خطة إسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة بالتعاون مع شركات أمنية أميركية

الأمم المتحدة: تل أبيب تهدف للسيطرة على المواد الحيوية كأداة ضغط عسكري

time reading iconدقائق القراءة - 10
فلسطينيون ينتظرون الحصول على طعام من مطبخ خيري في بيت لاهيا شمال قطاع غزة. 28 أبريل 2025 - REUTERS
فلسطينيون ينتظرون الحصول على طعام من مطبخ خيري في بيت لاهيا شمال قطاع غزة. 28 أبريل 2025 - REUTERS
دبي -الشرق

تسعى إسرائيل إلى فرض سيطرة مشددة على توزيع المساعدات الإنسانية داخل غزة، وتقييد العملية بشدة، عبر خطة تقترح التنفيذ عبر "مراكز توزيع" بالتعاون مع شركات أمنية أميركية خاصة، في خطوة تعد شرطاً لرفع حصارها المستمر منذ شهرين على القطاع، وفقاً لما نقلته صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، وعاملين في مجال الإغاثة، ومصادر مطلعة على الخطة.

وبحسب المصادر، قدّم مسؤولون عسكريون إسرائيلييون ما وصفوه بـ "المقترح غير القابل للتفاوض" إلى كبار ممثلي الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية في تل أبيب، الجمعة، فيما بدا أنه "محاولة أخيرة لإقناع تلك الجهات المُترددة في المشاركة".

وبموجب الخطة المقترحة، ستسمح إسرائيل بدخول نحو 60 شاحنة محملة بالمواد الغذائية الأساسية والمستلزمات المنزلية إلى غزة يومياً، وهو ما يمثل عُشر الكمية التي كانت تدخل القطاع خلال فترة وقف إطلاق النار التي استمرت 6 أسابيع وانتهت في أوائل مارس الماضي.

وقالت الصحيفة إنه سيتم تفتيش الشاحنات التي ستتجه من إسرائيل إلى جنوب غزة من قبل الجيش الإسرائيلي عند معبر كرم أبو سالم، وبمجرد دخولها القطاع، ستتجه إلى مراكز توزيع تحددها إسرائيل في الجنوب وتؤمنها شركات أمنية أميركية خاصة، حيث ستوفر هذه الشركات الحماية داخل المراكز وفي محيطها، في حين سيتولى موظفو منظمات الإغاثة غير الحكومية جميع عمليات التوزيع، والتواصل المباشر مع الفلسطينيين.

مسح وجوه المستفيدين

وستقتصر الخطة في البداية على توزيع المساعدات في 6 مراكز في جنوب القطاع المكتظ بالسكان، والذي دمره القصف الإسرائيلي خلال أكثر من 18 شهراً من الحرب، وفي حال نجاح هذا النموذج، فقد يتم توسيعه ليشمل شمال ووسط غزة، وفقاً لشخص مطلع على تفكير تل أبيب.

وسيخدم كل مركز ما بين 5-6 آلاف أسرة، وسيتسلم ممثلو هذه الأسر طرداً يزن 44 رطلاً (حوالي 20 كيلوجراماً) من المواد الغذائية ومستلزمات النظافة كل أسبوعين، بحسب أحد العاملين في منظمات الإغاثة الدولية، فيما أفاد شخص آخر مطلع على الخطة بأنه سيتم تسليم المساعدات أسبوعياً، وسيتم استخدام تقنية التعرف على الوجوه لتحديد هوية المستفيدين، بينما سيستمر توزيع الوقود والمياه وفق النظام السابق.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول عسكري إسرائيلي سابق، شارك في التخطيط الأولي للمقترح منذ أشهر، قوله: "لقد وضعنا خطة تشغيلية كاملة لكيفية إيصال المساعدات المطلوبة، الكمية الدقيقة المطلوبة بالضبط وليس أكثر، إلى أيدي سكان غزة مباشرة، والتأكد من عدم وصولها إلى حركة حماس".

لكن لم يتضح كيف حسبت السلطات الإسرائيلية هذه "الكمية الدقيقة"، إذ تقول منظمات الإغاثة إن ما يُقترح إدخاله أقل بكثير مما هو مطلوب لدعم نحو مليوني فلسطيني في غزة.  

"مزحة إسرائيلية"

وقال رئيس إحدى المنظمات غير الربحية الدولية العاملة في غزة: "إنها مزحة، إدخال 60 شاحنة يومياً فقط هو مجرد تكتيك من جانب إسرائيل لتخفيف الضغط الدولي، وليس جهداً حقيقياً لمعالجة الأزمة الإنسانية في غزة".

وقد حذّر العديد من الأشخاص من أن الفجوة بين حجم الإمدادات المتاحة والحاجة الفعلية ستؤدي إلى اندلاع أعمال عنف حول مراكز التوزيع.

وذكرت "واشنطن بوست" أن جزء من تمويل الخطة، بما في ذلك التعاقد مع الشركات الأمنية الخاصة، سيتم عبر "مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي منظمة غير ربحية جديدة مسجلة في سويسرا، أنشئت عقب مشاورات بين حكومات وقادة في مجال الإغاثة الدولية يعملون على حل الأزمة الإنسانية في غزة، وفقاً لأشخاص مطلعين على عمل المنظمة، لكنهم رفضوا تقديم مزيد من التفاصيل حول هذه الحكومات أو الجهات التي نظمت أو شاركت في تمويل المنظمة أو نطاق أنشطتها.

"الهدف هو احتلال غزة"

وكان القادة العسكريون الإسرائيليون قد عرضوا نسخة أولية من الخطة على وكالات الإغاثة في فبراير ومارس الماضيين، لكنها واجهت اعتراضات من الأمم المتحدة وجهات دولية أخرى، كما أثارت الجدل داخل مجلس الوزراء الأمني ​​الإسرائيلي بشأن دور الجيش في العملية.

وقال مايكل ميلشتاين، المستشار السابق للشؤون الفلسطينية في الجيش الإسرائيلي إن "الهدف الأساسي هو احتلال غزة بأكملها لإنشاء إدارة مدنية أو نظام عسكري فيها، وتوزيع المساعدات يمثل الخطوة الأولى نحو هذا المسار".

لكن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، أبلغ مجلس الوزراء الأمني أن الجيش "غير مستعد أو راغب" في تحمل هذه المسؤولية، حسبما أفاد ميلشتاين، وذلك بسبب مخاوف من توسع نطاق المهمة، والضغط على قوات الجيش المنهكة بالفعل.

ووفقاً للصحيفة، فإنه من المتوقع أن يتم التعاقد مع شركتين أمنيتين أميركيتين، هما Safe Reach Solutions وUG Solutions، لتولي إدارة الأمور اللوجستية وتوفير الأمن على طول ممرات التوزيع الأولية وداخل المراكز وفي محيطها.

وقد قامت الشركتان بتجهيز نقطة تفتيش للمركبات على طول طريق رئيسي بين الشمال والجنوب في غزة خلال فترة وقف إطلاق النار. 

ومن المتوقع أن تتولى شركة Safe Reach Solutions، التي يرأسها الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، فيل رايلي، التخطيط والخدمات اللوجستية.  

أما العمليات الأمنية الميدانية فستُعهد إلى شركة UG Solutions، التي يرأسها جيمسون جوفوني، وهو جندي سابق في القوات الخاصة في الجيش الأميركي (القبعات الخضراء)، وسيكون أفراد الأمن مسلحين، ولديهم وسائل حماية ذاتية، لكن لن تكون لديهم سُلطة اعتقال. 

ورفض المتحدثون باسم الشركتين الرد على طلب الصحيفة الحصول على تعليق. 

موجة نزوح

ورأت "واشنطن بوست" أن هذه الخطة ستحد من قدرة وكالات الأمم المتحدة، مثل برنامج الأغذية العالمي ومنظمات الإغاثة الدولية، على العمل داخل غزة، رغم أن إسرائيل لا تزال تأمل في إقناعهم بالانضمام إلى المشروع.

وتلتزم العديد من المنظمات الإنسانية بقواعد تُلزمها بتقديم المساعدات بشكل حيادي، أينما وُجدت الحاجة، دون تدخل أي جهات مسلحة من أي من الجانبين.

وفي مقابلات مع الصحيفة، أعرب ممثلو 10 منظمات إغاثة دولية كبرى تعمل في غزة عن مخاوف بشأن الخطة الإسرائيلية، بما في ذلك أن حصر توزيع المساعدات على عدد قليل من المراكز في جنوب القطاع سيكون تمييزياً، وسيؤدي إلى موجة جديدة من النزوح.

ويقول بعض العاملين في مجال الإغاثة إن الخطة كما حددتها إسرائيل غير قابلة للتنفيذ من الناحية اللوجيستية، مشيرين إلى أنه من غير الواقعي أن يتمكن حتى الشخص السليم من المشي لمسافات طويلة حاملاً طرد مساعدات كبير بما يكفي لإعالة أسرة لأسابيع. 

وفي رسالة موحدة موجهة إلى الحكومات الغربية، رفضت نحو 20 منظمة إنسانية المشاركة في تنفيذ الخطة، محذرة من أنها تمثل خرقاً للقانون الدولي، وأن أي مشاركة من الأمم المتحدة أو حكومات أخرى في تنفيذها "قد يجعلها عرضة للمساءلة القانونية عن جرائم حرب".

رفض أممي

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش قد أكد أن المنظمة لن تدعم هذه الخطة المقترحة، قائلاً إنها "لا تحترم المبادئ الإنسانية بشكل كامل".

وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأحد، إن إسرائيل تسعى لإجبار منظمات الإغاثة في قطاع غزة على إيصال المساعدات عبر مراكز توزيع خاضعة للإشراف الإسرائيلي، في حال وافقت الحكومة على إعادة فتح المعابر.

وقال المكتب الأممي في بيان، الأحد، "لأكثر من 9 أسابيع، منعت السلطات الإسرائيلية دخول أي إمدادات إلى قطاع غزة، بغض النظر عن مدى ضرورتها لبقاء الناس على قيد الحياة".

وأضاف: "سعت السلطات الإسرائيلية إلى تفكيك نظام توزيع المساعدات القائم حالياً الذي تديره الأمم المتحدة وشركاؤها في العمل الإنساني، وتريد منا القبول بتسليم الإمدادات من خلال مراكز توزيع خاضعة للإشراف الإسرائيلي، ووفقاً لشروط يضعها الجيش الإسرائيلي، في حال وافقت الحكومة على إعادة فتح المعابر".

وتابع: "إن الخطة التي طرحتها إسرائيل تعني أن أجزاء واسعة من قطاع غزة، بما في ذلك الأشخاص الأقل قدرة على التنقل، سيظلون محرومين من الإمدادات".

"تخالف المبادئ الإنسانية الأساسية"

وقال المكتب الأممي"تخالف هذه الخطة المبادئ الإنسانية الأساسية، ويبدو أنها تهدف إلى استخدام السيطرة على المواد الحيوية كأداة ضغط عسكرية، إنها خطة خطيرة تدفع المدنيين إلى مناطق عسكرية للحصول على الغذاء، مما يعرض حياتهم للخطر، وتُسهم في ترسيخ التهجير القسري".

وذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن "الأمين العام للأمم المتحدة، ومنسق الإغاثة الطارئة أكدا عدم مشاركتهما في أي مخطط لا تلتزم بمبادئ الاستقلالية والحياد".

وحث المكتب الأممي قادة العالم على استخدام نفوذهم لرفع الحصار الخانق عن قطاع غزة وإدخال المساعدات. وأضاف: "ما زالت فرقنا على الأرض في غزة، جاهزة لتوسيع نطاق تسليم الإمدادات والخدمات الحيوية من جديد، نملك مخزوناً كبيراً من المواد الجاهزة للدخول فور رفع الحصار".

تصنيفات

قصص قد تهمك