"رحلة كسر الجليد".. زيارة وفد الكونجرس الأميركي للصين تفتح نافذة على علاقات البلدين

time reading iconدقائق القراءة - 10
رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانج (يمين وسط) مع مجموعة من المشرعين الأميركيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في قاعة الشعب الكبرى في بكين. 21 سبتمبر 2025 - @HASCDemocrats
رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانج (يمين وسط) مع مجموعة من المشرعين الأميركيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في قاعة الشعب الكبرى في بكين. 21 سبتمبر 2025 - @HASCDemocrats
بكين -شين شيوي

بعد انقطاع دام 6 سنوات، جاءت زيارة وفد الكونجرس الأميركي إلى الصين الأسبوع الماضي، كجزء من "رحلة كسر الجليد" بين البلدين، وسط مفاوضات تجارية، ومحاولات لاستعادة التواصل بين أكبر جيشين في العالم، لتجنب "سوء التقدير الاستراتيجي".

وشكلت الزيارة "النادرة"، نافذة مهمة لمراقبة التطورات الأخيرة في العلاقات الصينية-الأميركية، وموقف الولايات المتحدة من الصين، واعتبرتها الصين "فرصة لتقديم فهم ميداني أفضل"، للوفد الزائر عن الصين، وتبني موقف "أكثر عقلانية" إزاء بكين.

وترأس الوفد الأميركي النائب آدم سميث، العضو البارز في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، وعضوية النواب مايكل بومجارتنر، ورو خانا، وكريسي هولاهان.

ودعا الوفد إلى مزيد من الحوارات الدبلوماسية والعسكرية من أجل استقرار العلاقات الثنائية.

"زيارة مختلفة"

وقال تنج جيان تشيون، الخبير في الشؤون الأميركية، والذي عمل سابقاً بالخارجية الصينية، لـ"الشرق"، إنه من المعتاد أن يلتقي المسؤولين الصينيين مع أعضاء الكونجرس الأميركي عند زيارتهم الصين، غير أن هذه الزيارة تختلف.

وأضاف: "العلاقات الصينية-الأميركية في حالة جمود، وسط منافسة شديدة في مجالات مثل الأمن والاقتصاد والتجارة والدبلوماسية. لذلك فإن زيارة أعضاء الكونجرس الأميركي حظيت ليس فقط باهتمام كبير من الصين، بل جذبت أيضاً اهتماماً واسعاً من المجتمع الدولي، وهي بلا شك إشارة مهمة لتعزيز التعاون بين البلدين".

وأشار تنج إلى أن ترتيبات اللقاءات تعكس قضيتين محوريتين للوفد: الاقتصاد والتجارة، والمحادثات على المستوى العسكري.

أما دياو دامينج، الأستاذ المعروف بدراساته عن الكونجرس الأميركي في كلية الدراسات الدولية بجامعة رنمين الصينية، والذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع وزارة الخارجية الصينية، فقال لـ"الشرق" إن الزيارة "مفيدة لأعضاء الكونجرس الأميركي لفهم الوضع الحقيقي في الصين وتشكيل تصور صحيح عنها، بما يدفعهم إلى تبني موقف أكثر عقلانية عند مناقشة القضايا المتعلقة بالصين. وهذا تحديداً ما شددت عليه الصين خلال الاجتماعات، معربة عن أملها بأن ينظر الكونجرس بشكل صحيح إلى الصين والعلاقات الصينية-الأميركية، وأن يعمل بفعالية على تعزيز التبادلات والتعاون بين البلدين بما يسهم في الصداقة والتنمية المشتركة".

ومنذ عام 2019، لم يزر أي من أعضاء مجلس النواب الأميركي الصين.

وبخلاف الزيارات السابقة الممولة من "اللجنة الوطنية للعلاقات الأميركية - الصينية"، جاءت هذه الزيارة بتمويل من الحكومة الفيدرالية، ما يبرز الأهمية التي توليها الإدارة الأميركية لهذه الزيارة.

ويُنظر تقليدياً إلى الكونجرس باعتباره "معقلاً معادياً للصين" في واشنطن، حيث يُقترح سنوياً ما بين 300 إلى 400 مشروع قانون متعلق بالصين.

وفي مؤتمر صحافي عقدته السفارة الأميركية في الصين ببكين في 23 سبتمبر، قال رئيس الوفد آدم سميث إن هناك خلافات بين البلدين، لكن المفتاح هو إنشاء آلية لمناقشة هذه الخلافات وحلها بطريقة عقلانية. 

وأضاف للصحافيين: "إذا لم نبدأ بالتواصل على نحو أعمق ونسعى إلى تعزيز الفهم المتبادل، فلن نجد حلاً أبداً".

"رحلة كسر الجليد"

ووصف مسؤولون رفيعو المستوى في الصين هذه الزيارة بأنها "رحلة كسر جليد"، وأشاروا إلى أن رئيس مجلس الدولة لي تشيانج، ونائب رئيس مجلس الدولة خه لي فنج، ورئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب تشاو له جي، ووزير الدفاع دونج جون، ووزير الخارجية وانج يي التقوا على التوالي بالوفد المشترك من أعضاء مجلس النواب الأميركي في بكين.

وفي 21 سبتمبر، دعا رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانج الكونجرس الأميركي إلى تعزيز التبادلات وتيسير التعاون الثنائي، مشيراً إلى أن هذه هي أول زيارة لوفد من مجلس النواب إلى الصين منذ عام 2019، وخطوة أساسية نحو علاقات مستقرة.

وقال: "لا ينبغي أن تزور تلك الشخصيات الأميركية المهمة الصين مرة واحدة كل ست أو سبع سنوات فقط".

وأوضح البروفيسور تشاو مينجهاو، نائب مدير مركز الدراسات الأميركية في جامعة فودان، لـ"الشرق"، أن كثيراً من أعضاء الكونجرس الأميركي لعبوا تاريخياً دوراً مهماً في التطور الإيجابي للعلاقات الصينية–الأميركية، مشيراً إلى أن إبرام وثائق مثل "اتفاقية التعاون العلمي والتكنولوجي بين الصين والولايات المتحدة " جاء بفضل جهود بعض أعضاء الكونجرس".

ودعا نائب رئيس مجلس الدولة خه لي فنج، وهو أيضاً المسؤول الصيني عن الشؤون الاقتصادية والتجارية مع الولايات المتحدة، أعضاء الكونجرس إلى "لعب دور إيجابي في تسهيل التنمية المشتركة للبلدين من خلال فتح قنوات التواصل والمساعدة في تعزيز الحوار".

وفي اليوم نفسه، دعا وزير الدفاع الصيني دونج جون إلى اتخاذ تدابير عملية لتحسين العلاقات بين البلدين وجيشيهما. واستشهد دونج بالمكالمات الهاتفية الأخيرة بين الرئيسين الصيني والأميركي، وحث لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب على إزالة العوائق أمام علاقات عسكرية أفضل.

وأكد دونج على خط الأساس المتمثل في "عدم الصراع وعدم المواجهة"، و"تصحيح الإدراك الاستراتيجي لتجنب سوء التقدير".

"تايوان قضية حساسة"

بين عامي 2010 و2019، زار الصين أكثر من 200 شخص من الكونجرس الأميركي، لكن منذ مارس 2019، لم يزر أي عضو من الكونجرس الصين.

وفي عام 2022، تجاهلت رئيسة مجلس النواب الأميركي الديمقراطية حينها نانسي بيلوسي التحذيرات الرسمية من بكين وأصرت على زيارة جزيرة تايوان، ما أدى إلى تصاعد التوترات عبر مضيق تايوان، وأضر بشدة بالثقة السياسية المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة، وكاد يوقف التبادلات متعددة المجالات بين المؤسستين التشريعيتين للبلدين.

ومنذ أن صنفت الولايات المتحدة الصين كمنافس استراتيجي في عام 2017، أصبحت السياسة الأميركية تجاه الصين خاضعة في الأساس للبيت الأبيض، بينما نادراً ما تواصل الكونجرس مع الصين. أما الآن، فإن زيارة ممثلي مجلس النواب إلى الصين والتوقعات باستعادة آلية التبادل الدبلوماسي مع الصين تعني أن سياسة واشنطن تجاه بكين لن تقتصر على البيت الأبيض أو السلطة التنفيذية فقط، بل سيشارك فيها الفرع التشريعي أيضاً.

وفي 23 سبتمبر، التقى تشاو له جي، رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، الوفد، وقال إن المجلس مستعد لتعزيز التبادلات مع الكونجرس الأميركي للقيام بدور بنّاء في تعزيز العلاقات الثنائية.

وأكد أن قضية تايوان هي المسألة الأكثر أهمية وحساسية في العلاقات الصينية–الأميركية، داعياً الولايات المتحدة إلى الالتزام بمبدأ "الصين الواحدة" والتعامل مع القضية بحذر.

وفي اليوم نفسه، أعرب وزير الخارجية وانج يي عن أمله بأن تسهم هذه الزيارة في مساعدة واشنطن على تكوين فهم دقيق للصين والتعامل مع الخلافات بعقلانية واستكشاف مجالات التعاون لدفع العلاقات الثنائية نحو مسار مستقر وصحي ومستدام. 

وبخصوص قضية تايوان، جدّد وانج يي التأكيد على أنها شأن داخلي صيني، وشدد على أن الحفاظ على السلام في مضيق تايوان يتطلب "معارضة حازمة للانفصاليين التايوانيين".

وشدد تشاو مينجهاو في حديثه لـ "الشرق" على أن زيارة الوفد تأتي استمراراً للاتجاه العام لتعزيز التبادلات رفيعة المستوى بين الصين والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، وتشكل خطوة إيجابية نحو استقرار العلاقات الثنائية.

وقال: "توفر هذه الزيارة فرصة لأعضاء الكونجرس الأميركي لفهم الصين ميدانياً، وهو ما يساعد على تصحيح تصوراتهم عنها وتجنب الوقوع في فخ الانحياز المعلوماتي داخل غرف الصدى".

"تيك توك" والتعاون الاقتصادي

وبعد المحادثات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة في مدريد، أعلن الجانبان أنهما توصلا إلى إطار أساسي للتوافق بشأن حل قضية "تيك توك".

وأصبح الحظر الكامل على "تيك توك" في الولايات المتحدة خياراً غير واقعي. وتظهر محادثات مدريد أن الصين أعادت العلاقات الاقتصادية الثنائية تدريجياً إلى مسار طبيعي نسبي من خلال إجراءات مضادة.

وفي الوقت ذاته، تدفع بكين بأجندتها الخاصة، التي تهدف ليس فقط إلى مقاومة الضغوط الجمركية، بل أيضاً إلى بناء علاقة اقتصادية أكثر توازناً وتبادلية واستقراراً، ما يشير إلى دخول العلاقات الصينية–الأميركية مرحلة جديدة.

وقال أحد المسؤولين: "يمكن للصين والولايات المتحدة والعالم كله أن يستفيد من حل بعض الخلافات وتعزيز التعاون".

جدير بالذكر أن الوفد أجرى أيضاً محادثات مع رئيسا بلديتي بكين وشنغهاي لتبادل الآراء حول مزايا التعاون المحلي بين الصين والولايات المتحدة. ومن بين هذه اللقاءات، ناقش النائب سميث ورئيس بلدية شنغهاي جونج تشنج تأثير الرسوم الجمركية على التنمية الاقتصادية للمدينة.

وكانت المحطة الأخيرة للوفد الأميركي في الصين هي شنغهاي، حيث ركزت الزيارة أيضاً على الاقتصاد والتجارة. 

وفي شنغهاي، عقد الوفد اجتماعاً مغلقاً مع غرفة التجارة الأميركية هناك. وبعد اللقاء الذي عقد في 25 سبتمبر، صرح سميث علناً بأن هناك الكثير من العمل المطلوب لحل الاحتكاكات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، مؤكداً أن هذه الاحتكاكات جلبت صعوبات للشركات على جانبي المحيط الهادئ. ومع ذلك، قال إن أبرز ما لمسه خلال الرحلة هو أن "رغم حرب الرسوم الجمركية، ما زالت هناك أنشطة تجارية كبيرة بين الاقتصادين".

تصنيفات

قصص قد تهمك