
اختُتمت قمة منظمة شنغهاي للتعاون، التي استمرت يومين في مدينة تيانجين الصينية، في الأول من سبتمبر، وكانت الأكبر في تاريخ المنظمة من حيث عدد المشاركين والمخرجات.
وتبنّت القمة أكثر من 20 وثيقة لتعزيز التعاون في مجالات الأمن، والاقتصاد، والشؤون الإنسانية، أبرزها "إعلان تيانجين" واستراتيجية تطوير المنظمة للعقد المقبل 2026–2035، التي رسمت ملامح المستقبل وخارطة الطريق لأعمال المنظمة.
ومع انضمام جمهورية لاوس الديمقراطية الشعبية كشريك حوار جديد، توسّعت المنظمة لتضمّ "عائلة كبرى" مكوّنة من 27 دولة.
توسّع أدوار المنظمة
قال وزير الخارجية الصيني وانج يي، الاثنين، إن الاستراتيجية التي تم اعتمادها للمرحلة المقبلة رسمت ملامح المرحلة المقبلة، وحددت توجهاتها بوضوح.
وفي سياق تعزيز العمل المشترك، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج عن خطة لتسريع إنشاء بنك تنمية تابع للمنظمة، وتأسيس منصة دولية للتعاون في مجال الطاقة، وهي مبادرات لاقت تأييداً واسعاً من قادة الدول الأعضاء.
من جانبه، أكّد رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف دعم بلاده لإنشاء البنك، واصفاً إياه بأنه آلية فعَّالة لدعم اقتصادات الدول الأعضاء.
وكانت الصين طرحت لأول مرة فكرة تأسيس البنك في عام 2010 بهدف تعزيز التجارة الإقليمية واستخدام العملات المحلية، ويبدو أن الوقت قد حان لتفعيلها عملياً.
وقال وانج يي: "الهدف الأساسي من البنك هو تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية في دول المنظمة".
وأضاف: "سيُعطي البنك دفعة قوية لتطوير البنية التحتية، كما سيضخ زخماً جديداً في اقتصادات الدول الأعضاء".
تعزيز الوحدة والذكاء الاصطناعي
في ظل عالم يزداد اضطراباً، وقّعت الدول الأعضاء في المنظمة على معاهدة "حُسن الجوار والصداقة والتعاون طويل الأمد"، التي تهدف إلى تعزيز الأمن المشترك.
كما أُعلن عن تفعيل المركز العالمي لمكافحة التهديدات والتحديات الأمنية، إضافة إلى دعم مراكز مكافحة المخدرات التابعة للمنظمة.
وقالت سون يون، مديرة برنامج الصين بمركز ستيمسون الأميركي لـ"الشرق"، إن القمة تُظهر أن دول المنظمة ستعمل معاً، سواء بمشاركة الولايات المتحدة أو بدونها.
وأشارت إلى أن "غياب الولايات المتحدة، فضلاً عن سياساتها العدائية يجعل هذه الدول تقترب من بعضها بشكل أكبر".
وفي هذا السياق، أعلن الرئيس شي عن إنشاء 3 منصات للتعاون في مجالات الطاقة، والصناعة الخضراء، والاقتصاد الرقمي، كما أعرب عن استعداد الصين للتعاون مع كافة الأطراف في بناء مركز تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مشدداً على أهمية تقاسم ثمار التقدم في هذا المجال.
ودعا الرئيس الكازاخستاني إلى ضرورة وضع قواعد ومعايير أخلاقية مشتركة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، واقترح إنشاء منظمة عالمية للذكاء الاصطناعي تكون مقرها في شنغهاي.
شي يطرح مبادرة "الحوكمة العالمية"
وخلال ترؤسه اجتماع "منظمة شنغهاي بلس"، أعلن الرئيس الصيني عن "مبادرة الحوكمة العالمية"، داعياً الدول الأعضاء إلى بناء نظام حوكمة عالمي أكثر عدلاً وإنصافاً.
وقال شي: "لقد وصلت الحوكمة العالمية إلى مفترق طرق جديد"، مشدداً على ضرورة الالتزام بالتعايش السلمي، وعدم استهداف أطراف ثالثة.
وأوضح أن المبادرة تقوم على 5 مبادئ رئيسية، وهي المساواة في السيادة، واحترام القانون الدولي، وممارسة التعددية، والنهج المرتكز على الإنسان، واتخاذ إجراءات ملموسة.
وأضاف: "لا ينبغي أن تكون هناك معايير مزدوجة، ويجب ألا تُفرض قواعد تضعها قلة من الدول على بقية العالم".
وصرّح وانج دونج، المدير التنفيذي لمعهد التعاون العالمي والفهم بجامعة بكين، لـ"الشرق"، بأن المبادرة تحمل بُعداً نظرياً مهماً وآليات تنفيذ عملية، ومن المتوقع أن يكون لها تأثير دولي عميق.
وتُعد هذه المبادرة العالمية هي الرابعة من نوعها التي يطلقها الرئيس الصيني في السنوات الأخيرة، بعد مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية.
مساعدات واستثمارات صينية
وأعلن شي خلال كلمته في القمة، أن الصين ستقدم منحاً مالية بقيمة 2 مليار يوان صيني للدول الأعضاء هذا العام، وستوفّر قروضاً إضافية بقيمة 10 مليارات يوان عبر البنوك الأعضاء في اتحاد البنوك التابع للمنظمة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وأضاف أن الصين ستضاعف عدد المنح الدراسية المخصصة للمنظمة اعتباراً من عام 2026، وستطلق برنامجاً مبتكراً للدكتوراه لتدريب المتميزة في البحث الأكاديمي والعلمي والتكنولوجي.
كما أعلن عن إقامة 10 ورش عمل في دول المنظمة، وتوفير 10 آلاف فرصة تدريبية للموارد البشرية خلال السنوات الخمس المقبلة، بالإضافة إلى تعزيز القدرات الإنتاجية في مجالي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بمقدار 10 ملايين كيلوواط لكل منهما.
وفي خطوة لتعزيز التعاون الفضائي، جدّدت الصين دعوتها لاستخدام نظام "بيدو" للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، ودعت الدول القادرة للمشاركة في مشروع محطة أبحاث القمر الدولية.
لقاءات ثنائية
وشهدت القمة التي شارك فيها قادة من أكثر من 20 دولة و10 منظمات دولية من بينها الأمم المتحدة، عقد عدد كبير من اللقاءات الثنائية على هامشها.
وأشار وزير الخارجية الصيني إلى أن باكستان وأرمينيا أقامتا علاقات دبلوماسية رسمياً خلال القمة، في إطار جهود المنظمة لتعزيز التواصل بين أعضائها.
وقال لين مينوانج، وهو أستاذ بجامعة فودان في شنغهاي ودبلوماسي صيني سابق في الهند، إن "مشاركة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للمرة الأولى منذ 7 سنوات في فعالية تستضيفها الصين، تُعد فرصة نادرة لتحسين العلاقات بين البلدين".
وبحسب التصريحات الرسمية، فقد اتفق شي ومودي خلال اجتماعات الاثنين على اعتبار بلديهما شريكين في التعاون لا خصمين، مؤكدين أن كلا البلدين يمثل فرصة تنموية للآخر، وليس تهديداً.
ورأى لين أن هذا التقارب لا يعود إلى تغيّرات داخلية في السياسة الهندية، بل إلى سياسة التعريفات الجمركية الأحادية التي تتبناها الولايات المتحدة، التي دفعت نيودلهي للبحث عن أرضية مشتركة مع بكين في مواجهة الأحادية والحمائية.
وقال: "إذا أبدت الهند حُسن نية حقيقي، فقد نشهد تحسناً كبيراً في العلاقات الثنائية"، مشدداً على أن "نقص الثقة الاستراتيجية" لا يزال يتطلب مزيداً من الحوار المباشر بين الجانبين.