
أظهرت قاعدة بيانات سرية تابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن 5 من كل 6 فلسطينيين قتلتهم إسرائيل في الحرب على قطاع غزة كانوا من المدنيين، وذلك وفق تحقيق مشترك أجرته صحيفة "الجارديان" مع موقع "لوكال كول" ومجلة "972+" الإسرائيليين.
وفي مايو الماضي، أي بعد 19 شهراً من بدء الحرب على القطاع الفلسطيني، أدرج مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية أسماء 8 آلاف و900 شخص زعموا أنهم من عناصر حركتَي "حماس" و"الجهاد" ضمن قائمة تحت صفة "قتلى" أو "قتلى محتملون".
وفي ذلك الوقت، كانت وزارة الصحة في غزة أعلنت أن عدد ضحايا الحرب بلغ 53 ألفاً، وهي حصيلة شملت "المدنيين والمقاتلين"، في حين أشارت الأرقام الإسرائيلية إلى أن "المقاتلين يشكلون فقط 17%" من إجمالي الضحايا، ما يعني أن 83% منهم كانوا مدنيين.
ونبَّه التحقيق إلى أن "هذا المعدل المرتفع من الضحايا المدنيين في قطاع غزة غير مألوف حتى بالمقارنة مع حروب عُرفت بفظائعها".
وقتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 62 ألف فلسطيني، وأصاب أكثر من 157 ألفاً آخرين، منذ السابع من أكتوبر 2023، وفق بيانات وزارة الصحة في غزة، وذلك في وقت تفرض فيه إسرائيل حصاراً خانقاً أدى إلى كارثة إنسانية وتجويع واسع النطاق لسكان القطاع، وتحضر لشن عملية برية واسعة للسيطرة الكاملة على مدينة غزة، وسط تنديد عربي ودولي متزايد بالممارسات الإسرائيلية.
تناقض إسرائيلي
ولم ينكر الجيش الإسرائيلي وجود قاعدة البيانات، لكنه قال لـ"الجارديان" إن "الأرقام الواردة في التقرير غير صحيحة"، من دون تحديد ما هي البيانات التي يعترض عليها.
وذكرت مجلة "972+" أن "الأرقام المستقاة من قاعدة البيانات السرية - والتي تسجل خسائر حركتَي حماس والجهاد من المقاتلين - تتناقض بشكل كبير مع التصريحات العلنية الصادرة عن الجيش الإسرائيلي ومسؤولي الحكومة طوال الحرب، والتي زعمت عموماً أن نسبة الضحايا المدنيين إلى المقاتلين هي 1:1 أو 2:1".
وأشارت المجلة إلى أن الجيش الإسرائيلي أكد وجود قاعدة البيانات التي تديرها شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان).
وأكدت مصادر استخباراتية أن الجيش الإسرائيلي يعتبر قاعدة البيانات هذه بمثابة "المرجع الوحيد الموثوق لعدد الخسائر في صفوف المقاتلين (الفلسطينيين)، وأنه يعتمد أيضاً على بيانات وزارة الصحة في غزة رغم إنكار الساسة الإسرائيليين لها علناً".
وتتضمن قاعدة البيانات قائمة بـ47 ألفاً و653 اسماً لفلسطينيين في غزة، تعتبرهم شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "ناشطين في الجناحين العسكريين لحركتي حماس والجهاد".
وبحسب المصادر الاستخباراتية، تستند القائمة إلى وثائق داخلية- يُعتقد أنها صودرت في غزة- حصل عليها الجيش الإسرائيلي و"تصنّف قاعدة البيانات 34 ألفاً و973 اسماً كعناصر في حماس، و12 ألفاً و702 كعناصر في الجهاد"، وقالت "الجارديان" إنها لم تتحقق منها بشكل مستقل.
وأفادت المصادر، بأن إجمالي عدد الضحايا الذي تنشره وزارة الصحة في غزة يومياً، يُعتبر "موثوقاً به حتى من قِبَل الجيش الإسرائيلي، إذ لا يميز بين المدنيين والمقاتلين (من حماس والجهاد)"، بحسب موقع "لوكال كول".
كما تناول الموقع تصريحات لرئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق أهارون هاليفا التي قال فيها، إن "50 ألف قتيل في غزة أمر ضروري ومطلوب للأجيال القادمة"، وذلك في تسجيلات بثها التلفزيون الإسرائيلي هذا الشهر.
وكانت وزارة الصحة في غزة أعلنت أن "حصيلة الضحايا منذ 7 أكتوبر وحتى 14 مايو 2025 بلغت 52 ألفاً و928 فلسطينياً"، مشيرة إلى أن "هذه الأرقام لا تشمل آلاف المفقودين تحت الركام".
وتقتصر بيانات وزارة الصحة في غزة على الجثامين التي يجري انتشالها، كما لا تمتلك الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية حصراً كاملاً لعدد ضحايا الحرب في غزة، ومع ذلك، تبقى هذه الأرقام المرجع المعتمد في التخطيط العسكري الإسرائيلي، بحسب "الجارديان".
وتفاوتت تصريحات السياسيين والقادة العسكريين الإسرائيليين؛ إذ قدّر بعضهم عدد المقاتلين الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي بنحو 20 ألفاً، أو أن نسبة الضحايا المدنيين إلى المقاتلين (1:1)، إلا أن هذه التقديرات تشمل مدنيين على صلة بهياكل حكومية أو شرطية في غزة، وهو ما يحظره القانون الدولي باعتبارهم غير منخرطين مباشرة في القتال. بل إن بعض الأرقام تُدرج فلسطينيين لا علاقة لهم بحماس، بحسب الصحيفة البريطانية.
اللواء (احتياط) الإسرائيلي إسحاق بريك، الذي بات من أبرز منتقدي الحكومة الإسرائيلية، قال إن السياسيين يبالغون في تقدير عدد من يستهدفونهم من مقاتلي حماس والجهاد.
وأضاف بريك: "لا توجد أي علاقة على الإطلاق بين الأرقام المعلنة وما يحدث بالفعل. إنها مجرد خدعة كبيرة"، مشيراً إلى أنه التقى جنوداً من وحدة متخصصة في تحديد هوية ضحايا الحرب في غزة، وأخبروه أن "معظمهم كانوا مدنيين".
ورغم أن أجزاء واسعة من غزة تحولت إلى أنقاض وسقط عشرات الآلاف من الضحايا، فإن قاعدة البيانات السرية لا تزال تُدرج نحو 40 ألف شخص تعتبرهم إسرائيل مقاتلين لا يزالون على قيد الحياة، وفق "الجارديان".
وأدلى عدد من الجنود الإسرائيليين بشهادات تفيد بأن جميع الفلسطينيين يُعاملون كأهداف في غزة.
وقال أحد الجنود المتمركزين في رفح من الجانب الفلسطيني هذا العام إن وحدته رسمت "خطاً وهمياً" على الرمال، وأطلقت النار على كل من تجاوزه، بما في ذلك مرتين على أطفال ومرة على امرأة، مضيفاً: "كنا نطلق النار بهدف القتل، لا التحذير".