
يتوجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد أيام إلى الصين، للمشاركة في قمة منظمة شنغهاي، التي ستعقد في مدينة تيانجين يومي 31 أغسطس والأول من سبتمبر، على أن يشارك بعدها في الاحتفالات الصينية الخاصة بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية والانتصار على اليابان، وذلك في الثالث من الشهر نفسه، ويتخللها عرض عسكري ضخم يُعد لهذه الغاية.
وتحظى المباحثات التي سيجريها بوتين مع القادة الصينيين بأهمية استثنائية؛ لأنها تأتي في مرحلة حساسة تتميز بتنشيط الجهود الدولية الرامية إلى تسوية للنزاع الروسي الأوكراني، وبروز بدايات لتقارب روسي أميركي، في ظل استياء أوروبي، ومخاوف في الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، من إمكانية حدوث تحالف عسكري بين موسكو وبكين.
رئيس المجلس الروسي للعلاقات الدولية إيفان تيموفييف، أكد لـ"الشرق" أن التقارب الروسي الأميركي لا يمكن أن ينعكس سلباً على علاقات الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وبكين.
وأوضح تيموفييف أن زيارة الرئيس بوتين إلى الصين ستعزز الموقف الروسي حيال التسوية الجاري البحث عنها للنزاع الأوكراني، وتساهم في إبراز الموقف الصيني المتوازن حيال سبل البحث عن حلول سياسية لهذا النزاع.
ورأى أنه على الرغم من أن الصين لا تسعى للعب دوراً ريادياً في هذا المجال، إلا أن موقف بكين يتسم بالموضوعية والاتزان حيال النزاع بين روسيا وأوكرانيا.
التعاون الروسي مع الصين.. والقلق الأميركي
وأشار تيموفييف إلى أن الزيارة توفر فرصة مهمة لقادة البلدين، لإجراء مراجعة لسبل النهوض بعلاقات التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
ويعتقد تيموفييف أن الولايات المتحدة تنظر بقلق إلى تنامي العلاقات الروسية الصينية في مختلف المجالات، لأن موسكو وبكين لا تزالا "خصمين" لواشنطن، مشيراً إلى أنه كلما تعزز التنسيق بين روسيا والصين في المجالات السياسية والاقتصادية، كلما ازدادت مصاعب الجانب الأميركي.
وتوقع الخبير الروسي أن تعمل واشنطن على التفريق بين روسيا والصين، لافتاً إلى أن بكين تعمل في نفس الوقت من جانبها على تعزيز سبل التواصل مع الإدارة الأميركية في المجالات التجارية، والاقتصادية.
"لا تحالف" عسكرياً بين روسيا والصين
ونفى تيموفييف "الادعاءات الغربية" التي تتحدث عن مساعي روسيا والصين إلى إقامة تحالف عسكري، معتبراً أن "الحديث عن مثل هذا التحالف العسكري سابق لأوانه".
وأوضح أن المستوى الرفيع من الثقة المتبادلة والتنسيق بين موسكو وبكين "لا يعني وجود تحالف عسكري، وذلك لعدم وجود اتفاقيات أو وثائق مُلزِمة في مجال الدفاعي".
وأعرب عن قناعته بعدم وجود حاجة إلى تحالف عسكري بين البلدين في المرحلة الحالية، مشيراً مع ذلك إلى أن البلدين يعملان على تعزيز التعاون في المجال العسكري.
وشدد تيموفييف على عدم وجود أي مخاطر تهدد العلاقات الثنائية بين روسيا والصين، مؤكداً أن التقارب بين موسكو وواشنطن في الوقت الحاضر، لا يُشكل خطراً على تنامي العلاقات الروسية- الصينية.
ومن جانبه، قال رئيس قسم الاقتصاد والسياسة الصينية في معهد السياسة الدولية والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية سيرجي لوزيانين لـ"الشرق" إن زيارة بوتين إلى الصين من شأنها أن تبرز المستوى الرفيع للعلاقات بين البلدين، وسوف يتم خلالها التوقيع على عدد من الاتفاقيات الثنائية في مختلف المجالات.
وتوقع الخبير الروسي في الشؤون الصينية أن يتم خلال الزيارة كذلك إعلان مواقف مشتركة حيال الوضع الجيوسياسي الدولي، إضافة إلى تحديد مواقفهما حيال السياسة الأميركية الخاصة بفرض رسوم على البضائع الصينية، والهندية.
وأعرب لوزيانين عن قناعته بأن التعاون العسكري بين البلدين يسير قدماً، مشيراً إلى أن الصين "لا تقدم لروسيا تكنولوجيا عسكرية عصرية، ولكن التعاون ينحصر في إجراء مناورات وتدريبات مشتركة، وإعداد برامج حول التعاون بين القوات المسلحة والقيام بدوريات مشتركة في البحار".
وأضاف رئيس قسم الاقتصاد والسياسة الصينية في معهد السياسة الدولية والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية أن الحديث لا يدور حول تعاون عسكري تكنولوجي، بل عن مجالات تنسيقية بين الجانبين.
الصين و"نظرة سلبية" إلى الأزمة الأوكرانية
وتوقع لوزيانين أن يتطور التعاون العسكري؛ لأن البلدين جارين ولديهما مواقف متطابقة حيال القضايا الإقليمية والدولية.
وذكر أن الإدارة الأميركية تُراقب عن كثب تطور العلاقات الروسية الصينية، ولا تُريد أن ترى مزيداً من التعاون والتقارب بين موسكو وبكين.
ووصف الموقف الصيني حيال النزاع الأوكراني بأنه "محايد"، مستبعداً أن تؤدي زيارة الرئيس الروسي، إلى تغيير في هذا الموقف.
وأشار إلى أن بكين "تنظر بشكل سلبي إلى النزاع الروسي الأوكراني؛ لأنه يتعلق بسلامة الأراضي، وهذه مسألة حساسة بالنسبة إلى الصين، بالإضافة إلى أنه يؤثر على العلاقة مع الاتحاد الأوروبي".
وأوضح لوزيانين أن من شأن اتساع رقعة هذا النزاع أن يؤدي إلى حدوث أزمة اقتصادية في أوروبا، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلباً على الصادرات الصينية إلى دول الاتحاد الأوروبي.
بكين تراقب تواصل موسكو وواشنطن
وعزا لوزيانين، الحياد الصيني بشأن أوكرانيا إلى عدم رغبة بكين في أن تتعرض للانتقاد والاتهام من قبل واشنطن والاتحاد الأوروبي، بأنها تقف إلى جانب روسيا في النزاع بين موسكو وكييف.
وأعرب لوزيانين عن اعتقاده بأن الصين تراقب عن كثب الاتصالات واللقاءات الأخيرة بين موسكو وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وتعمل على تقييم هذه الاتصالات من زاوية مدى انعكاسها على مستقبل العلاقات الصينية- الروسية.
وأكد الخبير الروسي أن الاتصالات الروسية الأميركية لن تنعكس سلباً على العلاقات بين موسكو وبكين، وأن الأخيرة تدرك هذه الحقيقة.
وفي هذا الإطار، قال أستاذ العلوم السياسية في معهد بلدان الشرق الأقصى البروفيسور أناتولي كوشكين لـ"الشرق" إن زيارة بوتين إلى الصين "ستتميز بإجراء مباحثات مهمة للغاية بين الرئيسين الروسي والصيني، بهدف تحقيق مزيد من التقدم على طريق تطوير علاقات التعاون الثنائية في جميع المجالات، بما في ذلك التجارية، والاقتصادية، والثقافية، والسياسية، والعسكرية".
ولاحظ كوشكين أن العلاقات بين موسكو وبكين تثير القلق لدى الدوائر الغربية التي تسعى لتقويض الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وإبعاد الصين عن روسيا، مُبرزاً أهمية انعقاد قمة الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين، خلال هذه الفترة، واصفاً الحدث بـ"المهم" لأنه يبرز مواقف الدول، بما في ذلك روسيا والصين، التي تعارض الهيمنة الغربية والأميركية في العالم.
تطبيع العلاقات بين روسيا والصين وأميركا
وفي تقييمه للموقف الصيني حيال النزاع الأوكراني، أوضح البروفيسور كوشكين أن بكين "تؤيد التوصل إلى تسوية سياسية عاجلة لهذا النزاع"، وأن هذا الموقف "ينسجم مع توجهات موسكو، التي تعمل على إيجاد مخرج من هذا النزاع على أرضية تحقيق الأهداف التي حددتها القيادة الروسية منذ بداية العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا".
وأضاف أن موقف روسيا والصين ينسجم في ضرورة التزام أوكرانيا بالحياد، وعدم السماح بنشر قواعد أو قوات أجنبية في أراضيها.
وأعرب كوشكين عن قناعته بأن الصين لا تُظهر أي قلق حيال التقارب بين روسيا والإدارة الأميركية؛ لأن الصين نفسها مهتمة بتطوير العلاقة مع واشنطن، خاصة على ضوء المشكلات التجارية، والاقتصادية، ومحاولة واشنطن فرض رسوم عالية على البضائع الصينية.
واعتبر أن "الجميع سوف يربح في حال تطبيع العلاقات بين روسيا والصين والولايات المتحدة"، مستبعداً وجود أي محاولات لتقويض التقارب بين موسكو وواشنطن، أو بين الأخيرة وموسكو.