ترمب والجامعات.. "صراع سياسي" يهدد التفوق الأميركي في البحث العلمي

time reading iconدقائق القراءة - 14
دبي -عبد السلام الشامخ

تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى ممارسة "نفوذ استثنائي" على الجامعات الأميركية، من خلال حجب الدعم المالي الفيدرالي، الذي كان يتدفّق على الجامعات لعقود طويلة، بسبب مزاعم "معاداة السامية"، بعد موجة من الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في العام الماضي.

وأصبحت "جامعات رابطة اللبلاب" (Ivy League) النخبوية، بما فيها جامعة هارفارد، محور هجمات ترمب على مؤسسات التعليم العالي الأميركية، وأثارت مخاوف من قمع حرية التعبير، فيما فتحت الإدارة تحقيقات مع أكثر من 60 جامعة بسبب مزاعم إخفاقها في "معالجة معاداة السامية".

وجمد ترمب، نحو 3 مليارات دولار من المنح الفيدرالية لجامعة هارفارد في الأسابيع القليلة الماضية، واشتكى من أنها وظفت ديمقراطيين و"أغبياء من اليسار المتطرف وصغار العقول" كأساتذة.

كما ألغت الحكومة الأميركيةK اعتماد جامعة هارفارد لاستضافة الطلاب الدوليين، تاركةً آلاف الطلاب الحاصلين على تأشيرات دراسية في "حالة من عدم اليقين".

وأدى هذا الإلغاء، الذي أمرت به وزارة الأمن الداخلي الأميركية، إلى منع جامعة هارفارد من الوصول إلى نظام معلومات الطلاب والزوار المتبادلين (SEVIS). ويأتي هذا بعد أن اتهمت وزارة الأمن الداخلي الجامعة بتهيئة "بيئة معادية للطلاب اليهود"، والترويج لخطاب مؤيد لـ"حماس" من خلال ثقافة الاحتجاج ومبادرات DEI، بحسب مزاعم الوزارة.

ويخشى قادة الجامعات من أن الحكومة، من خلال تهديدها بحجب التمويل، أو تعليقه دون سابق إنذار، تسعى إلى القضاء على الحرية الأكاديمية، وهي حجر الزاوية في نظام التعليم الأميركي، وركن أساسي في التفوق الأميركي العالمي في مجال البحث العلمي.

وقالت وزيرة الأمن الداخلي، كريستي نويم، في رسالة مؤرخة 22 مايو إلى جامعة هارفارد: "أكتب إليكم لإبلاغكم بأنه اعتباراً من الآن، سيتم إلغاء اعتماد برنامج تبادل الطلاب والزوار لجامعة هارفارد". 

ما هي الجامعات المستهدفة؟

في 29 يناير، بعد أيام من أدائه اليمين الدستورية رئيساً للولايات المتحدة السابع والأربعين، وقّع دونالد ترمب أمراً تنفيذياً يدعو إلى حماية الطلاب اليهود في الجامعات، واتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد معاداة السامية فيها. 

في 10 مارس، اتخذت إدارة ترمب أول إجراء مباشر لها ضد جامعات هارفارد وكولومبيا ونيويورك و60 جامعة أخرى، واصفةً هذه الجامعات المرموقة المعروفة باسم "جامعات رابطة اللبلاب" (Ivy League)، بأنها قيد التحقيق لاحتمال انتهاكها قانون الحقوق المدنية "بسبب المضايقات والتمييز المعادي للسامية".

وأثارت سلسلة من الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين طوال عام 2024 موجة من الاعتقالات الجماعية وتعليق عضوية أعضاء هيئة التدريس في جامعات أميركية عديدة.

وحتى الآن، تم استهداف 7 جامعات بتخفيضات "تمويلية عقابية"، أو أُبلغت صراحةً بأن تمويلها في خطر شديد. وهي: جامعة هارفارد، التي تُهددها خسائر تُقدر بحوالي 9 مليارات دولار. 

وألغت الحكومة بالفعل أكثر من 2.2 مليار دولار رداً على رفض هارفارد علناً مطالب إدارة ترمب. وسارعت هارفارد إلى رفع دعوى قضائية ضد الإدارة، ولا تزال القضية قيد النظر. كما هدد الرئيس بإلغاء إعفاء هارفارد من الضرائب.

وارتفع عدد الطلاب الدوليين في جامعة هارفارد بشكل مطرد ليصل إلى 6793 طالباً في العام الدراسي 2024-2025، مقارنةً بـ 3941 طالباً في العام الدراسي 2006-2007، وهو ما يمثل أكثر من 27% من إجمالي المسجلين حالياً، وفقاً لبيانات الجامعة.

وكانت جامعات مثل براون وكورنيل ونورث وسترن وبرينستون وجامعة بنسلفانيا محط أنظار الجمهوريين بعد أن وُصفت الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في الحرم الجامعي بأنها "معادية للسامية" و"معادية لأميركا". وخلال الحملة الانتخابية، اتهم الحزب الجمهوري الطلاب الدوليين بالتحريض على هذه الاحتجاجات، والتي انتهت باشتباكات بين الشرطة وأعضاء الحرم الجامعي.

آثار قرارات ترمب على الجامعات الأميركية

  • جامعة هارفارد، التي تُهددها خسائر تُقدر بحوالي 2.2 مليارات دولار.
  • جامعة كورنيل، التي تستهدفها تخفيضات لا تقل عن مليار دولار.
  • جامعة نورث وسترن، التي قال مسؤولو إدارة ترمب إنها ستُحرم من 790 مليون دولار.
  • جامعة براون، التي قالت إدارة ترمب إنها ستخسر 510 ملايين دولار
  • جامعة كولومبيا، التي تأمل في استعادة حوالي 400 مليون دولار من المنح والعقود الملغاة بعد أن رضخت لقائمة مطالب من الحكومة الفيدرالية.
  • جامعة برينستون، التي قالت إنه تم تعليق "عشرات" المنح. وأشار البيت الأبيض إلى أن 210 ملايين دولار معرضة للخطر.
  • جامعة بنسلفانيا، التي شهدت تعليق 175 مليون دولار من التمويل الفيدرالي رداً على نهجها تجاه مشاركة رياضي متحول جنسياً في عام 2022.

لماذا يركز ترمب جهوده على هارفارد؟

لطالما زعمت الإدارة الأميركية في ولاية ترمب الثانية، أن الجامعات المستهدفة انتهكت قانون الحقوق المدنية "بسبب المضايقات والتمييز المعادي للسامية". لكن عداء إدارة ترمب تجاه الكليات والجامعات الكبرى له جذور أعمق من الاضطرابات المرتبطة بالحرب الإسرائيلية على غزة وحدها.

ونظر الجمهوريون المحافظون، بنظرة "دونية" إلى نخبة التعليم العالي لعقود، معبّرين عن انزعاجهم من برامج القبول الإيجابي، وارتفاع تكاليف التعليم، وآراء الأساتذة الليبراليين، وانتشار مبادرات التنوع والمساواة والشمول في الجامعات.

ولم تتعرض أي مؤسسة لهجوم أكبر من هارفارد، أبرز جامعة في البلاد، إذ خفضت الحكومة الأميركية تمويلها للجامعة بما لا يقل عن 2.2 مليار دولار، وهددت وضعها كمؤسسة غير ربحية، وسعت إلى جعلها عبرة لغيرها من الجامعات لعدم امتثالها لمطالب مثل منح الحكومة رقابة أكبر على البرامج الأكاديمية، وعمليات القبول، والتوظيف.

وتُعدّ هارفارد، من بين الجامعات العشر التي زارتها فرقة العمل المعنية بمعاداة السامية التابعة لإدارة ترمب في الأشهر الأخيرة. وقد طالبت الإدارة جامعة هارفارد بإجراء تغييرات واسعة النطاق على ممارسات الحوكمة والقبول والتوظيف، والتي ترى السلطات الفيدرالية أنها ضرورية لمكافحة معاداة السامية في الجامعات.

وتصاعدت حدة الصراع بين جامعة هارفارد والإدارة بشكلٍ حاد في 14 أبريل، عندما جمّدت الإدارة 2.2 مليار دولار من التمويل الفيدرالي المُخصّص لهارفارد بعد أن أعلنت الجامعة أنها لن ترضخ لمطالب تغيير ممارسات القبول والتوظيف والحوكمة.

في رسالة بتاريخ 11 أبريل، اتهم مسؤولو إدارة ترمب الجامعة بانتهاك الحقوق المدنية للطلاب والتقصير في حماية الطلاب اليهود والمؤيدين لإسرائيل من خلال السماح بمعاداة السامية في الحرم الجامعي.

بعد أسبوع، هدّدت وزيرة الأمن الداخلي، كريستي ل. نويم بسحب اعتماد برنامج هارفارد للطلاب وتبادل الزوار، الذي يسمح للجامعات الأميركية بقبول الطلاب الدوليين، إذا لم تُسلّم الجامعة سجلات الطلاب الأجانب الذين يُزعم تورطهم في "أنشطة غير قانونية وعنيفة".

فيما رفعت هارفارد دعوى قضائية ضد إدارة ترمب للمرة الثانية في أقل من شهر، بعد أن ألغت وزارة الأمن الداخلي ترخيص الجامعة، التابعة لرابطة اللبلاب، لقبول الطلاب الأجانب، في تصعيد كبير في معركتها المستمرة.

ما حجم الأموال المهددة؟

حتى الآن، سحبت الحكومة، أو هددت بسحب، أكثر من 12 مليار دولار. معظم هذه الأموال مرتبطة بجامعة هارفارد والجامعات التابعة لها، مثل مستشفياتها.

ولم تُفصح الجامعات عن الكثير بشأن البرامج المُعرّضة للخطر. لكن جامعة بنسلفانيا، على سبيل المثال، قالت إن باحثين في سبع جامعات على الأقل من جامعاتها قد ألغوا اشتراكاتهم العلمية.

وقال جيه لاري جيمسون، رئيس جامعة بنسلفانيا، في رسالة مفتوحة: "تشمل هذه العقود أبحاثاً بشأن الوقاية من العدوى المكتسبة من المستشفيات، وفحص الأدوية ضد الفيروسات القاتلة، والحوسبة الكمومية، والحماية من الحرب الكيميائية، وبرامج قروض الطلاب".

كيف استجابت الجامعات؟

أدى الخلاف بين إدارة ترمب والجامعات إلى زيادة قلق الكليات الأميركية بشأن استمرارية دعم الأنشطة البحثية، بالإضافة إلى قدرتها على جذب الطلاب الدوليين، وهم مصدر مهم للمواهب ورسوم الدراسة.

ودرس العديد من الأكاديميين المقيمين في الولايات المتحدة الهجرة إلى جامعات في كندا وأوروبا وآسيا، بعد أن اعتقلت الإدارة واحتجزت طلاباً دوليين، وألغت الشهر الماضي آلافاً من تأشيراتهم، قبل أن تعيدها مؤقتاً.

وباستثناء تصريحات الإحباط والقلق، لم تُعلن الجامعات بشكل عام عن أي خطوات تصعيدية ضد الإدارة الأميركية، باستثناء جامعة هارفارد.

وفي مارس الماضي، وافقت جامعة كولومبيا على الامتثال لمطالب الإدارة حتى تتمكن من الدخول في مفاوضات بشأن مصير الـ 400 مليون دولار الذي خصصته الحكومة لدعم أنشطتها العلمية.

وامثتلت الجامعة لبعض مطالب الإدارة بما فيها وضع قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا في الجامعة تحت إشراف جديد؛ وتعزيز قوة أمن الحرم الجامعي؛ وتشديد سياساتها التأديبية والاحتجاجية. وأثار استسلام جامعة كولومبيا قلق قادة التعليم العالي في جميع أنحاء البلاد.

في 14 أبريل الماضي، اتبعت جامعة هارفارد استراتيجية مختلفة. فقد رفضت مقترحات من الحكومة الفيدرالية، بما في ذلك اقتراح يقضي بالاستعانة بجهة خارجية "لتدقيق البرامج والأقسام التي تُغذّي المضايقات المعادية للسامية أو تعكس سيطرة أيديولوجية". كما طالبت الحكومة هارفارد بكبح سلطة أعضاء هيئة التدريس والإبلاغ عن الطلاب الدوليين الذين يرتكبون انتهاكات سلوكية.

رفضت هارفارد هذه المطالب، وقال رئيسها، آلان م. جاربر، بأن الجامعة "لن تتنازل عن استقلالها أو تتنازل عن حقوقها الدستورية". ورفعت الجامعة دعوى قضائية بعد أسبوع.

بالنسبة للعديد من الأكاديميين المخضرمين، مثّل تحدي هارفارد لإدارة ترمب نقطة تحول محتملة.

وقال لي سي. بولينجر، الرئيس السابق لجامعة كولومبيا، إن مقاومة هارفارد كانت "بالضبط ما كان مطلوباً". وقال إن رد فعل الجامعة يُمثل "استعداد مؤسسة كبرى للدفاع عن القيم الأساسية المُعرّضة للخطر، ليس فقط أمام الجامعات، بل أيضاً أمام مؤسسات ومنظمات أخرى حيوية للديمقراطية الأميركية".

هذه الجامعات غنية. فلماذا تُموّلها الحكومة أصلًا؟

منذ الحرب العالمية الثانية، استثمرت أميركا مبالغ طائلة في الأبحاث العلمية التي تُجرى في جامعات مستقلة وهيئات فيدرالية.

وساعد التمويل الأميركي على أن تصبح القوة العلمية الرائدة عالمياً، وأدى إلى اختراع الهواتف المحمولة والإنترنت، بالإضافة إلى طرق جديدة لعلاج السرطان، وأمراض القلب، والسكتات الدماغية.

وحظيت الأبحاث الممولة اتحادياً بدعم من الحزبين تقريباً، على الرغم من وجود شكاوى عرضية بشأن مشاريع مُحدّدة.

وفي سعيها المُضني لمواجهة تحركات إدارة ترمب الأخيرة، حاولت الجامعات إقناع المسؤولين المُنتخبين والجمهور بمساهماتها المهمة في صحة البلاد وازدهارها. كما سعت إلى تصوير البحوث الجامعية على أنها ضرورية لمستقبل الأمة، لا سيما في ظلّ صعود الصين.

ويُسهم أكثر من مليون طالب أجنبي في مؤسسات التعليم العالي الأميركية إسهاماً كبيراً في الاقتصاد. ففي العام الدراسي 2023-2024، ساهموا بمبلغ 43.8 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي، ودعموا 3.78 مليون وظيفة، وفقاً لـ NAFSA (رابطة المعلمين الدوليين).

ويشير قادة الجامعات إلى أن العديد من المانحين يفرضون قيوداً على كيفية استخدام أموالهم. وقد ناقش الجمهوريون، بمن فيهم نائب الرئيس جيه دي فانس، علناً رفع ضريبة الاستهلاك على الجامعات.

ولدى جامعة هارفارد وقف بقيمة حوالي 53 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق بكثير أي جامعة أميركية أخرى. ومع ذلك، فبعد أيام قليلة من إعلان إدارة ترمب مراجعة التمويل الفيدرالي لجامعة هارفارد، أعلنت الجامعة عن خطة لإصدار سندات بقيمة 750 مليون دولار.

تأثيرات مدمرة وسباق نحو الاستقطاب

فقد آلاف العلماء في الولايات المتحدة وظائفهم أو منحهم، مع خفض إدارة ترمب مليارات الدولارات من التمويل الفيدرالي المخصص للبحث العلمي، الأمر الذي دفع الحكومات والجامعات في جميع أنحاء العالم إلى انتهاز الفرصة والعرض لاستقدامهم.

وتعتبر الولايات المتحدة الممول الرائد عالمياً في مجال البحث العلمي والتطوير، بما في ذلك الاستثمارات الحكومية والجامعية والخاصة. ففي عام 2023، موّلت البلاد 29% من البحث والتطوير العالمي، وفقاً للجمعية الأميركية لتقدم العلوم.

وتراقب مؤسسات البحث في الخارج بقلق التعاون الذي يعتمد على الزملاء في الولايات المتحدة، ولكنها ترى أيضاً فرصاً محتملة لاستقطاب المواهب.

وتأمل جامعات في آسيا، أن يمنحها هجوم الرئيس الأميركي الأخير على جامعة هارفارد، ميزة حاسمة في سعيها لوقف هجرة العقول والمواهب التي استمرت لعقود إلى الولايات المتحدة، حيث اقترحت ألمانيا أن تُنشئ الجامعة فرعاً لها داخل حدودها.

وتسعى الجامعات حول العالم جاهدة لاستقطاب الكفاءات من بعضها البعض، تماماً كما تفعل شركات التكنولوجيا والشركات في مجالات أخرى. 

وأطلق الاتحاد الأوروبي مبادرة بقيمة 500 مليون يورو (569 مليون دولار) في وقت سابق من هذا الشهر لجذب الباحثين الأجانب، كما خصصت فرنسا 100 مليون يورو لجعل البلاد ملاذاً آمناً للعلوم، وخصصت إسبانيا 45 مليون يورو إضافية لبرنامج لتوظيف كبار العلماء، وتخطط بريطانيا للكشف عن خطتها الخاصة بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني (59 مليون يورو).

تصنيفات

قصص قد تهمك