مواجهة ترمب والقضاء.. هل تدخل الولايات المتحدة "أزمة دستورية"؟

time reading iconدقائق القراءة - 22
فتاة تحمل لافتة خارج المحكمة العليا الأميركية بشأن محاولة الرئيس الأميركي فرض أمره التنفيذي لتقييد حق المواطنة التلقائي بالولادة. 15 مايو 2025 - reuters
فتاة تحمل لافتة خارج المحكمة العليا الأميركية بشأن محاولة الرئيس الأميركي فرض أمره التنفيذي لتقييد حق المواطنة التلقائي بالولادة. 15 مايو 2025 - reuters
واشنطن-أحمد منعم

خلال الأشهر الأولى من عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، تحوّلت المحاكم الأميركية إلى ساحة مواجهة بين السلطتين التنفيذية والقضائية، على خلفية دعاوى قضائية تشكك في قانونية سياسات الإدارة المتعلقة بملفات الهجرة والتمويل الفيدرالي والحقوق المدنية.

وفي سابقة لم تشهدها إدارة أميركية أخرى، تلقت المحاكم نحو 328 دعوى قضائية ضد إدارة ترمب، فيما أصدر القضاة أكثر من 200 حكم ضد قرارات الرئيس في حوالي 128 قضية، بينما نجحت الإدارة في 43 قضية فقط. ولا تزال أكثر من 140 قضية معلّقة أو قيد النظر.

وكان سيل الأحكام، الذي عطّل بعض سياسات الإدارة، محل انتقاد لاذع من الرئيس ترمب، الذي اتهم القضاة بالتحيز السياسي ضده، وطالب بـ "العزل الفوري" لمن وصفهم بـ"القضاة المتحزبين أو الراديكاليين" الذين يعرقلون ما يراه أنصاره "إصلاحات يسعى الرئيس المنتخب إلى تنفيذها"، لكن هذه الدعوة لم تلق قبولاً لدى رئيس المحكمة العليا، أعلى جهة قضائية في البلاد، لتستمر المواجهة بين الرئيس والقضاة، مع تبادل الاتهامات بين الجانبين بـ "تجاوز الصلاحيات الدستورية".

حق الجنسية.. "معركة الأحكام الوطنية"

بدأ الصدام القضائي مبكراً، حول أمر تنفيذي أصدره ترمب في أول أيام ولايته الثانية، حين قيّد منح الجنسية الأميركية تلقائياً للأطفال المولودين في الولايات المتحدة لأبوين غير مواطنين أو لا يحملان الإقامة الدائمة. وفي غضون أيام، أصدر القاضي الفيدرالي في ولاية واشنطن، جون كوفينور، أمر تعطيل مؤقت لقرار ترمب مدته 14 يوماً، واعتبره "قراراً غير دستوري". لاحقاً، أصدر كوفينور "أمراً قضائياً أولياً" على نطاق وطني، وهو إجراء يوقف العمل بالقرارات الرئاسية مؤقتاً في عموم البلاد، حتى تفصل المحكمة نهائياً في القضية.

واستند القرار التنفيذي الذي أصدره ترمب إلى تفسير الرئيس وفريقه للتعديل الـ14 من الدستور الأميركي، والذي يمنح الجنسية لكل من يخضع للولاية القضائية الأميركية، وهو ما لا ينطبق، بحسب ترمب، على الأطفال المولودين لأمهات غير مصرح لهن بالإقامة في البلاد.  إلا أن القاضي كوفينور رفض هذا التفسير، مشيراً إلى حكم تاريخي صدر عام 1898 في القضية المعروفة بـ "وونج كيم آرك"، والذي أكد على أن "كل من يُولد على الأراضي الأميركية يُعتبر مواطناً، باستثناء أبناء الدبلوماسيين والقوات الأجنبية المعادية".

وخلال الأشهر اللاحقة، قدّمت عدة ولايات، منها أوريجون ونيو جيرسي وماريلاند، دعاوى تطعن في دستورية قرار ترمب، كما أصدر ثلاثة قضاة آخرون أوامر قضائية وطنية لتعليق قرار ترمب، ما أثار انتقادات حادة من ترمب ومؤيديه.

اقرأ أيضاً

إلغاء حق الجنسية الأميركية بالولادة.. انقسام في المحكمة العليا بشأن قرار ترمب

تواجه المحكمة العليا صعوبة في التوصل إلى توافق بالآراء خلال المرافعات الشفوية المتعلقة بجهود الرئيس دونالد ترامب لإنهاء حق الحصول على الجنسية الأمريكية بالولادة

وفسّر خبراء قانون تحدثوا لـ "الشرق"، أن الأمر القضائي الوطني، هو قرار يصدره قاضٍ فيدرالي في محكمة جزئية، لكن يطبق في كافة أنحاء البلاد، ولا يقتصر على النطاق الجغرافي للمحكمة التي أصدرته.  ويعتبر كين كوتشينيلي، المدعي العام السابق لولاية فيرجينيا، أن هذه الممارسة تشكل "تهديداً خطيراً للنظام الدستوري الأميركي"، إذ يرى أنها تتجاوز صلاحيات القضاة، وتلزم جميع الولايات بأحَكام "غير منضبطة"، بما يضرّ بمبدأ الفصل بين السلطات.

وينتقد كوتشينيلي من يصفهم بـ "القضاة اليساريين المارقين"، الذين يصدرون أوامر قضائية وطنية بشكل مفرط. وهو ما عبّر عنه نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، الذي صرّح سابقاً بأن "القضاة ليسوا مخوّلين بالتحكم في السلطة التنفيذية المنتخبة"، في إشارة لكثرة الأوامر القضائية التي جمّدت سياسات أطلقتها الإدارة الحالية.

وحتى نهاية مايو الماضي، واجهت سياسات إدارة ترمب الثانية نحو 39 أمراً قضائياً وطنياً في دعاوى متعددة ضد الحكومة، وفقاً لوزارة العدل الأميركية.

وقال أستاذ القانون في جامعة شيكاجو، توم جينسبرج، إن الأوامر القضائية الوطنية "ظاهرة أزعجت الإدارات المتعاقبة، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية"، لافتاً إلى تحول في موقف مؤيدي ترمب الذين كانوا قبل عام واحد من أشد مؤيدي تلك الإجراءات، عندما كانت تعرقل سياسات إدارة الرئيس السابق جو بايدن.

وتبرز إحصائية لمجلة هارفارد للقانون، زيادة واضحة في عدد الأوامر القضائية الوطنية خلال حكم ترمب، مقارنة بالرؤساء الديمقراطيين السابقين، حيث صدر 14 أمراً خلال إدارة بايدن، و12 خلال فترتيْ باراك أوباما، مقابل 64 أمراً صدرت في ولاية ترمب الأولى.

ويرى جينسبرج أن العدد الكبير من القضايا مؤخراً "يصعّب تحديد مدى قانونية استخدام تلك الأوامر القضائية الوطنية، إلا بفحص كل قضية على حدة". لكنه يجد مبرراً لاستخدام هذا الإجراء في قضية حق الجنسية بالولادة، بسبب "الحاجة إلى وضوح قانوني بشأن ما إذا كان الأطفال المولودون يومياً يحصلون على الجنسية أم لا، بدلاً من أن يختلف وضعهم باختلاف القرارات من محكمة لأخرى أو من ولاية لأخرى".

ويشير مركز دراسات الهجرة الأميركي، إلى أن نحو 225 إلى 250 ألف طفل ولدوا عام 2023 لأبوين مهاجرين غير مصرح لهما بالإقامة في الولايات المتحدة، أي ما يمثل حوالي 7% من إجمالي المواليد في العام نفسه.

وقال إيليا سومين، أستاذ القانون الدستوري في جامعة جورج مايسون، إن "العدد الهائل من المتضررين يجعل من غير العملي أن يرفع كل منهم دعوى منفصلة، ما يجعل إصدار أوامر قضائية على نطاق وطني أمراً منطقياً". وأضاف: "الإدارة قد تعترض على قدرة قاضٍ فيدرالي واحد على تعطيل إجراءاتها، لكنها تظل قادرة على الاستئناف سريعاً ضد الحكم".

وحتى الآن، لا تزال هذه الأوامر القضائية نافذة المفعول، بعدما أيّدتها ثلاث محاكم استئناف، في مارس الماضي، عندما طعنت إدارة ترمب على قرارات المحاكم الجزئية، لتصل القضية إلى المحكمة العليا، أعلى جهة قضائية في البلاد.

إلا أن الإدارة لم تطلب من المحكمة العليا النظر في جوهر القضية، أو مدى دستورية أمر ترمب التنفيذي بتقييد الحق في الجنسية، وإنما طلبت تحجيم قدرة القضاة على إصدار "أوامر وطنية" تتجاوز نطاق محاكمهم الجغرافي، وهو مطلب انتقدته عضوة المحكمة العليا، إيلينا كاجار، أثناء جلسة الاستماع منتصف مايو الماضي، وقبل قرار المحكمة المرتقب صدوره الشهر المقبل.

ويرى سومين أن طلب الإدارة بمراجعة قانونية للأوامر القضائية الوطنية، "راجع لاعتقادها أن فرصتها في الفوز بهذه النقطة تفوق فرصها في أن تقر المحكمة العليا بدستورية قرار تقييد الحق في الجنسية على أساس الميلاد".

إلغاء التعريفات.. و"خيبة أمل" ترمب

لطالما هدد الرئيس دونالد ترمب، خلال فترتيْ رئاسته، بفرض رسوم جمركية على الواردات من دول أخرى، خاصة الصين. وبدأت حرب تجارية بين البلدين في صيف 2018، حين فرض ترمب تعريفات بنسبة 25%، على واردات صينية قيمتها 34 مليار دولار، لترد الصين برُسوم مماثلة على واردات أميركية.

ولدى عودته إلى سدّة الرئاسة، تصاعدت هذه التعريفات بشكل غير مسبوق، كما شملت دول أخرى من بينها كندا والمكسيك، اللتان كانتا ترتبطان باتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة. واستند ترمب في فرض هذه الرسوم إلى قانون الصلاحيات الاقتصادية الدولية الطارئة (IEEPA)، وهو تشريع يمنح الرئيس صلاحيات واسعة خلال "حالة الطوارئ الوطنية".

وفي خطوة مفاجئة، قضت محكمة التجارة الدولية الأميركية، الأسبوع الماضي، بإلغاء تعريفات ترمب، وقالت إن "القانون لا يمنح الرئيس صلاحية فرض رسوم جمركية شاملة بدون موافقة الكونجرس"، لكن إدارة ترمب سارعت لتدارك الحكم، وطلبت من محكمة الاستئناف الفيدرالية تعليق تنفيذه بصورة مؤقتة، وهو ما وافقت عليه محكمة الاستئناف في نفس اليوم.

وردّ ترمب بانتقاد لاذع لقضاة محكمة التجارة، والتي تضم ثلاثة أعضاء عيّنهم في مناصبهم خلال رئاسته الأولى، وعبّر في منشور عبر منصة Truth Social عن "خيبة أمله" في اختيارهم، واصفاً حكمهم بأنه "خاطئ، وذو دوافع سياسية".

ولا تُعد هذه أول مناسبة يصف فيها ترمب قضاة حكموا ضد إجراءاته بأنهم "مسيسون"، وهو ما يرفضه فيكرام آمار، عميد كلية القانون السابق بجامعة إلينوي، الذي قال إن "المحكمة العليا التي تضم 6 قضاة عينهم رؤساء جمهوريون، 3 منهم عينهم ترمب شخصياً، حكمت بالإجماع ضد ترمب في بعض القضايا، مثلما حكمت لمصلحته بالإجماع في قضايا أخرى".

وأضاف أن "انتقادات ترمب للقضاة في مواقف سابقة لم تمنع إصدار قرار محكمة التجارة، والذي اتخذته بالإجماع لجنة من القضاة الذين عينهم رونالد ريجان وباراك أوباما، ودونالد ترمب نفسه".

وفي سياق منشوره عبر المنصة، قال ترمب إن "اختياره للقضاة الثلاثة كان بناءً على توصية جمعية الفيدراليين، المنظمة القانونية ذات التوجه المحافظ، ورئيسها السابق ليونارد ليو"، الذي وصفه ترمب بأنه "شخص سيء وربما يكره أميركا، كما يتفاخر بسيطرته على قضاة البلاد بمن فيهم قضاة المحكمة العليا".

ويرى أستاذ القانون في جامعة تكساس، ليفينسون ستانفورد، أن "ليونارد ليو والجمعية الفيدرالية المحافظة كانا محل ثقة ترمب في البداية، وكان الرئيس يراهن على دعم القضاة المحافظين الذين عينهم بترشيح من ليو، لكنهم حكموا ضد سياسة الرئيس في النهاية".

ودعا ترمب المحكمة العليا لأن تلغي سريعاً قرار محكمة التجارة، الذي وصفه بأنه "فظيع ويهدد البلاد"، بينما قال بيتر نافارو، المستشار التجاري السابق للرئيس ترمب، إن "الإدارة ستواصل الدفاع عن سياساتها التجارية، بما في ذلك اللجوء لأدوات قانونية أخرى لفرض تعريفات جديدة إذا لزم الأمر".

من جانبه، يرى ستانفورد، أن تمسك إدارة ترمب بسياسات الرسوم الجمركية "يخلق حالة من عدم اليقين في السوق الأميركية"، مشيراً إلى أن تدخل المحكمة العليا قد يستغرق أكثر من عام، وهو وقت "لن تتحمله الشركات الصغيرة، أو مستوردي البضائع من الصين، الذين يعجزون عن اتخاذ قرار سواء باستيراد بضائع غالية في الوقت الراهن أو الانتظار حتى تُرفع تلك التعريفات".

قانون الأعداء الأجانب.. وسردية "القضاء المسيس"

وخلال حملته الانتخابية، تعهد ترمب بتنفيذ أوسع عملية ترحيل للمهاجرين غير القانونيين من بلاده، باستخدام "قانون الأعداء الأجانب" الذي يعود لعام 1798. وما أن أدّى ترمب القسم الدستورية، وقّع أمراً تنفيذياً يقضي باستخدام القانون لتكثيف عمليات الترحيل، خاصة ضد عصابات إجرامية، منها "ترين دي أراجوا"، و"إم إس-13"، اللتان صنفتهما الخارجية الأميركية "منظمتين إرهابيتين" فبراير الماضي.

وواجهت هذه السياسة انتقادات منظمات حقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش، التي رأت فيها سابقة تقوّض "حق المهاجرين المهددين بالترحيل في تقديم التماسات (هابياس كوربوس)"، وهي إجراءات قانونية تُلزم السلطات بعرض المُحتَجزين على قاضٍ لمراجعة قانونية الاحتجاز والترحيل.

بدوره، أشار إيليا سومين، أستاذ القانون في جامعة جورج مايسون، إلى أن الإدارة فسّرت قانون الأعداء الأجانب على نحو "يسمح لها بالتعامل مع المهاجرين، أو تحديداً من تتهمهم بتهريب المخدرات باعتبارهم غزاة، ما يمنح السلطة التنفيذية صلاحيات موسعة في تنفيذ حملات الترحيل".

بالمقابل، دافع مؤيدون لترمب عن استخدام القانون، حيث اعتبر كين كوتشينيلي، المدعي العام السابق لولاية فيرجينيا، أن القانون يلغي الحاجة إلى اتباع الإجراءات القانونية التقليدية، أو إجراءات البيروقراطية البطيئة، التي تعرقل التعامل مع أشخاص يمثلون تهديداً على الأمن القومي.

وفي منتصف مارس، أعلن البيت الأبيض عن أول تطبيق رسمي لقانون الأعداء الأجانب، بترحيل نحو 238 شخصاً، قالت واشنطن إنهم أعضاء في "عصابة ترين دي أراجوا". وفي الوقت نفسه، أصدر القاضي الفيدرالي جيمس بواسبرج أمراً مؤقتاً يمنع ترحيل مهاجرين فنزويليين بموجب القانون، مطالباً بمنحهم "الإجراءات القانونية الواجبة"، غير أن الرئيس السلفادوري نجيب بوكيلة، أعلن بعد القرار مباشرة، أن بلاده استقبلت المُرحَّلين بالفعل، وأودعتهم سجن "سيكوت" شديد الحراسة.

والأمر التقييدي المؤقت، هو حكم عاجل ومؤقت يتخذه القاضي بغرض منع الإجراء محل الدعوى، إلى حين البت في القضية أو إصدار أمر قضائي دائم.

وفي السابع من أبريل الماضي، ألغت المحكمة العليا، الحكم المؤقت الذي أصدره بواسبرج بأغلبية 5 أصوات مقابل 4، وقالت إن المهاجرين المهددين بالترحيل رفعوا دعواهم إلى محكمة غير مختصة، تقع في واشنطن العاصمة، وأنه ينبغي تقديمها في ولاية تكساس، حيث كانوا محتجزين. وعلق المدعي العام السابق لولاية فيرجينيا كين كوتشينيلي على ذلك بوصفه "تسوقاً قضائياً" يفتح الباب أمام الطعن في سياسات فيدرالية أمام أي محكمة أياً كان نطاق اختصاصها الجغرافي، وهو ما طالب كوتشنيلي بإلغائه سابقاً، لأنه "يعوّق سلطات الرئيس في حماية الأمن القومي".

ويعزو عميد كلية القانون بجامعة إلينوي، فيكرام آمار، إلغاء بعض قرارات المحاكم الجزئية إلى وقوع أخطاء في تلك المحاكم، وذلك لأن قضاة المحاكم الجزئية يعملون بسرعة، ولا تتوافر لديهم نفس الموارد أو الوقت أو المهارات، التي تمتلكها محاكم الاستئناف، لكنه أشار إلى أن السبب وراء رفض ترمب لتلك الأحكام، ينبع من موقفه من مسألة "الرقابة القضائية".

فقبل أن تلغي المحكمة العليا قرار بواسبرج، وجّه ترمب انتقاداً حاداً للقاضي، ووصفه، دون تسميته، بأنه "يساري متطرف عيّنه باراك أوباما في منصبه"، كما وصفت كارولين ليفيت، الناطقة باسم البيت الأبيض، القاضي بواسبرج بـ "الناشط الديمقراطي"، واتهمته بإصدار أحكام مسيّسة بغرض "التغول على سلطات الرئيس".

ولم تكن هذه المناسبة الوحيدة التي يوجه فيها ترمب اتهاماً مماثلاً للقضاة، إذ يرى توم جينسبرج، أستاذ القانون في جامعة شيكاجو، أن ترمب "يسعى لتشويه صورة القضاء، وتحفيز أنصاره ضدهم وربما التأثير على أحكامهم"، مشيراً إلى أن ذلك النهج قد يدفع قضاة "لتجنب المواجهة مع الرئيس وتحاشي إهاناته، وهو ما يريده ترمب".

وقال أستاذ القانون في جامعة تكساس، ليفينسون ستانفورد، إن "تفسير القضاة للقانون وأحكامهم قد تتأثر بأيديولوجيتهم السياسية، سواء كانوا محافظين أو ليبراليين، لكن ذلك لا يعني أنهم مسيسون أو يحكمون على أساس حزبي". ودلل على ذلك بأحكام قضائية ضد سياسات الإدارة الحالية "أصدرها قضاة عينهم ترمب شخصياً في مواقعهم".

وفي هذا السياق، أشار ستانفورد لأحكام ضد سياسات ترمب اتخذتها المحكمة العليا، التي عُيّن أغلب أعضائها من قبل رؤساء جمهوريين من بينهم ترمب، ففي 19 أبريل، أصدرت المحكمة العليا أمراً طارئاً يقضي بعدم ترحيل مجموعة جديدة من المهاجرين الفنزويليين بموجب قانون الأعداء الأجانب، وهو ما ردت عليه الإدارة بأنها "لا تخطط لأي ترحيلات في المستقبل القريب".

لاحقاً، في بداية مايو الماضي، صدر حكم آخر عن القاضي فرناندو رودريجيز جونيور، الذي عينه ترمب في محكمة جنوب تكساس، قضى بمنع استخدام القانون ذاته لترحيل مهاجرين فنزويليين، في النطاق الجغرافي لمحكمته، يُشتبه بانتمائهم إلى عصابة "ترين دي أراجوا". واعتبر أن تطبيق القانون في هذه الحالة "يتجاوز الغرض الذي شُرّع لأجله"، لافتاً إلى أن استخدام القانون يقتصر على حالات الحرب المعلنة أو الغزو من قبل دولة أجنبية، وهو ما لم ينطبق على القضية المطروحة، وفق نص الحكم.

وعلق فيكرام آمار، عميد كلية القانون السابق بجامعة إلينوي، أن هذه الأحكام تمثل "دليلاً واضحاً يدحض اتهامات التحيز السياسي عن القضاة"، مستشهداً بما حدث عقب انتخابات عام 2020، حين رفض قضاة عينهم رؤساء ديمقراطيين وجمهوريين على السواء، ادعاءات ترمب بتزوير الانتخابات، وأصر القضاة حينها على التمسك بنهجهم القضائي الذي يعتمد على الإثبات والحجج المحكمة، وليس على الاتهامات والتكهنات المجردة.

تسريح الموظفين دون موافقة الكونجرس

ومنذ بدء ولايته الثانية، أبدى الرئيس الأميركي عزمه تقليص الإنفاق الحكومي، مستعيناً بوزارة الكفاءة الحكومية، التي استحدثها لتحقيق ذلك الهدف، وأسند قيادتها لمستشاره حينها الملياردير إيلون ماسك، الذي غادر ذلك المنصب الأسبوع الماضي.

وخلال الأسابيع الأولى لعودته إلى البيت الأبيض، وقّع ترمب سلسلة أوامر تنفيذية مهدت الطريق لفصل أكثر من 275 ألف موظف فيدرالي، أي ما يعادل نحو 12% من إجمالي العاملين بالجهاز الحكومي، وفقاً لتقديرات شركة تشالينجر جراي، المتخصصة في إدارة عمليات التسريح.

ودافع ترمب عن قراراته، خلال أول اجتماع لحكومته، قائلاً إن "الجهاز التنفيذي متضخم وفوضوي، ويعاني من فائض في أعداد الموظفين". كما شدد البيت الأبيض على أن تلك الإجراءات تهدف إلى "التخلص من الهدر وتحسين كفاءة الأداء الحكومي".

وواجهت قرارات التسريح تحديات قانونياً، حيث أصدرت محاكم فيدرالية ومحاكم استئناف أوامر قضائية بإعادة آلاف الموظفين إلى مواقعهم في 6 وكالات و12 وزارة، وبرر القضاة أحكامهم بأن "الإدارة تجاوزت صلاحياتها حين نفّذت قرارات الفصل دون تفويض من الكونجرس".

غير أن الإدارة حققت أيضاً انتصارات قانونية في قضايا تسريح الموظفين الفيدراليين، أبرزها قرار المحكمة العليا بوقف تنفيذ أوامر عودة الموظفين لعملهم، وبررت قرارها بأن الجمعيات الحقوقية التي رفعت تلك الدعاوى "تفتقر إلى الأهلية القانونية للتقاضي"، فيما لم تبّت المحكمة في جوهر القضية، أي في صلاحية الرئيس لفصل آلاف الموظفين.

وأثارت قرارات التسريح انتقاد خبراء قانونيين، بينهم أستاذ القانون بجامعة تكساس، ليفنسون ستانفورد، الذي يرى أن تقليص أعداد الموظفين دون تفويض من الكونجرس ودون دراسة يتسم بخطورة، وقد يؤدي إلى عواقب مميتة. وأشار إلى تسريحات في وكالة إدارة الطوارئ FEMA، وهيئة الأرصاد الجوية، والتي تثير مخاوف من تراجع قدرة تلك الوكالات على التنبؤ بالكوارث والتعامل معها، بما قد يؤدي لحصيلة وفيات أكبر حال وقوع تلك الكوارث.

لكن الإدارة دافعت عن إجراءاتها التي تهدف إلى إعادة استغلال موارد الحكومة الفيدرالية، والتخلص من الهدر، وفي ذلك السياق، أشار كين كوتشينيلي، الذي ساهم في كتابة مشروع 2025، والذي يعده البعض خارطة طريق للإصلاحات التي تتبناها إدارة ترمب، إلى ضرورة التخلص مما وصفه بـ "البيروقراطية المتضخمة في الوكالات الفيدرالية"، وذلك عبر سياسات من بينها "خصخصة برامج التأمين الوطني ضد الأعاصير، وتوجيه الإنفاق على إدارة الطوارئ إلى الولايات والمقاطعات بدلاً من الحكومة الفيدرالية".

ورغم معارضة مشرعين لسياسات التسريح، إلا أن الكونجرس، الذي يمثل الجمهوريون أغلبية في مجلسيه، لم يتخذ قرارات حيال إجراءات ترمب بفصل عشرات الآلاف من الموظفين.

وفي هذا الإطار قال أستاذ القانون في جامعة شيكاجو، توم جينسبرج، إن الكونجرس "ربما يمارس دوره الأساسي بمراقبة السلطة التنفيذية، والضغط على مسؤوليها، عبر استدعائهم واستجوابهم بخصوص برامجهم المختلفة، ومع ذلك فمن الواضح أنه يفوض مزيداً من صلاحياته للسلطة التنفيذية، وهو ما يقود الولايات المتحدة نحو ما يعرف بـ (النظام الرئاسي المفرط)، والذي يهيمن فيه الرئيس على مجريات الأمور".

وأشار ستانفورد إلى أن الولايات المتحدة بدأت تتحرك في اتجاه "النظام الرئاسي المفرط" قبل نحو مئة عام، خلال ما يعرف بـ"عهد الصفقة الجديدة"، وهي مرحلة شهدت توسيع صلاحيات الرئيس الأميركي بشكل غير مسبوق خلال إدارة فرانكلين روزفلت، حين فوض الكونجرس السلطة التنفيذية باتخاذ "إجراءات استثنائية"، مضيفاً أن "ترمب يختبر حدود سلطاته حالياً، والسؤال هنا: ماذا سيفعل إن قضت المحكمة العليا بأن بعض سياساته غير دستورية؟".

كيلمار أبريجو جارسيا.. والأزمة الدستورية

ويحذر خبراء دستوريون من أن تقود المعارك القضائية الحالية إلى ما يعرف بـ "الأزمة الدستورية"، وهي حالة تتجاهل فيها الإدارة التنفيذية أحكام القضاء. ويجمع الخبراء أن ذلك لم يحدث حتى الآن سوى في حالة واحدة، تتمثل في حكم أصدرته المحكمة العليا يقضي "بتسهيل إعادة" مهاجر سلفادوري، يدعى كيلمار أبريجو جارسيا، الذي نقلته إدارة ترمب عن طريق الخطأ إلى السلفادور ضمن حملة ترحيل مرتبطة بقانون الأعداء الأجانب.

وتقول الحكومة إنها استجابت لقرار المحكمة العليا، وطالبت حكومة السلفادور بإعادة جارسيا، لكن طلبها قوبل برفض، ورغم ذلك تتهم الإدارة جارسيا بالانتماء لعصابة "إم إس-13" التي أدرجتها في فبراير الماضي على لائحة "المنظمات الإرهابية".

ويعتبر ليفنسون ستانفورد، أستاذ القانون الدستوري بجامعة تكساس، أن هذه القضية "تجسد الأزمة الدستورية التي تعيشها الولايات المتحدة"، ورغم ذلك يشير إلى أن نص القرار القضائي "لم يُلزم الحكومة بإعادة جارسيا"، بصيغة حاسمة، وإنما طالبها بـ"تسهيل إعادته"، وهو ما أتاح للرئيس مساحة "للمناورة القانونية، حيث تقول الحكومة إنها سعت لإعادته لكن جهودها تعثرت بسبب موقف السلفادور الرافض".

وخلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، قالت وزيرة الأمن الداخلي، كريستي نويم، إن جارسيا "لن يعود أبداً"، معتبرة أنه "ما كان ينبغي له أن يكون في البلاد من الأساس".  واتهمت السلطات الأميركية جارسيا بـ"الضلوع في أنشطة تهريب بشر"، وتقول إن مغادرته السلفادور "مسألة تتعلق بسيادة دولة أجنبية".

ويرى إيليا سومين، أن "حالة أبريجو جارسيا وحدها لا تكفي لوصف المواجهة الحالية مع القضاء بالأزمة الدستورية"، مضيفاً أن الحكومة "دائماً ما تصرّح بالتزامها بأحكام القضاء، لكنها تلتف حول تلك الأحكام في الوقت نفسه، وإن استمر ذلك السلوك وامتد لقضايا أخرى فقد تواجه الولايات المتحدة أزمة دستورية حقيقية".

أما فيكرام آمار، عميد كلية الحقوق السابق بجامعة إلينوي، فقال إن الإدارة الأميركية "لم تتجاهل أمراً صريحاً من المحكمة العليا"، مضيفاً أن الإدارة "ربما لم تظهر النية الكافية للامتثال لأوامر المحاكم الأدنى"، لكنه يرى أن إصدار تقييم نهائي بهذا الشأن يستلزم "مراقبة تعاطي الحكومة مع تلك الأحكام" حتى تنتهي فرصها في الاستئناف، وهو ما قد يستغرق 6 أشهر أو عام كامل".

تصنيفات

قصص قد تهمك