
يعزز الجيش الأميركي قواته على الجبهة الشمالية لأوروبا خوفاً من اندلاع حرب بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وذلك رغم زج الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالحلف في "أزمة تاريخية"، بتشكيكه في فعاليته، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.
وأشارت "وول ستريت جورنال"، إلى تدريبات للجيش الأميركي على جزيرة سويدية أصبحت محور خطة تسلح جديدة لستوكهولم، تبعد نحو 200 ميل عن مدينة كالينينجراد الروسية، وينتظر أن تضم 4500 جندي في أوقات الحرب، واستعملتها قوات مشاة البحرية الأميركية (المارينز) في 21 مايو الجاري، لإطلاق صواريخ من منظومة متنقلة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم أن القذائف التدريبية التي أطلقتها قوة من 12 من المارينز سقطت في بحر البلطيق، فإنها بعثت برسالة واضحة إلى روسيا مفادها أن الجيش الأميركي "يواصل تعزيز وجوده في شمال أوروبا".
ساحة اختبار
وقالت "وول ستريت جورنال" إن إدارة ترمب تسعى إلى جعل الناتو أكثر "فتكاً"، وإن شمال أوروبا تعد ساحة اختبار لهذا التوجه، حيث يواجه الحلف روسيا من جهتين.
وبينما يُبدي بعض المسؤولين الأوروبيين قلقهم من تراجع التزام الولايات المتحدة بالتحالف عبر الأطلسي، في ظل انتقادات ترمب للحلف وتصريحاته بشأن تقليص الانخراط العسكري الأميركي في الخارج، يؤكد قادة عسكريون أميركيون أن موقفهم لا يزال ثابتاً.
وقال العميد أندرو ساسلاف، نائب رئيس أركان العمليات في الجيش الأميركي في أوروبا وإفريقيا، للصحيفة: "من وجهة نظر الجيش الأميركي، لم تتغير أوامري".
وأضاف: "رغم أن مسألة استمرار الانخراط الأميركي تشغل تفكيري، فإنني أمارس هذا العمل منذ وقت طويل بما يكفي لكي لا أنشغل كثيراً بالتقلبات السياسية أو الرسائل التي لا تأتي في صورة أوامر".
مناطق في الواجهة
وأصبحت المناطق الشمالية ودول البلطيق محوراً مهماً في خطط الحرب الأميركية، نظراً لأهمية طرق الشحن والممرات البحرية، والأراضي، واحتياطيات الطاقة في تلك المنطقة بالنسبة للغرب في عصر جديد من الصراع الجيوسياسي.
وتُعد دول البلطيق من بين الأكثر تشدداً داخل الناتو تجاه روسيا، وتتصدر الجهود الأوروبية لإعادة التسلح وزيادة ميزانيات الدفاع، بما في ذلك دعم القوات المسلحة الأوكرانية.
وخلال مناورة امتدت على مدى ثلاثة أسابيع، انضمت القوات الأميركية والبريطانية إلى نظيراتها من الدول الاسكندنافية ودول البلطيق للتدرب على سيناريوهات حرب محتملة، شملت تدريبات بالذخيرة الحية، وعمليات إنزال جوي فوق الدائرة القطبية في النرويج.
وتهدف هذه المناورات إلى ردع العدوان الروسي، وتعزيز دمج الحلفاء في هذا الركن الاستراتيجي من أوروبا، بما في ذلك فنلندا والسويد، العضوان الجديدان في حلف الناتو.
وقال كريستيان آتلاند، كبير الباحثين في مؤسسة البحوث الدفاعية النرويجية التي تقدم المشورة للقوات المسلحة النرويجية: "الآن بعد انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، أصبح لدينا شريط متصل من أراضي الناتو شمال الدائرة القطبية".
وأضاف: "أتاح توسيع عضوية الناتو في الدول الإسكندنافية للحلف أيضاً نقل التعزيزات بسهولة أكبر إلى دول البلطيق في حال وقوع أزمة أو صراع عسكري في تلك المنطقة".
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، كثفت دول الشمال الأوروبي إنفاقها العسكري.
"وحدة الناتو"
وتتقاسم فنلندا حدوداً تمتد نحو 800 ميل مع روسيا، بينما تقع الحدود النرويجية مع روسيا قرب شبه جزيرة كولا، التي تُعد موطناً لأسطول الشمال، القوة البحرية الروسية الأساسية.
أما إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، فقد حذرت منذ سنوات من الطموحات العسكرية الروسية، وتوفر معلومات استخباراتية متقدمة عن جارتها الكبرى.
ومع ذلك، يؤكد المسؤولون في المنطقة أن تعميق العلاقات مع واشنطن لا ينبغي أن يُشتت الانتباه عن وحدة الناتو.
وقال كارل-يوهان إيدستروم، رئيس هيئة أركان الدفاع السويدي: "الأمر لا يتعلق بإنشاء نادٍ داخل نادٍ، بل بتعزيز قوة الناتو". وأضاف: "لكن بالتوازي مع ذلك، يمكن تنفيذ عمليات أو تعاون ثنائي أو متعدد الأطراف، وهذا من شأنه فقط أن يعزز الدفاع الجماعي".
جزيرة جوتلاند
وتُعد جزيرة جوتلاند من أكثر المواقع استراتيجية في شمال أوروبا، إذ تتيح نشر أجهزة الاستشعار وأنظمة الأسلحة بعيدة المدى للسيطرة على العمليات الجوية والبحرية في منطقة بحر البلطيق.
وكان قائد الجيش السويدي ميكائيل بيدين قد صرح العام الماضي بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يراقب جوتلاند "بعينيه الاثنتين".
وقال ستيفان لوندكفيست، ممثل السويد في مركز تيد ستيفنز لدراسات الأمن في القطب الشمالي بولاية ألاسكا، إن المواقع البحرية الاستراتيجية لروسيا في بحر البلطيق ضعيفة للغاية، وأي صراع سيشهد على الأرجح محاولة روسية فورية للسيطرة على الموانئ الرئيسية في دول البلطيق وفنلندا وبولندا.
ورجح لوندكفيست أن تشهد جوتلاند، باعتبارها الموقع العسكري الاستراتيجي الأهم، أعمالاً عدائية في المرحلة الأولى من أي صراع.
"جزيرة محورية"
وبعد سنوات من نزع السلاح، أصبحت جوتلاند اليوم محور خطة إعادة تسليح سويدية، إذ يمكن للجزيرة، في حال اندلاع الحرب، أن تتحول إلى مركز لوجيستي لحلف الناتو، ونقطة تحكم في خطوط الاتصال البحرية، وقاعدة لبناء قدرات هجومية لضرب أهداف في عمق أراضي العدو.
ويُتوقع أن تضم الجزيرة نحو 4500 جندي في أوقات الحرب، بينما يصل مئات المجندين سنوياً، ما يشكل عنصراً غريباً وسط السكان الذين انتقل كثير منهم إلى الجزيرة في السنوات الأخيرة بحثاً عن هدوئها الطبيعي وشوارعها المرصوفة بالحصى، دون أن يتوقعوا وجود ميادين رماية بجوار منازلهم.
ولمحاكاة عملية عسكرية للدفاع عن الجزيرة، نفذت وحدة استطلاع بريطانية عملية استكشافية الأسبوع الماضي، تبعها بأيام إنزال لـ110 مظليين بريطانيين قفزوا من ارتفاع 1000 قدم من طائرتين من طراز A400M في حقل مفتوح، قبل أن يسيروا طوال الليل عبر الغابات لتأمين منطقة هبوط للطائرات.
وفي غضون ذلك، وصلت وحدة من مشاة البحرية الأميركية قبيل منتصف الليل إلى موقع قريب مزودة بمنظومة صواريخ متنقلة يمكن نشرها سريعاً في حال اندلاع الحرب.
وكان المارينز في النرويج قبل ساعات فقط، ثم أطلقوا ذخائر تدريبية قبل أن ينقلوا المنظومة جواً إلى فنلندا لتنفيذ عرض مماثل.