
يخاطر رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو بمستقبله السياسي في تصويت ثقة حاسم بشأن الموازنة الحكومية التي تشتمل على خطة تقشف غير شعبية بقيمة 43.8 مليار يورو، من المقرر إجراؤه الاثنين.
وإذا خسر بايرو التصويت، فسيكون ثالث رئيس وزراء فرنسي يغادر منصبه خلال عام، والرابع الذي يترك منصبه خلال الولاية الثانية لإيمانويل ماكرون.
وفي ظل افتقار بايرو إلى الأغلبية البرلمانية، وتوحد أحزاب المعارضة ضده بهدف إسقاطه، تواجه البلاد خطر الدخول في فراغ حكومي، وغياب رؤية واضحة للتعامل مع عبء الدين العام الذي وصفه رئيس الوزراء بـ"المدمر".
وأدى عدم الاستقرار السياسي إلى تفاقم المخاوف بشأن اقتصاد فرنسا، وخاصة ديونها، والتي قد ترتفع إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل دون إصلاحات كبيرة.
ويقول المحللون إن سقوط حكومة بايرو قد يدفع أسعار الفائدة الفرنسية إلى الارتفاع، مما يزيد من عبء الدين.
ما هو تصويت الثقة الذي سيطلبه بايرو الاثنين؟
تصويت الثقةهو اللحظة التي يطلب فيها رئيس الحكومة من النواب التصويت على: "هل تثقون بي وبحكومتي لإدارة البلاد؟"، حيث يصوت النواب بـ "نعم" أو "لا".
وتنص المادة 49.1 من الدستور على أنه إذا فقد رئيس الوزراء ثقة النواب، يجب عليه تقديم استقالة حكومته إلى رئيس الجمهورية.
لجأ بايرو إلى هذا الخيار الدستوري لدفع البرلمان إلى قبول خططه الحكومية الرامية إلى خفض الإنفاق وزيادة الضرائب بقيمة 44 مليار يورو (51 مليار دولار).
على أرض الواقع، سيتوجه رئيس الوزراء الفرنسي الاثنين، إلى منصة البرلمان لإلقاء خطاب بشأن السياسة العامة، يلي ذلك نقاش، ثم تصويت على الثقة.
وسيتركز الخطاب حول مسألة الديون، والإعلان عن رغبة الحكومة في توفير 43,8 مليار يورو عبر عدة إجراءات، من بينها إلغاء يومي عطلة رسمية، الأمر الذي أثار استياء الرأي العام، بحسب صحيفة lepoint.
النتيجة الأكثر احتمالاً هي سقوط الحكومة، لماذا؟
هناك 577 نائباً في البرلمان. ولكي لا تسقط الحكومة، يتعين على رئيس الحكومة الحصول على أغلبية الأصوات، أي أنه يجب أن يحصل على 289 صوتاً مؤيداً له على الأقل.
حاول المعسكر الرئاسي الحصول على دعم لتكوين أغلبية، لكنه واجه رفض عدة أحزاب، بما في ذلك الحزب الاشتراكي، وحزب الخضر، وكذلك التجمع الوطني، وهي أحزاب قالت إنها ستصوت ضد حكومة بايرو.
وإذا سقط بايرو، ستشهد البلاد فترة جديدة من عدم الاستقرار السياسي، حتى يتم تعيين رئيس وزراء خامس خلال أقل من عامين.
ما هي السيناريوهات المحتملة بعد تصويت الثقة؟
السيناريو 1: منح الثقة
في حال حدوث انقلاب غير متوقع، قد يخرج فرانسوا بايرو منتصراً في التصويت. وهذا سيمكنه من تعزيز موقفه السياسي وتنفيذ خطة التقشف البالغة 43.8 مليار يورو، والتي تهدف إلى إعادة العجز العام إلى الحدود المقبولة في الاتحاد الأوروبي.
لكن سياسياً، هذا الافتراض يبدو صعب التحقيق: فالأغلبية النسبية التي تدعم إيمانويل ماكرون ليست كافية، ويبدو أن المعارضة متحدة ضد الحكومة.
واستخدام المادة 49.3 لاعتماد الميزانية نهائياً سيكون محفوفاً بالمخاطر أيضاً، مع احتمال كبير للتعرض لسحب الثقة.
السيناريو 2: استقالة بايرو
في حال التصويت بالرفض، لن يكون أمام رئيس الوزراء خيار سوى تقديم استقالته إلى رئيس الدولة، وبالتالي ستكون سقوط الحكومة تلقائياً.
من هنا، يواجه إيمانويل ماكرون خيارين:
- تعيين رئيس وزراء جديد: شخص من حزبه أو مرشح يحظى بالإجماع. لكن بدون وجود أغلبية واضحة في الجمعية الوطنية، وقد تواجه هذه المحاولة نفس العراقيل.
- الاقتصار على حكومة مؤقتة: تقوم الحكومة المستقيلة بتسيير الأمور الجارية في انتظار حل أكثر ديمومة. وهو سيناريو انتقالي من شأنه أن يطيل حالة عدم اليقين، ويقلل من قدرة السلطة التنفيذية على التحرك.
وقد حدث هذا السيناريو مرتين فقط في إطار الجمهورية الخامسة: في عام 1962 تحت رئاسة جورج بومبيدو، وفي ديسمبر 2024 بعد سحب الثقة عن حكومة ميشيل بارنييه.
السيناريو 3: حل البرلمان والعودة إلى صناديق الاقتراع
قد يقرر الرئيس حلّ الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة. العديد من القوى المعارضة تؤيد هذا الخيار، معتبرة أن الشرعية الشعبية الجديدة هي الوسيلة الوحيدة للخروج من المأزق.
لكن إيمانويل ماكرون، الذي سبق له محاولة هذا الخيار بنتائج غير مؤكدة، يؤكد أنه يسعى لتجنبه بأي ثمن.
ماذا تقول المعارضة؟
لم تحقق فرنسا ميزانية متوازنة منذ عام 1974. ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لديها الآن ثالث أعلى نسبة في أوروبا، وتتفوق فقط على اليونان وإيطاليا، كما أن البلاد تنفق كل عام أكثر على خدمة ديونها من إنفاقها على الدفاع أو التعليم، وفق "لوفيجارو".
ويفضل حزب التجمع الوطني، حزب اليمين المتطرف بقيادة ماريان لوبان، والذي يرتفع في استطلاعات الرأي الوطنية، إجراء انتخابات برلمانية جديدة، واثقين من أنهم سيزيدون حصتهم من النواب في البرلمان، مما يضعهم في موقع قوة أكبر.
ويرون في تصويت الاثنين، فرصة لمعاقبة ماكرون.
وقال النائب عن التجمع الوطني جايتان دوسوسي: "لمدة ثماني سنوات حتى الآن (منذ انتخاب ماكرون)، كانت الوصفة دائماً واحدة: المزيد من القوانين، المزيد من الضرائب، منع الاقتصاد الفرنسي من العمل والتقدم".
لكن الحزب اليميني المتطرف يظل غامضاً عندما يُسئل عن خطته البديلة لإصلاح اقتصاد البلاد. وقال: "ما نريده هو تغيير كامل في طريقة إدارة الاقتصاد في فرنسا. وهذا يعني إعادة السلطة إلى الشعب الفرنسي ليقرر بنفسه".