بعد مرور قرابة ستة عقود على اغتيال الزعيم الحقوقي الأميركي مارتن لوثر كينج الابن، أفرجت الولايات المتحدة عن آلاف السجلات السرية المتعلقة بالقضية، في خطوة مثيرة أعادت فتح ملف من أكثر الأحداث إثارةً للجدل في تاريخ أميركا الحديث.
وجاء الإفراج، الاثنين (بالتوقيت المحلي)، ضمن تعليمات أصدرتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وفقاً لما نقلته شبكة CBS الأميركية.
وقال مكتب مديرة الاستخبارات الأميركية إن "الوثائق التي تضم أكثر من 230 ألف صفحة، لم تُرقمن قط، وكانت محفوظة في منشآت موزعة على مختلف مرافق الحكومة الفيدرالية، طيلة عقودٍ من الزمن، حتى تراكمت عليها طبقات الغبار اليوم".
وتتضمن السجلات "مناقشات داخل مكتب التحقيقات الفيدرالي حول خيوطٍ محتملة، ومذكرات داخلية تُفصّل سير القضية، بالإضافة إلى وثائق تتعلق بزميل جيمس إيرل راي السابق في الزنزانة، الذي أفاد بأنه ناقش مع راي مؤامرة اغتيال مزعومة"، وفقاً للمكتب.
وأضافت الوكالة أن "النشر يتضمن أيضاً سجلاتٍ لوكالة المخابرات المركزية تتعلق بعملية البحث عن راي، الذي فرّ من الولايات المتحدة قبل أن يُلقى القبض عليه ويُقرّ بذنبه في اغتيال كينج".
وقالت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية تولسي جابارد في بيان: "لقد انتظر الشعب الأميركي ما يقرب من 60 عاماً لرؤية النطاق الكامل للتحقيق الذي أجرته الحكومة الفيدرالية في اغتيال كينج".
وذكر مكتب مدير الاستخبارات الأميركية أن "فرصة مراجعة الملفات أتيحت لأقارب كينج قبل أسبوعين".
الشيوعية ومارتن لوثر كينج
واحتفظ مكتب التحقيقات الاتحادي بملفات عن كينج في خمسينيات وستينيات القرن الماضي - حتى أنه كان يتنصت على مكالماته - بسبب ما زعمه المكتب زوراً آنذاك حول صلات مشبوهة بالشيوعية خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وأقر المكتب في
السنوات القليلة الماضية بأن ذلك يُعد مثالًا على "الانتهاكات والتجاوزات" التي ارتكبها في تاريخه.
واعترض بعض أقارب كينج على الخطة قبل نشرها قائلاً: "بالنسبة لنا، يُعد اغتيال والدنا خسارة عائلية شخصية عميقة تحملناها على مدار الـ 56 عاماً الماضية، نأمل أن تُتاح لنا فرصة مراجعة الملفات كعائلة قبل نشرها للجمهور".
وقال ابنا كينج، بيرنيس كينج ومارتن لوثر كينج الثالث، في بيان، إنهما يدركان أن السجلات "كانت منذ فترة طويلة محل اهتمام، لكنهما حثا الناس على التعامل مع الملفات بالتعاطف وضبط النفس واحترام حزن عائلتنا المستمر".
وقال أفراد عائلة كينج: "بينما نؤيد الشفافية والمساءلة التاريخية، فإننا نرفض أي محاولة للنيل من إرث والدنا، أو استغلاله لترويج الأكاذيب".
وأضافوا: "إن أولئك الذين يروّجون لنتائج مراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي، ينخرطون، دون إدراك، في حملة مستمرة لتشويه سمعة والدنا وحركة الحقوق المدنية التي قادها".
وفي السياق نفسه، قالت ألفيدا كينج، ابنة شقيقة كينج، في بيانٍ صادر عن مكتب مدير الاستخبارات الأميركية، إنها "تؤيد نشر هذه الوثائق"، واصفةً الخطوة بأنها "تحرك تاريخي في اتجاه الحقيقة التي يستحقها الشعب الأميركي".
ترمب يرفع السرية عن الوثائق
وبعد فترة وجيزة من عودته إلى منصبه، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعليمات للحكومة برفع السرية عن السجلات الفيدرالية المتعلقة باغتيال الرئيس جون كينيدي عام 1963، إلى جانب وثائق اغتيال الناشط الحقوقي مارتن لوثر كينج، والسيناتور روبرت كينيدي عام 1968.
وقد نُشرت سجلات جون كينيدي في مارس، فيما أصدرت الحكومة عدة دفعات من الوثائق المتعلقة بروبرت كينيدي منذ أبريل.
وأثارت عمليات اغتيال جون كينيدي ومارتن لوثر كينج وروبرت كينيدي فضول الرأي العام الأميركي على مدى عقود، حيث نَشأت تساؤلات عديدة ونظريات متضاربة حول ما إذا كان المتهمون والمدانون بهذه الجرائم قد تصرفوا بمفردهم أم كانوا جزءاً من مؤامرات أوسع.
عملية ااغتيال مارتن لوثر كينج الابن
وكان مارتن لوثر كينج الابن، الناشط البارز في مجال الحقوق المدنية، قد تعرّض لإطلاق نار أثناء وقوفه على شرفة غرفته بالطابق الثاني من فندق لورين بمدينة ممفيس، ولاية تينيسي، في 4 أبريل 1968، وكان يبلغ من العمر آنذاك 39 عاماً، في وقت كان يوسع فيه مجالات اهتمامه لتشمل القضايا الاقتصادية والدعوات للسلام إلى جانب الحملة السلمية من أجل المساواة في الحقوق للأمريكيين من أصل أفريقي.
ونُقل إلى مستشفى سانت جوزيف حيث فارق الحياة متأثراً بجراحه. وهزت وفاته الولايات المتحدة في عام شهد أيضاً أعمال شغب عرقية ومظاهرات مناهضة لحرب فيتنام واغتيال المرشح الرئاسي روبرت كينيدي.
وفي عام 1969، اعترف جيمس إيرل راي، وهو رجل في الأربعين من عمره، كان قد فرّ من سجن في ولاية ميزوري عام 1967 أثناء قضائه عقوبة مدتها 20 عاماً بتهمة السرقة، بارتكاب جريمة اغتيال كينج.
وأُلقي القبض على راي في لندن بواسطة قوات سكوتلاند يارد، ووفقاً للأرشيف الوطني الأميركي، خلص تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أن راي كان "قاتلاً بدوافع عنصرية".
وحُكم على راي بالسجن 99 عاماً من قبل محكمة مقاطعة شيلبي الجنائية، ونُقل إلى سجن براشي ماونتن في مدينة بيتروس بولاية تينيسي، حيث توفي عام 1998 بعد قضائه 29 عاماً خلف القضبان، وذلك نتيجة مضاعفات صحية.