
وجه المستشار الألماني فريدريش ميرتس الثلاثاء، أشد توبيخ لإسرائيل حتى الآن وانتقد الغارات الجوية المكثفة على غزة قائلاً إنه لم يعد من الممكن تبريرها بهدف محاربة "حماس"، وإنها "لم تعد منطقية".
وقال ميرتس في توركو بفنلندا "لم تعد الضربات العسكرية المكثفة التي يشنها الإسرائيليون في قطاع غزة تنم عن أي منطق بالنسبة لنا. أنظر إلى هذا الأمر على نحو معارض للغاية". وأضاف "أنا أيضاً لست من بين أولئك الذين بادروا بقول ذلك... لكن يبدو لي أن الوقت حان لأقول علناً إن ما يحدث حالياً لم يعد منطقياً".
وهذه التعليقات لها أهميتها الخاصة بالنظر إلى أن ميرتس فاز في انتخابات فبراير الماضي، متعهداً باستضافة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الأراضي الألمانية في تحد لمذكرة اعتقال بحقه أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، كما تعكس تحولاً أوسع نطاقاً في الرأي العام وكذلك استعداداً أكبر لدى كبار السياسيين الألمان لانتقاد سلوك إسرائيل منذ اندلاع الحرب في غزة.
ووجه وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول انتقادات مماثلة، وقال إن بلاده لن تتضامن مع إسرائيل بالإجبار، معبراً عن صدمته من الحرب الإسرائيلية على غزة التي تحرم سكان القطاع من الغذاء والدواء.
وأضاف في مقابلة إذاعية "يجب ألا يُستغل التزامنا بمكافحة معاداة السامية ودعمنا الكامل لحق دولة إسرائيل في الوجود والأمن كأداة في الصراع والحرب الدائرة حالياً في قطاع غزة".
وأردف يقول "نحن في مرحلة تحتم علينا التفكير بجدية في أي من الخطوات الجديدة التي يلزم اتخاذها"، دون الخوض في تفاصيل أخرى.
دعوات لوقف صادرات الأسلحة
وتتصاعد دعوات من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الشريك الأصغر في الائتلاف الحاكم، لوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل خشية مواجهة ألمانيا اتهامات بالتواطؤ في جرائم حرب.
ورغم أن تحول اللهجة ليس انهياراً تاماً للعلاقات الألمانية الإسرائيلية، فإن له أهمية في بلد تتبع قيادته سياسة المسؤولية الخاصة تجاه إسرائيل والالتزام بأمنها ومصالحها الوطنية بسبب إرث المحرقة النازية.
وتعد ألمانيا، إلى جانب الولايات المتحدة، من أشد الداعمين لإسرائيل لكن كلمات ميرتس تأتي في وقت يراجع فيه الاتحاد الأوروبي سياساته تجاه إسرائيل، كما هددت بريطانيا وفرنسا وكندا باتخاذ "إجراءات ملموسة" بشأن غزة.
محادثة مرتقبة بين ميرتس ونتنياهو
ويعتزم المستشار الألماني التحدث إلى نتنياهو هذا الأسبوع، في وقت قتلت فيه الهجمات الإسرائيلية على غزة العشرات في الأيام القليلة الماضية ويواجه سكان القطاع البالغ عددهم نحو مليوني نسمة خطر المجاعة.
ولم يرد ميرتس على سؤال بشأن صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل، وقال مسؤول حكومي في مؤتمر صحافي إن هذه مسألة تخص مجلساً للأمن يرأسه ميرتس.
وأقر رون بروسور السفير الإسرائيلي لدى برلين بالمخاوف الألمانية الثلاثاء، لكنه لم يدل بتعليقات.
وقال بروسور لشبكة ZDF "عندما يثير فريدريش ميرتس هذا الانتقاد لإسرائيل، فإننا ننصت جيداً لأنه صديق".
51% من الألمان يعارضون تصدير الأسلحة لإسرائيل
وتأتي تصريحات ميرتس في خضم معارضة واسعة للممارسات الإسرائيلية. إذ أظهر استطلاع أجرته مؤسسة "سيفي"، ونُشر في صحيفة "تاجس شبيجل" هذا الأسبوع، أن 51 بالمئة من الألمان يعارضون تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.
وعلى نطاق أوسع، أظهر مسح أجرته مؤسسة بيرتلسمان في مايو، أن 60 بالمئة من الإسرائيليين لديهم رأي إيجابي أو إيجابي للغاية تجاه ألمانيا، بينما ينظر 36 بالمئة فقط من الألمان إلى إسرائيل بشكل إيجابي و38 بالمئة ينظرون إليها بشكل سلبي.
ويعكس هذا المسح تغييراً ملحوظاً عن الاستطلاع الأخير الذي أُجري عام 2021، إذ كان 46 بالمئة من الألمان لديهم رأي إيجابي تجاه إسرائيل. بينما لا يُقر سوى ربع الألمان بمسؤولية خاصة تجاه إسرائيل، في حين يعتقد 64 بالمئة من الإسرائيليين أن على ألمانيا التزاماً خاصاً تجاههم.
ووجه فيليكس كلاين مفوض الحكومة الألمانية لشؤون مكافحة معاداة السامية توبيخاً آخر لاذعاً لإسرائيل هذا الأسبوع، ودعا إلى مناقشة موقف برلين تجاه إسرائيل، قائلاً إن الدعم الألماني بعد المحرقة لا يمكن أن يبرر كل ما تفعله إسرائيل.
وقال المؤرخ الإسرائيلي موشيه زيمرمان إن الرأي العام في ألمانيا تجاه إسرائيل كان رد فعله مماثلاً للموقف في بلدان أخرى.
ومضي يقول "يكمن الفرق في النخب السياسية، فالنخبة السياسية (في ألمانيا) لا تزال تخضع لتأثير دروس الحرب العالمية الثانية بطريقة أحادية البعد.. تتمثل في القول ’كان اليهود ضحايانا خلال هذه الحرب، لذلك يتعين علينا أن ندعمهم أينما كانوا ومهما فعلوا’".
واستطرد "يمكنك أن تلمس ذلك في رد فعل وزير الخارجية الألماني الجديد، فاديفول، وبشكل غير مباشر في عدم تكرار ميرتس وعده بدعوة نتنياهو لزيارة البلاد. هذا وضع غير مسبوق، إذ يُجبر الضغط من الأسفل الطبقة السياسية على إعادة النظر".