الإنفاق العسكري الجديد لإيطاليا.. قنابل ورصاص وأطول جسر معلق في العالم

time reading iconدقائق القراءة - 9
رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال مراسم إحياء الذكرى السنوية الـ163 للجيش الإيطالي في روما. 3 مايو 2024 - Reuters
رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال مراسم إحياء الذكرى السنوية الـ163 للجيش الإيطالي في روما. 3 مايو 2024 - Reuters
دبي -الشرق

وصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اتفاق حلفاء الناتو، في يونيو الماضي، على الالتزام بزيادة الإنفاق الدفاعي بأنه "انتصار هائل" للولايات المتحدة. غير أن الاتفاق، إلى جانب الزيادة في شراء الذخائر والدبابات، قد يفتح الباب أيضاً أمام استثمارات "عسكرية" أكثر إبداعاً ربما تشمل تشييد أطول جسر معلق في العالم يربط جزيرة صقلية بالبر الرئيسي لإيطاليا، وفق "واشنطن بوست". 

وإذا جرى بناء المشروع البالغ تكلفته 15.8 مليار دولار، فإن ما يصل إلى 6 آلاف مركبة في الساعة يمكن أن تعبر طريقاً مستقبلياً فريداً مكوّناً من ستة مسارات، يبلغ طوله ضعفي ونصف طول جسر "جولدن جيت".

وأضافت الصحيفة، أن الجسر المقترح سيقلص الحاجة إلى العبارات أو الرحلات الجوية للوصول إلى الجزيرة التي يشعر سكانها بالانتماء إلى الوطن، لكنهم يعيشون في الوقت نفسه حالة انفصال عنه. 

طموحات ميلوني 

ترى حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني في الجسر وسيلة لتحقيق طموحين كبيرين، إذ يمكن لإدارتها أن تترك إرثاً طالما حلم به الإيطاليون منذ عهد الإمبراطورية الرومانية، وأن تنجح حيث أخفق غيرها من الداعين إلى إنشاء جسر "ميسينا"، بمن فيهم الديكتاتور الفاشي، بينيتو موسوليني، ورئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني، مؤسس تيار المحافظين الحديث في إيطاليا. 

ومن جهة أخرى، قد يمنح المشروع إيطاليا، الحليف القريب من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والعضو المعروف بضعف إنفاقه الدفاعي في أوروبا، مظهراً أكثر التزاماً داخل الناتو. إذ إن كلفة المشروع تعادل أكثر من 40% من الميزانية الدفاعية السنوية لإيطاليا، والبالغة 36.3 مليار دولار. 

ورغم أن الحكومة لم تقدم بعد المشروع رسمياً إلى الحلف، الذي يتعين عليه أن يوافق على إدراجه ضمن أهداف الإنفاق، فإنها ألمحت بقوة إلى نيتها القيام بذلك، الأمر الذي دفع معارضين إلى التنديد بمحاولة انتهازية لإحياء مشروع انقسم حوله الإيطاليون.

إنفاق الناتو الدفاعي

وتنص الأهداف الجديدة للناتو، التي أُقرت في يونيو الماضي، على أن يخصص الحلفاء بحلول عام 2035 ما نسبته 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي لاحتياجات عسكرية أساسية، مثل القوات والأسلحة، إضافة إلى 1.5% أخرى لمشروعات مرتبطة مثل البنى التحتية والأمن السيبراني.

وقالت جيوسي كامينيتي، وهي من معارضي المشروع، وتشغل منصب رئيسة بلدية بلدة، فيلا سان جيوفاني، في كالابريا، حيث سيُقام برج بارتفاع 1300 قدم لربط الجسر بالبر.

وأضافت: "على مدى 100 عام ونحن نطالب بالتضحية من أجل هذا الجسر، لجذب الاستثمارات والسياحة والقطارات السريعة. أما الآن فيقولون إنه مشروع استراتيجي عسكري. نشعر أننا خُدعنا. نحن نعلم تماماً لماذا يفعلون ذلك". 

لكن مسؤولين حكوميين يرون أن الأمر يتجاوز مجرد المظاهر. فصقلية، المعروفة بشواطئها الهلالية وحلويات "الكانولي" المقرمشة وكرات الأرز الشهية، تضم أيضاً قواعد عسكرية إيطالية وأميركية مهمة. ورغم أن الجسر سيخدم المدنيين بالدرجة الأولى، فإنهم يؤكدون أنه يجب أن يُحسب ضمن التزامات الناتو.

ولدى سؤاله الشهر الماضي، عما إذا كان الجسر ينبغي أن يُدرج ضمن الإنفاق العسكري، أجاب وزير الخارجية، أنطونيو تاجاني: "نعم… إنه مشروع يمكنه أن يضمن الأمن".

وكان مجلس وزراء ميلوني، أقر في أبريل الماضي ورقة سياسات أشارت إلى تدهور الأوضاع الأمنية في البلقان والشرق الأوسط وإفريقيا، ووصفت الجسر بأنه "ضروري لضمان تنقل القوات الدفاعية وسرعة التدخل" للقوات الإيطالية وقوات "الناتو" في منطقة البحر المتوسط.

فرصة ذهبية

وترى "واشنطن بوست"، أن السعي لبناء جسر "ميسينا" يوضح كيف يمكن لتعهد أوروبا بزيادة موازنات الدفاع أن يكون أيضاً فرصة ذهبية للإنفاق الوطني. 
 
فألمانيا، على سبيل المثال، تسعى إلى استغلال التعهد لتمويل مشروعات بنية تحتية مؤجلة منذ زمن بعيد، بحجة أن جيشها يحتاج إلى طرق وسكك حديدية موثوقة من أجل التعبئة. وتشمل حزمة الإنفاق الدفاعي الألماني أكثر من 116 مليار دولار حتى عام 2029 لمعالجة مشكلات شبكة السكك الحديدية المتعثرة. 

كما تبحث ألمانيا وبلجيكا وهولندا، في إحياء خط "الراين الحديدي" الذي يعود للقرن الـ19، والذي استُخدم من قبل طرفي النزاع في الحرب العالمية الثانية. 
 
وقال ديتليف نويس، رئيس اتحاد "برو بان" المعني بحقوق ركاب القطارات في ألمانيا، للصحيفة الأميركية، إن هدف الإنفاق الجديد للحلف "يُمثل بلا شك فرصة". 

وقد يكون هذا الإنفاق مبتكراً، لكنه ليس بالضرورة خارج الحدود المسموح بها. إذ منح اتفاق الناتو، الدول الأعضاء، قدراً كبيراً من المرونة، فيما تُرك الجزء غير الموجه إلى "الاحتياجات الأساسية" أكثر "غموضاً"، بحسب ما قالت فينيلا ماجيرتي، الزميلة البارزة في شؤون الاقتصاد الدفاعي بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجي.

وأضافت: "هناك تعريف واسع لما يندرج ضمن نسبة 1.5%، بما في ذلك مشروعات البنية التحتية".

طموح قديم 

أما بالنسبة إلى إيطاليا، فقد يساعد الدفع بهذا الاتجاه في تحقيق طموح قديم. إذ كتب بليني الأكبر في القرن الثالث قبل الميلاد عن محاولة ربط ضفتي مضيق ميسينا بواسطة براميل وألواح خشبية لإنشاء معبر مؤقت للفيلة الحربية. 
 
وأشار مؤيدون آخرون إلى أهداف قومية تتعلق بوحدة إيطاليا. وكان برلسكوني، رئيس الوزراء الراحل والملياردير المثير للجدل الذي اعتبره بعض المراقبين "ترمب إيطاليا"، الأقرب إلى تحقيق مشروع الجسر في مطلع العقد الثاني من الألفية الحالية، قبل أن يُلغى على يد سلسلة من الحكومات التكنوقراطية ذات التوجهات اليسارية.

لكن المشروع لم يقترب يوماً من التحقق كما هو عليه الحال اليوم. فقد منحت هيئة حكومية رئيسية هذا الشهر، موافقتها النهائية على المشروع، مع تأكيد المسؤولين أن الأعمال التمهيدية قد تبدأ في سبتمبر الجاري. 

وكلفت ميلوني نائبها ووزير النقل ماتيو سالفيني، زعيم حزب "الرابطة" القومي، بملف الجسر، وقد جعله خلال العامين الماضيين بمثابة "تحد ذاتي". 

وقال بيترو تشوتشي، الرئيس التنفيذي لشركة "مضيق ميسينا" المسؤولة عن تنفيذ المشروع، للصحيفة إن الفكرة في البداية كانت للشركة نفسها بتصنيف الجسر كمشروع للاستخدام المدني والعسكري؛ جزئياً للالتفاف على الموافقات البيئية الأوروبية. 

وأضاف: "كان علينا أن نوضح… المصلحة العامة. ومن بين الأسباب الجانب المتعلق بالدفاع والتنقل العسكري". 

ولا يزال المشروع بحاجة إلى موافقة "ديوان المحاسبة" الإيطالي والهيئات البيئية. ومع ذلك، توجه سالفيني هذا الشهر إلى صقلية للاحتفال بإطلاقه، لكنه قوبل بصيحات استهجان من بعض الحاضرين. 

انقسام حول الجسر 

وتفاخر سالفيني، بأن الجسر سيوفر 120 ألف وظيفة، وسعى إلى تبديد المخاوف من أن يقع المشروع فريسة للفساد في منطقة ما زالت المافيا تملك نفوذاً فيها. وقال: "سيقول البعض: بما أن هناك المافيا في صقلية و(ندرانجيتا) في كالابريا، فلا ينبغي أن نبني الجسر. حسناً… لنتوقف عن فعل أي شيء إذن!". 

وفي المقابل، يواصل المعارضون في ميسينا، وعلى الضفة المقابلة في كالابريا، هجومهم على محاولات تسريع المشروع. فبعض الصقليين المتشبثين بجزيرتهم يرفضون أي صلة بالبر قد تفسد عزلتهم. 

لكن المعترضين الأكثر عدداً يحذرون من كارثة بيئية، قائلين إن المشروع سيدمر النظام البيئي، ويعرض طريقاً رئيسياً للطيور المهاجرة للخطر، فضلاً عن وقوعه في منطقة معروفة بالزلازل والرياح العاتية. 
 
ويؤكد تشوتشي أن دراسات وافية أثبتت أن بناء جسر حديث مقاوم للزلازل، بدلاً من نفق، يظل الخيار الأفضل.

ويشكو منتقدون آخرون من الأضرار التي ستلحق بالمنازل والأعمال على الواجهة البحرية. إذ سيتعين نقل محطة قطارات ميسينا وبناء مترو صغير جديد. كما يشككون في تقديرات الحكومة بأن السيارات ستعبر الجسر لأول مرة بحلول عام 2033. 

لكن المؤيدين يرون أن رفض التغيير هو ما أبقى الصقليين، جيلاً بعد جيل، أكثر فقراً من باقي الإيطاليين. فهم يعتبرون الجسر حافزاً للتنمية ويسخرون من فكرة أنه سيؤذي الطيور.

تصنيفات

قصص قد تهمك