الترويكا الأوروبية والمفاوضات مع إيران.. محاولات تقارب وسط تلويح بعقوبات

time reading iconدقائق القراءة - 11
باريس-طوني شاميّة

تخوض الترويكا الأوروبية سباقاً بين الحل الدبلوماسي، أو فرض عقوبات جديدة على إيران، إذا لم تصل المحادثات النووية بين طهران والولايات المتحدة من جانب، والأوروبيين من جانب آخر إلى "نهاية سعيدة".

إذ يهدّد الأوروبيون بفرض عقوبات عليها من دون الحديث عن أي عمل عسكري، وهو ما يتمايزون به عن واشنطن، التي ما زالت تستخدم سياسة العصا والجزرة مع طهران، علماً بأن كل الأطراف، على الرغم من رفعها سقف الخِطاب والمطالب، يأملون الوصول إلى اتفاق يكفيهم "شر القتال".

ويبدو أن الأوروبيين، ومن خلال مجموعة الترويكا الأوروبية، المتمثلة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا المعروفة بدول E3، التي انخرطت في مفاوضات مباشرة، شعرت بضرورة بدء مفاوضات مع إيران، والحاجة إلى الانفتاح عليها، وإجراء محادثات خاصة، بعد الحديث الأميركي على لسان الرئيس دونالد ترمب، عن إمكانية إحداث خرق في هذا المسار، وقُرب التوصل إلى اتفاق مع إيران، بشأن برنامجها النووي، وهذا ما حدث قبل أيام في إسطنبول.

فقد كشف الأوروبيون عن هذا اللقاء في وقت كان مسؤولون فرنسيون بريطانيون يلوحون بفرض عقوبات جديدة على إيران من خلال تفعيل آلية العودة السريعة أو "الزناد"، وهي جزء من اتفاق عام 2015، وتتيح إمكانية إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن على طهران في حال انتهاكها الاتفاق النووي.

اقرأ أيضاً

إيران تطالب بـ"دور أوروبي" في المفاوضات النووية مع واشنطن وتحذر من فشلها

جددت إيران، الاثنين، تأكيدها على أن المفاوضات النووية التي تجرى مع أميركا "لن تُفضي إلى نتيجة"، حال إصرار واشنطن على وقف تخصيب اليورانيوم.

ويأتي ذلك، في وقت تستعد واشنطن وطهران للانخراط في جولة خامسة من المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، هذا الأسبوع، في أوروبا، فيما أعلن المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، خلال مقابلة مع شبكة ABC NEWS الأميركية، أن واشنطن لن تسمح لإيران بأي نوع من تخصيب اليورانيوم ولو بنسبة 1%، واصفاً ذلك بأنه خط أحمر للولايات المتحدة.

هذا الأمر رد عليه نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، في تصريحات أوردها موقع "نور نيوز": "موقفنا من التخصيب واضح، وقد أكدنا مراراً أنه إنجاز وطني لن نتراجع عنه".

باريس: اتفاق 2015 أصبح قديماً

وبالفعل انخرطت هذه الدول الثلاث، وناقشت إيران مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في إسطنبول وضع محادثاتها مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي، وهي القضية التي حث ترمب، طهران على "التحرك" بشأنها.

فيما اعتبرت مصادر بوزارة الخارجية الفرنسية، في حديث لـ"الشرق"، أن "اتفاق 2015، أصبح قديماً بحكم الأمر الواقع، بعد القرار الأحادي، الذي اتخذته الولايات المتحدة بالانسحاب منه في عام 2018، في الولاية الأولى للرئيس ترمب".

وجاء الاجتماع الأوروبي مع ممثلين في إسطنبول على وقع تحذير ترمب، حيث قال: "إنهم (الإيرانيون) لديهم عرضاً، ولكن الأهم من ذلك أنهم يعرفون أن عليهم التحرك بسرعة وإلا سيحدث شيئ سيئ".

بدوره، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بحسب وسائل إعلام محلية، "لم نتلق شيئاً".

أما في ما يتعلق بالانخراط الأوروبي، فقال عراقجي، على هامش "منتدى حوار طهران"، الذي عقد الأحد: "نواصل حوارنا مع أوروبا، ونعتقد بأنه كلما كان هناك فهم أكبر للوضع بين الجانبين، كان ذلك أفضل، ندعو أوروبا للقيام بدورها، بعد أن قلص هؤلاء دورهم بأنفسهم".

لكن مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون الحقوقية والدولية، كاظم غريب آبادي، قال عبر منصة "إكس"، إنه ومساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي، أجريا مباحثات مع ممثلين سياسيين لدول فرنسا، وبريطانيا وألمانيا في إسطنبول، شملت بحث "آخر أوضاع المفاوضات غير المباشرة بين بلادهم والولايات المتحدة بشأن الملف النووي ورفع العقوبات"، مشيراً إلى أن بلاده والدول الثلاث عازمة على توظيف الدبلوماسية بشكل أفضل، وأنه "إذا لزم الأمر، فسنلتقي مجدداً لمواصلة المناقشات".

استراتيجية المواجهة

وفي مقال نُشر في 11 مايو على موقع صحيفة "لوبوان" الفرنسية الأسبوعية، حذر عراقجي الدول الأوروبية من "استراتيجية المواجهة" بشأن البرنامج النووي.

وجاء ذلك رداً على نظيره الفرنسي جان نويل بارو، الذي قال إن "مجموعة الدول الأوروبية الثلاث لن تتردد ثانية واحدة في إعادة فرض العقوبات على طهران إذا تعرض الأمن الأوروبي للتهديد، بسبب برنامجها النووي من خلال اللجوء إلى تفعيل آلية "سناب باك"، وهي آلية في الاتفاق النووي لعام 2015 تسمح بإعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

فيما ذكر علي شمخاني مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي لشبكة NBC NEWS أن "طهران ستلتزم بعدم بناء الأسلحة النووية مطلقاً، ​​والتخلص من مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، وتخصيب اليورانيوم فقط إلى المستويات اللازمة للاستخدام المدني والسماح للمفتشين الدوليين بالإشراف على العملية مقابل الرفع الفوري لجميع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران".

وتعليقاً على تصريح شمخاني، ترى رئيسة مركز العلاقات الدولية Iveris الفرنسي ليسلي فارين، في حديث لـ"الشرق"، أنه تصريح يمكن التوقف عنده، واعتبرته "محاولة التقاط العصا من نصفها من قبل الإيرانيين، أو رفع شعار غصن الزيتون في وقت تواصل فيه تخصيب اليورانيوم، وإن كانت تشدد على سلمية برنامجها النووي".

اقرأ أيضاً

واشنطن تعلن جولة جديدة من مفاوضات نووي إيران الأسبوع الجاري

عبر المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الأحد، عن اعتقاده بأن الاتصال بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين، "سيكون ناجحاً".

وأشارت فارين إلى أن إيران تقوم حالياً بتخصيب اليورانيوم إلى 60%، وهو ما يفوق بكثير الحد الأقصى البالغ 3.67%، الذي حدده الاتفاق النووي لعام 2015، في حين أن المستوى المطلوب للاستخدام العسكري هو 90%.

وترى أن الأوروبيين ليسوا قادرين على فعل أي شيء ضد إيران في كل الأحوال، مشيرة إلى أن لا قدرة لديهم على ذلك، و"إنما هم سيتبعون ما تقرره واشنطن والرئيس ترمب"، خاصة إذا ما أصرت طهران على حقها في مواصلة تخصيب اليورانيوم، على أساس أن هذا أمر "غير قابل للتفاوض، ولكنها ستكون منفتحة على تخفيضات مؤقتة لمستوى وحجم التخصيب".

إيران تسعى لتوسيع قنوات التفاوض

كما اعتبرت فارين أن "تصريحات عراقجي بخصوص التفاوض مع الدول الثلاث الأوروبية، إنما تشير إلى أن إيران، وفي موازاة محادثاتها مع واشنطن، إنما تسعى إلى فتح مفاوضات موازية، وإبقاء خياراتها مفتوحة مع مختلف الأطراف المنخرطة في الاتفاق النووي لعام 2015 خاصة، وأنه من المعلوم أن طهران هي من تقوم بإعلام الأوروبيين بما يحدث في هذه المحادثات مع واشنطن".

وأشارت إلى أن إيران "كانت بدأت الاتصالات مع مجموعة E3، وعقدت جولات من المفاوضات منذ مارس الماضي، والتي كُشفت وأصبحت علنية الأسبوع الماضي في إسطنبول، وذلك بهدف تحديد معايير اتفاق جديد يضمن الحد من البرنامج النووي مقابل رفع العقوبات الأوروبية".

ويرى الخبير في الشؤون الإيرانية فيليب بيشاد في حديث لـ"الشرق" إن "الوزير عراقجي، ومن خلال تصريحاته، يحاول رمي الكرة بملعب الأوروبيين، بعد أن تحدث في تدوينة له عما أسماه تقلبات العلاقة بين بلاده والدول الأوروبية الثلاث، معترفاً بأنها في حال تدهور، مقترحاً الدبلوماسية، التي تبقى الخيار الأوفر للجميع، فالحرب مُكلفة، وأي اتفاق، يُعتبر أفضل من أي عمل عسكري".

ونبّه إلى ما سيلحق بدول العالم من تداعيات على مختلف القطاعات، وليس فقط على إيران، وإنما على العالم، لا سيما إذا ما تم تنفيذ حصار، وإقفال المضائق التي تسيطر عليها "إما مباشرة أو بالواسطة كما يحصل مع الحوثيين".

وبحسب بشاد، فإن هذا هو "سبب الدعوات المتكررة لا بل العروض المتكررة من عراقجي لزيارة باريس وبرلين ولندن، بالتزامن مع قيام الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على 7 مسؤولين وكيانات إيرانية"، بسبب ما وصفه وزير الخارجية الفرنسية جان لوي بارو باستمرار إيران باتباع سياسة احتجاز الرهائن من مواطني الاتحاد الأوروبي، بينهم 3 فرنسيين.

خارطة طريق 

ويخلص بشاد إلى أن خارطة طريق العلاقات الأوروبية– الإيرانية المتوترة، يجب أن تجد وسائل لتعزيز هذه العلاقات، وعودة الثقة فيما بينها، لكنه تبقى الخشية، في البداية، من امتلاك إيران السلاح النووي"، مشيراً إلى أنه على إيران العمل على إزالة هذا المخاوف، سواء من خلال تواصلها مباشرة مع هذه الدول الأوروبية، أو عبر المنظمات الدولية التي من مهامها التأكد من سلمية هذا البرنامج، وفتح المواقع النووية الإيرانية كافة أمامها.

واعتبر أن المطلوب من إيران أيضاً التأكيد على أنه "لن تشكل خطراً على أمن إسرائيل ودول الخليج، وهي دول لديها علاقات واتفاقات استراتيجية مع دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة مجموعة E3، فضلاً عن وقف دعمها للحوثيين في اليمن، والحركات المصنفة أوروبياً بأنها إرهابية، وهنا المقصود حركة حماس والذراع العسكري لحزب الله".

ويرى بيشاد، كما رئيسة مركز Iveris للعلاقات الدولية المحللة فارين أنه "لا يمكن للاتحاد الأوروبي إلا أن ينسق كل مواقفه ولا سيما بريطانيا وألمانيا وفرنسا مع الولايات المتحدة بشأن إيران، فهذه الدول هي حليف استراتيجي أيضاً لواشنطن على المستوى الفردي وأيضاً على مستوى حلف الناتو".

ومع اقتراب انتهاء مفاعيل الاتفاق النووي الموقع عام 2015 في أكتوبر 2025، فإن الملاحظ أن الأوروبيين ينسقون جهودهم مع واشنطن للمزيد من الضغوط على إيران للامتثال للمعايير الدولية، ولعدم تقويض المصالح الأمنية الأوروبية في المنطقة مع استمراراً مراقبة أنشطة إيران النووية وخرقها لحقوق الإنسان مع التأكيد على ضرورة تعزيز الديمقراطية في إيران.

ولكن، وعلى ما يبدو أن الأخيرة مُصرة على المضي لاقتناص فرصتها في صفقة، مع الرئيس الأميركي، على الرغم من تهديداته، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق، فقد أكد الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان إن "بلاده ستواصل المفاوضات مع واشنطن بشأن الملف النووي، ولن تخشى التهديدات".

تصنيفات

قصص قد تهمك