
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في نوفمبر المقبل، تشهد الساحة السياسية حالة من الحراك غير المسبوق لتشكيل تحالفات وإعادة تموضع القوى التقليدية والناشئة، وذلك في مشهد يعكس حجم التحديات والتحولات التي يمر بها النظام السياسي العراقي.
وفي هذا التقرير تستعرض "الشرق" أبرز التحالفات التي تسعى القوى السياسية في العراق إلى تشكيلها استعداداً للاستحقاق الانتخابي.
"تكريس الزعامة داخل البيت الشيعي"
أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن تشكيل تحالف انتخابي كبير تحت مسمى "ائتلاف الإعمار والتنمية"، بمشاركة 7 كيانات سياسية من داخل الإطار التنسيقي، وذلك في محاولة لتكريس زعامته السياسية للمكون الشيعي من جهة، وحصد دعم نيابي يمكنه من الاستمرار في رئاسة الحكومة من جهة ثانية.
ويضم التحالف شخصيات مثل فالح الفياض (حركة عطاء)، وإياد علاوي (تحالف العراقية)، وعدد من المستقلين وشخصيات العشائر والاقتصاد.
ويتمثّل الهدف المعلن للتحالف في "النهوض بالمشاريع التنموية والاقتصادية"، لكنه في العمق يُمثل محاولة لتوحيد قوى الإطار "خلف شخصية السوداني"، على أمل أن يحقق نتائج انتخابية تؤهله لتجديد ولايته.
"التصدعات داخل الإطار التنسيقي"
ورغم محاولة السوداني بناء تحالف موحد، إلا أن ملامح الانقسام داخل "الإطار التنسيقي" لا تزال واضحة، فكتل مثل "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، و"عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، لم تنضم لتحالف السوداني وتعتزم خوض الانتخابات بقوائم منفصلة.
ويعكس هذا الانقسام خلافاً بين تيارات داخل البيت الشيعي حول من يقود المرحلة المقبلة، ومدى نجاح السوداني في إدارة الملفات السياسية والاقتصادية خلال ولايته، غير هناك من ينظر إليه على أنه "تكتيك" قد يفضي إلى إعلان الكتلة الأكبر بعد انتهاء الانتخابات.
"التيار الصدري.. المقاطعة كاستراتيجية"
أما التيار الصدري، فقد أعلن زعيمه مقتدى الصدر في السابق أنه لن يشارك في الانتخابات المقبلة، لا بالترشح ولا بالتصويت، وهو النهج الذي اتبعه التيار في مراحل سابقة، لكنه يُعد اليوم أكثر حسماً.
وقد يُحدث غياب التيار الصدر عن السباق الانتخابي فراغاً سياسياً كبيراً، إذ كان يستحوذ على 73 مقعداً في البرلمان الحالي، ومن الممكن أن يُعيد هذا الانسحاب توزيع التوازنات داخل البيت الشيعي، ويفتح الباب أمام قوى أخرى لملء هذا الفراغ، خصوصاً تحالف السوداني ودولة القانون.
"أسعد العيداني .. تموضع مستقل وتحالفات جنوبية"
محافظ البصرة أسعد العيداني، الذي يُعتبر من الشخصيات البارزة في جنوب العراق، لم ينضم إلى تحالف السوداني، بل تشير المعلومات إلى مساعٍ منه لتشكيل تحالف مستقل يضم شخصيات عشائرية واقتصادية مؤثرة في المحافظات الجنوبية.
ومن المرجح أن يحاول العيداني الحفاظ على استقلاليته وإبراز نفسه كزعيم محلي في البصرة، بحيث يستفيد من شعبيته وموقعه الإداري، خاصة في ظل خلافات سابقة مع الحكومة الاتحادية بشأن الصلاحيات المالية والتنموية.
وربما يكون امتناعه عن الدخول في تحالف مع السوداني تكتيكاً للدخول مع الصدريين وترشيحه كرئيس للوزراء في المرحلة المقبلة.
"القوى السنّية.. نحو وحدة انتخابية"
على الساحة السنّية، ظهرت مؤشرات على تشكيل تحالف جديد باسم "القيادة السنّية الموحدة"، يضم شخصيات مثل خميس الخنجر، ومحمود المشهداني، ومثنى السامرائي، وأحمد الجبوري.
ويسعى التحالف إلى توحيد الجهود وتجنب التشتت الذي عانت منه القوى السنّية في الانتخابات السابقة، ويأمل في تمثيل يتمتع بتأثير أكبر داخل البرلمان القادم، خصوصاً في ظل وعود بإعادة إعمار المدن المحررة وتحسين الخدمات.
وفي سياق متصل، أعلن "حزب تقدم" بزعامة رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي عزمه دخول الانتخابات بشكل منفرد من دون التحالف مع أي جهة أخرى، ويُنظر إلى هذا القرار على أنه تحوّل استراتيجي في مسار الحزب، خصوصاً في ظل خارطة التحالفات المتغيرة التي تشهدها الساحة السياسية العراقية مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي.
ويعكس القرار أيضاً ثقة الحزب بقواعده الجماهيرية في مختلف المحافظات، لا سيما في المناطق الغربية والشمالية من البلاد.
وبحسب مصادر مقربة من الحزب تحدثت لـ"الشرق"، فإن "تقدم" يسعى إلى تقديم برنامج انتخابي يُركز على الإصلاح الإداري والاقتصادي، ودعم الاستقرار السياسي، والنهوض بالخدمات، إلى جانب تعزيز دور الشباب والمرأة في العملية السياسية، وهي محاور تُمثل العمود الفقري في خطاب الحزب منذ تأسيسه.
ويعتقد محللون أن يثير هذا القرار حراكاً سياسياً في أوساط الكتل الأخرى، سواء من حيث إعادة ترتيب التحالفات أو إعادة تقييم استراتيجيات خوض الانتخابات، خصوصاً أن حزب تقدم يُعد أحد الأحزاب البارزة في البرلمان الحالي، وله تأثير واضح على التوازنات داخل قبة البرلمان.
"الأكراد.. توافق بعد انقسام طويل"
بعد سنوات من الخلاف بين الحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة مسعود بارزاني) والاتحاد الوطني الكردستاني (بقيادة بافل طالباني)، تُشير التطورات الأخيرة إلى تقارب محتمل بين الحزبين لتشكيل تحالف انتخابي موحد في كردستان العراق وبغداد.
ويهدف هذا التقارب إلى الحفاظ على المكاسب السياسية والاقتصادية للأكراد، وضمان تمثيل قوي في مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، خاصة في الملفات الخلافية كالموازنة والنفط والمادة 140.
"مصالح ونفوذ"
التحالفات الانتخابية في العراق لا تتشكل فقط على أساس البرامج والرؤى السياسية، بل تعتمد بشكل كبير على المصالح، والنفوذ الشخصي والعشائري والمناطقي.
ويُمثل تحالف السوداني محاولة لتكريس قيادة جديدة، لكنه يصطدم بمنافسة شرسة من حلفاء الأمس، ومعارضة صامتة من التيار الصدري.
وتسعى القوى السنية والكردية إلى توحيد صفوفها لضمان دور تفاوضي قوي بعد الانتخابات، فيما يحاول المستقلون والفئات غير المنضوية في الكتل الكبرى إيجاد موطئ قدم في الخارطة الجديدة.
ومن المتوقع أن تكون الانتخابات المقبلة مفصلية، ليس فقط في تشكيل الحكومة، بل في إعادة رسم ملامح النظام السياسي في العراق.
إعلان قائمة التحالفات
في وقت سابق، أعلنت دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، الموقف النهائي لعملية تسجيل التحالفات السياسية، وذلك مع انتهاء الموعد المحدد قانونياً لتقديم طلبات تسجيل التحالفات الراغبة بالمشاركة في الانتخابات المقبلة.
وبحسب بيان صادر عن الدائرة، فإن عدد الأحزاب المجازة رسمياً بلغ حتى اللحظة 343، فيما لا يزال 60 حزباً آخر في طور التأسيس، وهو ما يعكس استمرار الحراك السياسي في تشكيل الكيانات الجديدة والسعي نحو التنظيم السياسي ضمن الأطر القانونية.
وفي ما يخص نوايا المشاركة في الانتخابات، سجّلت المفوضية 118 حزباً قدّموا طلبات رسمية لإبداء رغبتهم في خوض السباق الانتخابي المقبل، مما يشير إلى تنوّع واسع في القوى السياسية التي تسعى إلى التمثيل البرلماني أو المحلي.
أما على صعيد التحالفات السياسية، فقد بلغ عدد التحالفات المسجلة سابقاً في أرشيف المفوضية 66 تحالفاً، فيما أتمّت 5 تحالفات جديدة إجراءات التسجيل وحصلت على شهادة المصادقة من مجلس المفوضين، ما يمنحها الصفة القانونية للمشاركة تحت مظلتها في الانتخابات المقبلة.
في الوقت ذاته، أشارت المفوضية إلى أن هناك 11 تحالفاً آخر لا يزال بانتظار مصادقة مجلس المفوضين، في حين أبدى 25 تحالفاً رغبته بالمشاركة في العملية الانتخابية المقبلة، وهو ما يعكس تنامي التكتلات السياسية في الفترة التي سبقت إغلاق باب تسجيل التحالفات.
وسجلت المفوضية كذلك تلقيها طلبات رسمية من 16 قائمة انتخابية منفردة عبّرت عن نيتها التنافس بشكل مستقل، دون التسجيل تحت مظلة أي تحالف سياسي، وهو مؤشر على رغبة بعض الكيانات في الحفاظ على استقلاليتها في خوض السباق الانتخابي.