مجلس الأمن القومي الأميركي من "شكوك ترومان" إلى "هيمنة ترمب"

time reading iconدقائق القراءة - 35
الرئيس الأميركي دونالد ترمب وعدد من أعضاء إدارته خلال اجتماع في البيت الأبيض. 24 فبراير 2025 - Reuters
الرئيس الأميركي دونالد ترمب وعدد من أعضاء إدارته خلال اجتماع في البيت الأبيض. 24 فبراير 2025 - Reuters
واشنطن -محمد شهود

يوازن الرئيس الأميركي دونالد ترمب خياراته لتعيين مستشار جديد للأمن القومي في أعقاب الإطاحة بمايك والتز في أبريل إثر سلسلة من الإخفاقات والصدامات داخل الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس. ليعود الحديث مجدداً حول دور مجلس الأمن القومي NSC في صناعة القرار داخل البيت الأبيض، ومدى نفوذه الحقيقي. 

وقد جسدت هذه الإقالة، التي وقعت بعد 100 يوم فقط على بداية الولاية الثانية، امتداداً لحالة التراجع المؤسسي التي يشهدها المجلس منذ عهد ترمب الأول، فيما تتزايد التحديات الأمنية والدبلوماسية التي تواجه واشنطن.

ووفق تقارير، فقد شعر ترمب بالإحباط من موقف والتز "المتشدد" تجاه إيران، ومن محادثاته الخلفية غير المصرح بها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشأن قصف أهداف إيرانية، كما فشل والتز في "الانسجام" مع مساعدي الرئيس الأساسيين، لا سيما رئيسة موظفي البيت الأبيض، سوزي وايلز، التي توقفت عن الحديث معه في نهاية المطاف.

وكانت إقالة مايك والتز، أول تغيير كبير في طاقم الإدارة في الولاية الجديدة لترمب، في إشارة جديدة إلى هشاشة دور مجلس الأمن القومي ضمن دائرة عمل الرئيس في البيت الأبيض.

ومع ذلك، فإن هذا التأثير المتراجع ليس أمراً فريداً لترمب، إذ أن نفوذ المجلس، شهد صعوداً وهبوطاً على مدار أكثر من 75 عاماً، تبعاً لأسلوب إدارة كل رئيس.

من التأسيس إلى التبلور

بينما كانت الولايات المتحدة تحتفي بانتصارها في الحرب العالمية الثانية في عام 1945، كانت هناك هزيمة من نوع آخر تُخيم على دوائر صنع القرار في واشنطن، إذ كشفت الحرب عن شرخٍ عميق في البنية الأمنية، تنافسٌ بين الجيش والبحرية عرقل العمليات العسكرية، وفشلٌ استخباراتي مذهل في توقع هجوم "بيرل هاربر"، وغياب تنسيق بين الدبلوماسيين والقادة العسكريين وصل إلى حد أن الرئيس هاري ترومان اشتكى من اضطراره لاتخاذ "القرارات المصيرية في عزلة!". 

لكن مع صعود الاتحاد السوفيتي كخصم جديد، أدركت واشنطن أن انتصارها العسكري لن يُجدي دون عقل استراتيجي موحد.

وفي خضم مرحلة إعادة تنظيم شاملة للمؤسسات العسكرية والدبلوماسية بعد الحرب، وقَّع الرئيس هاري ترومان في 1947 على قانون الأمن القومي، الذي أنشأ مجلس الأمن القومي (NSC)، ودمج وزارتي الحرب والبحرية في كيان واحد (وزارة الدفاع)، وأطلق وكالة الاستخبارات المركزية CIA.

كان الهدف المعلن من تأسيس مجلس الأمن القومي هو تقديم المشورة للرئيس وضمان تكامل عمل الوكالات المختلفة، من خلال هيئة يجتمع فيها كبار المسؤولين وصناع القرار.

الهيكل التنظيمي

على المستوى النظري، يُعرَّف مجلس الأمن القومي الأميركي NSC، بأنه هيئة تضم كبار مسؤولي الدولة، وعلى رأسهم الرئيس ونائبه، إلى جانب وزراء الخارجية والدفاع والطاقة والخزانة، إضافة إلى شخصيات أخرى يختارها الرئيس.

ويحضر الاجتماعات بصفة استشارية كل من رئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير الاستخبارات الوطنية. لكن في الواقع العملي، يتسع مفهوم المجلس ليشمل أيضاً مستشار الأمن القومي وفريقه، الذين يتولّون إدارة الملفات اليومية وتقديم الدعم المباشر للرئيس في صنع القرار.

ويعتمد مجلس الأمن القومي في هيكليته على مزيج من المكاتب الإقليمية التي تغطي مناطق مثل أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، إلى جانب مكاتب وظيفية متخصصة تعالج ملفات تتعلق بالتجارة، وسياسات الدفاع، وحقوق الإنسان، والمساعدات الخارجية.

وتعمل هذه المكاتب بشكل متكامل على إعداد مذكرات السياسات وتقديم التوصيات للرئيس، في ظل إشراف مباشر من مستشار الأمن القومي الذي ينسّق بين مختلف الوحدات لضمان انسجام التوجهات الاستراتيجية.

كيفية اتخاذ القرار في مجلس الأمن القومي

لدى المجلس نظام عمل ثابت لتطوير السياسات واتخاذ القرارات. في البداية، تنطلق عملية معالجة القضايا داخل مجلس الأمن القومي من خلال لجان تنسيقية بين الوكالات، وهي مجموعات عمل تضم مسؤولين رفيعي المستوى من وزارات وهيئات حكومية مثل الخارجية والدفاع.

تتولى هذه اللجان دراسة الملفات المطروحة وتطوير خيارات وسياسات بديلة بشأنها. وفي كثير من الأحيان، تُشكّل لجان متخصصة لمعالجة موضوعات محددة، كسياسات الولايات المتحدة تجاه شرق آسيا أو قضايا الأمن السيبراني.

يُشرف على عمل هذه اللجان التنسيقية مستشار الأمن القومي، إذ تُناقش التفاصيل الأولية المرتبطة بالأزمات والقرارات السياسية المطروحة. وفي حال تعذّر التوافق أو نشوء خلافات بين الوكالات، يُحال الملف إلى ما يُعرف بلجنة النواب DC، التي تضم نواب الوزراء وكبار المسؤولين من مختلف المؤسسات الحكومية.

وتُعنى هذه اللجنة بمراجعة ما أنجزته اللجان السابقة، ومحاولة تسوية الخلافات تمهيداً لرفع التوصيات إلى المستوى الأعلى.

تعتبر لجنة المسؤولين الرئيسيين PC هي المنتدى الأعلى في مجلس الأمن القومي الذي يلتقي فيه المسؤولون الكبار، مثل وزراء الخارجية والدفاع، إضافة إلى آخرين مثل مدير الاستخبارات الوطنية أو مدير وكالة الاستخبارات المركزية حسب الحاجة. في هذه اللجنة، تُناقش القضايا الكبرى وتُقدم التوصيات للرئيس.

في النهاية، يراجع الرئيس النتائج التي توصلت إليها هذه اللجان، ويستند إليها في اتخاذ قراره النهائي. وعلى الرغم من أن العديد من القضايا يمكن أن تُحسم على مستوى اللجان أو لجنة النواب، إلا أن القرارات الأكثر أهمية تتطلب العودة إلى مكتب الرئيس. في كثير من الأحيان، يجتمع الرئيس مع مستشار الأمن القومي أو مع مجموعة من المستشارين لمناقشة الخيارات المطروحة قبل اتخاذ القرار النهائي.

شكوك ترومان

رغم هذه التركيبة المتنوعة، إلا أن الرئيس هاري ترومان، أول من استخدم المجلس، نظر إليه المجلس بعين الشك ولم يكن متحمساً له في البداية. فقد اعتاد ترومان على أسلوب مباشر في القيادة، يفضّل من خلاله مجموعة صغيرة من المستشارين الشخصيين، وكان يتشكك في فكرة أن يُنظّم عمل مستشاريه بواسطة كيان رسمي صادر عن الكونجرس. 

بعد ترؤسه أول اجتماع للمجلس في سبتمبر 1947، حضر ترومان لاحقاً 10 فقط من أصل 55 اجتماعاً عُقدت خلال ولايته، ما عكس عدم اقتناعه بدوره. ونتيجة لذلك، ترأّس وزير الخارجية معظم الاجتماعات، وسيطرت وزارة الخارجية على جدول أعمال المجلس ومواده التحضيرية. 

وفي تلك المرحلة، لم يكن المجلس يضع السياسات بنفسه، بل كان يُستخدم لإجبار وكالات الدفاع والاستخبارات على الانضمام إلى النقاشات التي كانت تحت سيطرة الخارجية تقليدياً. 

وقد فضّل ترومان، بفضل ثقته بوزيري خارجيته، جورج مارشال، وعميد أتشيستون، الرجوع إليهما مباشرة بدلاً من انتظار العملية البيروقراطية البطيئة التي تمثلها اجتماعات المجلس.

وفقاً لنائب مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جيمس جيفري، يُعتبر طاقم مجلس الأمن القومي، الجهة الداعمة الأساسية للرئيس في جميع أنشطته المتعلقة بالسياسة الخارجية، الشؤون العسكرية، والاستخباراتية. يقوم هذا الطاقم بتقديم المعلومات الحيوية التي يحتاجها الرئيس قبل الاجتماعات، القرارات، والزيارات الرسمية.

ويشير جيفري في حديثه لـ"الشرق"، إلى أن الطاقم "يرافق الرئيس في جميع تحركاته ويتابعون تنفيذ السياسات عند الحاجة، ورغم أن هذا الدور قد يُنظر إليه على أنه إداري بحت، إلا أنه يشكل عنصراً أساسياً في الحفاظ على فعالية القرارات الرئاسية وضمان تنفيذها بشكل يتماشى مع الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة".

بيروقراطية أيزنهاور ومرونة كينيدي

عندما تولى دوايت أيزنهاور الرئاسة في عام 1953، اتخذ مساراً مختلفاً تماماً. فبصفته جنرالاً سابقاً برتبة خمس نجوم، وقائداً أعلى لقوات الحلفاء في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، كان أيزنهاور يقدّر العمل المنهجي والانضباط المؤسساتي. ولذا تبنّى نموذجاً منظماً للغاية في إدارة مجلس الأمن القومي، وحرص على عقد اجتماعات أسبوعية منتظمة، غالباً ما كانت مفصلة للغاية ومصحوبة بمذكرات تحضيرية شاملة. كما طوّر من دور طاقم المجلس داخل البيت الأبيض، وزاد من عدد موظفيه واختصاصاتهم، ليشملوا شؤون السياسة والتخطيط والاقتصاد والدفاع. 

وقد شهدت سنواته الأخيرة، أكثر من 100 اجتماع رسمي للمجلس، ما جعله أحد أكثر الرؤساء استخداماً للمجلس كأداة تنسيق وصنع سياسات.

لكن هذا النمط المُنظّم بدأ يتغير مع دخول جون ف. كينيدي إلى البيت الأبيض في عام 1961. رأى كينيدي أن نمط أيزنهاور كان مفرطاً في البيروقراطية ويُبطئ عملية صنع القرار، لذا شرع في تفكيك الآلية الرسمية للمجلس. قلل من عدد اجتماعاته، واختار العمل من خلال دوائر ضيقة من المستشارين والمجموعات غير الرسمية، وخاصة في أوقات الأزمات. 

على سبيل المثال، خلال أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، أنشأ كينيدي "لجنة إكس-كوم" ExComm، التي جمعت مستشارين مختارين بعيداً عن المجلس الرسمي، لتقديم النصائح والتخطيط السريع. ومنح مستشاره للأمن القومي، ماكجورج بوندي، دوراً محورياً في تصفية المعلومات وتنسيق السياسات، ما جعله بمثابة "نائب الرئيس للشؤون الخارجية".

تحت إدارة كينيدي، تحول طاقم مجلس الأمن القومي إلى أداة تنفيذية مرنة، يدير القنوات الخلفية ويعمل على إدارة الأزمات بعيداً عن الاجتماعات الرسمية.

واستمر هذا النهج في عهد خليفته ليندون جونسون، الذي اعتمد هو الآخر على الاجتماعات الصغيرة مع مستشاريه الأساسيين، مثل "غداء الثلاثاء" الشهير، بدلاً من استخدام المجلس بكامل هيكليته. وقد تولى كل من بوندي ثم والت روستو منصب مستشار الأمن القومي، ولعبا أدواراً بارزة، لكن دون أن يُعاد إحياء المجلس الرسمي كمركز لاتخاذ القرار.

وأظهرت هذه المراحل الأولى من عمر المجلس، أن فعاليته لم تكن مرتبطة فقط بهيكليته أو اختصاصاته القانونية، بل تأثرت بدرجة كبيرة بشخصية كل رئيس، وأسلوبه في الحكم، ومدى ثقته في العمل المؤسسي مقابل النهج الشخصي.

يشرح جيمس جيفري، أن دور مجلس الأمن القومي يمكن أن يتجاوز الإطار الإداري التقليدي ليشمل مهاماً استراتيجية ذات تأثير كبير. ويشترط أن "يمنح الرئيس الصلاحية للمجلس"، وهو ما يتيح له أداء دور رئيس أركان الشؤون الأمنية الخارجية.

في هذا السياق، يتولى المجلس التنسيق المباشر مع وزيري الدفاع والخارجية، ووزير الخزانة، والممثل التجاري للولايات المتحدة، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية، خاصة في العمليات السرية. ورغم تعقيد هذا التنسيق، يؤكد جيفري أن "ليس جميع مستشاري الأمن القومي يضطلعون بهذا الدور."

ويشير جيفري في تصريحاته لـ"الشرق"، إلى أن هذا "الدور كان واضحاً في إدارة هنري كيسنجر خلال فترة نيكسون واقترب زبيجنيو بريجينسكي من أداء دور مشابه في إدارة كارتر، حيث كانت لهم اليد الطولى في توجيه السياسات الأمنية والخارجية".

ذروة نفوذ مجلس الأمن القومي

لم ترتقِ أي رئاسة بدور مجلس الأمن القومي كما فعلت رئاسة ريتشارد نيكسون. فقد تولى نيكسون منصبه في عام 1969 مصمماً على إدارة السياسة الخارجية من البيت الأبيض، كما كتب لاحقاً، مما جعل اختياره لمستشاره للأمن القومي "محورياً".

ووجد ضالته في هنري كيسنجر، الذي جعل منه ذكاؤه وصلابته، أقوى مستشار للأمن القومي في تاريخ الولايات المتحدة.

تحت إدارة نيكسون، أُعيد تصميم نظام مجلس الأمن القومي، ليُركّز السيطرة في البيت الأبيض. أنشأ كيسنجر طاقماً موسعاً للمجلس، ووضع تسلسلاً هرمياً من اللجان لتوجيه التحليلات إلى القمة.

وقد أعادت مذكرة توجيهية صادرة في عام 1969 (NSDM-2) تنظيم اللجان بين الوكالات، بحيث يرأسها طاقم مجلس الأمن القومي التابع لكيسنجر، وألغت لجنة كانت تقودها وزارة الخارجية وكانت تنسق السياسة سابقاً.

وصدر توجيه بأن تُعرض جميع أوراق السياسة الخارجية المهمة على كيسنجر قبل أن تصل إلى الرئيس. وكانت النتيجة تراجعاً دراماتيكياً لدور وزارة الخارجية. فقد تعمّد نيكسون إبقاء وزير خارجيته المخضرم لكن الأقل تأثيراً، ويليام روجرز، خارج دائرة المبادرات الكبرى.

فعلى سبيل المثال، استبعد نيكسون روجرز من الاتصالات المبكرة رفيعة المستوى مع السفير السوفيتي، ومن المفاوضات السرية لفتح العلاقات مع الصين.

وكان مجلس الأمن القومي بقيادة كيسنجر، هو من تولى تنفيذ المهام الدبلوماسية الحساسة، غالباً ما كانت تُدار عبر قنوات خلفية سرية، بل وسيطر أيضاً على مراجعة البرقيات الدبلوماسية الهامة المُرسلة إلى السفارات الأميركية.

وتحول كيسنجر وروجرز إلى خصمين، وأصبح المجلس فعلياً يحل محل وزارة الخارجية في كثير من الجبهات. وشهدت هذه الفترة تحول مستشار الأمن القومي من منسق للسياسة إلى صانع للسياسة في كثير من الحالات.

وكما جاء في أحد السرديات، فإن نيكسون وكيسنجر طورا إطاراً مفاهيمياً يوجّه السياسة الخارجية، وكانت علاقة كيسنجر الوثيقة بنيكسون تمنحه "سلطة لا تُنازع" على جهاز مجلس الأمن القومي.

وقد علّق كيسنجر نفسه على ذلك، بأن "تأثير مساعد الرئيس، في التحليل النهائي، ينبع بالكامل تقريباً من ثقة الرئيس، وليس من الترتيبات الإدارية" وقد منحه نيكسون تلك الثقة بسخاء.

وحول الأدوار التي يمكن أن يلعبها مستشار الأمن القومي، يرى الدبلوماسي المخضرم جيمس جيفري، أن ثمة ثلاث مستويات أساسية أولها، الدور الإداري البسيط حيث يكون المستشار مجرد شخص من بين عدة مساعدين يقدمون المشورة للرئيس. أو دور المنسّق (بين أركان الإدارة) كما مارسه سكوكروفت، وسوليفان، وهادلي أو الدور المهيمن كما فعل كيسنجر، وربما بريجينسكي.

وبحلول الولاية الثانية لنيكسون، أصبح كيسنجر رسمياً وزيراً للخارجية، بينما استمر في منصب مستشار الأمن القومي في الفترة من 1973 إلى 1975، جامعاً بين المنصبين.

وكانت هذه ذروة نفوذ مجلس الأمن القومي، إذ كانت السياسة الخارجية تُدار فعلياً من البيت الأبيض. حتى بعد استقالة نيكسون، استمر هذا النمط لفترة وجيزة.

ففي عهد الرئيس جيرالد فورد، واصل كيسنجر في البداية تولي المنصبين، حتى قرر فورد، سعياً لاستعادة التوازن، استبداله في منصب مستشار الأمن القومي ببرنت سكوكروفت في أواخر عام 1975.

وقد مهد هذا الانتقال الطريق لنموذج مختلف في الإدارات اللاحقة.

صراعات النفوذ والفضائح

كافح الرؤساء الذين خلفوا نيكسون، في تحديد دور مجلس الأمن القومي وسط أولوياتهم الخاصة.

في حالة جيمي كارتر، الذي تولى منصبه في عام 1977، اعتمد بشكل كبير أيضاً على مستشاره للأمن القومي، زبيجنيو بريجينسكي المعروف بأنه استراتيجي حازم، وتصادم أحياناً مع وزير خارجية كارتر، سيروس فانس.

وفي مجالات مثل السياسة تجاه الاتحاد السوفيتي، كان موقف بريجينسكي الأكثر تشدداً يحظى بتأييد كارتر، مما يُظهر مثالاً آخر على تنافس مستشار الأمن القومي مع وزارة الخارجية على الوصول لأذن الرئيس.

وفي نهاية المطاف، استقال فانس احتجاجاً على فشل عملية إنقاذ الرهائن الأميركيين في إيران في عام 1980، وهي مهمة جرى التخطيط لها من خلال قنوات البيت الأبيض.

وبذلك واصل عهد كارتر اتجاه بروز مستشار الأمن القومي كلاعب قوي، وإن لم يكن ذلك بلا صراع.

أما إدارة رونالد ريجان في ثمانينات القرن الماضي، فقد شهدت توسعاً في النشاط التنفيذي للمجلس، وفضيحة شهيرة دفعت إلى إعادة التفكير في حدود دور المجلس.

ففي البداية، لم يكن ريجان منخرطاً بعمق في إدارة التفاصيل، وفوّض سلطات كبيرة لمستشاريه.

وتوّج ذلك في فضيحة "إيران-كونترا" (1985–1987)، حين نظم أعضاء طاقم المجلس مبادرة سرية لبيع أسلحة إلى إيران (بهدف إطلاق سراح الرهائن الأميركيين) وتحويل العائدات بشكل غير قانوني إلى المتمردين في نيكاراجوا "الكونترا".

وقد تولى الملازم أول في مشاة البحرية، أوليفر نورث، أحد موظفي المجلس، إدارة العملية السرية فعلياً من قبو البيت الأبيض، وهو عمل خارج تماماً عن نطاق التفويض الاستشاري للمجلس. وعندما كُشف الأمر، أصبحت القضية فضيحة كبرى.

وشكلت لجنة تحقيق ثنائية الحزب برئاسة السيناتور السابق، جون تاور، (لجنة تاور) في عام 1987 لدراسة ما حدث.

ومن بين توصياتها، التي صاغها إلى حد كبير، برنت سكوكروفت، (عضو في اللجنة)، تعزيز الرقابة على أنشطة المجلس، وزيادة دور المستشار القانوني للمجلس، وأن يضمن مستشار الأمن القومي تطبيق الإجراءات السليمة في العمليات السرية.

وقد طبّق الرئيس ريجان بنفسه بعض الإصلاحات، بما في ذلك قواعد أوضح بأنه على طاقم المجلس التركيز على تنسيق السياسات وليس إدارة العمليات السرية مباشرة.

وبحلول نهاية عهد ريجان، نشأ إجماع على أن مستشار الأمن القومي، يجب أن يكون مؤثراً، لكن "أخطاء" (إيران -كونترا)، كتنفيذ عمليات سرية دون إبلاغ الكونجرس أو أعضاء الحكومة الأساسيين، لا ينبغي تكرارها.

وقد مهد ذلك الطريق أمام جورج بوش الأب، الذي تولى المنصب في عام 1989، لتطبيق نظام مجلس أمن قومي أكثر انضباطاً.

"نموذج سكوكروفت" في التنسيق

يُنسب إلى الرئيس جورج بوش الأب، أنه أدار واحداً من أكثر أنظمة مجلس الأمن القومي فعالية في التاريخ. وباعتباره نائب رئيس سابق، ومديراً سابقاً لوكالة الاستخبارات المركزية، وسفيراً لدى الأمم المتحدة، كان بوش ملمّاً بعمق بآليات الأمن القومي.

وقد أعاد تعيين برنت سكوكروفت، الذي اشتهر بدوره في "لجنة تاور" وكفاءته في إدارة الأزمات، كمستشار للأمن القومي. وأصبح نهج سكوكروفت معروفاً باسم "نموذج الوسيط النزيه".

وكما تشير مجلة "بوليتيكو" في تقرير تحليلي سابق، وضع سكوكروفت معياراً لوظيفة مستشار الأمن القومي باعتباره "مستشاراً مستقلاً للرئيس ومديراً لعملية التنسيق بين الوكالات"، محققاً ثقة واسعة عبر مختلف أجهزة الدولة.

وكانت النتائج واضحة: خلال رئاسة بوش (1989–1993)، نجح المجلس في تنسيق جهود معقدة مثل إعادة توحيد ألمانيا سلمياً ضمن حلف الناتو، وتشكيل ائتلاف واسع في حرب الخليج الثانية في عام 1991 لإخراج العراق من الكويت، والتعامل مع انهيار الاتحاد السوفيتي.

وفي كل هذه الحالات، عمل المجلس بقيادة سكوكروفت بشكل وثيق مع أعمدة إدارة بوش، وزير الخارجية جيمس بيكر، ووزير الدفاع ديك تشيني، لضمان التعاون بدلاً من التنافس. ورغم أن طاقم المجلس لم يكن كبيراً بشكل خاص، إلا أنه كان كفؤاً ومنظماً بدرجة عالية. وغالباً ما يُوصف سكوكروفت ونموذجه لإدارة المجلس معياراً "ذهبياً".

ويتفق جيمس جيفري، في أن نموذج سكوكروفت هو المثالي في إدارة المجلس بحيث لعب "دور المنسّق، وليس المدير الفعلي للسياسة الخارجية".

وفي حديثه لـ"الشرق"، يرى مدير الشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي خلال إدارة باراك أوباما، تشارلز كبشان، أن عهد جورج بوش الأب كان فارقاً في دور مجلس الأمن القومي، إذ "ازداد قوة" منذ ذلك الحين إلى أن "وصلنا اليوم إلى نقطة نرى فيها أن وزير الخارجية نفسه يشغل منصب مستشار الأمن القومي، مما يعزز من دور المجلس".

التحول الأكبر في دور المجلس

شكّلت هجمات 11 سبتمبر 2001، نقطة تحول حاسمة في دور مجلس الأمن القومي، ليس فقط في آليات عمله، بل أيضاً في نطاق مهامه. فمع دخول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض في بداية العام ذاته، عمل المجلس في أشهره الأولى بأسلوب تقليدي نسبياً، تقوده مستشارة الأمن القومي، كونداليزا رايس، ضمن هيكلية معتادة من الاجتماعات الدورية مع كبار المسؤولين. 

لكن الهجمات قلبت المشهد، ودفعت المجلس إلى الصدارة، لتنسيق الرد العسكري والسياسي ضد التهديدات، وتحوّل فعلياً إلى "مجلس حرب"، تقوده دائرة ضيقة من أقرب مستشاري بوش، من بينهم نائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ووزير الخارجية كولن باول، ورايس نفسها.

التوسع في المهام وتداخل الأمن الداخلي

في عام 2002، وبهدف التعامل مع التحديات الأمنية الداخلية المتزايدة، أنشأ بوش مجلساً منفصلًا للأمن الداخلي HSC في البيت الأبيض، يعمل بالتوازي مع مجلس الأمن القومي، ويرأسه مستشار خاص معني بالتنسيق في شؤون الإرهاب الداخلي، بينما استمر مجلس الأمن القومي في تركيزه على السياسات الخارجية والعسكرية. 

هذا التقسيم المؤسسي عدَّد مسارات اتخاذ القرار الأمني إلى قناتين، وهو ما أثار نقاشاً واسعاً حول مدى فاعلية هذا الفصل. وفي الممارسة العملية، كانت التهديدات اليومية الكبرى، مثل غزو العراق أو ملاحقة تنظيم القاعدة، تجمع المسؤولين من المجلسين، ما أظهر أن البنية الشكلية لا تمنع التداخل الوظيفي، وظل مستشار الأمن القومي يلعب دوراً محورياً في تنسيق هذه الجهود.

وأيد جيمس جيفري الذي شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي، إلى جانب ستيفن هادلي، أن يبقى مجلس الأمن القومي، بصفته يضم الرئيس ونائب الرئيس والوزراء، الساحة الأساسية التي تُصاغ فيها القرارات الكبرى المتعلقة بالأمن القومي.

وفيما يُعتقد أن آلية الاجتماعات من رئيس لآخر تختلف، يؤكد جيفري، أن "الرئيس الأميركي إذا كان يطمح لسياسة خارجية فعالة، فلا بد من أن يكون مجلس الأمن القومي نشطاً. وهذا يتطلب من مستشار الأمن القومي وفريقه أداء دور إداري قوي، وهو المستوى الأدنى من الأدوار الثلاثة، لكنّه حيوي لضمان أن يعمل المجلس كما ينبغي: أن تُتخذ فيه القرارات، لا أن يكون آخر من يُبلغ بها، أو أن تُمرر عبر اتصالات عشوائية، أو تُنسى – وهو ما يحدث فعلاً".

ويبرر المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي، تشارلز كبشان، في تصريحاته لـ"الشرق"، إيمانه بضرورة الدور الموسع لمجلس الأمن القومي لضمان أن "تتماشى السياسة الخارجية للولايات المتحدة مع تفضيلات الرئيس. ففي بعض الأحيان، تكون هناك اختلافات بين الوكالات، ومن المهم أن يطرح المجلس هذه الاختلافات أمام الرئيس، ليتمكن من اتخاذ قرار مستنير".

مجلس ضخم وإدارة مركزية

شكّلت رئاسة باراك أوباما (2009–2017) ذروة جديدة في تاريخ إنشاء المجلس، ولكن هذه المرة من حيث حجم طاقم مجلس الأمن القومي ونطاق عمله.

فقد ورث أوباما حربين وأجندة عالمية معقدة، وكان يميل إلى إدارة عملية صنع القرار بشكل مركزي للغاية من داخل البيت الأبيض. وخلال ولايتيه، تضخم طاقم مجلس الأمن القومي بشكل كبير.

أدى دمج طاقم مجلس الأمن الداخلي ضمن مجلس الأمن القومي، إلى إضافة موظفين، كما أن القضايا الجديدة (مثل الأمن السيبراني، وتغير المناخ، وغيرها) تطلبت استحداث إدارات.

وبحلول الولاية الثانية لأوباما، كان عدد موظفي المجلس قد تضخم ليصل إلى نحو 400 شخص، أي ما يقارب ضعف حجمه في عهد جورج بوش الابن.

وللمقارنة في ستينيات القرن الماضي، كان طاقم المجلس يتكون من بضع عشرات فقط؛ وحتى في ظل مقاربة نيكسون النشطة، لم يتجاوز العدد 100. وقد تسارع هذا النمو بعد نهاية الحرب الباردة، وخصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر.

وقد أشارت مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، (آخر من شغل هذا المنصب في عهد أوباما) إلى أن عدد الطاقم "تضاعف تقريباً أربع مرات" مقارنة بفترة عملها السابقة في البيت الأبيض خلال تسعينيات القرن الماضي.

سمح هذا الطاقم الكبير للبيت الأبيض، بتركيز عملية اتخاذ القرار إلى درجة غير مسبوقة، لكنه في الوقت نفسه أثار انتقادات حادة.

فقد اشتكى مسؤولون في البنتاجون، مثل وزيري الدفاع السابقين، روبرت جيتس، وليون بانيتا، من أن مجلساً مكوّناً من 400 موظف أصبح "طاقماً متضخماً... يدير بالتفصيل أموراً كان من الأفضل تركها للوزارات المختصة".

ويصف تشارلز كبشان، الذي عمل في مجلس الأمن القومي إبان عهد أوباما، التضخم في دور وحجم المجلس حينئذ بـ"البيروقراطية المنفصلة بحد ذاتها" ويعيد ذلك إلى نهج أوباما الشخصي الذي كان يميل إلى الانخراط في تفاصيل السياسة الخارجية، وكان يريد السيطرة على العديد من جوانب السياسة بشكل مباشر.

وأشارت دراسة صادرة عن خدمة الأبحاث في الكونجرس، إلى أنه بحلول السنوات الأخيرة من عهد أوباما، "انجرف" المجلس نحو العمل التنفيذي و"عدد لا نهاية له من الاجتماعات بين الوكالات"، بدلاً من التركيز على صياغة السياسات عالية المستوى.

وفي عام 2016، دفع نواب جمهوريون بمشروع قانون يهدف إلى وضع حد أقصى لعدد موظفي المجلس عند 100، ما لم يتم إخضاع منصب مستشار الأمن القومي لموافقة مجلس الشيوخ. وهي خطوة كانت تهدف فعلياً إلى تقليص نفوذ المجلس.

إنجازات مجلس أوباما

من خلال تركيز السلطة داخل دائرة ضيقة، تمكّن أوباما من تنفيذ مبادرات دبلوماسية سرية كانت ستتسرب لو تمت عبر عملية أوسع.

فعلى سبيل المثال، كانت إعادة العلاقات مع كوبا، والمفاوضات الأولية مع إيران بشأن برنامجها النووي، تدار من قبل مجموعة صغيرة من مستشاري المجلس الموثوقين، مع شبه غياب لوزارة الخارجية حتى المراحل المتأخرة.

وقد ساعد هذا النهج عبر القنوات الخلفية، حيث قاد نائب المستشار، بن رودس، وفريق صغير المحادثات، على إبقاء المبادرات تحت السيطرة المباشرة للبيت الأبيض، وسهّل على الأرجح تحقيق اختراقات.

كما اعتمد أوباما على مجلسه في تنسيق الغارة التي قتلت أسامة بن لادن في عام 2011، إذ أشرف فريق صغير تابع للمجلس على تنسيق الجوانب الاستخباراتية والعسكرية.

وبنهاية عهد أوباما، كانت الصورة السائدة، أن مجلس الأمن القومي بات مسيطراً أكثر من اللازم. وقد حاولت سوزان رايس، إجراء تقليص متواضع للطاقم، ويُقال إنها خفضت عدد الموظفين بنحو 6% في عام 2015.

لكن ذلك لم يُحدث تأثيراً كبيراً على الانتقادات العامة التي قالت إن توسع المجلس جاء على حساب استقلالية ومرونة الوزارات.

وقد مهد هذا الوضع الطريق لردة فعل مضادة لاحقة.

"تهميش" في زمن ترمب

منذ الأيام الأولى لدخوله البيت الأبيض في عام 2017، حمل دونالد ترمب معه شكوكاً عميقة تجاه المؤسسات الأمنية والاستخباراتية، وعلى رأسها مجلس الأمن القومي. اعتبر ترمب أن المجلس، في شكله البيروقراطي المتضخم، لا يخدم رؤيته بقدر ما يعيقها، ويمنح نفوذاً زائداً لنخب "الدولة العميقة"، وهي التسمية التي لطالما استخدمها أنصاره لوصف المسؤولين غير المنتخبين داخل الحكومة.

في ولايته الأولى، لم يكتفِ ترمب بتقليص هيكل المجلس، بل أعاد تشكيل طريقة عمله بالكامل. فمع تعاقب أربعة مستشارين للأمن القومي خلال أربع سنوات فقط، مايكل فلين، وهربرت ماكماستر، وجون بولتون، وروبرت أوبراين، لم يُمنح أي منهم الوقت الكافي لبناء هيكل متماسك، ولا بدا أن ترمب مهتمٌّ بذلك أصلاً. كان يفضّل القرارات الفورية، وغالباً خارج أطر المؤسسات. 

فعلى سبيل المثال، جاء قراره بسحب القوات الأميركية من سوريا في ديسمبر 2018، بحسب التقارير، خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دون المرور بأي آلية تشاورية رسمية، ما أدى إلى استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس احتجاجاً.

وكانت إدارة أوبراين، المستشار الأخير في الولاية الأولى، مثالاً حياً على هذا التوجه؛ إذ تفاخر بتقليص عدد موظفي المجلس بنحو 33%، معتبراً أن المجلس لا يحتاج إلى هذا الكم من المختصين، لا سيما في ظل إدارة تفضّل السرعة والمرونة على التأنّي والبناء المؤسسي.

ويعود جيمس جيفري إلى الولاية الأولى لترمب، لاستكشاف نظرته لدور المجلس ومستشار الأمن القومي بقوله، إن "ترمب كان فوضوياً في إدارته للسياسة الخارجية والدفاعية. ولم يتمكّن أيّ من مستشاريه للأمن القومي من لعب دور المنسّق بفاعلية، لأن ترمب ببساطة لم يكن مهتماً بذلك". 

وحتى حين كانت هناك محاولات لتفعيل هذا الدور، لم يكن يوبّخ من يتجاوزها، ولم يكن يفرض الاتصال بالمستشار. لم يكن يقول مثلاً "تحدثوا مع الجنرال ماكماستر أو تواصلوا مع جون بولتون.. بل كان يتعامل معهم مباشرة، مما شجع على الفوضى".

ومع عودة ترمب إلى السلطة في يناير 2025، استمر النهج ذاته، بل زادت حدته. فعلى الرغم من تعيينه للنائب الجمهوري والمحارب السابق مايك والتز مستشاراً للأمن القومي لتنفيذ إصلاحات تعيد هيكلة المجلس على أسس أكثر توافقاً مع رؤيته، إلا أن المهمة تعثّرت بسرعة. 

فبعد "تسريب سيجنال" والتي تضمنت معلومات عن خطط عسكرية ضد الحوثيين، وجد والتز نفسه وسط عاصفة سياسية داخل البيت الأبيض.

ورغم أن التسريبات بدت حادثاً فنياً، بعد أن أُضيف بالخطأ صحافي إلى مجموعة من مسؤولي إدارة ترمب، فإن الغضب داخل الإدارة كان سياسياً بامتياز.

فشخصيات من التيار اليميني المتشدد، مثل الناشطة لورا لوومر، شنت حملة منظمة ضد والتز، متهمة إياه بعدم تمثيل "الخط المتشدد لترمب"، إلى جانب الخلافات حول كيفية التعامل مع إيران والصين، وتنسيق والتز مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دون تفويض مباشر. 

وفي النهاية، أقال ترمب والتز بعد أقل من ثلاثة أشهر، وعيّن بدلاً منه ماركو روبيو مستشاراً بالإنابة في خطوة غير مألوفة لم تحدث منذ عهد هنري كيسنجر.

وبحسب جيفري، في حديثه لـ"الشرق"، فإن مايك والتز "لعب الدور الإداري الأدنى من بين الأدوار الثلاثة المتاحة لمستشار الأمن القومي، وكان يؤديه بشكل جيد، لكنه لم يكن ينسق فعلياً".

ويستدل جيفري على ذلك بـ"تسريبات سيجنال"، والتي تكشف كيفية عمل الفريق. ويرصد جيفري أن "والتز كان مجرد صوت من بين عدة أصوات داخل المجموعة.. أما الشخص الوحيد الذي اقترب من دور المنسّق الفعلي كان ستيفن ميلر، الذي تدخل في نهاية النقاش وقال للجميع: لماذا نجادل؟ الرئيس اتخذ القرار بالفعل. دعونا ننتقل إلى الخطوة التالية".

"هذا هو المفترض أن يكون دور مستشار الأمن القومي، لكن والتز لم يؤده، ولا رئيسة موظفي البيت الأبيض التي كانت حاضرةً في المحادثة. كان ميلر هو من قام بذلك – وهذه هي المشكلة"، حسبما يرى جيمس جيفري، الذي شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي سابقاً، في حديثه لـ"الشرق".

وكما في ولايته الأولى، ظلت الملفات الرئيسية للشؤون الخارجية في الولاية الثانية بيد مبعوثين ومستشارين خاصين مقربين من دائرة ترمب ومن خارج المؤسسة السياسية التقليدية في واشنطن وكما حظي جاريد كوشنر بثقة ترمب في الولاية الأولى برز اسم رجل العقارات ستيف ويتكوف في الولاية الثانية مع انخراطه في دور الوسيط في المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، وإسرائيل وحركة "حماس" الفلسطينية، وكذلك في ملف المفاوضات بين واشنطن وطهران.

ويقول تشارلز كبشان مدير الشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي خلال إدارة أوباما، لـ"الشرق"، إن "ترمب لا يعتمد على أي جهة سوى نفسه أو أفراد يثق بهم"، ويضيف "المشكلة لا تتعلق فقط بعدم اعتماده على مجلس الأمن القومي، بل هي أوسع من ذلك، إنه لا يعتمد على أي جزء من الحكومة الأميركية بشكل منتظم.. فلا توجد عملية صنع سياسة حقيقية. إذ يتم اتخاذ القرارات بشكل كبير في المكتب البيضاوي نفسه، دون مشاورات منتظمة.. لذا، المشكلة هنا ليست في أن ترمب لا يثق بالمجلس، أو أن المجلس لا يعمل؛ بل المشكلة أن الرئاسة نفسها تُدار بطريقة فردية جداً، حيث يتخذ الرئيس القرارات بنفسه، دون مدخلات حقيقية من الآخرين".

تصنيفات

قصص قد تهمك