
سجّلت العقود الاستثمارية والإنشائية الجديدة التي أبرمتها الشركات الصينية في الدول المشاركة في مبادرة "الحزام والطريق" مستويات قياسية خلال العام الجاري، وفق دراسة حديثة نشرتها صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية.
وقالت الصحيفة، الخميس، إن هذا التوسع في الأسواق الخارجية، وزيادة الانخراط الصيني في الدول المشاركة في برنامج البنية التحتية الرائد يتناقض بشكل حاد مع النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة، حيث يفرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعريفات جمركية "موجعة" على شركاء واشنطن التجاريين في أنحاء العالم.
وأظهرت الدراسة، التي أعدتها جامعة "جريفيث" الأسترالية بالتعاون مع مركز التمويل والتنمية الخضراء في بكين، أن قيمة عقود البناء والاستثمارات الصينية في الدول الأعضاء في المبادرة بلغت 124 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الجاري، موزعة على 176 صفقة، وهو رقم يفوق إجمالي ما تم تسجيله خلال عام 2024 بأكمله، الذي بلغ 122 مليار دولار.
ونقلت الصحيفة عن كريستوف نيدوبيل وانج، مؤلف الدراسة، قوله: "لقد كان الارتفاع المفاجئ في الانخراط الصيني هذا العام مفاجئاً، حتى في ظل النمو المستمر لأنشطة المبادرة منذ جائحة فيروس كورونا". وأضاف: "ما يميز عام 2025 هو الحجم الكبير للصفقات، حيث شهدنا عدة صفقات ضخمة تجاوزت قيمة كل منها 10 مليارات دولار".
150 دولة
وأوضح وانج أن تباطؤ النمو الاقتصادي المحلي في الصين، والحاجة إلى تنويع سلاسل الإمداد والأسواق في ظل الحرب التجارية التي أشعلتها التعريفات الجمركية التي فرضها ترمب، دفعت بعض الشركات الصينية إلى التوسع خارج حدود البلاد، مشيراً إلى أن دول المبادرة رأت في هذا التوسع "فرصة لتعزيز علاقاتها مع بكين في ظل التحولات الجيواقتصادية العالمية".
وكان الرئيس الصيني، شي جين بينج، أطلق مبادرة "الحزام والطريق" في عام 2013، وتستخدمها بكين لتعزيز نفوذها الاقتصادي وتوسيع علاقاتها التجارية مع نحو 150 دولة، لا سيما في العالم النامي.
وأشارت الدراسة، إلى أن هذا الارتفاع الكبير خلال النصف الأول من عام 2025 رفع إجمالي قيمة العقود والاستثمارات ضمن المبادرة إلى 1.3 تريليون دولار، تشمل عقود بقيمة 775 مليار دولار في قطاع البناء، واستثمارات غير مالية بقيمة 533 مليار دولار.
ولفتت الدراسة، إلى أن "مشاركة الصين في قطاع الطاقة خلال عام 2025، كانت الأعلى منذ إطلاق المبادرة"، موضحة أن القيمة الإجمالية لعقود الاستثمار والإنشاء في هذا القطاع كانت الأعلى في إفريقيا، حيث بلغت 39 مليار دولار، تلتها آسيا الوسطى بقيمة 25 مليار دولار.
كما سجلت عقود الاستثمار والإنشاء في مشروعات النفط والغاز، رقماً قياسياً بلغ نحو 44 مليار دولار خلال النصف الأول من العام، منها 20 مليار دولار خُصصت لإنشاء مرافق معالجة في نيجيريا، متجاوزة بذلك إجمالي ما تم تسجيله في عام 2024 بأكمله.
وتصدّرت كازاخستان قائمة الدول المستفيدة من الاستثمارات الصينية ضمن المبادرة، حيث حصلت على استثمارات بقيمة 23 مليار دولار، في حين سجلت أميركا اللاتينية أدنى قيمة من العقود والاستثمارات خلال السنوات العشر الماضية.
جنوب شرق آسيا
ووفقاً للدراسة، سجّلت استثمارات الشركات الصينية في مشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية وتحويل النفايات إلى طاقة ضمن دول المبادرة رقماً قياسياً بلغ نحو 10 مليارات دولار. كما واصلت بكين استثماراتها في قطاع الفحم، وضخت ما يقرب من 25 مليار دولار في قطاع المعادن والتعدين، وهو رقم قياسي جديد.
وأكد باحثون آخرون في دراسات مستقلة، ارتفاع حجم الصفقات ضمن المبادرة، وذكرت مجموعة "روديوم" الأميركية، أن قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي أعلنت عنها كيانات صينية في دول المبادرة بلغت نحو 15.9 مليار دولار خلال الربع الأول من العام، بزيادة قدرها 10% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.
وأوضحت المجموعة أن جنوب شرق آسيا شكّلت الجزء الأكبر من هذا الزخم الاستثماري، في ظل سعي الشركات إلى تنويع قواعد الإنتاج ونقل جزء منها إلى خارج الصين.
وأشارت دراسة جامعة "جريفيث" ومركز التمويل والتنمية الخضراء، إلى أن جنوب شرق آسيا جذبت ثاني أكبر تدفق استثماري بعد آسيا الوسطى، حيث بلغت قيمة الاستثمارات نحو 11.3 مليار دولار.
كما أظهرت بيانات صندوق النقد الدولي أن صافي استثمارات الصين في الخارج ارتفع بأكثر من 50% بين عامي 2018 و2023، مقارنةً بزيادة نسبتها 21% فقط للولايات المتحدة خلال نفس الفترة.
ونقلت الصحيفة عن ريبيكا راي، الباحثة البارزة في مركز سياسات التنمية العالمية بجامعة بوسطن، والذي يرصد تطورات مبادرة "الحزام والطريق"، قولها إن البرنامج انتقل من مرحلة الإقراض السيادي إلى التركيز على الاستثمار الأجنبي المباشر مع تطوره.
وأضافت راي، أن هذا التحول قد يكون مفيداً، لأنه يجنّب الصين المساهمة في تفاقم أزمات الديون السيادية التي تواجهها بعض الدول المشاركة في المبادرة.
"فخ الديون"
وكانت الصين قد واجهت في السنوات الأخيرة، اتهامات بإيقاع بعض الدول المشاركة في المبادرة في ما يُعرف بـ"فخ الديون"، من خلال تقديم قروض ضخمة لتمويل مشروعات بنية تحتية عملاقة.
ورأت راي، أن تصاعد التوترات التجارية وفرض الحواجز بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، ودول "الجنوب العالمي" من جهة أخرى، يشير إلى أن حجم التجارة بين الصين وشركائها ضمن مبادرة "الحزام والطريق" مرشح للزيادة.
وأوضحت أن بكين ألغت التعريفات الجمركية على صادرات الدول الإفريقية، في وقت تواجه فيه هذه الدول تعريفات جمركية مرتبطة بتسعير الكربون عند التصدير إلى أوروبا، بالإضافة إلى تعريفات جمركية جديدة على صادراتها إلى الولايات المتحدة.
واختتمت راي بالقول: "لا شك أن تدفقات التجارة ستتكيّف مع هذا الواقع الجديد، ومن ثم ستتبعها أنماط الاستثمار بما يتناسب مع هذه التغيرات".