
بعد أشهر من محاولات التصدي للرئيس الأميركي دونالد ترمب، قرر الديمقراطيون في مجلس الشيوخ تبني استراتيجية جريئة تقضي بالتصويت على إغلاق الحكومة في حال لم يحصلوا على "تنازلات كبيرة" في ملف الرعاية الصحية قبل موعد انتهاء تمويل الحكومة، الأربعاء المقبل، وسط مخاوف من لجوء الإدارة الأميركية إلى عمليات تسريح جماعي.
وحظيت هذه الخطة بدعم واسع من ناخبين غاضبين ونشطاء داخل الحزب والذين سبق أن دعا بعضهم زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، إلى الاستقالة في مارس الماضي، بعدما اتفق مع الجمهوريين على إبقاء الحكومة مفتوحة.
ويرى الديمقراطيون، أن ترمب والجمهوريين سيتحمّلون اللوم في حال تم إغلاق الحكومة، مشيرين إلى أنهم سيُجبرون في النهاية على التفاوض للتوصل إلى تسوية مع الديمقراطيين، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" التي وصفت تلك الخطوة بـ"المخاطرة الكبيرة".
وفي المقابل، لم يُظهر الجمهوريون الذين يملكون الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، أي مؤشرات على التراجع عن موقفهم، فيما يصر الديمقراطيون على ضرورة تمديد مزايا الرعاية الصحية التي تنتهي نهاية العام الجاري، إلى جانب مطالب أخرى.
وقال شومر في وقت سابق، إن "البلاد ستزداد سوءاً سواء حصل إغلاق أم لم يحصل، لأن ترمب خارج عن القانون".
مخاوف من تسريح الموظفيين
واعتبرت "أسوشيتدت برس" أن ما أعلنه شومر يمثل "سيناريو غامضاً" و"تحولاً لافتاً" في موقف الديمقراطيين، الذين دأبوا في السابق على معارضة الإغلاقات التي تسبب بها الجمهوريون.
وسيشكل إغلاق حكومي مطول، يترافق مع عمليات تسريح جماعية للموظفين الفيدراليين، تصعيداً كبيراً في معارك الإنفاق السنوية بين الحزبين، فالتهديد بإغلاق الحكومة، وما يترتب عليه من تداعيات سياسية محتملة، كان دائماً ما يدفع الطرفين في نهاية المطاف إلى طاولة المفاوضات.
وقال زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ جون ثيون، إن "تمويل الحكومة كان دائماً مسؤولية الديمقراطيين، وها هم اليوم يقودوننا نحو الهاوية".
وكان آخر إغلاق حكومة، وهو الأطول في تاريخ البلاد، قد حصل في شتاء 2018-2019، وذلك بغدما أصر ترمب خلال ولايته الأولى على تخصيص أموال فيدرالية لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك، قبل أن ينتهي بعد 35 يوماً بتراجعه.
ويرى شومر، أن الأمور تغيرت منذ تصويته في مارس الماضي، لدعم تمويل الحكومة حتى الصيف.
وأقر الجمهوريون مشروع قانون ضخم للضرائب قلص ميزانية برنامج الرعاية الصحية "ميديكيد"، بينما منع ترمب مراراً إنفاقاً فيدرالياً سبق أن أقره الكونجرس.
ويقول الديمقراطيون، إن الجمهوريين لم يتواصلوا من أجل التفاوض، وانتقدوا ترمب لإلغائه اجتماعاً في البيت الأبيض مع شومر وزعيم الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز.
وقال شومر هذا الأسبوع في برنامج PBS News Hour: "هذا الرئيس ببساطة، غير مؤهل لأن يكون رئيساً إذا لم يستطع الجلوس للتفاوض مع زعيمي الديمقراطيين".
وأشار جيفريز، الجمعة، إلى أن الديمقراطيين "لن يسيروا بمنطق المسايرة"، مضيفاً: "رئيس مجلس النواب مايك جونسون لديه رقمي، وجون ثيون لديه رقمي، والبيت الأبيض يعرف كيف يصل إلينا".
ومع أن معظم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ حافظوا على وحدة الموقف بتهديدهم بالإغلاق، إلا أنه من الممكن أن يصوّت بعضهم لإبقاء الحكومة مفتوحة أو محاولة عقد صفقة عند حلول الموعد النهائي، بحسب "أسوشيتد برس".
وسيحتاج الجمهوريون في مجلس الشيوخ المكون من 100 عضو، إلى قرابة 6 ديمقراطيين وربما أكثر، للوصول إلى 60 صوتاً اللازمة للتمرير قرار إبقاء الحكومة مفتوحة.
ويجد شومر نفسه أمام الكثير ليخسره في الحالتين، بعدما تعرض لانتقادات واسعة من المجموعات الليبرالية وعدد كبير من الناخبين في الربيع الماضي.
وتراكمت حالة من القلق والإحباط لأشهر داخل القاعدة الديمقراطية، بفعل إحكام الجمهوريين قبضتهم على واشنطن وتزايد الانطباع بأن الحزب الديمقراطي ضعيف جداً في مواجهة ذلك.
ومع اقتراب إغلاق الحكومة، يرى العديد من النشطاء والمشرعين فرصة نادرة لامتلاك ورقة ضغط، وإعادة صياغة صورة الحزب لدى الناخبين.
وترى سيدني ريجيستر من لجنة حملة التغيير التقدمي، أن "الديمقراطيين لا يمكنهم الاستسلام مجدداً، حتى لو أدى ذلك إلى تنفيذ الإدارة عمليات تسريح جماعية للموظفين الفيدراليين".
وأضافت: "التصويت مع الجمهوريين يشبه إعطاء المتنمر في ساحة المدرسة مصروفك اليومي. أريد أن أراهم يتمسكون بمصروفهم، لأن المتنمر لن يتوقف عن محاولة سرقته منهم مراراً".
السيناتور الديمقراطي كوري بوكر استخدم تشبيهاً مماثلاً عن ترمب وجهود الديمقراطيين لتمديد برنامج الرعاية الصحية، التي تنتهي في الأول من يناير.
وبينما يؤيد بعض الجمهوريين تمديد برنامج الرعاية الصحية، يؤكد ترمب وزعماء الحزب، أن هذه معركة مؤجلة إلى وقت لاحق من العام، في حين يشدد الديمقراطيون على أن وقت التحرك هو الآن.
وقال بوكر في وقت سابق من الشهر الجاري: "أنا لست خائفاً من (ترمب)، ولست خائفاً من تهديداته، وأعلم أن هذه ستكون معركة صعبة وقبيحة، لكنها معركة تستحق أن نخوضها، وهذا هو موقفي".