البارود يعيد تشكيل خارطة النفوذ.. ماذا يحدث في ليبيا؟

خبراء يرصدون لـ"الشرق" تداعيات اغتيال الككلي وملامح خطة تفكيك الفصائل

time reading iconدقائق القراءة - 17
ليلى الثابتي

أشعل اغتيال قائد إحدى الفصائل المسلحة في طرابلس، الثلاثاء الماضي، فتيل اشتباكات عنيفة استمرت 3 أيام في شوارع العاصمة الليبية، ما سلَّط الضوء على الأزمة العميقة المستمرة في ليبيا منذ سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011.

الصراع الذي حوّل طرابلس إلى ساحة تتبارى فيها فصائل مسلحة، الأسبوع الماضي، هو أحد فصول نزاع مستمر على السلطة في ليبيا منذ سنوات، حيث تتواجد حكومتان متنافستان، الأولى في طرابلس غرباً، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، وهي الحكومة التي أقالها البرلمان، لكن تعترف بها الأمم المتحدة، والثانية في مدينة بنغازي بالمنطقة الشرقية، برئاسة أسامة حمّاد، وتحظى بدعم البرلمان، وقائد الجيش المشير خليفة حفتر.

وتعتبر المنطقة الغربية من ليبيا حلبة صراع محتدم، خاصة أنها تضم مدينة مصراتة التي ينحدر منها الدبيبة، كما أن بها المقار الحكومية والمؤسسات السيادية، ما يجعل السيطرة عليها هدفاً محورياً في تحديد موازين القوى.

وخلق هذا الانقسام ولاءات وتحالفات، وكذلك انبثق عنه تنافس وتناحر على السيطرة، ما تسبب في تحول البلاد إلى شطرين منفصلين سياسياً وعسكرياً لا تجمعهما سوى الجغرافيا.

وحتى هذه الولاءات والتحالفات تتغير بحسب تطور الأحداث، إذ يمكن أن تنقلب المعادلات والحسابات سواء لسبب سياسي أو تطور ميداني، لكن في كل الأحوال تظل النتيجة واحدة، وهي بلد منقسم إلى مناطق نفوذ خاضعة لمجموعات أو فصائل لها انتماءات وأجندات مختلفة، وتفرض كل منها خارطة نفوذ جديدة بقوة السلاح في كل مرة تندلع فيها اشتباكات، ما يحوِّل الأحياء إلى ساحات للقتال بين الحين والآخر.

ماذا حدث في طرابلس؟

تخضع طرابلس في جزء كبير منها لحكومة الدبيبة، لكن السيطرة تجري عبر أجهزة تتفرع في معظمها لتضم مجموعات مسلحة عدة، وتخضع بدورها لهذه الفصائل، والتي تكون في بعض الأحيان مستترة تحت غطاء مؤسسات الدولة، بحسب المحلل السياسي الليبي أحمد المهدوي لـ"الشرق".

وكعادة كل اشتباكات في غرب ليبيا، تعود التشكيلات المسلحة إلى الواجهة لتكون مؤشراً على وجود "انفجار داخلي" يؤثر بشكل أو بآخر على خارطة سيطرة ونفوذ هذا الطرف أو ذاك.

واندلعت في طرابلس بداية من مساء الثلاثاء، 12 مايو الجاري، اشتباكات عنيفة بعد اغتيال قائد "جهاز دعم الاستقرار" عبد الغني الككلي المعروف بـ"غنيوة"، وهو قائد بارز لإحدى الفصائل المسلحة في طرابلس، خلال اجتماع في مقر "اللواء 444" التابع لوزارة الدفاع في حكومة الدبيبة.

ولاحقاً وصف رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة العملية التي أدت إلى اغتيال الككلي في كلمة متلفزة بأنها "عملية ناجحة وسريعة "، مشيراً إلى أنها تمت دون إحداث أضرار مادية بالمواطنين، لأن المنطقة التي تمت فيها "بوسليم" مزدحمة بالسكان.

اغتيال الككلي، ومن بعده قرارات الدبيبة لإعادة هيكلة عدد من الأجهزة في القطاع الأمني، من بينها جهاز الأمن الداخلي، وجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، أدى إلى تصاعد الاشتباكات العنيفة بين فصائل مسلحة رافضة للقرارات، وأخرى تابعة للدبيبة، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا. واحتدم القتال حتى تأزم الوضع، وخرجت الحشود إلى الشوارع مطالبة بإسقاط حكومة الدبيبة، ووقف الاقتتال.

ومع أن وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية (حكومة الدبيبة) تمكنت، مساء الخميس، من وقف إطلاق النار في جميع مناطق التوتر بالمدينة، إلا أن الهدوء الذي ساد عقب ذلك بدا حذراً، خاصة في ظل دعوات للتظاهر وحالة من السخط والاحتقان بسبب الأحداث.

اغتيال الككلي.. "هدف قديم"

وسائل إعلام محلية نقلت عن عائلة الككلي قولها إنه تعرض لكمين، إذ جرى استدعاؤه لحضور اجتماع طارئ في ثكنة تابعة لـ"اللواء 444"، غير أنه جرى قتله رمياً بالرصاص.

هذا الطرح لم يستبعده عسكري ليبي سابق، قال لـ"الشرق"، إن اغتيال الككلي جاء رداً على هجوم شنه مسلحون تابعون له على مبنى الشركة القابضة للاتصالات، الواقعة بمنطقة النوفليين في طرابلس.

وتخلل الهجوم على مبنى الشركة القابضة للاتصالات اختطاف مسؤولين اثنين، ما اعتبرته مجموعات مدينة مصراتة (شمالي غربي البلاد) تعدياً على نفوذها، واستهدافاً شخصياً للدبيبة باعتباره رئيس الجمعية العمومية للشركة القابضة للاتصالات، بحسب المصدر.

وأضاف: "بما أن الجهاز الذي يقوده الككلي يتبع اسمياً المجلس الرئاسي، فقد أعرب أعيان مصراتة بالفعل عن غضبهم من رئيس المجلس محمد المنفي، كما أعرب قادة كتائب (ثوار المدينة) عن استيائهم".

مصدر آخر اعتبر في تصريحات لـ "الشرق"، أنه في ظل الغضب المستمر، بدا أن تصفية الككلي لم تكن سوى مسألة وقت، وأن التخطيط لذلك ربما حدث منذ سنوات، خاصة في ظل تعقد علاقاته مع وزارة الداخلية، ودوائر حكومة الدبيبة.

إعادة رسم خريطة النفوذ

وأضاف المصدر أن "نفوذ الككلي تفاقم بشكل هائل حتى أن بعض المطلعين على مجريات الأمور يعتبرون أنه كان يدير جيشاً خاصاً به لخدمة مصالحه وحلفائه داخل أجهزة الدولة، ولأن نفوذاً بهذا الحجم يتطلب تمويلاً ضخماً، كان الككلي يسيطر على موارد اقتصادية من خلال التهريب والاقتصاد الموازي، وليس ذلك فقط، بل يتهمه البعض بالانخراط في صراع النفوذ داخل المصرف المركزي، ما يجعل نفوذه كأنه أخطبوط ممتد في معظم أجهزة الدولة ومؤسساتها".

واعتبر المصدر أن "الدبيبة كان بطبيعة الحال على دراية بكل ذلك، ولذلك شهدت السنوات الماضية، محاولات منه لتحجيم التشكيلات المسلحة، ليس من منطلق قرار سياسي داخلي فقط، وإنما أيضاً رضوخاً لضغوط خارجية، لكن المهمة لم تكن يسيرة بالمرة، خاصة أن الككلي نفسه كان متهماً بتعطيل مساعي توحيد الهياكل الأمنية، ولذلك، فإن قتله لا يمنح الدبيبة المجال للسيطرة على تشكيلاته المسلحة وترهيب بقية المجموعات فقط، وإنما يمنحه أيضاً نقطة بداية لعملية أوسع تستهدف إعادة رسم خريطة النفوذ في طرابلس، لكن يظل السؤال: بأي ثمن؟".

خطة دولية لتفكيك الفصائل

السياسي والأكاديمي الليبي، الدكتور أحمد العبود، يرى أن هناك خطة دولية تتعلق بليبيا، بدأت ملامحها تتبلور مع زيارات عسكريين أميركيين إلى طرابلس وبنغازي، وظهرت أكثر بعد زيارة قيادة الأسطول الأميركي السادس إلى المدينتين، نهاية أبريل الماضي، فيما سافر مسؤولون ليبيون إلى واشنطن، بينهم الفريق صدام حفتر، المبعوث الخاص للمشير خليفة حفتر، وعبد السلام الروبي، وكيل وزارة الدفاع في حكومة الدبيبة.

وقال العبود، لـ "الشرق"، إن الزيارات المتبادلة "ناقشت ملامح خطة تقضي بتفكيك الفصائل المسلحة، وتوحيد العمل الأمني كمقدمة لتوحيد الجيش، وهذه الخطة تبنتها واشنطن بتفاهم دولي، ونوقشت في جلسة مغلقة وغير علنية في مجلس الأمن".

وأصدر أعضاء مجلس الأمن الدولي، الجمعة الماضي، بياناً أعربوا فيه عن قلقهم العميق إزاء تصاعد العنف في طرابلس، مؤكدين "التزامهم بتوحيد جميع المؤسسات، بما في ذلك المؤسسات العسكرية والأمنية"، في إشارة صريحة تؤكد النهج الدولي بشأن التشكيلات المسلحة في ليبيا.

"حل الأجهزة الأمنية الموازية"

بعد تصاعد الأحداث، أصدر الدبيبة قرارات عدة، الثلاثاء، بينها قرار بحل "الأجهزة الأمنية الموازية"، وشدد في بيان على صفحته الرسمية على فيسبوك عقب اجتماع رفيع عقد مساء اليوم نفسه، على أنه "سيتم الضرب بيد من حديد" على المخالفين.

وبحسب مراقبين، فإن الحكومة تتجه نحو بسط سيطرتها على كامل المنطقة الغربية عبر تحجيم نفوذ الأجهزة التي تحدث عنها الدبيبة، بهدف إعادة هيكلة المشهد الأمني بتوحيد قياداتها تحت مظلة واحدة.

وشملت قرارات الدبيبة حل عدد من الأجهزة الأمنية، أبرزها إدارة العمليات والأمن القضائي، التابعة للهيكل التنظيمي لجهاز الشرطة القضائية، وهذا الجهاز يخضع لإمرة أسامة نجيم، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، والذي هاجمه الدبيبة بشدة، قبل يومين.

القرارات شملت أيضاً حل هيئة أمن المرافق والمنشآت، والتي كانت تحت قيادة أسامة طليش، ونقل تبعيتها إلى وزارة الداخلية مباشرة.

ولتضييق الخناق أكثر على المقربين من الككلي أو الموالين له، أمر الدبيبة بتشكيل لجنة لمتابعة أوضاع السجون ومراكز الاحتجاز، برئاسة وزير الداخلية، وعضوية وكيل عام وزارة العدل، وممثل عن المجلس الأعلى للقضاء.

كيف رد المجلس الرئاسي؟

التطورات المتسارعة التي شهدتها ليبيا، وتحول بعض الساحات إلى ميادين قتال أو ميادين غضب، جعلت الأنظار تتجه إلى المجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي، انتظاراً لموقفه، ورده على قرارات الدبيبة.

توجه الأنظار إلى المجلس الرئاسي نابع من ارتباط جهاز دعم الاستقرار، وجهاز الردع اسمياً بالمجلس، أي أن الارتباط قانوني بحت، لكن الجهازين مستقلين، ولا يخضعان لرقابة وزارة العدل.

وبالفعل لم يتأخر رد فعل المجلس، إذ أصدر قراراً عاجلاً بوقف شامل لإطلاق النار في طرابلس، وتجميد كافة قرارات الدبيبة ذات الطابع العسكري والأمني، وأصدر أوامر واضحة إلى جميع الوحدات العسكرية بالعودة الفورية إلى مقارها دون قيد أو شرط.

الحلفاء.. والأعداء

المحلل السياسي الليبي أحمد المهدوي أوضح لـ "الشرق"، أبرز المجموعات والفصائل في المنطقة الغربية، كالتالي:

الفصائل المسلحة غرب ليبيا

1- تحالف الدبيبة ويشمل عناصر من مصراتة والزاوية والزنتان، ويضم:

- اللواء 444 قتال، يقوده محمود حمزة، والذي يتولى أيضاً منصب رئيس المخابرات العسكرية.

- اللواء 111 مجحفل، يقوده عبد السلام زوبي وكيل وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية، وكان يسمى سابقاً كتيبة 301، ويتخذ من منطقة النجيلة وطريق المطار في طرابلس، مقراً له.

- القوة المشتركة في مصراتة، بقيادة عمر بغداده.

- قوة الإسناد الأولي بمدينة الزاوية، يقودها محمد بحرون المعروف بـ "الفار".

- مجموعة من الزنتان بقيادة عبد الله الطرابلسي، وهو رئيس جهاز الأمن العام بوزارة الداخلية، وشقيق وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي.

في المقابل، توجد قوات ومجموعات متناحرة مع المجموعات الأولى، وتضم:

القوات المناوئة للدبيبة:

- جهاز الردع، ويتبع اسمياً المجلس الرئاسي، ويتخذ من قاعدة معيتيقة مقراً له، ويقوده عبد الرؤوف كارة، المعروف بانتمائه للتيار السلفي.

- جهاز دعم الاستقرار، من أبرز القوات في مناطق وسط طرابلس، وكان يترأسه الككلي، ويتبع المجلس الرئاسي، ويسيطر على منطقة بوسليم والهضبة وأجزاء من طريق المطار.

- جهاز المخابرات العامة، يقوده حسين العائب، ويحظى بدعم وحماية قوة الردع.

- قوات أسامة الجويلي في الجبل الغربي ومنطقة الحمادة الحمراء.

استقالات من الحكومة

الغضب الشعبي لم يكن رد الفعل الوحيد الذي أعقب حادثة الككلي واندلاع الاشتباكات، فردود الفعل وصلت إلى حكومة الدبيبة، في مؤشر على استمرار عدم الاستقرار السياسي.

ورصدت "الشرق" من خلال عدد من الحسابات الرسمية لوزراء عبر مواقع التواصل، استقالة 6 وزراء ونواب وزراء من الحكومة، ووصل الغضب إلى المجالس البلدية التي دعمت 6 منها في غرب طرابلس، المحتجين المطالبين برحيل حكومة الدبيبة.

هذا الغضب والاستقالات ربما مهدا الطريق لإعادة رسم الخريطة السياسية، إذ أعلن خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، بدء مشاورات مع مجلس النواب (مقره الشرق)، من أجل "اختيار شخصية وطنية لتشكيل حكومة جديدة"، بحسب بيان للمؤسسة التشريعية.

لكن الدبيبة رد على كل تلك التطورات بطريقته، إذ نشرت الحكومة، السبت، أول صورة له منذ اندلاع الأحداث، وهو يستقبل من سماهم البيان "وجهاء من طرابلس"، وأكد لهم أن حكومته "تحاول إنهاء العنف سريعاً" من خلال نشر قوات الأمن التابعة لها.

كما استقبل وفداً من كبار الشخصيات من مصراتة (مسقط رأسه) ممن أعلنوا "دعمهم القوي والثابت" لرؤيته "التي تهدف إلى إنهاء (سلطة) الجماعات المسلحة وتعزيز سلطة الدولة"، بحسب بيان الحكومة.

وباستقبال الوفدين، بدا أن الدبيبة يستعرض حزامه القبلي الداعم لحكومته، في رسائل للداخل والخارج، بحسب محللين سياسيين.

وعقب الاشتباكات الدامية، أجلت تركيا 82 من رعاياها المقيمين في طرابلس، وفق مصدر بوزارة الخارجية التركية. ولم يقتصر الأمر على أنقرة، إذ حذرت بريطانيا والولايات المتحدة، رعاياهما من الذهاب إلى ليبيا، ما يدعم توقعات خبراء بأن الوضع ربما يسوء خلال الأيام المقبلة.

أبرز اللاعبين في ليبيا

أبرز الشخصيات في المشهد السياسي

*عبد الحميد الدبيبة

يترأس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس والمنبثقة عن اتفاق جنيف، منذ 2021، ويعتمد على تكتل من التشكيلات المتنافسة التي تتمتع باستقلالية تزيد وتنقص وفق اعتبارات مختلفة.

*أسامة حماد

شخصية بعيدة عن الأضواء، يترأس حكومة "الاستقرار الوطني" في الشرق، والتي تشكلت في 10 فبراير 2022 عقب إجراء تصويت في البرلمان على تعديل الإعلان الدستوري.

*خليفة حفتر

اللاعب العسكري الأهم في الشرق الليبي، وهو قائد الجيش الوطني، ونفوذه يشمل بنغازي وسرت وأجزاء من الجنوب.

*محمد المنفي

دبلوماسي وسياسي من طبرق، انتخب في 5 فبراير 2021 رئيساً للمجلس الرئاسي الليبي.

*عقيلة صالح

رئيس مجلس النواب أعلى منصب بالمؤسسة التشريعية في الشرق وهو داعم قوي لحكومة حماد.

*المجلس الأعلى للدولة

وهو المؤسسة التشريعية في الغرب، وسبق أن جمعته مفاوضات مع مجلس النواب بشأن القاعدة الدستورية، لكن المحادثات فشلت في تحقيق اختراق، ويتنازع على رئاسته خالد المشري ومحمد تكالة بعد انتخابات شابتها خلافات قانونية في أغسطس 2024

"أزمة أمنية.. صراع السيطرة والموارد"

الخبير أحمد المهدوي، يعتبر أن الأزمة في ليبيا "أمنية بامتياز"، وأن "ما يحدث في طرابلس يثبت أنه صراع نفوذ وبسط سيطرة والغرض منه إبعاد خصوم وعقد تحالفات جديدة".

وأضاف المهدوي: "كما خلقت سنوات الحرب في ليبيا مساراً موازياً من الفساد، فمن البنك المركزي إلى مؤسسة النفط، مروراً بجميع المؤسسات الحيوية، تحولت جميعها إلى ميادين موازية لحروب دون رصاص بين الأطراف المتصارعة".

وأمرت النيابة العامة في ليبيا، مؤخراً، باعتقال مسؤولي أكبر شركة للاتصالات في البلاد (المدار)، في خطوة قالت حكومة الدبيبة إنها ضمن حملة لمكافحة الفساد.

ولم يسلم قطاع النفط من هذا الصراع، رغم أنه يشكل شريان للحياة وطوق نجاة للشعب، فتدريجياً باتت المنشآت النفطية ضمن مناطق نفوذ فصائل أو أطراف مختلفة تتغير بين عشية وضحاها، لدرجة أنه من الممكن أن يقع حقل النفط تحت سيطرة طرف فيما تكون المصافي أو موانئ التصدير خاضعة لطرف آخر.

وبسبب تعدد أطراف السيطرة، تجد الشركات العالمية نفسها أمام إشكالات بالغة التعقيد في مقدمتها العجز بشكل كامل عن تأمين بيئة تشغيلية، أو تحقيق الاستقرار، أو التحكم في توزيع العائدات، وهو ما يجعل التفكير في الاستثمار بقطاع النفط في ليبيا مجازفة غير محمودة العواقب.

خلاف حول نتائج الاحتجاجات

وانقسم الخبراء بشأن حادثة الككلي وما تبعها من تداعيات، بين فريق يرى أنها تؤشر على أن موازين القوى في طرابلس ستتحرك بشكل ربما يكون جذرياً، وآخر يظن أن تحالف الدبيبة من التشكيلات المسلحة قادر على إخماد جميع النيران المستعرة في المدينة، سواء احتمالات الانتقام من أنصار الككلي، أو الغضب الشعبي.

وحتى السبت، خرج المئات من الليبيين في طرابلس إلى الشوارع للمطالبة برحيل الدبيبة، وتجمع المتظاهرون في "ميدان الشهداء" وسط المدينة التي شهدت، هذا الأسبوع، 3 أيام من أعمال العنف.

وبحسب الأمم المتحدة، أودت الاشتباكات التي بدأت، ليل الاثنين، واستخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والقذائف المدفعية، بحياة 8 أشخاص.

وقال أحد الصحافيين كان شاهداً على الأحداث، إن "بين المحتجين من خرج بشكل عفوي مدفوع بإحباط راكمته السنوات من استمرار الأزمة وتجدد سفك الدماء وصوت الرصاص في الشوارع، وبعضهم من الوجوه المحسوبة على الأطراف المتنافسة".

ليبيا.. إلى أين؟

السياسي والأكاديمي الليبي أحمد العبود، يرى أن "الأمور معقدة، ولا يمكن التكهن بنهايتها"، مستدركاً: "لكن نستطيع حالياً القول إن الشارع تسلم زمام المبادرة بعدما خرج المحتجون واستطاعوا أن يفرضوا أمراً واقعاً جديداً عبر التظاهر السلمي ليقولوا كلمتهم، لذلك فإن الكفة تميل للشارع الذي يملك القدرة على التغيير".

وأضاف في تصريحات لـ"الشرق": "إذا أردنا أن نستشرف المستقبل، فيمكن أن نتوقف عند أول مطلب شعبي دفع به مجلسا النواب والدولة وهو أن يتسلم النائب العام (أي السلطة القضائية) إدارة السلطة التنفيذية حتى إجراء الانتخابات، لكن الرد جاء سريعاً من النائب العام بأنه لا يريد أن يكون جزءاً من هذه المعادلة".

وواصل العبود: "هناك أكثر من 11 مرشحاً لرئاسة الحكومة الموحدة التي يدعو لتشكيلها مجلسا النواب، والدولة، في الجلسة التي تعقد، الخميس، لاختيار من يكلف بتشكيل الحكومة".

وتساءل: "لكن هل سيحظى رئيس الحكومة الجديد بالاعتراف الدولي؟"، وأجاب: "أعتقد أن موقف المجتمع الدولي لم يظهر حتى هذه اللحظة، ولم يعط الضوء الأخضر لتشكيل حكومة جديدة".

سيناريو آخر معقد يفرض نفسه، بحسب العبود، وهو أن يستمر الدبيبة في مهامه، ويحاول القفز على الأزمة.

وتابع العبود: "لكن ستكون هناك إشكاليات أولاً أن أكثر من نصف حكومته من الوزراء والوكلاء قدموا استقالاتهم، ونصف المجالس البلدية أو أكثر أصدرت بيانات تطالبه بالاستقالة، والشارع قال كلمته بقوة بأنه حان الوقت لإسقاط الحكومة، كما أن الشارع لن ينسى كل الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والفساد المنتشر وسطوة الفصائل وتهديد حياة المدنيين".

تصنيفات

قصص قد تهمك