
يترقب لبنان تقديم الجيش خطته لحصر السلاح بيد الدولة نهاية أغسطس الجاري، وسط تجاذبات سياسية ورفض "حزب الله" للقرار، وانسحاب وزراءه ووزراء "حركة أمل" للمرة الثانية من جلسة الحكومة الجمعة، وهو ما يضع حكومة نواف سلام أمام اختبار بسط سلطتها، ويطرح تساؤلات بشأن قدرة الجيش على تنفيذ تلك الخطة.
وفيما اعتبر خبراء عسكريون لبنانيون تحدثوا لـ"الشرق"، أن الجيش اللبناني يمتلك الجاهزية التقنية لتنفيذ خطة حصر السلاح تدريجياً، بما يشمل حزب الله والفصائل المسلحة الأخرى، إلّا أنهم حذّروا من أن أي تحرك دون تفاهم مسبق مع الحزب قد يؤدي إلى "انقسام داخلي"، وشددوا على أن نجاح أي خطة لحصر السلاح، يتطلب "تفويضاً حكومياً واضحاً، وحواراً مسبقاً، ودعماً دولياً يضمن الاستقرار".
قدرة الجيش على تنفيذ خطة نزع السلاح
العميد متقاعد أندره بومعشر، قال إن قدرة الجيش اللبناني على المضي قدماً في حصر السلاح رهن بتقديم تصور متكامل لآلية نزع سلاح حزب الله، على أن تبدأ المرحلة الأولى في أواخر أغسطس، وتنتهي بالتنفيذ الكامل بحلول 31 ديسمبر.
فيما أشار العميد متقاعد منير شحادة، (منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات اليونيفيل)، إلى أن الجيش يعمل على إعداد خطة لحصر السلاح في جميع الأراضي اللبنانية، ليس فقط سلاح حزب الله، بل أيضاً السلاح المنتشر في المخيمات الفلسطينية.
واتفق مع الرأي السابق العميد متقاعد خالد حمادة، أن الجيش قادر على تنفيذ خطة نزع السلاح، بما يشمل سلاح حزب الله وسلاح المخيمات الفلسطينية.
وأشار حمادة إلى أن الخطة قد تتضمن طلب مساعدات تقنية ولوجيستية من دول عربية وغربية، بالإضافة لدور لقوات "اليونيفيل" لمواكبة العمليات في بعض المناطق الحساسة، واستخدام وسائل استطلاع متقدمة.
أما اللواء متقاعد يعرب صخر، لفت إلى أن الخطوة الأولى لخطة الجيش ستتضمن (أنماط التنفيذ، المهل الزمنية، والمراحل)، مرجّحاً أن الجيش قادر على إعداد الخطة خلال (48- 72 ساعة)، إلّا أن النقاشات السياسية تهدف إلى تليين المواقف وبناء إجماع وطني.
واتفق العميد المتقاعد عمر معربوني مع هذا الطرح قائلاً: "الجيش اللبناني قادر تقنياً على مداهمة مخازن سلاح حزب الله".
توافق سياسي حول التنفيذ
ولفت بومعشر إلى أن الخطة حظيت بموافقة ضمنية من مختلف القوى السياسية، رغم انسحاب الوزراء الخمسة من جلسة الحكومة، لافتاً إلى أن أي خطوة لنزع السلاح "لا يمكن أن تتم من دون توافق مسبق بين الجيش والحزب".
فيما بيّن حمادة أن الحكومة ستحدد معايير واضحة لنجاح الخطة، كما ستأخذ بعين الاعتبار "احتمال وقوع ردود فعل غير متوقعة من قبل حزب الله، خاصة في ظل التصعيد الإيراني الرافض لأي قرار لبناني مستقل، والذي يهدف إلى عرقلة تسوية الاتفاق الذي بوساطة أميركية ما بعد حرب 2006".
وشدد على أن "الحكومة لن تتراجع"، وأن "لا خيار أمام حزب الله سوى الانصياع للدولة والتحول إلى حزب سياسي"، معتبراً أن "أي انسحاب أو استقالة من الحكومة لن يغيّر شيئاً سوى عزل الحزب داخلياً وتقليص نفوذه".
مخاطر من انقسام داخلي محتمل
ورغم توافق الخبراء العسكريين على قدرة الجيش اللبناني التقنية على تنفيذ خطة نزع السلاح، إلا أنهم شددوا على أهمية التوافق السياسي كشرط "لا مفرّ منه قبل أي تحرّك ميداني".
وقال أندره بومعشر إن الجيش لن يلجأ إلى أسلوب قمعي في تنفيذ هذه المهمة لـ"تفادي اندلاع مواجهات قد تقود إلى حرب أهلية، إذ إن حزب الله لن يقبل بفرض الأمر عليه بالقوة".
وأوضح أن القرار "في جوهره سياسي لا عسكري"، والمهمة الأساسية هي "إنقاذ لبنان وليس فقط نزع سلاح الحزب". وشدد على أن أي خطوة لنزع السلاح لا يمكن أن تتم من دون توافق مسبق بين الجيش والحزب.
فيما يرى منير شحادة أن العقبة الأساسية أمام تنفيذ أي خطة تبقى في آلية التعامل مع رفض حزب الله تسليم سلاحه، متسائلاً: "هل المطلوب أن ينفذ الجيش الخطة بالقوة، ما قد يؤدي إلى صدام داخلي؟"
وحذر شحادة من أن "أي مواجهة بين الجيش والحزب قد تُفضي إلى انقسام داخلي خطير، يشبه ما حدث في سبعينيات القرن الماضي، حين انقسم الجيش طائفياً، وهو السيناريو الذي يجب تجنّبه بأي ثمن".
ولفت إلى أن الجيش، رغم قدراته العسكرية، "لن يدخل في مواجهة قد تهدد وحدة المؤسسة العسكرية، وقائد الجيش لن يسمح بذلك".
وأشار إلى أن الجيش، قبل أي تحرك، "سيطلب تفويضاً واضحاً من الحكومة يجيز استخدام القوة، ليضع المسؤولية السياسية عليها، خصوصاً في ظل الرفض المتوقع من الحزب".
فيما لفت خالد حمادة إلى أن التظاهرات أو الاعتراضات الشعبية التي قد يروّج لها بعض الأطراف لن تُشكل عائقاً حقيقياً أمام الجيش، رغم محاولة حزب الله تصوير ذلك كخطر داهم.
واعتبر عمر معربوني أن العائق الحقيقي "يتمثل في المخاطر المجتمعية، وأبرزها احتمال انشقاق داخل الجيش من خلال انسحاب الضباط الشيعة، أو حتى انقسام مجتمعي أوسع".
ولفت إلى أن الحل الوحيد يتمثل بالحوار، مشيراً إلى أن (خطاب القسم للرئيس جوزيف عون) رسم مساراً لاستراتيجية وطنية للدفاع، وهو ما أيّده يعرب صخر الذي أوضح أن النقاشات السياسية ستهدف إلى تليين المواقف وبناء إجماع وطني.
سيناريوهات التنفيذ
وأشار أندره بومعشر إلى أن نزع السلاح "سيبدأ على الأرجح بالصواريخ الاستراتيجية التي لم تثبت فعاليتها في ردع إسرائيل، مع الإبقاء مؤقتاً على السلاح الفردي الذي أرهق الإسرائيليين على الأرض"، وفقاً لتعبيره.
وأضاف: "إذا حصل توافق بين الحزب والجيش، يمكن للجيش أن يستلم السلاح الثقيل خلال شهرين، يليه المتوسط خلال شهر، ثم السلاح الفردي خلال شهر آخر".
لكنه حذر من أن بدء الجيش مصادرة سلاح حزب الله قبل باقي القوى، كالمخيمات الفلسطينية، سيولّد حساسية سياسية لدى الحزب، معتبراً أن "أي تركيز حصري على حزب الله سيُفهم كاستهداف".
وذكر أن الحوار على نزع سلاح الحزب لم يعد محرماً، طالما أن الظروف الجغرافية والميدانية والتنفيذية باتت متاحة، وسط توافق مبدئي، بشرط "ضمان كرامة لبنان".
وشرح يعرب صخر الخطة المرجحة، موضحاً أنها ستُنفذ وفق نمطين محتملين: الأول هو النمط المناطقي، وهو نمط عسكري سيبدأ منه الجيش من منطقة بيروت لأنها عاصمة وثقل إداري لجعلها خالية من السلاح غير الشرعي، ثم التوسع إلى الجنوب والبقاع، وقد يتم هذا النمط بطريقة أخرى مثل البدء بالمناطق غير المبنية.
أما النمط الآخر، وفق صخر، فهو النمط النوعي والذي مرجح أن يبدأ بمصادرة السلاح الثقيل، ثم المتوسط، ثم الخفيف، وفي الأخير مصادرة الطائرات المسيرة.
ولفت إلى أن الخطة ستنفذ على 4 مراحل، تُخصص لكل منطقة مهلة شهر، ثم تليها مرحلة خامسة للتقييم والتأكد من نجاح التنفيذ، موضحاً أن هناك خططاً سرية لا يطلع عليها أحد سيتم تنفيذها ميدانياً وبتوجيه من الحكومة.
التسلسل السياسي المتوقع
ولفت أندره بومعشر إلى أن الرئيس عون سبق أن تحدث عن خطوات متسلسلة تبدأ بوقف إطلاق النار، ثم انسحاب إسرائيل، يليها بسط السيادة، وصولاً إلى نزع السلاح.
وعلى الرغم من ذلك، أوضح بومعشر أنه سيتم اعتماد جدولة متوازنة بين الجانبين اللبناني والأميركي، تأخذ بعين الاعتبار الرقعة الجغرافية والتوقيت، بهدف تحقيق توازن في الشروط، إذ تطالب الولايات المتحدة بترتيب يبدأ بنزع سلاح حزب الله، ثم بسط السيادة اللبنانية، يليه الانسحاب، وأخيراً وقف إطلاق النار.
واعتبر أن إقرار هذه الأهداف في مجلس الوزراء يشكل مؤشراً إيجابياً لبناء تفاهم مشترك بين لبنان وأميركا حول تنفيذ خطوات مصادرة السلاح بشكل طوعي وتوافقي.
ولفت عمر معربوني إلى أن واشنطن وتل أبيب لا تريدان أن يستحوذ الجيش على سلاح الحزب، بل تدميره، حتى لا يمتلك الجيش اللبناني سلاحاً نوعياً.
وانسحب وزراء يمثلون الثنائي الشيعي الجمعة، للمرة الثانية من جلسة مجلس الوزراء بسبب رفض "حزب الله" و"حركة أمل" مناقشة الورقة التي قدمها المبعوث الأميركي توم باراك.
وندد الحزب، الأربعاء، بقرار الحكومة اللبنانية، بتكليف الجيش بوضع خطة لضمان حصر السلاح بيد 6 قوى أمنية محددة تابعة للدولة بحلول نهاية العام.
وفي يونيو الماضي، اقترح المبعوث الأميركي توم باراك على المسؤولين اللبنانيين خريطة طريق لنزع سلاح "حزب الله"، مقابل وقف إسرائيل هجماتها على لبنان، وسحب قواتها من 5 نقاط لا تزال تسيطر عليها في جنوب لبنان.