رسائل قمة منظمة شنغهاي.. نظام عالمي جديد يرفض الهيمنة ويدعم التعددية

تعزيز التعاون المالي وتقليل الاعتماد على الدولار وإطلاق مصرف تنمية مشترك

time reading iconدقائق القراءة - 11
قادة دول منظمة شنغهاي خلال قمة مدينة تيانجين في الصين. 1 سبتمبر 2025 - Reuters
قادة دول منظمة شنغهاي خلال قمة مدينة تيانجين في الصين. 1 سبتمبر 2025 - Reuters
دبي-الشرق

بعثت قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي اختتمت فعالياتها في تيانجين الصينية، الاثنين، رسائل سياسية عدّة، أبرزها رفض عقلية الحرب الباردة وسياسات الهيمنة، والدعوة إلى نظام عالمي أكثر عدلاً مع التركيز على التعددية، وإطلاق مبادرات استراتيجية بينها إنشاء مصرف تنمية مشترك.

وفي الوقت الذي طرح فيه الرئيس الصيني شي جين بينج مبادرة جديدة للحوكمة العالمية، أكدت الدول الأعضاء التزامها بتعزيز التعددية ومواجهة سياسات الهيمنة، مع التشديد على أهمية تطوير التعاون المالي وتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي، وتوسيع استخدام العملات المحلية.

وشهدت القمة التي عقدت على مدار يومين بمشاركة قادة أكثر من 20 دولة ورؤساء 10 منظمات دولية، اجتماعات ثنائية رفيعة المستوى بين الصين وكل من روسيا، والهند، وتركيا، ومصر، ودول من جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى، ما عكس حجم التوجهات الاستراتيجية لتوسيع نفوذ المنظمة دولياً.

وشهد اليوم الأخير للقمة، انعقاد الاجتماع الـ25 لمجلس رؤساء دول منظمة شنغهاي، إضافة إلى "اجتماع شنغهاي بلس"، في أكبر قمة سنوية للمنظمة منذ تأسيسها، حيث اعتمدت وثائق رئيسية، أبرزها استراتيجية التنمية للعقد المقبل، وفقاً لوكالة "شينخوا" الصينية.

الحوكمة العالمية 

واقترح الرئيس الصيني، خلال ترؤسه اجتماع "منظمة شنغهاي للتعاون بلس" مبادرة جديدة للحوكمة العالمية، داعياً إلى بناء نظام عالمي أكثر عدالة وإنصافاً وشمولاً.

وتُعد المبادرة رابع مبادرة كبرى يطرحها شي على الساحة الدولية خلال السنوات الأخيرة، بعد مبادرات: التنمية العالمية، والأمن العالمي، والحضارة العالمية.

وسلط شي الضوء على 5 مبادئ أساسية للمبادرة الجديدة، تشمل: احترام المساواة في السيادة، الالتزام بالقانون الدولي، دعم التعددية، التركيز على الشعوب، واتخاذ إجراءات ملموسة.

اقرأ أيضاً

قمة منظمة شنغهاي.. الصين تدعو لمواجهة "عقلية الحرب الباردة" وبوتين يشيد بـ"تفاهمات" ألاسكا

قال الرئيس الصيني شي جين بينج إن بلاده ستزيد الاستثمارات والقروض لشركائها، معلناً خطة لتعزيز التكتل الأمني الذي تقوده الصين وروسيا.

وأكد أن العالم يواجه تحديات متزايدة، في ظل تصاعد عقلية الحرب الباردة والهيمنة، مشيراً إلى أن الحوكمة العالمية "وصلت إلى مفترق طرق جديد".

بدوره، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن روسيا والصين لديهما وجهات نظر "متطابقة"، بشأن تعزيز "نظام عالمي عادل قائم على الأغلبية العالمية"، مضيفاً أن البلدين يقفان جبهة واحدة "ضد العقوبات غير القانونية"، التي يفرضها الغرب.

وأضاف بوتين خلال مقابلة مع "شينخوا"، قبيل مشاركته في القمة، أن هناك "نقطة تحول في الحياة الدولية، معتبراً أن التعاون بين روسيا والصين في الصيغ متعددة الأطراف يشكل "ركناً أساسياً في علاقاتهما، وهو "من دون شك عامل مهم في السياسة العالمية".

نبذ عقلية الحرب الباردة

وخلال القمة، أطلقت الصين، رسالة سياسية واضحة إلى الغرب مفادها أن العالم لم يعد يحتمل عقلية الحرب الباردة وسياسات الهيمنة.

بل أكد القادة أن التعددية العادلة، والحوكمة متعددة الأطراف، والنظام الدولي القائم على سيادة القانون والعدل بين الدول هي الطريق إلى نظام عالمي أكثر توازناً وإنصافاً.

وخلال القمة، دعا جين بينج إلى ضرورة نبذ "عقلية الحرب الباردة"، وتشكل معسكرات متنافسة، ورفض ممارسات الهيمنة، داعياً بدلاً من ذلك إلى التعاون عبر التعددية والالتزام بالنظام الدولي القائم على الأمم المتحدة، وفق "أسوشيتد برس".

وشدد شي على ضرورة اعتماد نموذج عالمي متعدد الأقطاب، يقوم على المساواة بين الدول، وعلى أن تكون المساهمة الدولية متعددة الأطراف بدلاً من الهيمنة الواحدة.

من جانبه، قال رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، إن رؤية الهند للمنظمة تعتمد على ثلاثة محاور: الأمن، الربط، والفرص (S‑C‑O)، داعياً إلى رفض الإرهاب ومضاعفة التعاون الاقتصادي، وتقوية الروابط الثقافية من خلال إنشاء منتدى للحوار الحضاري، وفق موقع "THE Economic Times ".

بنك منظمة شنغهاي

وعبّر "إعلان تيانجين" عن التمسك بنظام تجاري متعدد الأطراف ومنفتح وعادل، قائم على القواعد الدولية، يضمن وصولاً عادلاً للأسواق ومعاملة تفضيلية للدول النامية.

وتعتزم الدول الأعضاء المعنية، إنشاء مصرف التنمية لمنظمة شنغهاي للتعاون، والتعجيل بالمشاورات بشأن مجموعة من المسائل المتعلقة بعمل المؤسسة المالية.

وشددت الدول الأعضاء على أهمية الدور الذي يضطلع به الاتحاد المصرفي لمنظمة شنغهاي للتعاون، وأشارت إلى أن الاتحاد المصرفي لمنظمة شنغهاي للتعاون أصبح، بعد 20 عاماً من التطور، آلية مفضلة في القطاع المالي، ودعت إلى التعجيل بتسوية مسألة تفويض جمهورية إيران للمصارف للانضمام إلى المنظمة.

وأوضح بوتين أن موسكو إلى جانب شركائها الصينيين، تدعم إصلاح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وقال بوتين: "من الضروري إنهاء استخدام التمويل كأداة للاستعمار الجديد، وهو ما يتعارض مع مصالح الأغلبية العالمية".

فيما حثّ الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان، خلال القمة، على تعزيز السلام والتعاون الاقتصادي، مؤكداً استعداد بلاده للعب دور فاعل، واصفاً المنظمة بأنها ركيزة للتعددية القطبية، داعياً إلى مسارين متوازيين: ضمان بيئة سلمية وتوسيع التعاون الاقتصادي.

واقترح مبادرة لتعزيز التعاون المالي، تشمل استخدام العملات الوطنية، وتطوير بنية رقمية، وإنشاء صندوق لمبادلة العملات، بهدف تقليل الاعتماد على الدولار ومواجهة العقوبات.

التعاون في مجال الطاقة

كما عبرت الدول الأعضاء عن تأييدها توسيع نطاق التعاون الشامل والمنفعة المتبادلة في مجال الطاقة، وتعزيز مرونة سلسلة التوريد في قطاع الطاقة، وتعزيز التنمية المستدامة والمستقرة والمتوازنة لسوق الطاقة العالمية غير التمييزية.

واعتمد الاجتماع، بيان مجلس رؤساء دول منظمة شنغهاي للتعاون بشأن التنمية المستدامة للطاقة، وأقرّ خارطة الطريق لتنفيذ استراتيجية تنمية التعاون في مجال الطاقة بين الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون حتى عام 2030.

وشددت الدول الأعضاء، على تعزيز التعاون في مجالات أمن الطاقة وحماية البنية التحتية للطاقة، وتعزيز التعاون الاستثماري والتحول العادل في مجال الطاقة، وتحقيق التنمية المستدامة في مجال الطاقة على الصعيد الإقليمي، وسيجري النظر في وضع واعتماد خطة شاملة لتعزيز التعاون الشامل في مجال الطاقة المتجددة. 

وتؤيد الدول الأعضاء، تعزيز الحوار بشأن الطاقة مع شركائها في منظمة شنغهاي للتعاون وعقد الاجتماع الرفيع المستوى بين منظمة شنغهاي للتعاون والجامعة العربية حول تغير المناخ والطاقة المستدامة (أستانا، 3 أكتوبر 2025). 

مخطط تنمية عالي الجودة

وتعهد الرئيس الصيني، بزيادة استثمارات وقروض بلاده لشركائها، معلناً خطة لتعزيز منظمة شنغهاي، مشيراً إلى أن بلاده ستقدم هذا العام منحاً بقيمة 2 مليار يوان (275 مليون دولار) إلى الدول الأعضاء، كما ستمنح 10 مليارات يوان إضافية كقروض إلى اتحاد مصرفي مشترك خلال السنوات الثلاث المقبلة، حسبما نقلت "بلومبرغ".

ولفت إلى أن حجم التجارة بين الصين ودول منظمة شنغهاي للتعاون تجاوز 2.3 تريليون دولار، مشيراً إلى أن "بكين ستضاعف العدد الحالي للمنح الدراسية الخاصة بمنظمة شنغهاي للتعاون، وستطلق برنامج الدكتوراه التابع للمنظمة".

وقال الرئيس الصيني: "سنعمل مع جميع الأطراف بمنظمة شنغهاي لوضع مخطط للتنمية عالية الجودة، والارتقاء نحو التعاون إلى مرحلة جديدة".

إدانة حرب إسرائيل على غزة

وفي البيان الختامي للقمة، أعرب القادة عن "قلقهم العميق" إزاء التصعيد المستمر للصراع الإسرائيلي الفلسطيني والوضع الإنساني الكارثي في ​​غزة. وأدانت الدول الأعضاء بشدة، الأعمال التي أدت إلى سقوط ضحايا في غزة.

وأشارت الدول الأعضاء إلى أن "السبيل الوحيد لكفالة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط هو التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية".

وأدانت الدول الأعضاء أيضاً "بشدة" الضربات الإسرائيلية على إيران التي بدأت في يونيو الماضي، وتدخل الولايات المتحدة في الحرب التي استمرت 12 يوماً بين الجانبين.

وحذّرت من أن هذه الأعمال العدائية ضد المنشآت المدنية، بما فيها المنشآت النووية، تؤدي إلى خسائر في صفوف المدنيين، وتشكل "انتهاكاً خطيراً لقواعد القانون الدولي ومقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

لقاءات استثنائية

وشهدت القمة أكثر من 20 لقاءً ثنائياً رفيع المستوى، كان أبرزها اللقاء بين الرئيس شي جين بينج ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وهو الأول من نوعه منذ 7 سنوات.

واتفق الجانبان على أن الصين والهند شريكان وليس خصمان، مؤكدين أن كلاً منهما فرصة للتنمية، وليسا تهديداً لبعضهما البعض، وأكد مودي التزام نيودلهي بتحسين العلاقات مع بكين، معلناً اتفاقاً لإدارة المناطق الحدودية المتنازع عليها واستئناف الرحلات الجوية المعلقة منذ 2020.

وفي لقاء آخر أجراه بوتين مع مودي، وصف الرئيس الروسي نظيره الهندي بـ"الصديق العزيز"، وأقله في سيارته الخاصة، على هامش اجتماعات القمة، فيما أكد مودي أن موسكو ونيودلهي "تتمسكان ببعضهما البعض، حتى في الأوقات الصعبة".

وأعلنت باكستان وأرمينيا، إقامة علاقات دبلوماسية بينهما، لأول مرة في تاريخ البلدين، وسط تطلعات بتطوير علاقات ودية قائمة على احترام السيادة، وعدم التدخل، والمساواة، والمنفعة المتبادلة.

توسيع المنظمة 

وتوسعت منظمة شنغهاي، التي تأسست في شنغهاي في يونيو عام 2001 من قبل 6 أعضاء مؤسسين، إلى عائلة مكونة من 26 دولة هم 10 أعضاء ومراقبان و14 شريكا في الحوار يمتدون بين آسيا وأوروبا وإفريقيا.

وتضم منظمة شنغهاي للتعاون حالياً 10 دول أعضاء دائمين، وهي: الصين، روسيا، الهند، باكستان، كازاخستان، قرجيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان، إيران، وبيلاروسيا التي انضمت مؤخراً.

وتشارك دولتان بصفة مراقب هما أفغانستان ومنغوليا، إلى جانب 14 دولة بصفة شركاء في الحوار، كما تشمل المنظمة عدداً من الدول من آسيا، الشرق الأوسط، وإفريقيا، ما يعكس اتساع نطاق المنظمة الجغرافي والدبلوماسي.

ومع وجود أسواق صاعدة ودول نامية رئيسية مثل الصين وروسيا والهند بين أعضائها، تمثل منظمة شنغهاي للتعاون ما يقرب من نصف سكان العالم وربع الاقتصاد العالمي، مما يعني تقوية الروابط بين دول الجنوب العالمي، خاصة في ظل سياسات العقوبات الأميركية والضغوط الجيوسياسية.

وأعلن بوتين، في ختام القمة، أن المنظمة، تدرس طلبات عشرات الدول للانضمام إلى صفوفها بصفة مراقب أو شريك في الحوار.

واعتبر بوتين، أن حجم طلبات الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، "يدل على أن اهتمام المجتمع الدولي بالعمل مع المنظمة، والرغبة في التعاون المتكافئ معها، آخذ في النمو".

وأضاف: "هذه ليست المرة الأولى التي نتلقى فيها طلبات وفقاً لهذا الإطار الموسع الذي يجمع قادة الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون والدول المراقبة وشركاء المنظمة في الحوار والضيوف ورؤساء المنظمات الدولية الريادية".

تصنيفات

قصص قد تهمك