
حذرت منظمات إغاثة من تصاعد عمليات نهب للمساعدات في غزة جرّاء الحصار الإسرائيلي "غير المحتمل" على القطاع والذي دام أكثر من شهرين، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية.
ونقلت الوكالة عن مصادر محلية وعاملين في مجال الإغاثة قولهم إن جماعات مسلحة وأشخاصاً آخرين نهبوا مستودعات إمدادات في شمال غزة.
وذكرت "أسوشيتد برس" أنها اطلعت على رسائل متداولة بين مسؤولين أمنيين لدى منظمات الإغاثة، بالإضافة إلى شهادات من شهود عيان ومنظمات في غزة، تفيد بأن عمليات النهب بدأت، الأربعاء، من قبل أشخاص مجهولين، بعضهم مسلحون وآخرون غير مسلحين.
وأوضحت أن هؤلاء الأشخاص اقتحموا مستودعات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات إغاثة، بالإضافة إلى مستودعات تجارية، ومخابز، ومتاجر ومحال.
ومنعت إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة منذ مطلع مارس الماضي، قبل إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفضه استكمال اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، مما دفع أكثر من مليوني نسمة إلى ما يُعتقد أنه أسوأ أزمة إنسانية منذ نحو 19 شهراً من الحرب.
"حرمان لا يحتمل"
وبينما وقعت حوادث نهب من قبل عصابات مسلحة طوال مدة الحرب، يقول عمال الإغاثة إن حوادث هذا الأسبوع "تمثل تصعيداً، إذ أصبحت أقل تنظيماً وامتدت إلى المناطق الحضرية".
وأشارت منظمات الإغاثة إلى أن السكان المدنيين في غزة يواجهون خطر المجاعة، وهناك قلق من أن يؤدي اليأس إلى انهيار القانون والنظام.
وقال عامل إغاثة، طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، إن أعمال النهب في مدينة غزة بدأت، مساء الأربعاء، بعد تقارير تفيد بدخول شاحنات مساعدات إلى الشمال من الجنوب.
وتحدث تقرير أمني تم تداوله بين وكالات الإغاثة تلك الليلة (مساء الأربعاء) عن اقتحام مجموعة مسلحة لمخبز، بدافع إشاعات عن وجود مخزون من المواد الغذائية. لكنه كان فارغاً، فانتقلت المجموعة إلى مطبخ خيري تابع لمنظمة إغاثة دولية في مخيم الشاطئ ونهبته، بحسب التقرير.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) إن موظفيها تم إجلاؤهم بأمان، الأربعاء، بعد أن اقتحم آلاف الفلسطينيين مكتبها الميداني في مدينة غزة وأخذوا أدوية.
ووصفت لويز ووتريدج، مسؤولة الطوارئ البارزة في الأونروا، أعمال النهب بأنها "نتيجة مباشرة للحرمان الذي لا يُحتمل والمستمر".
"عصابات منظمة"
واستمرت أعمال النهب حتى ليلة الجمعة. وأفاد ثلاثة شهود عيان لوكالة "أسوشيتد برس" بأن عشرات المسلحين اقتحموا مستودعين تابعين للأمم المتحدة، متجاوزين الشرطة والحراس المحليين المكلفين بحمايتها.
وقال أحمد أبو عواد، وهو من سكان غرب مدينة غزة، حيث وقعت بعض أعمال النهب: "كانت هناك عصابات منظمة".
وأضاف شاهد آخر، يحيى يوسف، أنه شاهد عشرات المسلحين في شوارع غرب مدينة غزة وهم يخوضون اشتباكات بالأسلحة النارية لليلتين متتاليتين مع رجال الشرطة والحراس المكلفين بحماية منشآت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة.
وقال الرجلان إن طائرات مسيرة ومقاتلات إسرائيلية كانت تحلق في المنطقة أثناء حدوث أعمال النهب.
"مؤامرة خبيثة"
وأدانت عائلة النجار، وهي من أبرز العائلات في مدينة غزة، أعمال النهب ودعت إلى احترام وحماية الممتلكات العامة والخاصة. وقالت في بيان: "نرفض بشكل قاطع الفوضى التي تضر بمصالح الوطن والمواطنين".
وقالت حركة "حماس"، في بيان، السبت، إن "الموقف الشعبي الأصيل (...) في مواجهة أعمال النهب واللصوصية التي تُدار وتُحرك من أجهزة العدو (...) شكّل أحد مظاهر وحدة الجبهة الداخلية وصمودها في وجه مؤامرة خبيثة تستهدف القطاع من داخله".
وتابعت: "نُثمّن دور العائلات والعشائر في رفع الغطاء عن كل خارج عن القانون، وفي الدعوة لتشكيل لجان مجتمعية مساندة لحماية الأمن، والتصدي لمحاولات الاحتلال إغراق القطاع في الفوضى، عبر مجموعات مأجورة ومُوجّهة تعمل تحت غطاء طيران ومُسيَّرات العدو".
وتزعم إسرائيل أن الحصار وحملتها العسكرية المتجددة تهدفان إلى الضغط على "حماس" لإطلاق سراح 59 محتجزاً، ونزع سلاح الحركة.
وكان المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد حذر في وقت سابق من أن تجويع المدنيين كتكتيك عسكري يُعد جريمة حرب.
نشر الفوضى والرعب
وقالت وزارة داخلية غزة، في بيان، السبت، إن "فئة خارجة على القانون من عملاء الاحتلال، والعابثين تهدد حياة المواطنين، وتعمل على نشر الفوضى والرعب في بعض المناطق والأحياء، والقيام بالتهجم والسطو على محال وممتلكات عامة وخاصة، مستغلين بذلك حالة الاستهداف المركزة من قبل الاحتلال للمنظومة الأمنية والشرطية".
وذكرت أن قوة تأمين تابعة لها تعرضت لاستهداف مباشر من طائرات الجيش الإسرائيلي، مساء الجمعة، أثناء ملاحقة مرتكبي عمليات النهب في مدينة غزة، ما أودى بحياة ضابط شرطة وطفل وإصابة عدد آخر من القوة الأمنية والمواطنين.
وأضافت أن "استهداف الاحتلال المتواصل لعناصر التأمين يعكس حجم المؤامرة التي تدبر ضد شعبنا في قطاع غزة، ويكشف حجم التواطؤ من قبل فئة من العملاء الخارجين عن الوطنية والانتماء لهذا الشعب العظيم".
وقال الجيش الإسرائيلي لوكالة "أسوشيتد برس" إنه لا يستطيع التعليق على الضربة دون تزويده بإحداثيات دقيقة لموقع الحادث.
حظر تجول
ونقلت الوكالة عن وزارة الداخلية في غزة، السبت، قولها إنها قتلت 6 من المتورطين في عمليات النهب وأصابت 13 آخرين برصاص في الأرجل خلال اليومين الماضيين.
وذكرت "أشوشيتد برس" أن الوزارة فرضت حظر تجول بدأ الجمعة في بعض الشوارع الرئيسية بمدينة غزة.
واستمرت الغارات الإسرائيلية على غزة، ليل الجمعة، ما أودى بحياة ما لا يقل عن 17 شخصاً، بينهم أطفال، في مدينة خان يونس جنوب القطاع، بحسب سجلات المستشفى. وكان من بين الضحايا 11 فرداً من عائلة واحدة.
وذكرت وزارة الصحة في غزة أن إسرائيل قتلت 77 فلسطينياً وأصابت 275 آخرون خلال آخر 48 ساعة، مشيرة إلى أنه لا زال عدداً من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
وأوضحت الوزارة أن حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع ارتفعت إلى 52 ألفاً و495 فلسطينياً وإصابة 118 ألفاً و366 آخرين منذ السابع من أكتوبرعام 2023.