نقلت وكالة "بلومبرغ"، عن مسؤولين ألمان، أن برلين، لا تعتزم وقف مشروع خط الغاز الروسي "نورد ستريم 2"، حتى إذا حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استخدامه كسلاح جيوسياسي، "بصرف النظر عن ردّ فعل الولايات المتحدة على الأمر"، معتبرة ذلك بمثابة "صفعة للبيت الأبيض".
ومع إنجاز 99% من خط الأنابيب، الذي يبلغ طوله 1230 كيلومتراً، وترجيح استكماله في أغسطس الجاري، تتجه الأنظار إلى ما سيحدث بمجرد بدء تدفق الغاز فيه، وإمكانية أن يسعى بوتين إلى تجنّب عبوره أوكرانيا، إذ يشكّل ذلك شريان حياة اقتصادي للجمهورية السوفياتية السابقة.
ورجّحت الوكالة، أن تواصل ألمانيا نهجها في هذا الصدد، حتى بعد تنحّي المستشارة أنجيلا ميركل، بعد الانتخابات النيابية المرتقبة في 26 سبتمبر المقبل. واستدركت أن ثمة مسائل قانونية، قد تعقّد إنجاز أي عمل مستهدف.
اتفاق ألماني – أميركي
وأعلنت واشنطن وبرلين، الشهر الماضي اتفاقاً لتسوية نزاعهما بشأن "نورد ستريم 2"، البالغ قيمته 11 مليار دولار. جاء ذلك بعدما التقت ميركل بالرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض.
وأقرّ بايدن بوجود خلافات بين واشنطن وبرلين بشأن المشروع، لافتاً إلى أنه أبلغ المستشارة الألمانية قلق الولايات إزاءه. وأضاف: "في وقت كررت فيه مخاوفي بشأن نورد ستريم 2، فإنني والمستشارة ميركل مقتنعان تماماً بوجوب عدم السماح لروسيا بأن تستخدم الطاقة سلاحاً، لإكراه جيرانها أو تهديدهم".
ويشكّل هذا الاتفاق تحوّلاً في الموقف الأميركي، إذ عارضت واشنطن خلال الإدارتين الرئاسيتين السابقتين، خط الأنابيب الذي سينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، لا أوكرانيا، ما يهدد بحرمان كييف من جزء من الرسوم التي تجنيها حالياً من عبور الغاز الروسي أراضيها، ومن وسيلة ضغط أساسية على موسكو. وتبرّر إدارة بايدن موقفها بأن الخط بات أمراً واقعاً.
واعتبرت ميركل أن الاتفاق مع الولايات المتحدة هو "خطوة جيدة تظهر استعداد الجانبين لتسوية" بشأن الخط، واستدركت: "هناك خلافات ما زالت قائمة".
في المقابل، اعتبرت كييف ووارسو أن "نورد ستريم 2" يهدد أوكرانيا وأوروبا الوسطى بأسرها، على المستويات "السياسية والعسكرية والطاقوية".
أما الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، فاعتبر أن روسيا كانت وستبقى "الضامن المسؤول" لأمن الطاقة، سواء في أوروبا أو العالم. وأضاف أن "بوتين أكد مجدداً أن روسيا لم تستخدم قط موارد الطاقة، كأداة للضغط السياسي".
مكسب لبوتين وصفعة لبايدن
ونقلت "بلومبرغ" عن مسؤولين إن محاولة بوتين استخدام "نورد ستريم 2" كسلاح جيوسياسي، سيدفع الحكومة الألمانية إلى التركيز على فرض عقوبات أوسع، على مستوى الاتحاد الأوروبي، بدلاً من استهداف خط الغاز مع روسيا، متحدثين عن مسار أكثر صعوبة للردّ على الكرملين.
وأشارت الوكالة إلى أن بايدن كان حاول دفع الألمان إلى الالتزام بالردّ بقسوة، في حال سعى بوتين إلى استغلال خط الأنابيب لتقويض أوكرانيا. وأضافت أن ميركل وافقت على اتخاذ إجراء "على المستوى الوطني"، في إطار الاتفاق المُبرم بين واشنطن وبرلين، مستدركة أن تردد ألمانيا في وقف خط الغاز يُعدّ بمثابة مكسب محتمل للرئيس الروسي، و"صفعة للبيت الأبيض".
ونقلت الوكالة عن ناطق باسم حكومة ميركل، قوله إن برلين مُرغمة على التصرف، في حال أساءت روسيا استخدام خط الغاز، لكنه امتنع عن توضيح التدابير التي قد تتخذها.
واعتبرت "بلومبرغ" أن تصريحات المسؤولين الألمان قد تعزّز موقف منتقدي بايدن في الكونجرس، الذين يرون أنه استسلم في هذا النزاع. وذكّرت بأن الجمهوريين في مجلس الشيوخ هددوا، هذا الأسبوع، بالامتناع عن المصادقة على تعيين مرشحَين للرئيس الديمقراطي في وزارة الخزانة، مشترطين أن تحيي الإدارة عقوبات تستهدف وقف "نورد ستريم 2". ونقلت عن الرئيس الديمقراطي للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب مينينديز، قوله إن الاتفاق المُبرم مع ألمانيا ليس كافياً، مشدداً على "وجوب وقف" المشروع.
عقوبات أوروبية على موسكو؟
زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي، أرمين لاشيت، الأوفر حظاً لخلافة ميركل بعد الانتخابات، لم يبتعد كثيراً عن موقفها بشأن المشروع، كما أن الحزب الاشتراكي يدعم إلى حد كبير شراكة في الطاقة مع روسيا. أما حزب الخضر، الذي ينافس على منصب المستشار للمرة الأولى، فكان خارج التيار السياسي السائد. لكن أنالينا بربوك، مرشحة الحزب في الانتخابات، أغضبت الكرملين، بعد معارضتها الصريحة للمشروع.
وذكرت "بلومبرغ" أن ميركل، أنهت خلال زيارتها واشنطن، الشهر الماضي، جهوداً أميركية لضمان التزام ألمانيا بشكل أكثر صرامة بالردّ على روسيا، إذا اتخذت تدبيراً مؤذياً. وأوضحت المستشارة أنها تفضّل التوصّل إلى حلّ من خلال الاتحاد الأوروبي، وهذا الأمر يتطلّب موافقة كل دوله الـ27.
وسُئلت ميركل هل أن خياراتها تشمل وقف خط الأنابيب، فأجابت: "لدينا أدوات يمكننا استخدامها، ولكن الأمر سيكون على المستوى الأوروبي، لا الألماني". واعتبرت أن تهديد أوروبا بفرض عقوبات، يشكّل عامل ردع فاعل إزاء بوتين، علماً أن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات واسعة على روسيا، بعد ضمّها شبه جزيرة القرم، في عام 2014. كذلك فرض إجراءات أكثر استهدافاً، بعد تسميم زعيم المعارضة في روسيا، أليكسي نافالني، وسجنه. وتابعت ميركل: "هذا لا يعني أننا عُزّل تماماً".
اقرأ أيضاً: