
بعد عام واحد فقط من إقرار الاتحاد الأوروبي خطة تاريخية للحد من مخاطر الذكاء الاصطناعي، يستعد التكتل الآن لتجميد العمل بجزء كبير من "قانون الذكاء الاصطناعي"، وسط ضغوط مكثفة ومخاوف علنية، حسبما ذكرت مجلة "بوليتيكو" في نسختها الأوروبية.
وتركت الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام هذا التجميد. ومع اقتراب موعد اتخاذ القرار النهائي، فإن حتى المعارضين لتعديل القانون بدأوا يأخذون في حساباتهم، سراً، احتمالية حدوث تأجيل ما.
ويقضي أحد الخيارات المطروحة للنقاش، بمنح الشركات المخالفة للقواعد الخاصة بالاستخدامات الأعلى خطورة للذكاء الاصطناعي، مهلة إضافية قد تصل إلى عام كامل، تسمح لها بمواصلة أعمالها بشكل اعتيادي.
ومن شأن اتخاذ قرار بتغيير القانون، أن يمثل تحولاً مفاجئاً لأوروبا من موقعها كدولة رائدة عالمياً في تنظيم الذكاء الاصطناعي، إلى منطقة تخشى أن تتخلف عن الولايات المتحدة أو الصين في سباق الاستفادة من هذه التكنولوجيا.
وبالنسبة لكثيرين في القطاع، سيعزز ذلك المخاوف من أن الاتحاد الأوروبي فشل العام الماضي في إرساء إطار تشريعي متماسك وقابل للتنفيذ يوازن بشكل كافٍ بين إدارة المخاطر ومصالح الأعمال.
وكان رئيس الوزراء الإيطالي السابق، ماريو دراجي، الذي وضع مخططاً لتعزيز القوة الاقتصادية للاتحاد، قد شن الأسبوع الماضي هجوماً مفاجئاً على القانون واصفاً إياه بأنه "مصدر للغموض"، في تدخل أضاف زخماً جديداً لهذه المطالبات.
عوائق تنظيمية
ويشكل شهر أغسطس المقبل 2026، محطة رئيسية في مراحل تنفيذ القانون، حيث ستدخل حيز التطبيق القواعد الخاصة بأنظمة الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تشكل "مخاطر جسيمة" على الصحة والسلامة والحقوق الأساسية للأفراد.
ومن بين هذه الأنظمة أدوات ذكاء اصطناعي مستخدمة في مجالات حياتية يومية، مثل الموارد البشرية والتعليم والقضاء. وستُفرض على تلك الأنظمة التزامات متعددة تتعلق بإدارة المخاطر وحفظ السجلات قبل طرحها في السوق.
غير أن الشركات لا تزال بانتظار المعايير التقنية اللازمة، التي لم تُسلم بعد. وقد شددت مجموعات الضغط في القطاع ودول أعضاء في الاتحاد على أن هذه المعايير يجب أن تكون جاهزة قبل الموعد النهائي في أغسطس لضمان الامتثال.
وفي يوليو الماضي، دعا عدد من كبار الرؤساء التنفيذيين الأوروبيين إلى تجميد لمدة عامين "لمعالجة حالة عدم اليقين".
وتحول موقف المفوضية الأوروبية بشأن التجميد المحتمل خلال الأشهر الستة الماضية، إذ قالت مفوضة شؤون التكنولوجيا في الاتحاد، هينا فيركونين، لوزراء الاقتصاد الرقمي في يونيو الماضي، إنه في حال لم تكن المعايير جاهزة في الوقت المناسب "فلا ينبغي استبعاد تأجيل بعض أجزاء قانون الذكاء الاصطناعي".
وفي وقت لاحق، حددت المفوضة مهلة جديدة، لاتخاذ قرار بشأن مدى جاهزية تلك المعايير.
مبادرة لتبسيط القوانين
ومع غياب أي تقييم نهائي للمعايير، شهد الأسبوع الماضي، تسارعاً جديداً، إذ قال دراجي، الثلاثاء، إن قواعد الذكاء الاصطناعي عالية الخطورة يجب أن تُجمد "حتى فهم أوجه القصور بشكل أفضل".
وفي اليوم نفسه، فتحت المفوضية مشاورات حول مبادرة لتبسيط الأطر التنظيمية الأوروبية في مجال التكنولوجيا، مؤكدة أن "تعديلات مستهدفة" على قانون الذكاء الاصطناعي مطروحة ضمن هذا المسار. ويستلزم تجميد بعض بنود القانون إدخال تعديل تشريعي.
وكشف تقرير لـ"بوليتيكو"، الجمعة، عن مسودة غير مؤرخة لخطة المفوضية لتعزيز تبني الذكاء الاصطناعي، والمتوقع عرضها في 8 أكتوبر المقبل. وذكرت المفوضية أن هيئات المعايير "لم تلتزم بالموعد النهائي لتسليم المعايير المطلوبة".
ومع ذلك، أبقت المفوضية خياراتها مفتوحة، مشيرة في المسودة إلى أنها لن تسمح لهذا التطور بأن "يُعرض للخطر" موعد التنفيذ المقرر في أغسطس المقبل.
ورفضت المفوضية الأوروبية، الإدلاء بمزيد من التفاصيل بشأن الخطوات التالية. وقال المتحدث باسمها، توماس رينييه، للصحافيين في إفادة يومية الأسبوع الماضي: "لدينا حزمة رقمية شاملة قادمة"، في إشارة إلى خطة التبسيط المقرر الانتهاء منها في نوفمبر المقبل.
وفي الأثناء، وزعت بولندا، التي تولت رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي حتى يونيو، ورقة على باقي الدول الأعضاء تقترح فيها تأجيل فرض الغرامات على الشركات المخالفة لقواعد الذكاء الاصطناعي عالية الخطورة لمدة ستة أو 12 شهراً.
وأبدت وارسو قلقاً من "ضيق المهل الزمنية لتنفيذ" القانون. كما أبدت السويد وجمهورية التشيك دعماً لفكرة التجميد.
ترقب أوروبي
ومع استعداد دول الاتحاد لمناقشة المقترح البولندي، يتحضر نواب البرلمان الأوروبي بدورهم لمواجهة السيناريو المرتقب. فقد دعا كبار المشرعين في البرلمان المعنيين بملف الذكاء الاصطناعي إلى عقد اجتماع في 15 أكتوبر المقبل لمناقشة الجهود الرامية إلى تبسيط قواعد التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي، وكيف سينعكس ذلك على قانون الذكاء الاصطناعي.
إحدى هؤلاء النواب، النائبة الهولندية عن حزب الخضر، كيم فان سبارنتاك، ما زالت متمسكة بمعارضتها الشديدة للتجميد.
وقالت للصحافيين في إحاطة الأسبوع الماضي: "من الغريب تماماً اقتراح البدء في مراجعة كل ذلك، بينما لم يُنفذ قانون الذكاء الاصطناعي بعد. نحن لا نعرف بعد كيف سيعمل هذا القانون على أرض الواقع ومدى تعقيده".
ومع ذلك، أقرت سبارنتاك، بأن "الحد من الأضرار أصبح هو العنوان الرئيسي للمرحلة". وأضافت: "إحدى النقاط التي نناقشها بشكل متزايد مع القائمين على تنفيذ قانون الذكاء الاصطناعي هي: كيف نضمن أن تظل الأضرار محدودة؟".