وسط اتهامات متبادلة.. هل شوشت روسيا على طائرة فون دير لاين؟

time reading iconدقائق القراءة - 7
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس الليتواني جيتاناس ناوسيدا أثناء زيارة للحدود بين ليتوانيا وبيلاروس. 31 أغسطس 2025 - @vonderleyen
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس الليتواني جيتاناس ناوسيدا أثناء زيارة للحدود بين ليتوانيا وبيلاروس. 31 أغسطس 2025 - @vonderleyen
دبي-الشرق

أثارت رحلة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى بلغاريا، الأحد الماضي، تكهنات بشأن تعرض نظام تحديد المواقع GPS على متن طائرتها لتشويش روسي، إلا أن التحقيقات كشفت أن الطائرة هبطت بأمان باستخدام نظام الهبوط بالأجهزة (ILS)، ولم تفقد إشارة GPS فعلياً، بحسب "بوليتيكو".

وكانت طائرة مستأجرة من قبل المفوضية، في جولة أوروبية، فقدت الوصول إلى إشارات GPS أثناء اقترابها من مطار بلوفديف في بلغاريا، وذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" التي كان مراسلها على متن الرحلة، أن الطائرة دارت في الجو لمدة ساعة قبل أن يهبط الطيار باستخدام الخرائط الورقية.

وألقت "بروكسل"، و"صوفيا"، بشكل فوري، اللوم على روسيا، ووصفتا الحادث بأنه "تدخل صارخ". 

وكان من الممكن أن يؤدي الهجوم "المزعوم" على فون دير لاين إلى أزمة دبلوماسية كبرى، أو ما هو أسوأ، لكن بعد أيام، بدأ كل من الحكومة البلغارية والمفوضية الأوروبية بتقليل أهمية الحادث، وفق "بوليتيكو".

وكشفت خدمة تتبع الرحلات Flightradar24، الاثنين، أن بياناتها أظهرت عدم فقد إشارة GPS مطلقاً، وأن هبوط الطائرة تأخر فقط تسع دقائق، كما أظهرت البيانات العامة أن نفس الطائرة تعرضت لتشويش GPS في اليوم السابق فوق دول البلطيق، لكن ليس في بلغاريا.

ورفضت روسيا، الخميس، الاتهامات الموجهة لموسكو بالوقوف وراء التشويش على طائرة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، خلال رحلتها إلى بلغاريا، ووصفتها بأنها "كاذبة" وتعكس حالة من "جنون الارتياب".

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، خلال مؤتمر صحافي في موسكو، إن هذه الادعاءات "سخيفة" و"خاطئة بنسبة 100%".

وأضافت: "الأمر لا يتعلق فقط بجنون العظمة، بل هو مؤامرة ساخرة لصرف شعوبهم عن الوضع الاقتصادي المتدهور في الاتحاد الأوروبي وعن التفكير في الجناة الحقيقيين وراء الأزمة الأوروبية، بمن فيهم النخب السياسية غير المسؤولة والناهبة في الاتحاد الأوروبي".

وأشارت زاخاروفا إلى أن بيانات موقع تتبع الرحلات Flightradar24، "أظهرت أن طائرة فون دير لاين سجلت جودة إشارة GPS جيدة من الإقلاع وحتى الهبوط".

"خلل روتيني مرتبط بتداعيات أوسع"

ويوم الثلاثاء، قلل رئيس الوزراء البلغاري روزن جيليازكوف من مزاعم التدخل الروسي المباشر، واصفاً الحادث بأنه "خلل روتيني مرتبط بتداعيات أوسع للحرب في أوكرانيا".

وقال جيليازكوف: "لا حاجة للتحقيق في الوضع، لأن هذه الاضطرابات ليست تهديدات هجينة أو سيبرانية".

كما اكتشفت السلطات البلغارية أن الطائرة كانت مزودة بنظام احتياطي إلكتروني باستخدام أشعة الراديو مكّنها من الهبوط، دون الحاجة للخرائط الورقية.

وأضاف رئيس الوزراء البلغاري أن مثل هذه الاضطرابات الراديوية والإلكترونية كانت روتينية منذ بداية الصراع في أوكرانيا، وقال للصحافيين خلال مؤتمر حول الاتحاد الأوروبي في مدينة بورغاس الساحلية: "للأسف، هذه إحدى العواقب الجانبية، وإن لم تكن ضئيلة، لمثل هذه النزاعات".

وأشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى أن الحادثة كانت "مثيرة للاهتمام" خلال إحاطة الثلاثاء، وأفادت صحيفة "الجارديان" أن إيطاليا تفكر في إبقاء مسارات الرحلات الحكومية سرية.

ماذا حدث في رحلة أورسولا؟

وقال بيان للحكومة البلغارية تم مشاركته مع "بوليتيكو" إن "خدمات الحركة الجوية اقترحت فوراً مسار هبوط بديل باستخدام وسائل ملاحة أرضية (نظام الهبوط بالأجهزة) مستقل عن أنظمة GPS".

وأوضحت شركة SkAI Data Services، وهي شركة ناشئة في سويسرا متخصصة في بيانات الطيران، في منشور على "لينكدإن" أن "تشويشاً إقليمياً كان حاضراً على ارتفاعات عالية" في المنطقة، "لكن بيانات الرحلة لا تشير إلى فقدان إشارة GPS على طائرة فون دير لاين".

وبحسب بيانات Flightradar24، استغرقت الرحلة 1 ساعة و57 دقيقة بدلاً من 1 ساعة و48 دقيقة، وهو ما يمثل تأخيراً بسيطاً فقط.

ورداً على الأسئلة بشأن بيانات الرحلة، قالت المتحدثة الرسمية باسم المفوضية الأوروبية باولا بينهو: "كان هناك تشويش على GPS"، لكن الطائرة تمكنت من الهبوط بأمان.

وأضافت بينهو: "بغض النظر عما حدث في تلك الرحلة بالذات، هناك زيادة كبيرة وملحوظة جداً في حالات تشويش وتزوير إشارات GPS منذ بداية الحرب في أوكرانيا".

وقالت وكالتا الطيران الرئيسيتان في الاتحاد الأوروبي، Eurocontrol، والوكالة الأوروبية لسلامة الطيران (EASA)، في بيان إنهما "تبحثان حالياً في حقائق الحدث المبلغ عنه"، مضيفتين أنهما "تعتمدان على السلطات المختصة في بلغاريا لتقديم التقارير الرسمية".

ما مدى خطورة تشويش GPS؟

أكد خبراء الملاحة الجوية أن التشويش على GPS، رغم كونه مقلقاً، لا يؤدي إلى فقدان كامل للتحكم في الطائرة.

وقالت الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران في بيانها: "إذا فشل نظام GPS، أو عندما يكتشف الطيارون أن الإشارة تتعرض للتشويش، هناك أنظمة أخرى على متن الطائرة، وعلى الأرض يمكن للطيارين الاعتماد عليها لمواصلة الرحلة بأمان".

وقالت المتحدثة باسم الوكالة، جانيت نورثكوت، إنهم ليسوا على علم بـ"أي حوادث نتجت مباشرة عن تشويش GPS".

وقال  الرئيس التنفيذي لشركة JACDEC المتخصصة في تحليلات السلامة للطيران التجاري إن أي طائرة نفاثة تحتوي على 20 مقعداً على الأقل لا يتم إسقاطها أبداً بسبب تشويش GPS وحده.

وأضاف: "لكن كانت هناك حالات لعبت فيها إشارات ILS المزيفة دوراً كبيراً"، في إشارة إلى نظام الهبوط بالأجهزة (Instrument Landing System)، وهو وسيلة دقيقة لتوجيه الطائرات نحو المدرج، يستخدم شعاعين راديويين لتوفير إرشاد عمودي وأفقي للطيارين أثناء الاقتراب من الهبوط، على عكس GPS الذي يعتمد على الأقمار الاصطناعية.

وحدث حادث ILS في عام 1972 في أوسلو أدى إلى سقوط 40 شخصاً وبقي 5 ناجين فقط.

ويعمل نظام ILS كنسخة احتياطية، ويسمح للطائرات بالعثور على المدرج بأمان،  ووفقاً للمسؤولين البلغاريين ساعد هذا النظام طائرة فون دير لاين على الهبوط، حسب ما قالت باولا بينهو من المفوضية الأوروبية.

 هل يمكن لأوروبا وقف تشويش GPS؟

ردًا على حادث الأحد، قال مفوض الفضاء أندريوس كوبليوس على "إكس"، إن الاتحاد الأوروبي سيطلق أقماراً اصطناعية إضافية في المدار الأرضي المنخفض "لزيادة القوة والاعتمادية"، وسيعزز قدرات كشف التدخل.

كما أن مقترحاً تشريعياً جديداً قدمته المفوضية الأوروبية في يونيو يهدف إلى تشجيع مشغلي الأقمار الاصطناعية، على مشاركة مزيد من المعلومات للتصدي للتهديدات السيبرانية، بما في ذلك التشويش.

وحذرت حكومات الاتحاد الأوروبي في مايو من "زيادة كبيرة في حالات التشويش والتزوير لإشارات نظم الملاحة الفضائية العالمية للطائرات". على سبيل المثال، سجلت بولندا 2,732 حالة تدخل في يناير 2025، ارتفاعاً من 1,908 في أكتوبر السابق.

وكتبت بعثة مكونة من ثمانية دول في ذلك الوقت: "هذه الحالات ليست حوادث عشوائية، بل هي فعل متعمد ومنهجي من قبل روسيا وبلاروس، ويمكن استخدامها كـهجوم هجين على الطيف الراديوي الاستراتيجي، وهو ضروري للتكنولوجيا الحديثة والسلامة والأمن الإقليمي.

تصنيفات

قصص قد تهمك