
يأمل الملياردير الأميركي إيلون ماسك، أن يمثل "حزب أميركا" الذي أعلن تأسيسه، 80% من الأميركيين، في طيف سياسي سماه "الوسط" بين الحزبين المهمنين على السياسة الأميركية منذ عقود.
خطوة إعلان الحزب الجديد، تتوج الخلافات بين الرئيس دونالد ترمب المنتمي للحزب الجمهوري، على خلفية قانون خلفية قانون الضرائب "الكبير والجميل"، على حد وصف ترمب.
الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا"، استثمر في دعم ترشح ترمب للرئاسة الأميركية في عام 2024، ما عزز مكانته كأكبر مانح سياسي في البلاد، وقاد في وقت لاحق جهود إدارته لتشكيل "وزارة الكفاءة الحكومية" في محاولة لتقليص حجم الحكومة.
وقال أغنى رجل في العالم، السبت، إنه أطلق "حزب أميركا" بعد يوم من توجيهه سؤالاً لمتابعيه على منصة "إكس" بشأن ما إذا كان ينبغي تأسيس حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة.
وكتب ماسك في منشور على منصة "إكس": "بنسبة اثنين إلى واحد، تريدون حزباً سياسياً جديداً، وستحصلون عليه!.. اليوم، تأسس حزب أميركا ليعيد لكم حريتكم".
أبرز تحديات حزب ماسك
صحيفة "واشنطن بوست" أشارت إلى أن حزب ماسك يواجه تحديات كبيرة وعقبات سياسية، بدءاً من الهيكل السياسي الذي يفضل نظام الحزبين إلى مزاجه الشخصي.
وتشمل أبرز هذه التحديات، العراقيل المؤسسية وقواعد الاقتراع، بالنظر إلى النظام الانتخابي في الولايات المتحدة الذي يحظى فيه الفائز على كل شيء، لا يرحب بالأحزاب الثالثة.
ونقلت الصحيفة عن هانز نويل، أستاذ التاريخ السياسي والمنهجية السياسية في جامعة جورج تاون، قوله إن الولايات المتحدة ليس لديها "مؤسسات منفتحة على أن تصبح أحزاب ثالثة أو (نظام قائم) على تعددية الحزبية ناجحة للغاية".
وذكرت أن الأحزاب السياسية خارج نظام الحزبين الأميركيين كانت موجودة منذ فترة طويلة، لكن جاذبيتها الوطنية في الآونة الأخيرة كانت محدودة.
والمرة الأخيرة التي فاز فيها مرشح رئاسي من خارج الحزبين الجمهوري والديمقراطي بأصوات ناخبين كانت في عام 1968، عندما ذهبت أصوات خمس ولايات جنوبية لمرشح الحزب الأميركي المستقل، جورج والاس.
كما رجحت الصحيفة حدوث "انقسامات" في صفوف جمهوره المحتمل كما يظهر في ردود متابعيه، بشأن وضع برنامج حزبي يدعو إلى خفض الدين الوطني، وتحديث الجيش بالذكاء الاصطناعي والروبوتات، ودعم إلغاء القيود وحرية التعبير، ودعم المواقف "المؤيدة للتكنولوجيا"، والمواقف المؤيدة للديمقراطية، ودعم "السياسات الوسطية في كل مكان آخر".
لكن نسبة الـ80% من ناخبي "الوسط" التي يسعى ماسك للحصول عليها، لا تتمتع بالضرورة بالتماسك الكافي لتشكيل حزب سياسي، بحسب هانز نويل أستاذ التاريخ بجامعة جورج تاون.
وتوقع نويل أن يواجه ماسك كذلك، صعوبات في كسب حلفاء سياسيين، لافتاً إلى أنه في أعقاب خروجه من الحكومة ومشاحناته اللاحقة مع ترمب والجمهوريين في الكونجرس، يبدو أن تأثير ماسك على الحزب آخذ في التضاؤل.
وأوضح أنه "في الوقت الذي خدمت فيه ثروة ماسك جهوده السياسية، فإن الأحزاب السياسية القوية يمكنها جمع الأموال من شبكات الناخبين المهتمين".
والجهود المبذولة لتأسيس أحزاب ثالثة في الولايات المتحدة، أخفقت بشكل متكرر، وآخرها حركة "بلا تسميات" (No Lables)، التي سعت إلى طرح بديل لترمب، والرئيس السابق جو بايدن في انتخابات 2024 الرئاسية.
فكرة "قصيرة العمر"
شبكة NBC News الأميركية، أشارت إلى أن التهديدات التي أطلقها المستثمر في قطاعي الفضاء والسيارات هذا الأسبوع، بتأسيس حزب سياسي خاص به، لم تكن المرة الأولى التي يطرح فيها هذه الفكرة.
ففي عام 2022، وقبيل انخراطه العميق في السياسة الجمهورية، ألمح ماسك إلى رغبته في شق طريقه السياسي بشكل مستقل، من خلال سلسلة منشورات عبر منصات التواصل الاجتماعي، أكد فيها أنه "لا يشعر بالانتماء" لا إلى الحزب الديمقراطي، ولا الجمهوري.
وكتب ماسك في مايو 2022 عبر منصة "إكس"، التي كانت تُعرف آنذاك بـ"تويتر": "وجود حزب أكثر اعتدالاً في جميع القضايا من الجمهوريين أو الديمقراطيين سيكون أمراً مثالياً".
لكن تلك الفكرة لم تدم طويلاً. فبعد موجة تغطية إعلامية قصيرة، إذ لم يُقدم ماسك على أي خطوة لتأسيس حزب ثالث، بل اتجه بدلاً من ذلك إلى ضخ الأموال في دعم جماعات يمينية.
لكن ماسك يعود الآن إلى فكرة تأسيس حزب ثالث في الولايات المتحدة، في وقت يتجدد فيه سجاله مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن مشروع قانون إنفاق ضخم يدعمه الجمهوريون، قد يؤدي إلى زيادة الدين الوطني بمقدار 3.3 تريليون دولار.
وكتب ماسك، الاثنين، عبر منصة "إكس" منشوراً قال فيه: "إذا أُقر مشروع قانون الإنفاق المجنون هذا، فسيتم تأسيس حزب أميركا في اليوم التالي"، وقد تجاوز عدد مشاهدات المنشور 42 مليون مشاهدة خلال 24 ساعة. وكان مجلسا الشيوخ والنواب قد أقرا مشروع قانون الإنفاق.
ونشر ماسك خلال هذا الأسبوع ما لا يقل عن ثماني تدوينات يروج فيها لفكرة الحزب السياسي الجديد، مؤكداً أن حزبه سيركز على خفض الدين الوطني، وهو أمر قال إن الديمقراطيين والجمهوريين عاجزون عن تحقيقه.
وسخر من الحزبين الرئيسيين بوصفهما بأنهما يتصرفان سوياً وكأنهما "حزب بوركي بيج"، في إشارة تهكمية إلى الشخصية الكرتونية المعروفة.
ولم يفصح ماسك عن أي تفاصيل إضافية بشأن خطته، باستثناء اسم الحزب "حزب أميركا" وتركيزه على مسألة الدين العام. كما أنه لم يرد على طلب NBC News للتعليق على الأمر.
"معركة شاقة"
وقال خبراء لـNBC News، إن ماسك سيواجه "معركة شاقة" إذا قرر المضي قدماً فعلياً في محاولة تأسيس حزب سياسي جديد.
ورد ترمب على إعلان ماسك بتهديد بقطع الدعم الحكومي عن شركاته، قائلاً إن إدارته "قد تلتهم إيلون".
وقالت NBC News، إن تدني شعبية ماسك، حتى بين من لا ينتمون إلى أي من الحزبين الرئيسيين، يجعله شخصية غير مرجحة لقيادة حزب سياسي ثالث.
وأظهر استطلاع أجرته جامعة كوينيبياك الشهر الماضي بين الناخبين المسجلين أن 59% من المستقلين ينظرون إلى ماسك بشكل سلبي، مقابل 29% فقط ينظرون إليه بإيجابية.
وبحسب مؤشر شعبيته الذي يديره المحلل الإحصائي نيت سيلفر، فإن صورة ماسك لدى الرأي العام تدهورت أكثر منذ استقالته من منصبه في إدارة ترمب قبل نحو شهر.
لكن ماسك يمتلك موارد هائلة بصفته أغنى رجل في العالم، وهو ما يعزى بشكل كبير إلى حصصه في شركتي "تسلا" و"سبيس إكس"، فضلاً عن سيطرته على منصة "إكس"، التي تُعد وسيلة إعلامية مؤثرة. وهذه الأصول قد تكون ذات فائدة كبيرة في حال قرر إطلاق حزب سياسي.
وأظهر تحليل أجرته NBC News لبيانات تسجيل الناخبين، أن عدد المستقلين وأعضاء الأحزاب الثالثة آخذ في الازدياد، مع تزايد وتيرة ابتعاد الناخبين عن النظام الحزبي الثنائي في الولايات المتحدة.
هيمنة ديمقراطية جمهورية
ويُهيمن الحزبان الديمقراطي والجمهوري على النظام السياسي الأميركي بشكل شبه كامل منذ عقود، ورغم انتخاب بعض المستقلين لعضوية الكونجرس، بمن فيهم اثنان حالياً في مجلس الشيوخ، فإنهم عادة ما يتحالفون مع أحد الحزبين الرئيسيين ولا يعملون كمرشحين مستقلين حقيقيين عن حزب ثالث.
وعادة ما يقوم الحزبان الرئيسيان بتعديل قوانين الولايات أو اتخاذ إجراءات أخرى تهدف إلى منع الأحزاب الثالثة من الظهور في بطاقات الاقتراع، وفق الشبكة.
ريتشارد وينجر، الذي يشارك في إدارة موقع Ballot Access News، والمدافع منذ فترة طويلة عن تسهيل وصول الأحزاب الثالثة إلى بطاقات الاقتراع، إنه لا يعرف تماماً كيف يُقيم إعلان ماسك.
وأضاف وينجر: "إنه متقلب للغاية. لقد حقق الكثير في حياته، لكن عندما تنظر إليه في سياق العمل السياسي، يبدو شخصاً غير جاد".
وفي العام الماضي، أصبح ماسك أكبر ممول في الساحة السياسية الجمهورية، إذ قدم أكثر من 290 مليون دولار لدعم حملة ترمب للعودة إلى البيت الأبيض.
كما روج ماسك لسياسات يمينية في أنحاء مختلفة من العالم، بما في ذلك دعمه لحزب ألماني قلل من شأن فظائع النازيين. لكنه نأى بنفسه عن عدد من الجمهوريين منذ انسحابه من إدارة ترمب قبل نحو شهر.
نظام انتخابي "غير اعتيادي"
ولم ينجح سوى عدد قليل من الأحزاب الثالثة في تحقيق إنجازات كبيرة. فبعض الأحزاب الصغيرة، مثل الحزب الليبرتاري والحزب الأخضر، تعقد مؤتمرات وتدفع بمرشحين إلى الانتخابات، لكن عدد انتصاراتها يبقى "محدوداً". أما العديد من المحاولات الأخرى لتأسيس أحزاب ثالثة، مثل "الحزب التقدمي" الذي أطلقه الرئيس السابق ثيودور روزفلت عام 1912، فلم تصمد طويلاً، وفق NBC News.
ويُعد النظام السياسي الأميركي "غير اعتيادي" على مستوى العالم، إذ توجد في معظم الديمقراطيات في كندا وأوروبا وغيرها أنظمة حزبية متعددة، غالباً ما تُشكل فيها الأحزاب تحالفات فيما بينها للسيطرة على المجالس التشريعية.
وقال برنارد تاماس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة "فالدوستا ستيت" بولاية جورجيا، إن ماسك سيضطر لتجاوز العديد من العقبات إذا أراد تأسيس حزب ثالث.
وأضاف تاماس: "الأمر لا يشبه إدارة شركة، بل يجب أن يكون أشبه بحركة اجتماعية، تنبع من القاعدة الشعبية، حيث يشعر الناس بالحماسة والدافع للنضال".
ورغم أن ماسك بدا وكأنه ساهم في تحفيز بعض ناخبي ترمب في الولايات المتأرجحة العام الماضي، فإن تأسيس حزب ثالث يتمتع بقدرة تنافسية حقيقية سيتطلب تنظيماً أضخم بكثير من لجنة العمل السياسي التي يديرها ماسك.
وقال تاماس: "حتى لو تمكن من ضخ الأموال، فلن يستطيع إعادة إنتاج البنية المؤسسية الهائلة التي يمتلكها الحزبان الرئيسيان".
وأضاف: "يبقى السؤال مفتوحاً بشأن ما إذا كان قادراً على فعل ذلك أم لا، لكن المال وحده لا يكفي. المال ليس العائق الوحيد أمام تأسيس حزب ثالث".
داعم محتمل وقواعد مختلفة
وأبدى أندرو يانج، وهو أحد مؤسسي الأحزاب الثالثة الذي خاض دون نجاح الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في 2020، رغبة في التعاون مع ماسك. وكان ماسك قد أعلن في 2022 دعمه ليانج في وقت سابق. لكن من غير الواضح ما إذا كان ماسك لا يزال مهتماً بهذا التعاون حتى الآن.
ولم يرد يانج على طلب NBC News للتعليق. لكنه وجه انتقاداً لمشروع ميزانية ترمب، واصفاً إياه بأنه انعكاس لمشكلات أعمق في النظام السياسي. وكتب عبر منصة "إكس": "الكثير من الناس يكرهون هذا القانون، إنه مثال واضح على مدى اختلال نظامنا السياسي".
ولم يحقق حزب "فوروارد" (Forward) الذي أسسه يانج نجاحاً واسعاً، لكنه يضم عدداً محدوداً من الأعضاء المنتخبين في مناصب عامة بمختلف أنحاء الولايات المتحدة، من بينهم سيناتور في ولاية يوتا.
وتختلف القوانين الخاصة بتأسيس الأحزاب السياسية من ولاية إلى أخرى، لكنها تتطلب عموماً من المنظمين جمع آلاف التوقيعات واستيفاء شروط أخرى.
ففي ولاية تكساس، حيث يقيم ماسك، يتعين على أي حزب جديد أن يثبت دعم نحو 81 ألف شخص، وهو رقم قال الخبراء إنه ممكن تحقيقه إذا توفر الوقت والمال الكافيان.
وحتى ترمب نفسه، سبق أن فكر في خوض الانتخابات عبر حزب ثالث. ففي عام 2000، بحث إمكانية الترشح للرئاسة عن "حزب الإصلاح"، زاعماً أن نتائج استطلاعات الرأي الخاصة به كانت "لا تُصدق".
لكن ترمب انسحب من السباق بعد أربعة أشهر فقط، قائلاً إن "حزب الإصلاح" تهيمن عليه أطراف متطرفة هامشية، وإنه من المرجح أن يُستبعد من المناظرات الوطنية.
ولم يُدل ماسك بصوته في أي انتخابات حتى عام 2016، عندما كان يبلغ من العمر 45 عاماً، وفق NBC News.
استراتيجية "الصوت الحاسم"
وأشارت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن الحزب السياسي الجديد الذي تفاخر ماسك بتمويله يمكنه أن يركز في البداية على عدد قليل من المقاعد التي يمكن الحصول عليها في مجلسي النواب والشيوخ، في حين يهدف ليصبح الصوت الحاسم في القضايا الرئيسية وسط هوامش ضئيلة في الكونجرس.
وتحدث الرئيس التنفيذي لشركتي "تسلا" و"سبيس إكس" عن هذا النهج، الجمعة، في منشور على منصة إكس" المملوكة له، في الوقت الذي واصل فيه الاختلاف مع الرئيس دونالد ترمب بشأن مشروع قانون الإنفاق الذي وقعه الرئيس ليصبح قانوناً.
وهدد ماسك بتقديم الدعم المالي لمرشحين آخرين ينافسون في الانتخابات التمهيدية ضد كل عضو في الكونجرس يدعم مشروع قانون الإنفاق الذي اقترحه ترمب.
ولا يتعين على الأحزاب السياسية الجديدة، التسجيل رسمياً لدى لجنة الانتخابات الفيدرالية "إلى أن تجمع أو تنفق أموالاً تتجاوز عتبات معينة فيما يتعلق بالانتخابات الفيدرالية".