اتخذت تعليقات الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون نبرة أكثر "هجومية" في الأشهر الأخيرة، ودعّمَها بزيارات علنية إلى منشآت عسكرية؛ وفي وقت يتحدث عن مسؤولية قواته على جبهات عدة، يتفق محللون كوريون جنوبيون، أنه يستفيد من السياسات "المربِكة" للإدارة الأميركية، فضلاً عن العلاقات الاقتصادية والأمنية الوثيقة التي أبرمها مع روسيا.
بالنسبة إلى دولة كانت تُعاني من العُزلة، وكانت، تاريخياً، مهمّشة على الساحة العالمية، يرى محللون وخبراء، تحدثت إليهم "الشرق"، أن نفوذ كيم وقوته، ربما بلغا مستوىً لم يصلا إليه من قبل، ما اعتبروه أمراً مثيراً للقلق، نظراً لامتلاك نظامه أسلحة نووية، إلى جانب امتلاكه قوات تقليدية جرّارة، يُضاف إليها صعوبة التنبؤ بتصرفاته.
تعزيز العلاقات مع روسيا
ويقول كيم سانج وو، وهو مسؤول سابق في حزب "المؤتمر الكوري الجنوبي من أجل السياسة الجديدة" (ذو الميول اليسارية)، إنه من الواضح جداً أن كيم جونج أون اكتسب ثقة متزايدة من خلال الإعلانات التي أصدرها مؤخراً، وتابع: "هذه نتيجة للعلاقات الوثيقة التي أقامها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
وقدّر كيم، الذي هو أيضاً عضو مجلس إدارة مؤسسة كيم داي جونج للسلام في حديث لـ"الشرق"، أن الزعيم الكوري الشمالي يستغل أيضاً حالة الفوضى التي يشهدها النظام العالمي منذ دخول الرئيس الأميركي دونالد ترمب البيت الأبيض".
"المهمة الأكثر أهمية"
واستطرد سانج وو حديثه: "بيونج يانج، أصبحت من وجهة نظر كيم، في وضع أقوى بكثير، بعدما تحالفت مع دول ذات تفكير مماثل، مثل روسيا والصين وغيرها من الأنظمة الاستبدادية".
وانعكست هذه الثقة في الظهور العلني لكيم خلال أكثر من مناسبة، ففي 14 مايو، ذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية، أنه أمضى اليوم الذي سبق، في الإشراف على التدريبات التكتيكية المشتركة التي أجرتها وحدات العمليات الخاصة، وأكد خلالها أن المهمة "الأكثر أهمية" بالنسبة لجيش الكوري الشمالي هي الاستعداد الكامل للحرب.
ونقلت وكالة الأنباء المركزية الكورية عن كيم قوله "إن قواتنا المسلحة الثورية أصبحت الآن مسؤولة عن جبهات عدة، لكن الأهم من بينها جميعاً هي الجبهة المناهضة للإمبريالية، في حين أن الاستعدادات الكاملة للحرب هي المهمة الأكثر أهمية".
وأظهرت الصور المُرفقة بالتقارير جنوداً يرتدون ملابس مموهة، وهم يشغِّلون طائرات بدون طيار، وهي مهارة يشير المحللون إلى أن الجيش الكوري الشمالي اكتسبها أثناء القتال، مع الجيش الروسي، ضد الوحدات الأوكرانية، داخل منطقة كورسك الروسية.
وكان كيم زار السفارة الروسية في بيونج يانج، في 9 مايو، بمناسبة الذكرى الـ80 لانتصار الاتحاد السوفييتي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، حيث استغل الزعيم الكوري الشمالي الحدث التذكاري للتأكيد على الأهمية التي يوليها للقوات الملتزمة بالصراع في أوروبا، وأصر على أنها ساعدت روسيا في "تحرير" منطقة كورسك.
وقال الزعيم الكوري الشمالية في السفارة الروسية، إن تدخل بلاده "في الحرب كان مبرراً وهذا حقنا السيادي"، واصفاً أفراد القوات الكورية الشمالية بـ"الأبطال".
وتشير تقارير الاستخبارات الكورية الجنوبية إلى أن كوريا الشمالية أرسلت نحو 15 ألف جندي إلى الصراع، وتحدّثت عن سقوط نحو 600 شخص وإصابة أكثر من 4 آلاف آخرين، بعدما كانت وزارة الدفاع الأميركية قدرت، في بداية السنة، عدد الجنود الكوريين الشماليين بما يتراوح بين 11 ألفاً أو 12 ألفاً.
وتحدثت المعلومات عن رصد المدفعية الكورية الشمالية في ساحة المعركة، في حين يُعتقد أن آلاف السيارات المحملة بالذخيرة والإمدادات الأخرى تم نقلها بالسكك الحديدية من كوريا الشمالية إلى خط المواجهة، في ظل غياب تأكيد لهذا النوع من المعطيات سواء من قِبَل موسكو، أو بيونج يانج.
مدمرة جديدة وتجارب باليستية في بحر اليابان
والأسبوع الماضي، حضر كيم إطلاق صواريخ باليستية تكتيكية قصيرة المدى من طراز "هواسونج فو-11-كا" في بحر اليابان، واختبار إطلاق أنظمة صواريخ 600 ملم.
وقال كيم سانج وو "إن التحالف الأمني الاستراتيجي الذي وقعه كيم وبوتين في يونيو من العام الماضي يساعد روسيا، ولكنه يعزز أيضاً ثقة كوريا الشمالية بشكل كبير"، قائلاً: "إنهم يحصلون على التكنولوجيا العسكرية الروسية التي كانت في السابق بعيدة عن متناولهم، كما تكتسب قواتهم خبرة قتالية من خلال القتال إلى جانب الجيش الروسي".
وكانت روسيا محظورة في السابق بموجب سلسلة من قرارات المفروضة من الأمم المتحدة، كعقوبات دولية على إجراء بيونج يانج تجارب نووية تحت الأرض وإطلاق الصواريخ الباليستية طويلة المدى، ذات القدرات المتزايدة، والتي من بينها ما يمكن إطلاقه من المُدمرة الجديدة، "تشوي هيون"، التي تُعتبر الأكبر من نوعها ذات التصنيع المحلي، وفق المعلومات المتداولة.
و"تشوي هيون" مدمرة قادرة على إطلاق صواريخ موّجهة، وسميت على اسم ضابط كوري شمالي قاتل القوات اليابانية خلال احتلال شبه الجزيرة الكورية في الفترة من 1910 إلى 1945، وتم الكشف رسمياً عن في ميناء نامبو في أواخر أبريل الماضي.
وفي السابع من مايو الجاري، ظهر كيم مرة أخرى في وسائل الإعلام الرسمية، حيث زار هذه المرة مصنعاً لتصنيع قذائف المدفعية، وأشاد بالعمال لزيادة الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد، وقبل 3 أيام فقط، قام بتفقد مصنع للدبابات معرباً عن رضاه عن قدرات المركبات القتالية المدرعة المنتجة محلياً.
تحالف كوري شمالي- روسي دون إغضاب الصين
وقال ياكوف زينبرج، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كوكوشيكان في طوكيو، إنه ليس من قبيل المصادفة أن يظهر الزعيم الكوري الشمالي في الأسابيع الأخيرة، وهو يقوم بجولة في منشآت عسكرية.
ويضيف زينبرج، وهو أكاديمي روسي من سانت بطرسبرج، أنه منذ توقيع الاتفاق مع كوريا الشمالية، بما في ذلك تعهد الدفاع المتبادل، حيث اتخذت روسيا القرار الاستراتيجي بالتمسك بالالتزام مع بيونج يانج في المستقبل، ولم يستبعد أن يكون ذلك قراراً عسكرياً روسي، لأنهم تاريخياً كانوا يعارضون بشدة القتال على جبهتين في الوقت نفسه، لذا فهم ينظرون إلى كوريا الشمالية كمنطقة عازلة في الشرق الأقصى الروسي".
وفي المقابل، تابع زينبرج قائلاً: إنهم يدعمون كوريا الشمالية عسكرياً واقتصادياً، ونظام كيم في الوقت الحالي هو على الأرجح الأقوى على الإطلاق".
وأضاف زينبرج أن كيم لعب أوراقه الدبلوماسية بشكل جيد للغاية، إذ تمكن من تعزيز العلاقات مع روسيا وفي الوقت نفسه لم يثر غضب الصين إلى الحد الذي يجعلها تبتعد عن علاقتها مع بيونج يانج. ورأى أن كيم يلعب فعلياً بموسكو وبكين ضد بعضهما البعض لتحقيق مصالحه وهو يستمتع بذلك بشكل كبير على حد قوله.
وقال زينبرج إن "كوريا الشمالية دولة صغيرة وضعيفة نسبياً، على الرغم من امتلاكها للأسلحة النووية، لكن كيم كان ذكياً للغاية في التلاعب بدول أخرى أكبر بكثير لتأتي لمساعدته".
"الزعيم في ذروة قوته"
واعتبر ينبرج أن كيم، الذي يبدو في "ذروة قوته"، سيحتاج إلى مواصلة حملته الدبلوماسية، إذا كان يريد الاستمرار في فرض نفوذه، لكنه لفت إلى "أنه في حال توصلت روسيا إلى اتفاق سلام مع كييف، وانتهت الحرب التي استمرت 3 سنوات، فربما تكون حاجة موسكو إلى الذخائر أو القوات الكورية الشمالية أقل كثيراً، لافتاً إلى أن من المنطقي أن يستمر بوتين في دعم كوريا الشمالية بالوقود أو الأسلحة أو أنظمة الأسلحة المتقدمة، بما أن الشمال لا يُصنع أي شيء تحتاجه روسيا".
وبما أن نتيجة المفاوضات مع أوكرانيا لا تزال غير واضحة، يعتقد كيم سانج وو، أن النظام الكوري الشمالي سيعمل على الاستفادة من الانتخابات المقبلة في كوريا الجنوبية، والتي تشير التقديرات إلى أنها قد تسفر عن فوز حكومة ذات ميول يسارية في سول.
وتوقع كيم سانج وو أنه في حال فاز، زعيم الحزب الديمقراطي الكوري الجنوبي (المعارضة)، لي جاي ميونج في، الانتخابات في الثالث من يونيو المقبل، وهو ما يبدو مرجحاً بشكل متزايد، فإن إحدى أولوياته ستكون تحسين العلاقات مع كوريا الشمالية والصين.
وقال إن "القلق يجب أن ينبع من أنه مع تزايد قوة كوريا الشمالية، فإن إدارة لي سوف تضطر إلى قبول مطالب معينة لا تخدم مصالح كوريا الجنوبية"، متوقعاً أن يقول "الحزب الديمقراطي إن القيام بذلك هو "في مصلحة المصالحة بين الشمال والجنوب"، ولكن في ظل هذه الظروف، اعتقد أننا يجب أن نشعر بقلق بالغ."