الصين وباكستان تطالبان أفغانستان بالتعامل مع "الجماعات الإرهابية" وتعدان بتعاون اقتصادي

اجتماع ثلاثي في كابول لبحث التنسيق الأمني واستثمارات صينية بالمنطقة وسط تنافس على النفوذ

time reading iconدقائق القراءة - 11
إسلام أباد - سُميرة خان

أعربت باكستان والصين عن قلقهما، أمام الحكومة الأفغانية المؤقتة، إزاء تنامي "الإرهاب" في المنطقة، واستخدام "الجماعات الإرهابية" للأراضي الأفغانية، كمنطلق لعملياتها في الدول المجاورة، وحذرتا من أنهما ستتخذان "الإجراءات اللازمة" في حال عدم كبح هذه العمليات.

وعرض البلدان مخاوفهما في اجتماع ثلاثي بالعاصمة الأفغانية كابول، ضم القائم بأعمال وزير الخارجية الأفغاني مولوي أمير خان متقي، ووزيرَي الخارجية الصيني وانج يي، والباكستاني محمد إسحاق دار، ناقش التحديات الأمنية، والاستقرار الإقليمي، وسبل تعزيز التعاون الاقتصادي، في ظل القلق المتزايد في بكين وإسلام أباد إزاء تصاعد "النشاط الإرهابي في المنطقة".

وقالت مصادر حكومية باكستانية لـ"الشرق"، إن "الرسالة كانت واضحة: على الحكومة الأفعانية اتخاذ إجراءات قوية ومستدامة لوقف الإرهاب المنطلق من أراضيها ضد الصين وباكستان، وإلا فإن العواقب لن تكون جيدة للمنطقة. وفي مثل هذه الحالة، تحتفظ باكستان بالحق في اتخاذ الإجراءات اللازمة".

وأضافت المصادر أن "كابول وافقت على جميع البنود، وجددت التأكيد على بذل كل الجهود لاحتواء هذه التهديدات".

ولكن من ناحية أخرى، ذكرت مصادر وزارية أفغانية مطلعة على الاجتماع، لـ"الشرق"، أن "قيادة طالبان منقسمة على نفسها بشأن هذه القضية الحرجة، وخاصة فيما يتعلق بحركة طالبان باكستان".

وقالت المصادر إن السلطات في كابول وقندهار عاجزة "بسبب الدعم الذي تحظى به حركة طالبان باكستان من قيادات الصف الثاني والثالث في أفغانستان، وعناصرها".

هواجس باكستانية

وقالت مصادر عسكرية ودبلوماسية باكستانية رفيعة المستوى، لـ"الشرق"، إن "22 منظمة إرهابية تنشط حالياً في أفغانستان، وإن 90% من الهجمات الإرهابية داخل باكستان تنطلق من الأراضي الأفغانية".

وبحسب المصادر نفسها، أكدت إسلام أباد "ضرورة أن توقف أفغانستان الإرهاب داخل باكستان"، وحذَّرت من أنه "إذا شن أي تنظيم إرهابي هجوماً كبيراً ضد باكستان، فسيتم استهداف أوكارهم في أفغانستان، حتى لو كان في مدينة كابول".

كما ناقش الاجتماع قضية فصل العائلات على الحدود، حيث طالبت باكستان بعودة مواطنيها إلى أراضيها، ومغادرة الأفغان إلى بلادهم، مشددة على أن "أمن الحدود أولوية لا يمكن التهاون فيها".

خارطة التنظيمات المتشددة

وبحسب المصادر، فإن من بين النقاط التي طرحتها باكستان في اجتماعها الثنائي مع الجانب الأفغاني: "استمرار وجود ملاذات آمنة لجماعات إرهابية داخل أفغانستان. ونشاط جماعات مثل حركة طالبان باكستان، وتنظيمَي داعش والقاعدة، وجيش تحرير بلوشستان، وغيرها، بدعم من السلطات الأفغانية".

وذكرت المصادر أن "لدى حركة طالبان باكستان 6 آلاف عنصر، ولديها إمكانية الوصول إلى أخطر الأسلحة، كما أن لديها صلات بتنظيم 'داعش خراسان'. بينما ترتبط حركتَي تحرير بلوشستان وطالبان باكستان بعلاقات وثيقة في جنوب أفغانستان، وتدير هذه الجماعات بشكل مشترك 4 معسكرات تدريب، بما في ذلك معسكر والي كوت في ولاية قندهار، ومعسكر شرابيت في مقاطعة وزيرستان الشمالية".

وتابعت بالقول: "تنظيم داعش خراسان يضم 2000 عنصر في أفغانستان، ويتلقى هؤلاء أيضاً الدعم من الفصائل الأفغانية، وهناك تواجد لتنظيم القاعدة في ولايات غزنة، وهلمند، وقندهار، وكونار، وأوروزجان، وزابل الأفغانية".

ولفتت المصادر إلى أن السلطات الباكستانية طالبت الحكومة الأفغانية المؤقتة بـ"ضرورة الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية الدوحة".

وكانت حركة طالبان وقَّعت مع الولايات المتحدة اتفاقية في عام 2020، في العاصمة القطرية، كان من بين ما نصت عليه، "عدم السماح لتنظيم القاعدة، أو التنظيمات المتطرفة بالعمل على الأراضي الأفغانية".

التعاون الاقتصادي والسياسي

وإلى جانب الملف الأمني، ناقش الاجتماع سبل تعزيز العلاقات السياسية وفتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث.

وشهد الاجتماع مراجعة القرارات التي اتُخذت في اجتماع غير رسمي عُقد في بكين في مايو الماضي، بهدف تعزيز التعاون الإقليمي، بعد اجتماع مماثل، سبقه في 2023 في إسلام أباد.

وقالت مصادر باكستانية حكومية لـ"الشرق"، إن "مشاركة إسلام أباد في الاجتماعات أمر مهم للغاية، حيث تمت مناقشة الصعوبات التي تواجه العلاقات التجارية بين أفغانستان وباكستان وإمكانيات التعاون الحدودي".

وناقش وزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار جوانب التعاون المتبادل، وعرض سياسة باكستان لتعزيز العلاقات الثلاثية، بما في ذلك مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الأفغاني، والنقل التجاري، ومشروع السكك الحديدية العابر لأفغانستان، والطريق السريع بين بيشاور وكابول.

وأكدت الصين ضرورة إدراج أفغانستان كشريك رئيسي في تنمية المنطقة واستقرارها، فيما ترغب باكستان في إضفاء طابع عملي على التعاون الثلاثي من خلال تعزيز الممرات التجارية في المنطقة والمشاريع الاقتصادية المشتركة.

فرصة لأفغانستان

وبالنسبة لأفغانستان، لا يُعتبر هذا الاجتماع تطوراً دبلوماسياً لافتاً فحسب، بل سيمنحها أيضاً فرصة لتحسين علاقاتها مع المجتمع الدولي، إذ تُعد استضافتها للممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، "تعبيراً عن رغبتها في لعب دور مهم في المنطقة، وحرصها على بناء علاقات قائمة على الثقة مع جيرانها".

وفي ختام الاجتماع، أصدرت الدول الثلاث بياناً مشتركاً أعلنت فيه توافقاً بشأن مختلف جوانب التعاون الثلاثي، والاتفاق على توسيع نطاق مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني ليشمل أفغانستان.

كما اتفقت الدول الثلاث على تعزيز التعاون في مجالات التجارة، والنقل، والتنمية الإقليمية، والصحة، والتعليم، والثقافة. وأكد الاجتماع الالتزام باستراتيجية مشتركة لمنع التهريب وتوسيع نطاق مشروع الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، ليشمل أفغانستان.

ووفقاً لوزارة الخارجية الباكستانية، فقد ناقش الاجتماع بالتفصيل التعاون المتبادل في القطاعين السياسي والاقتصادي.

لقاء ثنائي بين باكستان وأفغانستان

وعلى هامش الاجتماع الثلاثي، اجتمع وزير الخارجية الباكستاني، ووزير الخارجية الأفغاني المؤقت، قبل أن ينضم إلى الاجتماع بقية الوفد الباكستاني بمن فيهم الممثل الخاص لباكستان في أفغانستان محمد صادق، وعدداً من كبار المسؤولين.

وعبَّر الجانبان عن ارتياحهما لتطور العلاقات السياسية والاقتصادية، وأكدا عزمهما على تعزيز التعاون في "مكافحة الإرهاب والعمل المشترك من أجل السلام والاستقرار الإقليمي".

وطلبت الحكومة الأفغانية المؤقتة من الجانب الباكستاني "تحسين ظروف عودة اللاجئين الأفغان، ووقف الممارسات التعسفية من قبل الشرطة الباكستانية، وعدم ترحيلهم بأعداد كبيرة دفعة واحدة".

الصين تسعى لخفض التوتر وتعزيز النفوذ

وبحسب مصادر عسكرية باكستانية رفيعة المستوى، فإن الاجتماع الثلاثي يأتي في إطار سعي بكين لتخفيف حدة التوترات بين باكستان وأفغانستان عبر تعزيز التعاون من خلال فرص تجارية واستثمارية جديدة في ظل التوترات الدبلوماسية.

وفي الوقت نفسه، تسعى بكين إلى ترسيخ نفوذها في المنطقة من خلال مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني ومبادرة الحزام والطريق.

تثبيت الاستقرار لإنجاح المشاريع الصينية

والاجتماع الذي استمر يوماً كاملاً، خلص إلى قرارات بشأن الجهود المشتركة لـ"مكافحة الإرهاب"، وتوسيع مشاريع "الحزام والطريق" لتشمل أفغانستان عبر الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.

ويشمل هذا الممر سلسلة من المشاريع بقيمة 60 مليار دولار أطلقتها إسلام أباد وبكين.

وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأفغانية، حافظ ضياء أحمد، في بيان قبيل الاجتماع: "سيتم إجراء نقاش شامل حول عدد من القضايا المهمة، بما في ذلك التعاون السياسي والاقتصادي والإقليمي بين الدول الثلاث".

ووفقاً للمصادر الباكستانية، فإن التوصل إلى اتفاق رسمي لتوسيع نطاق مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، ليشمل أفغانستان، "لن يساعد طالبان، الضعيفة اقتصادياً، في سعيها إلى اكتساب الشرعية الدولية فحسب، بل سيشكل أيضاً انتصاراً دبلوماسياً لبكين، مع توسيع نفوذها وبدء تغييرات جديدة في جميع أنحاء المنطقة".

وتتنافس روسيا والصين والهند على النفوذ في أفغانستان مع اكتساب طالبان الشرعية.

وتأتي زيارة وانج يي إلى كابول، عقب اجتماعات رفيعة المستوى أجراها في نيودلهي، حيث أكدت بكين أن الوضع الناجم عن الرسوم الجمركية الأميركية على البضائع الهندية قد أفاد الصين بشكل كبير.

وأفاد بيان لوزارة الخارجية الصينية بأنه تم التوصل إلى اتفاق مع نيودلهي لمعالجة النزاع الحدودي المتصاعد مع بكين.

تاريخ الاجتماعات الثلاثية ومُحركات انعقادها

الاجتماع الثلاثي الأخير لوزراء خارجية الدول الثلاث عُقد في بكين في 21 مايو الماضي، ووفقاً للخارجية الصينية، فقد "أشاد المجتمعون بنتائج هذا الحوار، وتبادلوا وجهات النظر بشكل ودي ومعمق حول تعزيز الاستفادة من إمكانات الآلية الثلاثية لتعزيز التعاون ذي المنفعة المتبادلة".

وجاء الاجتماع الثلاثي في ظل حاجة باكستان إلى الاستقرار على حدودها الغربية، ورغبة الصين في مواجهة نفوذ الهند في أفغانستان، لا سيما بعد تواصل نيودلهي مع "طالبان"، والذي بدأته منذ سنوات.

وانعقد المنتدى الثلاثي، الذي بدأ في 2017، بعد انقطاع دام عاماً، وكان أهم ما تم التوصل إليه هو رفع التمثيل الدبلوماسي لكل من باكستان وأفغانستان إلى مستوى السفراء بحلول نهاية مايو من هذا العام، واستعادة العلاقات الدبلوماسية رسمياً بين باكستان والحكومة الأفغانية المؤقتة.

وأوضح وزير الخارجية الباكستاني أن القرار اتُخذ بناءً على طلب بكين. فيما قالت مصادر أفغانية لـ"الشرق": "إذا سارت الأمور على ما يرام هذا العام، فإن باكستان تقترب من الاعتراف بنظام طالبان الحالي في أفغانستان".

كما عقد وزير الخارجية الصيني اجتماعات منفصلة مع عدد من المسؤولين في أفغانستان، ناقش خلالها العلاقات الثنائية بين البلدين، ومشاريع التعاون الاقتصادي الجديدة، وتعزيز التجارة، وبناء الثقة المتبادلة من جميع الجوانب.

وأفادت مصادر في كابول لـ"الشرق" بأن "الصين أكدت على زيادة الاستثمارات في بناء البنية التحتية، ومشاريع الطاقة، والممرات التجارية في أفغانستان".

تصنيفات

قصص قد تهمك