عبر "مطرقته".. هل يحد ترمب من سلطات الكونجرس الرقابية والتشريعية؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون (يسار) يصفق بينما يمسك الرئيس دونالد ترمب بالمطرقة بعد توقيعه على قانون الإنفاق والضرائب الشامل في البيت الأبيض. 4 يوليو 2025 - REUTERS
رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون (يسار) يصفق بينما يمسك الرئيس دونالد ترمب بالمطرقة بعد توقيعه على قانون الإنفاق والضرائب الشامل في البيت الأبيض. 4 يوليو 2025 - REUTERS
دبي -الشرق

منذ عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، بدأت العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة تشهد تحولاً جوهرياً، بحسب وكالة "أسوشيتد برس"، التي أشارت إلى واقع سياسي جديد بات فيه الكونجرس أكثر امتثالاً لإرادة الرئيس، وأقل تمسكاً بصلاحياته الرقابية والتشريعية.

وفي لحظة مليئة بالدلالات السياسية، سلم رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون المطرقة التشريعية لترمب خلال مراسم توقيع مشروع القانون الجديد في البيت الأبيض يوم الرابع من يوليو الجاري، قائلاً: "سيدي الرئيس، هذه هي المطرقة التي استخدمت لإقرار مشروع القانون الكبير والجميل.. وأريدك أن تحتفظ بها".

وجاءت هذه اللفتة الرمزية لتجسد ليس فقط احتفالاً بانتصار تشريعي كبير للجمهوريين، بل أيضاً إشارة واضحة إلى تحول ميزان السلطة من الكونجرس إلى البيت الأبيض، في مشهد يعكس التزايد الملحوظ في اعتماد السلطة التشريعية على قيادة ترمب السياسية، بحسب "أسوشيتد برس".

"ترمب يأخذ ما يريد"

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، أظهر الجمهوريون في الكونجرس استعداداً غير معتاد لتلبية مطالب الرئيس، بغضّ النظر عن المخاطر المحتملة التي قد تلحق بهم، أو بناخبيهم، أو بمكانة المؤسسة التشريعية نفسها، ووفقاً للوكالة.

وسارع الجمهوريون إلى تمرير حزمة كبيرة من الإعفاءات الضريبية وخفض الإنفاق، لتصل إلى مكتب ترمب في الموعد الذي حدّده بمناسبة يوم الاستقلال. 

كما صادق مجلس الشيوخ بسرعة على معظم المرشحين من خارج المؤسسة الذين اختارهم ترمب لشغل مناصب وزارية، رغم التحفظات على بعضهم، بما في ذلك تعيين روبرت إف. كينيدي جونيور وزيراً للصحة، وبيت هيجسيث وزيراً للدفاع، وآخرين.

وفي مجلس النواب، سعى الجمهوريون بدورهم إلى تنفيذ رغبات ترمب في التحقيق مع خصومه السياسيين المفترضين، بما في ذلك فتح تحقيق بشأن استخدام الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن لما يُعرف بـ"التوقيع الآلي"، وهي أداة إلكترونية تُستخدم لتوقيع الوثائق الرسمية نيابةً عن الرئيس.

لكن في الوقت نفسه، أوقف الكونجرس العمل على مشروع قانون لفرض عقوبات مشددة على روسيا بسبب غزو أوكرانيا، بعد أن أعلن ترمب، أنه قرر منح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مهلة إضافية مدتها 50 يوماً للتفاوض على اتفاق سلام، وهو ما بدّد الآمال في إنهاء الصراع بشكل سريع.

طلب غير مسبوق

الأسبوع الماضي، خضع الكونجرس لاختبار جديد، عندما استجاب لطلب ترمب بإلغاء قرابة 9 مليارات دولار كانت قد أُقرت سابقاً، وتشمل مبالغ مخصصة للإذاعة الوطنية العامة والمساعدات الخارجية.

ووصفت الوكالة هذه الخطوة، بأنها "طلب رئاسي نادر"، قائلة إنه يشكل تحدياً مباشراً لصلاحيات السلطة التشريعية في ما يتعلق بالإنفاق العام.

وفي هذا السياق، أعربت السيناتور الجمهورية بمجلس الشيوخ ليزا موركوفسكي، عن رفضها الاستجابة لطلب البيت الأبيض بشأن إلغاء التمويل المخصص للإذاعة الوطنية العامة، قائلة: "نحن مشرعون، ويجب أن نكون نحن من يشرع".

وأردفت: "ما نحصل عليه الآن هو توجيهات من البيت الأبيض، إذ يُقال لنا: هذه هي الأولوية، نريد منكم تنفيذها، وسنعود إليكم بجولة جديدة.. أنا لا أقبل بذلك".

وترى أسوشيتد برس" أن الكونجرس يقف اليوم عند مفترق طرق، مضيفةً أنه خلال فترة ولاية ترمب الأولى، كان العديد من الجمهوريين يتجنبون انتقاد الرئيس علناً خوفاً من تغريداته الحادة، أما الذين تجرأوا على ذلك، مثل ليز تشيني في مجلس النواب، وميت رومني بمجلس الشيوخ، من بين آخرين، فقد غادروا الكونجرس.

وفي مقال رأي نشره مؤخراً في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، دعا العضو الجمهوري السابق في مجلس الشيوخ جيف فليك، الذي أعلن في عام 2017 أنه لن يترشح لإعادة انتخابه، زملاءه الجمهوريين إلى إيجاد طريقة أفضل لممارسة نفوذهم، قائلاً: "في الحزب الجمهوري اليوم، بات التصويت بما يُمليه عليك ضميرك سبباً كافياً للإقصاء".

جيل جديد من الجمهوريين

وبحسب "أسوشيتد برس"، فإن قاعات الكونجرس أصبحت اليوم تعجّ بجيل جديد من الجمهوريين الذين نشأوا سياسياً في ظل حركة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" (MAGA)، ويدين الكثير منهم بصعودهم السياسي إلى دعم ترمب نفسه، حتى أن الكثيرين منهم يقلّدون نهجه وأسلوبه السياسي أثناء تشكيلهم لهويتهم الخاصة.

وذكرت الوكالة، أن قادة الحزب الجدد، مثل جونسون في مجلس النواب، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ جون ثيون، قد تقرّبوا من ترمب، ويستخدمون سلطته بطرق مختلفة لعقد الصفقات، ودفع الأعضاء المترددين للامتثال، بل وحتى في تحديد الجداول الزمنية للعمل التشريعي.

وأشارت إلى أنه عندما تعثرت جهود الجمهوريين بشأن تشريع يتعلق بالعملات الرقمية المشفرة، وهو من أولويات ترمب، كان الأخير هو من استقبل المعارضين في المكتب البيضاوي في وقت متأخر الثلاثاء الماضي، بينما تواصل جونسون معهم هاتفياً.

واعتبرت الوكالة أن النتيجة هي اختلال واضح في ميزان القوى، إذ يزداد نفوذ السلطة التنفيذية، بينما يخفت دور السلطة التشريعية، فيما تُركت السلطة القضائية لتتحمل العبء الأكبر من مهمة الرقابة والتوازن، من خلال مئات الدعاوى القضائية المنظورة أمام المحاكم ضد سياسات إدارة ترمب.

ومن جانبها، قالت النائبة الديمقراطية نانسي بيلوسي، الرئيسة السابقة لمجلس النواب، خلال مقابلة عبر برنامج Mornings with Zerlina على إذاعة SiriusXM: "عبقرية دستورنا تكمن في فصل السلطات".

وأضافت أن "الجمهوريين في الكونجرس يتجاهلون المؤسسة التي يُفترض أنهم يمثلونها، وذوبوا ما تبقى من سلطات رئيس مجلس النواب بشكل لا يُصدق، وكذلك مناصب القيادة في مجلس الشيوخ، فقط من أجل تلبية رغبات السلطة التنفيذية".

"ثمن باهظ"

وواجه العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ توم تيليس انتقادات حادة من ترمب بسبب معارضته لمشروع قانون خفض الضرائب والإنفاق، بسبب قلقه من تأثير التخفيضات على المستشفيات، إذ هدده الرئيس بإطلاق حملة ضده، وبعدها أعلن تيليس أنه لن يترشح لإعادة انتخابه في عام 2026.

وفي السياق نفسه، صوتت السيناتور الجمهورية في مجلس الشيوخ سوزان كولينز ضد مشروع القانون، متحدية تهديدات ترمب بمعاقبة المعارضين.

أما النائب الجمهوري توماس ماسي فقد بدا غير متأثر بالضغوط، إذ طرح مؤخراً مشروع قانون يُجبر الإدارة على الكشف عن ملفات قضية جيفري إبستين، وهو أمر كان ترمب متردداً في القيام به.

من جانبه، قال العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ برايان شاتز في خطاب أمام المجلس، إنه "لا يوجد في الدستور ما ينص على أنه إذا أراد الرئيس شيئاً، فعلينا تنفيذه".

وأضاف: "لسنا مضطرين للعمل على أساس أن هذا الرجل يتمتع بقوة استثنائية".

تصنيفات

قصص قد تهمك