
قال قاض فيدرالي أميركي الأربعاء، إن الحكومة انتهكت أمراً قضائياً سبق أن أصدره بمحاولتها ترحيل مهاجرين إلى جنوب السودان، وهو ما يفتح جبهة أخرى في معركة مشتعلة بين دونالد ترمب وقضاة فرضوا قيوداً على سياسات الهجرة المتشددة التي ينتهجها الرئيس الجمهوري.
وأضاف قاضي المحكمة الجزئية الأميركية في بوسطن براين ميرفي أن مسؤولين أميركيين يواجهون خطر الاحتجاز بتهمة ازدراء المحكمة جراء انتهاكهم لأمر قضائي أولي أصدره في أبريل، يمنع الإدارة من إرسال المُرحلين إلى دول أخرى غير دولهم دون إتاحة الفرصة لهم للتعبير عن أي مخاوف لديهم بشأن سلامتهم.
وقال القاضي خلال جلسة استماع في بوسطن إن وزارة الأمن الداخلي الأميركية لم تتح لستة مهاجرين مشمولين بأمره القضائي فرصة حقيقية لمعارضة إرسالهم إلى جنوب السودان عندما أخطرتهم بذلك قبل أقل من 24 ساعة من صعودهم على طائرة.
ووصف القاضي ذلك بأنه "غير كاف على الإطلاق". وأصدر لاحقاً أمراً يوضح فيه أنه يجب منح غير المواطنين مهلة لا تقل عن 10 أيام لتقديم طلبات يعبرون فيها عن خوفهم على سلامتهم قبل ترحيلهم إلى بلد آخر غير بلدهم.
وقال ميرفي "تصرفات الإدارة في هذه القضية تعد انتهاكاً لا لبس فيه لأمر هذه المحكمة".
ونوه ميرفي، الذي عينه الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن، لإمكانية اتهام المسؤولين بازدراء المحكمة، لكنه لم يصدر عقوبة بحق أي شخص في حينه.
ووصف البيت الأبيض في بيان ميرفي بأنه "قاض يساري متطرف"، في حين وصف متحدث باسم وزارة الأمن الداخلي قراره بأنه "مختل".
وقالت الإدارة إن الرجال الثمانية من كوبا ولاوس والمكسيك وميانمار وفيتنام وجنوب السودان تم ترحيلهم، وإنهم أدينوا بجرائم قتل وسطو مسلح وجرائم خطيرة أخرى. وقال ميرفي إن أمره يشمل ستة منهم.
وقالت تريشيا ماكلولين المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي للصحافيين خلال مؤتمر صحافي عقد قبل جلسة الأربعاء "هؤلاء هم الوحوش الذين يحاول القاضي الجزئي حمايتهم".
وناشد معنيون بالدفاع عن حقوق الهجرة مورفي إصدار أمر بإعادة الرجال إلى الولايات المتحدة.
غير أن القاضي أصدر توجيهاً للمسؤولين بإجراء مقابلات معهم بعد إخطار لا يقل عن 72 ساعة لتقييم ما إذا كانت لديهم أي مخاوف معقولة من الذهاب إلى جنوب السودان، ومنحهم مهلة لا تقل عن 15 يوماً للسعي لإعادة فتح إجراءات الهجرة الخاصة بهم إذا رأى المسؤولون أن المخاوف التي عبروا عنها غير كافية.
وقال ميرفي للمحامين إنه بينما كان لديه الحق في إعادة الرجال إلى الولايات المتحدة خلال تلك العملية، كان تقدير وزارة الأمن الداخلي إبقاءهم في الخارج.
"يرسلون إلى بلد تمزقه الحرب"
ويوجه قرار مورفي واحداً من أشد الانتقادات لإدارة ترمب منذ عودته إلى منصبه في يناير. وتعهد ترمب خلال حملة ترشحه العام الماضي، بشن حملة قوية على الهجرة غير الشرعية، وأعاقت محاكم الكثير من محاولاته لتكثيف عمليات الترحيل.
وقالت محامية وزارة العدل إلينيس بيريز خلال الجلسة إن الأمر القضائي الأولي الصادر عن مورفي في أبريل، لم يحدد مدة الإخطار المطلوبة، وإن عمليات الترحيل السريعة لا تنتهك الحقوق التي يحميها الدستور الأميركي.
وتنصح وزارة الخارجية الأميركية المواطنين بعدم السفر إلى جنوب السودان، هناك بسبب الجرائم العنيفة والصراعات المسلحة. وتقول الأمم المتحدة إن الأزمة السياسية في جنوب السودان قد تعيد إشعال فتيل حرب أهلية وحشية انتهت في 2018.
وقالت محامية المهاجرين من التحالف الوطني لدعاوى الهجرة ترينا ريلموتو للصحافيين "يرسلون إلى بلد تمزقه الحرب حيث تتعرض حياتهم وسلامتهم للخطر".
ترحيل إلى السلفادور
وتعيد هذه القضية إلى الأذهان قضية أخرى خلص فيها قاضي المحكمة الجزئية الأميركية جيمس بوسبيرج في واشنطن إلى أن الإدارة انتهكت أمره بعدم نقل مهاجرين فنزويليين إلى سجن في السلفادور.
وأطلق بوسبيرج أيضاً تحقيقاً جنائياً بتهمة ازدراء المحكمة، لكن محكمة استئناف أوقفته مؤقتاً لحين طعن إدارة ترمب. ودعا ترمب إلى عزله، مما أثار انتقادات من رئيس المحكمة العليا جون روبرتس.
وفي قضية أخرى، قالت قاضية المحكمة الجزئية الأميركية بولا زينيس في جرينبيلت بولاية ماريلاند إن الإدارة لم تشرح بشكل كاف كيفية امتثالها لأمرها بتسهيل عودة رجل سلفادوري يُدعى كيلمار أبريجو جارسيا، الذي جرى ترحيله إلى السلفادور، رغم صدور أمر قضائي سابق يمنع إرساله إلى هناك.
ووجه ترمب ومسؤولون أميركيون ممن عينهم اتهاماً للقضاة بتجاوز صلاحياتهم والسعي إلى إحباط أجندته.
ترحيل لدول غير بلدانهم
ويعود أصل القضية المطروحة أمام ميرفي إلى طعن رفعه معنيون بالدفاع عن المهاجرين ضد سعي الإدارة لترحيل المهاجرين الذين صدرت بحقهم أوامر نهائية بالإبعاد إلى دول غير بلدانهم، بمن فيهم المهاجرون الذين يتمتعون بحماية من الترحيل إلى بلدانهم الأصلية؛ بسبب مخاوف تتعلق بسلامتهم.
ورجح ميرفي كفة المدعين، إذ حكم الشهر الماضي، بأحقية أي مهاجر يرسل إلى دولة ثالثة في الحصول على الإجراءات القانونية الواجبة بموجب التعديل الخامس من دستور الولايات المتحدة، ويجب أن تتاح لهم فرصة حقيقية للتعبير عن أي مخاوف بشأن سلامتهم.
وفي جلسة عاجلة الثلاثاء، بعد أن أفاد مدافعون عن حقوق الإنسان بعلمهم بأنه يجري نقل المهاجرين جواً إلى جنوب السودان، أمر ميرفي الإدارة بالإبقاء على المهاجرين محتجزين لدى سلطات الهجرة الأميركية.
وخلال سير الإجراءات الأربعاء، ظل الرجال على متن طائرة في موقع سعى المسؤولون إلى تجنب الكشف عنه في المحكمة.
وبعد صدور حكم ميرفي، ظهر ستيفن ميلر نائب كبير موظفي البيت الأبيض في منشور على "إكس" لتأكيد وجودهم حالياً في جيبوتي. واتهم ميرفي "بتعريض حياة موظفينا للخطر".
وفي حديثه للصحافيين الأربعاء، قال المتحدث باسم شرطة جنوب السودان جيمس ماندي إينوكا إنه سيتم استجواب المهاجرين عند وصولهم ومن ثم "ترحيلهم مرة أخرى إلى البلد الصحيح".
وبناءً على هذه التصريحات، أمر ميرفي إدارة ترمب بتقديم ما يوضح الأسباب التي تجعل ترحيل هؤلاء الرجال لا ينتهك حظراً مفروضاً على إعادتهم إلى بلدهم الأصلي.