هددت إيران، السبت، بمنع مد ممر مزمع في القوقاز بموجب اتفاق إقليمي برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ما أثار شكوكاً جديدة بشأن خطة السلام التي أشاد بها البعض باعتبارها تحولاً استراتيجياً مهماً.
وكان دبلوماسي أذربيجاني رفيع المستوى قال، في وقت سابق السبت، إن الخطة التي أعلنها ترمب، الجمعة، تجعل بلاده على بعد خطوة واحدة من اتفاق سلام نهائي مع أرمينيا التي أكدت مجدداً دعمها لها.
وسيمتد "طريق ترمب للسلام والازدهار الدولي" عبر جنوب أرمينيا، ما يتيح لأذربيجان الوصول المباشر لجيب ناخيتشفان التابع لها ومن ثم تركيا.
وستحصل الولايات المتحدة على حقوق تطوير حصرية للممر الذي قال البيت الأبيض، إنه سيسهل زيادة صادرات الطاقة وغيرها من الموارد.
ولم يتضح بعد كيف ستمنع إيران، التي تقع على حدود المنطقة، المشروع، لكن تصريح علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد الإيراني، أثار شكوكاً حول أمنه.
وقال ولايتي، إن المناورات العسكرية التي أجريت في شمال غرب إيران أظهرت استعداد طهران وتصميمها على منع أي تغييرات جيوسياسية.
وأردف: "هذا الممر لن يصبح ممراً مملوكاً لترمب، بل مقبرة لمرتزقة ترمب".
ترحيب إيراني بالاتفاق
وكانت وزارة الخارجية الإيرانية رحبت في وقت سابق، بالاتفاق كـ"خطوة مهمة نحو سلام إقليمي دائم"، لكنها حذرت من أن أي تدخل أجنبي بالقرب من حدودها يمكن أن "يقوض أمن المنطقة واستقرارها الدائم".
وقال محللون ومصادر مطلعة لوكالة "رويترز"، إن إيران، التي تتعرض لضغوط أميركية متزايدة بسبب برنامجها النووي وعواقب الحرب التي دامت 12 يوماً مع إسرائيل في يونيو الماضي، تفتقر إلى القوة العسكرية اللازمة لإغلاق الممر.
واستقبل ترمب الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان في البيت الأبيض، الجمعة، وشهد توقيع الطرفين على إعلان مشترك يهدف إلى وضع حد لصراعهما المستمر منذ عقود.
ولم تنضم روسيا إلى الاجتماع رغم تمركز حرس حدودها على الحدود بين أرمينيا وإيران. وروسيا هي الوسيط التقليدي وحليف أرمينيا في منطقة جنوب القوقاز التي تتقاطع فيها أنابيب نفط وغاز.
وكانت موسكو قد أعلنت دعمها للقمة، لكنها اقترحت "تطبيق حلول وضعتها دول المنطقة نفسها بدعم من جيرانها المباشرين روسيا وإيران وتركيا" لتجنب ما تطلق عليها "التجربة المؤسفة" للجهود الغربية للتوسط في الشرق الأوسط.
ورحبت تركيا، حليفة أذربيجان الوثيقة وعضو حلف شمال الأطلسي بالاتفاق. كما رحبت إيران، حليفة روسيا، بالاتفاق لكنها حذرت من أي تدخل أجنبي قرب حدودها.
وظهر الخلاف بين أرمينيا وأذربيجان في أواخر الثمانينيات عندما انشقت منطقة ناجورنو قره باغ عن أذربيجان بدعم من أرمينيا.
وناجورنو قره باغ منطقة جبلية في أذربيجان أغلبية سكانها من الأرمن.
واستعادت أذربيجان السيطرة الكاملة على المنطقة عام 2023 في هجوم عسكري، ما دفع جميع الأرمن المتبقين في الإقليم البالغ عددهم 100 ألف تقريباً للفرار إلى أرمينيا.
وقال إلين سليمانوف سفير أذربيجان لدى بريطانيا: "لقد طوى ملف العداء، ونحن الآن نتجه نحو سلام دائم"، متوقعاً أن يشهد ازدهار المنطقة وروابط النقل فيها "تحولاً إيجابياً".
واعتبر سليمانوف، الذي كان مبعوثاً سابقاً إلى واشنطن وعمل في مكتب الرئيس علييف وهو أحد أبرز دبلوماسيي بلاده، أن "هذه نقلة نوعية".
وأحجم سليمانوف عن التكهن بموعد توقيع اتفاق السلام النهائي، مشيراً إلى أن علييف عبّر عن رغبته في حدوث ذلك قريباً.
وأضاف أن هناك عقبة واحدة فقط، وهي أن تقوم أرمينيا بتعديل دستورها لحذف الإشارة إلى ناجورنو قرة باغ.
وأعرب عن "استعداد أذربيجان للتوقيع في أي وقت بمجرد أن تفي أرمينيا بالتزامها الأساسي المتمثل في إزالة مطالبها الإقليمية ضد أذربيجان في دستورها".
أسئلة كثيرة بلا إجابة
دعا باشينيان هذا العام إلى إجراء استفتاء لتغيير الدستور، ولكن لم يتم تحديد موعد له حتى الآن.
ومن المقرر أن تجري أرمينيا انتخابات برلمانية في يونيو 2026، ومن المتوقع صياغة الدستور الجديد قبل التصويت.
وقال الزعيم الأرميني على "إكس"، إن قمة واشنطن ستمهد الطريق لإنهاء عقود من الصراع، وتسمح بتشغيل خطوط النقل في المنطقة التي قال إنها ستتيح فرصاً اقتصادية استراتيجية.
ورداً على سؤال عن موعد بدء تشغيل خط السكك الحديدية، أوضح سليمانوف، إن ذلك سيعتمد على التعاون بين الولايات المتحدة وأرمينيا، مضيفاً أنهما بالفعل في محادثات.
ويرى جوشوا كوسيرا كبير محللي جنوب القوقاز في مجموعة الأزمات الدولية، أن قمة واشنطن لم تكن الفوز السهل الذي ربما كان يأمله ترمب إذ تركت الاتفاقيات العديد من الأسئلة دون إجابة.
ولا تزال مسألة دستور أرمينيا تهدد بعرقلة العملية، ولم تتم معالجة الأسئلة الرئيسية حول كيفية عمل ممر النقل الجديد من الناحية العملية.
وقال كوسيرا: "لا تزال التفاصيل الرئيسية مفقودة، ومنها كيفية عمل الضوابط الجمركية والأمن وطبيعة وصول أرمينيا المتبادل إلى الأراضي الأذربيجانية. قد تكون هذه عقبات خطيرة".
وقلل سليمانوف من أهمية التلميحات إلى أن روسيا، التي لا تزال لديها مصالح أمنية واقتصادية واسعة النطاق في أرمينيا، ستتضرر من ذلك.
وتابع: "يمكن لأي شخص والجميع الاستفادة من هذا إذا اختاروا ذلك".