
بعد حراك برلماني صاخب استمر عقوداً عدة، تشهد الكويت منذ تولى أميرها الحالي، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حراكاً حكومياً منفرداً في عدة ملفات، منذ أعلن الأمير في مايو 2024 حل مجلس الأمة، وتعطيل اجتماعاته لمدة لا تزيد عن 4 سنوات.
تعديلات تشريعية، وتشريعات جديدة، إعادة هيكلة أجهزة حكومية، قرارات اقتصادية وإصلاحات للموازنة العامة للدولة، وتحقيق مستمر بملف الهوية الوطنية، كما أسماه وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف الصباح في أكثر من مناسبة، وذلك من خلال لجنة عليا للتحقيق في الجنسية الكويتية، تجتمع كل خميس من كل أسبوع، وتعلن سحب وإسقاط وفقد الجنسية الكويتية عن عدد من حامليها.
مع استمرار العمل على كل تلك الملفات، يبرز ملف الجنسية الكويتية كأعلى الملفات صوتاً في الشارع الكويتي وخارجه، حيث تجاوز عدد من تم سحب، أو إسقاط، أو فقد الجنسية الكويتية منهم 50 ألفاً من حامليها سابقاًِ، بينهم 30 ألفاً و800 سيدة من زوجات كويتيين، كما أعلن ذلك النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف الصباح، بحسب وسائل إعلام كويتية.
وزير الداخلية أعلن، في لقاء مع رؤساء تحرير صحف محلية، أن 6 آلاف حالة ممن تم سحب الجنسية الكويتية منهم هي حالات تزوير، فيما بيَّن أن أعداداً أخرى جاءت خلال حقب سابقة في سياق المجاملات والضغوطات السياسية خلال وجود مجلس الأمة (البرلمان).
إرث 40 سنة
هنا، أكد وزير الداخلية، في الحديث المنشور، الثلاثاء، أن "الدولة تواجه إرثاً ثقيلاً من التحديات، جاءت نتاج نحو 40 عاماً من الأخطاء والممارسات، بسبب بعض أعضاء مجلس الأمة، وتراخي بعض الوزراء في الحكومات السابقة"، وفق صحيفة "القبس".
ونقلت صحيفة "الراي" عن الوزير قوله إن "الأمير يريد أن يرجع الكويت إلى الكويت التي أخرجت المجلس التأسيسي (1961)، والكويت التي أخرجت المجلس الأول 1963 (مجلس الأمة)، عندما كان الناس يصوّتون للكويت ولمصلحة الكويت، وليس لأغراض أخرى ومساومات سياسية تظلم الكويت وأهلها".
وأضاف وزير الداخلية الكويتي أن "الأمير يصارع الزمن لإنهاء 40 سنة من الأخطاء، في أقرب وقت ممكن".
وقال إن "الحكومة تعمل بمجهود مضاعف في مختلف المجالات لتصحيح الأخطاء، ليس في مجال الجنسية فقط، بل في مختلف المجالات، من طرق وكهرباء وخدمات وانفتاح وأمن".
ولا يزال وزير الداخلية الكويتي يتحدث في ملف الهوية الوطنية الذي شغل الحيز الأكبر من لقائه برؤساء تحرير الصحف، مؤكداً على أن ملف الجنسية الكويتية تعرض للكثير من العبث.
وضرب مثالاً بوجود حالات ممن حصلن على الجنسية الكويتية في اليوم الثاني من الزواج بمواطن كويتي، وتحدث عن حالات تمت بمقابل مالي، وزواج صوري، وبيَّن أن الشريحة المستهدفة من زوجات الكويتيين، من حصلن على الجنسية الكويتية، منذ العام 1987، بموجب قرارات، بينما ينص القانون على ضرورة صدور مرسوم بمنح الجنسية.
كما تطرق الوزير لحالات سحب للجنسية ممن حصلوا عليها تحت بند تقديم أعمال جليلة، وقال إن "كل التجاوزات التي وقعت سابقاً مع الأسف كانت بسبب أعضاء في مجلس الأمة، وحكومات ضعيفة، ومصالح انتخابية، وهذا ما فاقم ملف الأعمال الجليلة وملف المادة الثامنة".
وأضاف الصباح: "ارجعوا إلى الستينات والسبعينات.. لن تجدوا مثل هذه الأرقام، وهناك أمر غريب جداً وقع تحديداً سنة 2005؛ فهي السنة التي شهدت تجنيس نحو 40% من إجمالي المجنسين!".
وأشار الوزير إلى وجود لجنة لبحث التظلمات من قرارات سحب وإسقاط وفقد الجنسية الكويتية.
وقال فيما يخص الشكاوى المعروضة أمام لجنة التظلمات، فإن "المطلوب من المتظلم أن يُثبت أننا وقعنا في خطأ بسحب الجنسية منه، وليس أن يثبت أنه (مستحق) للجنسية". وأضاف: "نعم، هناك حالات محدودة جداً وقعنا في الخطأ معها. ولكنها سوف تنتظر حتى الانتهاء من مراجعة المادة الثامنة بالكامل، والمطابقة بين السجلات الورقية والإلكترونية، ثم تجمع كل الحالات مرة واحدة، ويتم بعدها اتخاذ اللازم فيها بعد الرجوع إلى القيادة".
وشملت قرارات سحب الجنسية الكويتية، منذ أغسطس 2024، فئات مختلفة بين التزوير، أو الازدواجية، أو زوجات الكويتيين.
قانون للجنسية في الكويت
في السياق ذاته، أعلن النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، عن العمل على إعداد قانون جديد للجنسية في الكويت، وقانون يعالج قضية فئة البدون ممن يقيمون في الكويت بدون جنسية، تحت اسم "مقيمين بصورة غير قانونية".
وقال إن الحكومة تعكف حالياً على إعداد قانون جديد لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، وهو الآن في مراحله النهائية، ويضمن هذا القانون للمقيم بصورة غير قانونية الوجود في الكويت مع أبنائه بطريقة قانونية.
وأوضح الشيخ فهد اليوسف في هذا الملف أن عدداً من الدول أبدت استعدادها لمنح جنسيتها للمقيمين بصورة غير قانونية.
وقال: "أنا لست مستعجلاً، ونبحث الخيارات، حتى لا نظلم هذه الفئة". وأكد أن "من يتقاعس ولا يبادر من هذه الفئة بتصحيح وضعه، خلال الفترة التي سيحددها قانون المقيمين بصورة غير قانونية سيجد نفسه في خانة لاجئ أو نازح".
مدن عمالية
في سياق حديثه حول معالجة ملف بعض المناطق المكتظة بالعمالة، ومنها غير القانونية في الكويت، قال اليوسف: "نحن نعمل على انضباط هذه المناطق وإخضاعها للقانون".
وأعلن أن هناك شركات صينية سوف تبني مدناً عمالية. وأضاف: "هذا الأمر يحظى باهتمام شخصي من أمير البلاد، وسوف تنتهي هذه المشكلة قريباً".
تنشيط الاقتصاد وتعزيز السياحة
كما تطرق الوزير إلى السياسات والإجراءات المتعلقة بالتأشيرات، وتنظيم دخول الزائرين، وإقامة الأجانب، حيث أكد أن العمل جار على تطوير أنظمة حديثة تحقق التوازن بين التسهيل على المستثمرين والزائرين، وبين صون المصالح الوطنية، ومتطلبات الأمن المجتمعي.
وأكد الشيخ فهد اليوسف أن فتح الزيارات يتم وفق متابعة يومية دقيقة لجميع الزائرين وسلوكهم، بما يضمن الالتزام الكامل بالأنظمة واللوائح مع اتخاذ الإجراءات اللازمة عند حدوث أي مخالفة.
الجنسية الكويتية والنظام الانتخابي
استقلت دولة الكويت عام 1961، وبدأت عهد الاستقلال بإنشاء مجلس تأسيسي عام 1962، من 11 وزيراً، و20 عضواً منتخباً، عكف على صياغة دستور للدولة، لتبدأ بعد ذلك الحياة البرلمانية في البلاد عام 1963، من خلال مجلس الأمة المكون من 50 عضواً منتخباً، يضاف إليهم الوزراء، بما لا يتجاوز عدد ثلث النواب المنتخبين.
وتعرض النظام الانتخابي في الكويت لعدة تغييرات، شملت تقسيم الدوائر الانتخابية، غير أن الحق الانتخابي كان مكفولاً فقط للكويتيين بصفة أصلية، وفق المادة الأولى من قانون الجنسية الصادر عام 1959، وذلك حتى العام 1994 حيث صدر عن مجلس الأمة قانون يتيح للكويتي المتجنس المشاركة في الانتخابات البرلمانية، بعد مضي 20 سنة على حصوله على الجنسية الكويتية.
كما شمل التعديل آنذاك اعتبار الكويتي المولود لأب متجنس كويتياً بصفة أصلية، ما يعني منحه حق الانتخاب، والترشح لعضوية مجلس الأمة، الأمر الذي وسَّع من القاعدة الانتخابية لمجلس الأمة خلال حقبتي التسعينات ومطلع القرن العشرين.