مساعي ترمب لإعادة التصنيع إلى أميركا تصطدم بواقع "غياب المؤهلات"

time reading iconدقائق القراءة - 8
عامل يجهز الفولاذ في مصنع في ميندوتا بولاية إلينوي الأميركية. 21 فبراير 2025 - Reuters
عامل يجهز الفولاذ في مصنع في ميندوتا بولاية إلينوي الأميركية. 21 فبراير 2025 - Reuters
دبي-الشرق

أشعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب حرباً تجارية عالمية برهانه على أن فرض رسوم جمركية وقيود تجارية على الدول الأخرى، سيعيد الوظائف والمصانع إلى الولايات المتحدة، وبينما يشكك العديد من قادة الأعمال في هذه المقاربة ويستبعد آخرون نجاحها بشكل تام، فإن بعضهم يحتفظ بتفاؤله، وفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".

من مصنعه في لوس أنجلوس، يشرف سانجيف باهل على حوالي 250 شخصاً يقومون بخياطة وتفصيل وتجهيز سراويل "الجينز" لعلامات تجارية مثل "إيفرلين"، و"جيه كرو"، و"رالف لورين". إذ يُخيطون 70 ألف بنطال جينز شهرياً. وأصرّ على أن أميركا قادرة على إعادة الإنتاج.

وتضيف الصحيفة، أن الأمور ناجحة بالنسبة لباهل فقط لأن شركته، "سايتكس"، تدير مصنعاً للأقمشة أكبر بكثير في جنوب فيتنام، حيث يُنتج آلاف العمال 500 ألف بنطال جينز شهرياً.

لقد قلبت رسوم ترمب الجمركية سلاسل التوريد رأساً على عقب، وألحقت أضراراً بالغة بالشركات، وركز قادة الشركات على سؤال واحد: هل تمتلك أميركا المقومات اللازمة لإعادة الوظائف؟ في العديد من الصناعات، سيستغرق هذا المشروع سنوات، إن لم يكن عقوداً، إذ تفتقر الولايات المتحدة تقريباً إلى كل جزء من منظومة التصنيع: العمال، والتدريب، والتكنولوجيا، والدعم الحكومي.

وفي تصريحات لـ"نيويوك تايمز"، قال مات بريست، الرئيس التنفيذي لمجموعة موزعي وتجار التجزئة للأحذية الأميركية، وهي مجموعة تجارية: "هناك بعض الحقائق القاسية".

"عدم يقين"

وتكتنف استراتيجية ترمب حالة من عدم اليقين. ففي الشهر الماضي، قال: "نحن لا نتطلع إلى صنع الأحذية الرياضية والقمصان" في الولايات المتحدة. لكن أشد تعريفاته الجمركية، المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في يوليو، كانت موجهة إلى الدول التي تصنع الملابس والأحذية الموجهة للبيع للأميركيين. وكانت فيتنام، التي تواجه رسوماً بنسبة 46%، من بين أكثر الدول تضرراً.

وكانت هذه التعريفات، التي تهدف إلى دفع الشركات إلى إعادة عمليات التصنيع إلى الولايات المتحدة، قد اعتُبرت غير قانونية بموجب حكم أصدرته محكمة التجارة الدولية الأميركية الأسبوع الماضي. وقد أوقفت محكمة أخرى هذا القرار مؤقتاً، مما أتاح للقضاة وقتاً لتقييم استئناف قدمته إدارة ترمب. وفي خضم كل هذه الصراعات القانونية، وعد ترمب بإيجاد طرق أخرى لتعطيل قواعد التجارة، وفق الصحيفة.

وكشف ترمب عن الصعوبات التي تواجه خطط إدارته، جغرافياً ولوجستياً، بين أماكن تصنيع العديد من المنتجات وأماكن استهلاكها. وقد انكشفت هذه الفجوة خلال جائحة كورونا، عندما أدت القيود الصحية الصارمة في الدول الآسيوية إلى إغلاق المصانع. وعندما أُعيد فتحها، تراكمت الطلبات وعرقلت طرق الشحن التي كانت تكافح لنقل البضائع عبر آلاف الأميال.

بالنسبة للمديرين التنفيذيين، مثل باهل من شركة "سايتكس"، فقد جددت الاضطرابات الناجمة عن سياسات ترمب التجارية مطالب تحسين عملية تدبير سلاسل التوريد العالمية.

وقال باهل: "كان الخوف وعدم اليقين جراء جائحة كوفيد غير متوقعين. لم يكن هناك ما يمكن أن يساعدنا سوى غريزة البقاء".

مشكلات وفرص

رداً على هذه التحديات، افتتحت "سايتكس" مصنعاً في لوس أنجلوس عام 2021. ومنذ أن أعلن ترمب عن نيته فرض رسوم جمركية باهظة على فيتنام، كان باهل يفكر في مقدار ما يمكنه تحقيقه من أرباح إضافية في الولايات المتحدة. وقال إنه ربما يستطيع نقل حوالي 20% من الإنتاج إلى الولايات المتحدة، ارتفاعاً من 10% حالياً.

ويعتقد باهل أن "سايتكس" يمكن أن تكون نموذجاً يُحتذى به لشركات الملابس الأخرى. وقال: "يمكننا أن نكون المحفز لفرضية إمكانية إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة". لكن تجربته تُبرز مدى صعوبة ذلك.

لا توجد مصانع في أميركا بحجم ما يحتاجه القطاع، ولا موردون رئيسيون للسحابات والأزرار. كما أن تكلفة تشغيل مصنع مرتفعة مقارنة ببلدان أخرى. ثم هناك مشكلة العمالة، إذ تقول "نيويورك تايمز" أنه ببساطة لا يوجد عدد كافٍ من العمال.

تكافح المصانع الأميركية بالفعل لملء حوالي 500 ألف وظيفة في مجال التصنيع، وفقاً لتقديرات اقتصاديي "ويلز فارجو". ويقدرون أنه لإعادة التصنيع كنسبة من العمالة إلى ذروة السبعينيات التي يسعى ترمب لتحقيقها، سيتعين افتتاح مصانع جديدة وتوظيف 22 مليون شخص. لكن في المقابل، يوجد حالياً 7.2 مليون عاطل عن العمل.

الحملة على الهجرة تفاقم الصعوبات

انتقلت وظائف التصنيع إلى دول مثل فيتنام، التي تشهد نمواً سكانياً متزايداً وشباباً يبحثون عن وظائف لانتشال أنفسهم من براثن الفقر.

وتعتبر "نيويورك تايمز" أن المستقبل الذي يتصوره ترمب، مع ملايين الوظائف في التصنيع، يجب أن يشمل المهاجرين الباحثين عن نفس الفرصة في الولايات المتحدة.

صرح ستيف لامار، الرئيس التنفيذي لجمعية الملابس والأحذية الأميركية، وهي جماعة ضغط في قطاع الصناعة، بوجود فجوة بين "التصور الرومانسي للتصنيع" وتوافر العمال الأميركيين.

وقال للصحيفة: "يقول الكثيرون إنه يجب علينا إنتاج المزيد من الملابس في الولايات المتحدة، ولكن عندما تسألهم، تجد أنهم لا يريدون العمل في المصنع، ولا يريدون أن يعمل أطفالهم فيه". وأضاف: "المشكلة هي عدم وجود عمال آخرين".

في مصنع "سايتكس" في لوس أنجلوس، يأتي معظم العمال من دول مثل المكسيك وجواتيمالا والسلفادور.

يُستورد حوالي 97% من الملابس والأحذية التي يشتريها الأميركيون لأسباب تتعلق بالتكلفة. ومن بين الشركات التي تُصنّع كل شيء في الولايات المتحدة، شركات مثل شركة Federal Prison Industries، المعروفة أيضاً باسم Unicor، والتي تُوظّف المُدانين لصنع الأزياء العسكرية بأجور أقل من الحد الأدنى للأجور، على حد قول لامار.

تُصنّع شركات أخرى بعض الملابس الخاصة بها في الولايات المتحدة، مثل New Balance، وRalph Lauren. وتُجرّب شركات أخرى نموذجاً جديداً حيث تُصنّع دفعات صغيرة من الملابس في الولايات المتحدة لاختبار التصاميم وتحديد مدى رواجها قبل طلب طلبات كبيرة - عادةً من مصانع في دول أخرى.

من الصعب تصنيع الأشياء بكميات كبيرة في أميركا. بالنسبة لباهل، يتلخص الأمر في تكلفة مُشغّل ماكينة الخياطة. في لوس أنجلوس، يتقاضى هذا الشخص حوالي 4000 دولار شهرياً، بينما في فيتنام، يبلغ راتب هذا الشخص 500 دولار.

فارق الكفاءة

في مصنع سايتكس في فييتنام، الذي أنشأه باهل عام 2012 في مقاطعة دونج ناي، على بُعد ساعة من مدينة هو تشي منه، يوجد أكثر من اثني عشر خط خياطة، ويعمل المصنع ستة أيام في الأسبوع.

واعتبر باهل أنه إذا كان ترمب يريد حقاً إعادة الوظائف، فعليه منح بعض الإعفاءات الجمركية لشركات مثل "سايتكس" التي تعمل بشكل أكبر في الولايات المتحدة. ويشير إلى أنه لا يمكن للمصانع الأميركية، مثل مصنعه، أن تتوسع دون استيراد العديد من المكونات التي تدخل في تصنيع منتجاتها النهائية.

من جانبها، تشحن شركة "سايتكس" القطن الأميركي إلى فيتنام، حيث يحول مصنعها المكون من طابقين وبر القطن الناعم إلى خيوط، وفي النهاية إلى لفائف من القماش. ثم يُصبغ هذا القماش ويُشحن إلى الولايات المتحدة لمصنعها في لوس أنجلوس.

وتوضح "نيويورك تايمز" أنه إلى حين توفر عدد كافٍ من الشركات المصنعة في الولايات المتحدة، سيتعين جلب القماش والسحابات والأزرار إلى البلاد.

ويتطلب نقل الإنتاج من الخارج استثمارات ضخمة أيضاً. إذ استثمرت "سايتكس" حوالي 150 مليون دولار في فيتنام، حيث يُعيد مصنعها تدوير 98% من مياهه، ويُجفف القماش بالهواء، ويستخدم التكنولوجيا لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والحد من الممارسات التي تتطلب عمالة كثيفة.

أما في الولايات المتحدة، فقد أنفقت "سايتكس" حوالي 25 مليون دولار. ومثل هذه الالتزامات طويلة الأجل، تستغرق سبع سنوات على الأقل للتعافي، وفقاً لباهل.

وفي النهاية، إذا قرر ترمب المضي قدماً في سياساته الجمركية الأصلية البالغة 46% على فيتنام، ولم تتمكن "سايتكس" من تخفيف وطأة الالتزامات المالية، فسيتعين عليها البحث عن أسواق أخرى لبيع منتجاتها المصنعة في فيتنام - مثل أوروبا، حيث تُصدّر حوالي نصف إنتاجها حالياً.

تصنيفات

قصص قد تهمك