوية مسألة الرسوم الجمركية، لتؤثر على صعود البلاد اقتصادياً ونفوذها العالمي لعقود مقبلة.

وتبدي الصين انفتاحاً على الحوار، لكن المسؤولين في بكين لا يعرفون بوضوح ما الذي يريده ترمب، ويتخوفون من وضع شي في موقف غير متوقع قد يُظهره بمظهر الضعيف.

كما يخشى المسؤولون الصينيون، من تقديم أي تنازلات، قد تؤدي إلى فرض الرئيس الأميركي المزيد من المطالب، إذ يستطيع التهديد برفع أو خفض الرسوم، حسبما تقتضي مصلحته.

وكرر ترمب دعواته لشي للاتصال به والتوصل إلى صفقة، معتقداً أن الرسوم المرتفعة ستجبره على الرضوخ، لكن النتيجة كانت إطلاق "موجة قومية"، منحت الزعيم الأقوى منذ ماو تسي تونج (مؤسس جمهورية الصين الحديثة)، مجالاً للتمسك بموقفه.

وقال سكوت كينيدي، الخبير في الشؤون الصينية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن: "بالنسبة لترمب، هذه حرب تجارية لإظهار قوته. أما بالنسبة للصين، فهي معركة وجودية".

وقد عززت طريقة حساب ترمب للرسوم الجمركية بناءً على العجز التجاري فقط، ومحاولاته لإقناع دول أخرى باتخاذ إجراءات ضد بكين، المخاوف من أن إدارته تسعى ببساطة إلى احتواء صعود الصين وضمان فوز الولايات المتحدة "بأي ثمن".

وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي، جيمس هيويت: "إدارة ترمب أوضحت أنها لن تتسامح مع تدفق مادة الفنتانيل القادمة من الصين والممارسات التجارية غير العادلة التي تضر بالشعب الأميركي. يجب على الصين أن تتعاون معنا بنية حسنة، أو تخاطر بخسارة الوصول إلى أكبر سوق في العالم".

لكن حكومة شي تثق بقدرتها على ضخ حوافز كافية للتخفيف من أسوأ آثار الأزمة، بفضل سيطرتها المحكمة على الاقتصاد وقدرتها على احتواء أي اضطرابات.

ضغوط ترمب وفرصة شي

في المقابل، يواجه ترمب ضغوطاً متزايدة للتراجع من داعميه في بورصة "وول ستريت" وحتى من بعض المشرعين الجمهوريين القلقين من خسارة مقاعدهم، حال تباطأ الاقتصاد وارتفعت الأسعار. 

وقد أوقف بالفعل فرض الرسوم العقابية على معظم دول العالم، ووضع استثناءات رئيسية على الرسوم المفروضة على الصين.

وفي المدى القصير، توفر لحظة القومية الصينية متنفساً لشي، لإيجاد حلول لاقتصاد كان يعاني بالفعل من أزمة عقارية وتباطؤ انكماشي قبل فرض الرسوم، ما أدى إلى تصاعد السخط الاجتماعي.

بدورها، تقدر "بلومبرغ إيكونوميكس" أن تمحو الرسوم الجمركية بمستوياتها الحالية أكثر من 80% من صادرات الصين إلى الولايات المتحدة، وتقتطع نقطتين مئويتين من الناتج المحلي الإجمالي، حال لم تتمكن المصانع من إيجاد أسواق بديلة.

في الإطار، قال رانا ميتر، أستاذ العلاقات الأميركية الآسيوية في جامعة هارفارد: "معظم الأمور التي كان يتعين على الحكومة الصينية تبريرها أو تفسيرها في سياق الظروف الاقتصادية الصعبة، بات بإمكانها الآن أن تلقي باللوم فيها على فرض الرسوم، حتى وإن لم تكن الرسوم السبب الحقيقي".

لكن على المدى الطويل، تسهم تحركات ترمب في تعزيز حجة شي للبقاء في السلطة وتحقيق ما يسميه "الحلم الصيني للنهضة الكبرى للأمة الصينية"، بما يشمل المضي قدماً في "طريق صيني نحو التحديث" واستعادة أراضٍ، مثل تايوان، فقدتها الصين خلال ما يُعرف بـ"قرن الإذلال" حين سيطرت القوات الاستعمارية على موانئها، مثل شنغهاي وهونج كونج.

وأرسل ترمب، من خلال تغيير موقفه من أوكرانيا واقتراحه أن تدفع تايوان "رسوماً تأمينية" للحماية، رسالة لبكين مفادها أن الولايات المتحدة لن تندفع للتدخل في أزمة عبر المضيق. 

وبعيداً عن آسيا، أدى إغلاق إدارة ترمب للوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، إلى حرمان واشنطن من أداة رئيسية للتأثير على الدول الناشئة التي تدرس الانضمام لمبادرة الحزام والطريق الصينية، كما أن محاولات إغلاق إذاعة Voice of America تهدد بترك الساحة الإعلامية للدعاية الصينية المتطورة.

صعود الصين وانهيار أميركا

وفي تحليل لخطابات رسمية وتقارير صحافية ومتابعة لما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة، وجدت "بلومبرغ إيكونوميكس"، أن العديد من الصينيين يعتقدون أن لحظة الصين قد حانت، بينما تتجه الولايات المتحدة نحو الانحدار.

وعلى الإنترنت الصيني، تنتشر عبارة "الرفيق ترمب يبني الصين" للسخرية من تأثير سياساته على بلاده، فيما شبّه البعض هجماته "الفوضوية" على الحكومة الأميركية بالثورة الثقافية التي قادها ماو تسي تونج لتدمير المؤسسات الرسمية.

وفي الأسابيع الأخيرة، اجتاحت الصين موجة من الرسوم الساخرة والصور المُنشأة بالذكاء الاصطناعي على منصات مثل "وي تشات" و"شياوهونجشو" و"تيك توك"، تصور أميركيين يعانون من زيادة الوزن وهم يعملون في مصانع لتجميع أجهزة "آيفون"، وتروج لرواية تُظهر الولايات المتحدة داعمة للعنف ضد صين "مزدهرة وسلمية".

وقالت "بلومبرغ"، إن التنبؤ بانهيار أميركا كان "خطأً متكرراً" عبر السنين، ففي عام 1991، كتب وانج هونينج، وكان حينها أستاذاً بجامعة فودان في شنغهاي، أن المجتمع الأميركي "القائم على الفردية واللذة والديمقراطية يخسر بوضوح أمام نظام يقوم على الجماعية وإنكار الذات والسلطوية".

وكان وانج آنذاك يكتب عن التنافس الأميركي مع اليابان، التي عانت لاحقاً من ركود طويل أدى إلى تجاوز اقتصادها من قبل الصين وألمانيا، إلا أن كلمات وانج لا تزال تردد حتى اليوم، فبعد فوز ترمب في انتخابات 2016، قفز الطلب على كتابه "أميركا ضد أميركا" حتى بلغ سعر النسخة 2900 دولار.

وفي عام 2017، رقّى شي، وانج، إلى عضوية اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، ليصبح واحداً من بين 7 أشخاص هم الأكثر نفوذاً في الصين، وفي وقت لاحق من العام نفسه، قال شي إن "الأمة الصينية تقف شامخة في شرق العالم".

ومع تصعيد ترمب الحرب التجارية وتحويل الرأي العام العالمي ضد الصين، تعرض شي لبعض الانتقادات الداخلية على خلفية تخليه عن سياسة "اخفِ قوتك وانتظر وقتك" التي انتهجها الرئيس الأسبق دنج شياو بينج ( شغل منصب رئيس الصين في الفترة بين عاميْ 1978 و1989) والتي كانت تهدف إلى الحفاظ على مكانة دولية منخفضة أثناء بناء القوة سراً. وحذر بعض الأصوات في الصين، بما في ذلك نجل دنج، من أن الحكومة الصينية قد تجذب انتباهاً مبكراً للغاية إلى صعودها.

سياسات داعمة

في السياق، سارعت شركات الإنترنت الصينية العملاقة، من مجموعة "علي بابا" القابضة المحدودة إلى JD.com Inc وPDD Holdings Inc، إلى طرح سياسات لدعم المصدرين المحليين. 

وخفّضت منصة "تاوباو تي مول" التابعة لـ "علي بابا" رسوم المنصة ورسوم الترويج للبضائع، وتُنظّم حملات تسويقية أسبوعية موجهة نحو التصدير، فيما تخطط شركة JD.com لشراء منتجات موجهة للتصدير بقيمة لا تقل عن 200 مليار يوان خلال عام واحد لإعادة بيعها في السوق المحلية.

وقوضت التعريفات الجمركية التي فرضها ترمب الاستراتيجية التي اتبعتها إدارته خلال ولايته الأولى، ففي عام 2020، ألقى وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو خطاباً قال فيه إن "الحزب الشيوعي لا يمثل سكان الصين البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة"، ودعا العالم إلى "دعم المعارضين الصينيين في الوقوف في وجه حكومة شي".

لكن هذه المرة، اقترن الضغط على الصين لتقديم تنازلات بتصريحات مهينة من أمثال نائب الرئيس جي دي فانس، الذي شوه سمعة مواطني البلاد ووصفهم بـ"الفلاحين الصينيين". 

والأفضل من ذلك بالنسبة لشي، أن ترمب فرض أيضاً رسوماً باهظة على حلفاء الولايات المتحدة وشركاء الصين التجاريين الرئيسيين في آسيا، ما سمح لبكين بتصوير نفسها كمدافع عن التجارة الحرة وتضييق خيارات الشركات للانتقال من البر الرئيسي.

ويواجه شي مجموعة من المشكلات الأخرى، وإضافة إلى التعامل مع رسوم ترمب الجمركية، وضعف الإنفاق الاستهلاكي، والانهيار البطيء في قطاع العقارات، لا تزال الصين متأخرة عن الولايات المتحدة في تطوير رقائقها المتطورة اللازمة للذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات التي ستدفع النمو المستقبلي.

وأفادت التقارير بأن التطهير العسكري الجاري امتد ليشمل هي ويدونج، ثالث أعلى عضو في جيش التحرير الشعبي، والذي يجلس أيضاً في المكتب السياسي المكون من 24 عضواً. 

وأطاحت التحقيقات بالفعل بعضوين من اللجنة العسكرية المركزية النافذة، بالإضافة إلى وزيري الدفاع السابقين، ما أثار تساؤلات حول مدى ثقة شي بالجيش.

علاوة على ذلك، بدأ التنافس على المناصب استعداداً للمؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي في 2027. ومع بلوغ شي سن 71 عاماً، قد يجد نفسه تحت ضغط متزايد لتسمية خليفة له، لأن أفضل سيناريو له هو أن يتمكن من تجاوز هذه العاصفة، وبناء صين أكثر مرونة وأكثر تكاملاً مع بقية العالم، والبدء في تحقيق بعض الاختراقات التكنولوجية. 

ويشمل ذلك البناء على النجاح الأخير لشركة DeepSeek، التي أظهرت كيف يمكن للصين أن تتقدم على الرغم من القيود التكنولوجية الأميركية.

تصنيفات

قصص قد تهمك