
تفقد النساء في بريطانيا الثقة بقدرة رئيس الوزراء كير ستارمر على تحسين أوضاعهن، في تحدٍ يهدد حكومة حزب "العمال"، وطموحاتها لتعزيز النمو الاقتصادي، بحسب "بلومبرغ".
وأظهرت بيانات ثقة المستهلك الصادرة عن مؤسسة GfK أن البريطانيين فقدوا الثقة بالاقتصاد وبأوضاعهم المالية الشخصية قبيل ميزانية أكتوبر 2024، لكن بينما استعاد الرجال ثقتهم لاحقاً بأوضاعهم المالية، بقيت النساء أكثر تشاؤماً مما كن عليه قبل تصاعد المخاوف المالية.
ويكتسب هذا التفاوت أهمية سياسية واقتصادية على السواء، فمن أسعار الغذاء، وفواتير الخدمات وحتى سياسات رعاية الأطفال والتنوع، تؤكد النساء أن القضايا الأكثر ارتباطاً بهن ساءت منذ وصول حزب "العمال" إلى السلطة صيف العام الماضي.
وخلال الأشهر الأخيرة، ركز ستارمر على ملف الهجرة في مواجهة خطاب حزب "الإصلاح" الذي يستهدف الرجال البريطانيين، لكن استطلاعات الرأي تُظهر أن النصف الآخر من الناخبين بات يمثل "خطراً أكبر".
وبحسب مؤسسة More in Common للاستشارات السياسية والاتصال، خسرت حكومة "العمال" بالفعل ما يقارب نصف أصوات النساء اللاتي أسهمن في فوزها قبل عام واحد فقط، مقارنة بخسارتها أقل من 40% من أصوات الرجال.
ويُشكل هذا التراجع خطراً على الاقتصاد البريطاني أيضاً، فوزيرة الخزانة راشيل ريفز، تسعى إلى إصلاح الخدمات العامة من دون فرض زيادات جديدة مباشرة على ضرائب العاملين في الميزانية المقرر الكشف عنها في نوفمبر المقبل.
وأطلق ستارمر سلسلة من الإجراءات، بدءاً من تشديد قيود تأشيرات إلى لم الشمل العائلي إلى إبرام اتفاق مع فرنسا لإعادة المهاجرين، لإثبات جدية حزب "العمال" في خفض أعداد المهاجرين، لكن كثيراً من يشعرن النساء بالتهميش، فبينما تُعد الهجرة الشاغل الرئيسي للرجال، يبقى سداد الفواتير الأولوية القصوى للنساء، بحسب بيانات GFK.
ارتفاع الأسعار
وتعمل كثير من النساء بدوام جزئي في وظائف تُعد الأكثر تعرضاً لارتفاع تكاليف الأجور التي فرضتها الحكومة، ما جعلهن يشعرن بفوائد محدودة من مؤشرات التحسن التي يسلط عليها الوزراء الضوء، مثل ارتفاع الدخل الحقيقي وإبرام اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، وتسارع نمو القطاع الخاص إلى أسرع وتيرة خلال عام.
غير أن توجه المستهلكين المتزايد نحو الادخار، في وقت يشكل إنفاقهم نحو ثلثي النشاط الاقتصادي، يضعف آفاق النمو. وهذا يمثل خبراً سيئاً لكبار تجار التجزئة والخزانة وبنك إنجلترا.
وقالت سارا رايس، رئيسة الأبحاث والسياسات في مجموعة "ميزانية المرأة"، وهي منظمة غير ربحية تدعو إلى اقتصاد أكثر مساواة بين الجنسين: "أفهم لماذا لا تزال النساء متشائمات.. إنهن لا يشعرن بأن هذه الحكومة تعالج الأسباب الجذرية لمشاكلهن".
وقالت "بلومبرغ" إن زيادات الأسعار غالباً ما تأخذ "بعداً شخصياً"، موضحة أن النساء لا يزلن يتولين في الغالب مهمة التسوق الأسبوعي، ما يجعلهن أول من يشعر بثقل ارتفاع فواتير الغذاء والمياه والمواصلات، وهي العوامل الرئيسية التي دفعت التضخم في بريطانيا إلى أعلى مستوياته منذ مطلع 2024.
وتسارع تضخم أسعار الغذاء إلى 4.8% في أغسطس الماضي، مسجلاً ارتفاعه للشهر الخامس على التوالي بفعل زيادات شملت مجموعة من الخضروات والأجبان ومنتجات الأسماك، كما تكبدت الأسر زيادة بنحو 600 جنيه إسترليني في التكاليف الأساسية، بعدما ارتفعت أسعار الخدمات الخاضعة للوائح تنظيمية، من فواتير المياه إلى ضريبة المجالس المحلية، في أبريل الماضي.
وأظهرت أبحاث مجموعة "بوسطن كونسلتينج" أن تقييم النساء لأوضاعهن المالية يرتبط بشكل أوثق بكيفية نظرتهن إلى أداء الاقتصاد.
وقالت فرانسيسكا فريزر، مديرة التحليلات في مركز النمو التابع لـ"بوسطن كونسلتينج" في بريطانيا: "إذا اعتقدت النساء أن الاقتصاد لا يسير على ما يرام وشعرن بأثر التضخم، فإن قلقهن على أوضاعهن المالية يزداد أكثر. وهذا الأمر أقل حضوراً لدى الرجال".
شكوك بحزب العمال
ويساعد ذلك في تفسير سبب ضعف ثقة النساء بحزب "العمال" في التعامل مع أزمة تكلفة المعيشة مقارنة بالرجال، وفقاً لـ More in Common، كما تبدي الغالبية الساحقة شكوكاً في أن تنتهي هذه الأزمة يوماً ما.
وجعلت ريفز من خفض التضخم هدفاً أساسياً في ميزانيتها المقرر الكشف عنها في 26 نوفمبر المقبل، كما ستستفيد النساء من الإصلاحات المرتقبة في حقوق العمل، التي تشمل تعزيز الحماية من التمييز ضد الحوامل وزيادة المزايا للعاملين ذوي الأجور المتدنية.
وأصبح معظم الآباء العاملين مؤهلين حالياً للحصول على ما يصل إلى 30 ساعة أسبوعياً من رعاية الأطفال الممولة حكومياً للأطفال الذين تزيد أعمارهم على تسعة أشهر.
لكن حتى يدخل قانون حقوق العمل حيز التنفيذ العام المقبل، لا تزال النساء يتحملن تبعات زيادة قدرها 26 مليار جنيه إسترليني في اشتراكات التأمين الوطني التي فرضها حزب "العمال".
وبينما استفادت كثير من النساء من رفع الحد الأدنى للأجور في أبريل الماضي، حمّل كبار أرباب العمل، مثل شركات التجزئة، جزءاً من التكاليف الإضافية للمستهلكين، فيما حذر مصنعو الأغذية من أن السياسات الحالية قد تدفع تضخم أسعار الغذاء إلى 6% بحلول ديسمبر المقبل.
وتساعد هذه الانطباعات في تفسير ضعف النمو الاقتصادي خلال العام الماضي، فرغم ارتفاع الأجور الحقيقية، فضلت الأسر ادخار جزء أكبر من دخولها في الحسابات المصرفية خوفاً من فقدان الوظائف أو زيادة الضرائب.
غير أن مكاسب الأجور بدأت تتلاشى تدريجياً في الوقت الحالي، مع زيادة إنفاق المستهلكين على الاحتياجات الأساسية. وتبقى النساء، اللواتي يتقاضين أجوراً أقل في المتوسط، الأكثر عرضة لصدمات تكلفة المعيشة.
كما لم يتقلص الفارق في الأجور بين الجنسين في بريطانيا إلا بشكل طفيف، إذ ما زالت النساء في القطاعات الأعلى دخلاً، مثل الخدمات المالية، يتقاضين أجوراً تقل بنحو الخُمس عن أجور الرجال.
وفوق ذلك، أثار التصدي الذي تقوده الولايات المتحدة لسياسات التنوع والمساواة والشمول حالة من القلق المهني، إذ ترى أكثر من 60% من العاملات في بريطانيا أن هذا الخطاب يمثل عائقاً أمام تقدمهن إلى المناصب القيادية، وفقاً لاستطلاع حديث أجرته مؤسسة Pipeline.