
في خطوة تُعد تحولاً كبيراً عن سياسة انتهجتها الولايات المتحدة لعقود طويلة لتعزيز نزاهة الانتخابات حول العالم، فرضت وزارة الخارجية الأميركية قيوداً مشددة على تقييماتها العلنية للانتخابات الأجنبية، وفقاً لتوجيه داخلي اطلعت عليه صحيفة "وول ستريت جورنال".
وجاء التوجيه الجديد في مذكرة رسمية صدرت، الخميس، ووقعها وزير الخارجية ماركو روبيو، حيث تأمر الوزارة بعدم الإدلاء بأي تصريحات علنية بشأن الانتخابات في دول أخرى، ما لم يكن هناك "مصلحة واضحة وملحة للسياسة الخارجية الأميركية"، حسب ما ورد في الوثيقة.
وتستند المذكرة إلى ما وصفته بـ"تركيز الإدارة على سيادة الدول"، في إشارة واضحة إلى رؤية إدارة الرئيس دونالد ترمب التي ترى أن الولايات المتحدة بالغت في التدخل بشؤون الدول الأخرى خلال العقود الماضية.
وتنص التوجيهات على أن الرسائل الصادرة حول الانتخابات الأجنبية يجب أن تقتصر على تهنئة الفائز "مع تجنب إبداء أي رأي حول نزاهة العملية الانتخابية، أو شرعيتها، أو القيم الديمقراطية في البلد المعني".
ورفضت وزارة الخارجية التعليق على تقرير "وول ستريت جورنال".
ولطالما استخدمت الولايات المتحدة تصريحاتها حول الانتخابات في دول العالم كأداة دبلوماسية لتعزيز الديمقراطية، وعزل الأنظمة التي تعتبرها استبدادية والتي تقول إنها "تلجأ إلى تزوير الانتخابات"، كما أن الخارجية الأميركية كانت أحياناً تتجنب انتقاد دول حليفة رغم وجود تجاوزات انتخابية فيها.
تقييمات واشنطن
وقال دبلوماسيون حاليون وسابقون إن تقييمات واشنطن للانتخابات الأجنبية يمكن أن تؤثر بشكل كبير، لا سيما في الدول النامية أو الصغيرة، حيث تُتابَع التصريحات الأميركية عن كثب من قبل جماعات المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان، وتُعد أداة للضغط على الحكومات.
وتؤثر استنتاجات وزارة الخارجية بشأن نزاهة الانتخابات أيضاً في تحديد سياسات العقوبات الأميركية ضد من يعرقلون العمليات الانتخابية، أو في برامج المساعدات الأمنية المقدمة لتلك الدول.
وفي هذا السياق، قالت نيكول ويدرشايم، من منظمة "هيومن رايتس ووتش": "كتم الملاحظات والحقائق على مستوى السفارات سيترك الحكومة الأميركية في الظلام بشأن طبيعة القيادات التي تتعامل معها.
وفي مايو، تعهّد ترمب في خطاب ألقاه في السعودية بأن الولايات المتحدة ستتوقف عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، موجّهاً انتقاداً شديداً لعقود من السياسات الخارجية الأميركية التي قامت على التدخل في دول العالم، التي أدت إلى تدخلات باهظة الثمن، مثل تلك التي حدثت في العراق وأفغانستان.
وقال ترمب حينها: "هؤلاء الذين زعموا أنهم يبنون الأوطان، دمروا أوطاناً أكثر مما بنوا، أما المتدخلون، فقد تدخلوا في مجتمعات معقدة لم يفهموها أصلاً، كانوا يخبرونكم كيف تفعلون ذلك، لكنهم لم يكونوا يعرفون هم أنفسهم كيف يفعلونه".
ورغم تبنّي الإدارة الأميركية الحالية لسياسة "عدم التدخل"، إلا أن ترمب اتخذ في بعض الحالات مساراً معاكساً، إذ فرض مؤخراً رسوماً جمركية بنسبة 50% على واردات من البرازيل، ربطها مباشرة بمحاكمة الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، الحليف المقرب لترمب، الذي يُتهم بمحاولة الانقلاب على نتائج انتخابات 2022، ونفى بولسونارو هذه التهم، مؤكداً أنه ضحية لاضطهاد سياسي.