تقرير: النفوذ الروسي يتراجع في إفريقيا.. وتحرك غربي لملء الفراغ

time reading iconدقائق القراءة - 9
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقائد المجلس العسكري في بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال محادثات في موسكو. 10 مايو 2025 - REUTERS
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقائد المجلس العسكري في بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال محادثات في موسكو. 10 مايو 2025 - REUTERS
دبي -الشرق

كانت روسيا تعد قوة عسكرية صاعدة في إفريقيا منذ فترة ليست بالبعيدة، لكنها في الوقت الراهن تواجه صعوبات في الحفاظ على وجودها بالقارة، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال".

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن القوة العسكرية الجديدة التي أنشأها الكرملين تحت مسمى "فيلق إفريقيا"، والمؤلفة من مسلحين مأجورين، فشلت في تكرار النجاحات المالية والنفوذ السياسي الذي تمتعت به سابقاً مجموعة المرتزقة العسكرية الخاصة "فاجنر".

تفكك أعمال "فاجنر"

وذكرت أن بعض استثمارات "فاجنر" في إفريقيا منذ عام 2023، تفككت حين تمرد مؤسسها يفجيني بريجوجين على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل أن يلقى حتفه إثر انفجار أطاح بجناح طائرته على ارتفاع 28 ألف قدم.

وبحسب مسؤول عسكري أميركي رفيع، تشعر المجالس العسكرية الحاكمة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو الآن بما وصفه بـ"ندم المشتري"، بعد أن طردت القوات الأميركية والفرنسية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ولجأت بدرجات متفاوتة إلى موسكو لمساعدتها في مواجهة تنظيمي "القاعدة" و"داعش".

وقال المسؤول الأميركي إن هذه الأنظمة "بدأت تطلب المساعدة، خصوصاً الماليين"، مضيفاً أن أي دعم سيقتصر على الأرجح على التدريب.

ويأمل خبراء استراتيجيون في وزارة الحرب الأميركية (البنتاجون)، المقيدون بقوانين وسياسات أميركية تحد من تقديم الدعم الأمني للحكومات العسكرية، في تهميش الروس واستعادة موطئ قدم في مجال الأمن بغرب إفريقيا.

وفي غضون ذلك، يجري إريك برنس، المتعاقد العسكري الأميركي المعروف، محادثات لتقديم خدمات أمنية لحكومات إفريقية، وفق مصادر مطلعة.

وقالت "وول ستريت جورنال" إن هذا التحوّل يعكس تراجع النفوذ الروسي في منطقة الساحل، الممتدة عبر مالي وبوركينا فاسو والنيجر وما بعدها، بعدما كان بريجوجين أحد أقوى الفاعلين فيها.

ويقول خبراء أمنيون ومسؤولون دفاعيون غربيون إن التدخل الروسي ربما ساهم في تفاقم الوضع الأمني في المنطقة، إلى حد أن الساحل بات اليوم ساحة قتال "أشد اشتعالاً" في المواجهة العالمية بين المتشددين من جهة، والغرب وحلفائه من جهة أخرى.

وبحسب بيانات "مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية" الممول من البنتاجون، فقد سقط نحو 11 ألف شخص خلال العام الماضي في أعمال مرتبطة بالتمرد المسلح في الساحل، نصفهم تقريباً في مواجهات مباشرة.

"فشل ذريع"

ووفقاً للصحيفة، انطلقت شرارة التمرد من مالي قبل أكثر من عقد، لكن معظم الهجمات اليوم تتركز في بوركينا فاسو، حيث وسع المتمردون نطاق طموحاتهم باتجاه الجنوب نحو الدول الساحلية على خليج غينيا الأطلسي.

وقالت "وول ستريت جورنال" إن الحكومة الروسية ووزارة الدفاع، وكذلك متحدثون باسم "فيلق إفريقيا" و"فاجنر"، لم يردوا على طلباتها التعليق على الأمر.

ويقول مسؤولون أمنيون أوروبيون إن تعثر موسكو في إفريقيا يكشف حدود قدرتها، ولا سيما في ظل انشغال أفضل وحداتها القتالية بالحرب في أوكرانيا.

وبحسب تحقيق نشره في أغسطس فريق "ذا سنتري" (The Sentry)، وهو مجموعة بحثية شارك في تأسيسها الممثل جورج كلوني وتعمل على مكافحة الفساد وتدفقات الأموال غير المشروعة، كانت مهمة مرتزقة "فاجنر" قد تحولت بالفعل إلى "فشل ذريع" بحلول الوقت الذي وصلت فيه تعزيزات "فيلق إفريقيا".

وأوضح التقرير أن بعض مشاكل "فاجنر" كانت من صنعها. ففي مالي، أدت "مداهمات وحشية وغير منسقة" شنها مرتزقة على تجمعات مدنية إلى "إثارة الفوضى والرعب داخل التسلسل القيادي للجيش المالي"، ما أثنى مخبرين عن التعاون، وفتح المجال أمام الجماعات المتشددة لتجنيد عناصر جديدة.

وكان مرتزقة "فاجنر" يأملون في جني أرباح كبيرة من نشاطهم في إفريقيا، لكنهم وجدوا أنفسهم عاجزين حتى عن الوصول إلى أحد أكبر مناجم الذهب في مالي، الذي كانوا يخططون لاستغلاله، بسبب انعدام الأمن في المنطقة.

وخلص محللو "ذا سنتري" إلى أن "فاجنر على ما يبدو لم تتلق أجورها منذ أشهر، وفشلت في الوصول إلى موارد طبيعية مربحة"، معتبرين أن وجودها في مالي "لم يكن استثماراً مجدياً لأي طرف".

وفي يونيو الماضي، غادر مرتزقة "فاجنر" مالي بعد أن لحقت بسمعتها أضرار بالغة نتيجة فشلها في وقف تقدم المتمردين وسجلها الدموي في قتل مدنيين تحت شعار "توفير الأمن".

"جرس إنذار"

وقالت جوستينا جودزوفسكا، المديرة التنفيذية لـ"ذا سنتري": "يجب أن تشكل إخفاقات (فاجنر) في مالي جرس إنذار لبقية الأنظمة في إفريقيا، بأن روسيا ليست شريكاً موثوقاً ولا حلاً سريعاً لمشكلاتكم".

وقد أرسل الكرملين "فيلق إفريقيا"، التابع مباشرة لوزارة الدفاع الروسية، لترميم العلاقات مع سلطات باماكو. وقال "الفيلق" في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي في يونيو الماضي: "روسيا لا تفقد موقعها، بل على العكس، تواصل دعم باماكو على مستوى أعمق".

غير أن ذلك لم يدم طويلاً، إذ وقعت قافلة مشتركة من "فيلق إفريقيا" ومقاتلين ماليين بعد أسبوع واحد فقط في كمين شمال البلاد الصحراوي. ودمر مقاتلون من "الطوارق"، الذين يقاتلون أحياناً إلى جانب المتشددين، نصف العربات الـ40 في القافلة وقتلوا عشرات المقاتلين، بحسب مسؤولين أوروبيين.

عراقيل جديدة

وتواجه روسيا عراقيل جديدة في مناطق أخرى من القارة. ففي جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث يكافح النظام لاحتواء تمرد مستمر، شارك مرتزقة "فاجنر" في أنشطة تجارية عدة، من التنقيب عن الذهب إلى حراسة الرئيس.

وبحسب مسؤولين أوروبيين، فإن موسكو تضغط على الرئيس فوستان أرشانج تواديرا لاستبدال الاتفاق القائم مع المرتزقة بعقد مالي مباشر مع "فيلق إفريقيا". لكن المتعاقدين الجدد يلازمون ثكناتهم في الغالب للتركيز على تدريب الجيش المحلي، ما يحد من فعاليتهم.

أما في السودان، فقد فشلت محاولات روسيا لترسيخ موطئ قدم في الحرب. ففي عهد بريجوجين، استخرجت "فاجنر" الذهب. وبعد رحيل بريجوجين، أرسلت موسكو عناصر جديدة لحراسة المناجم وتشغيل الأسلحة المضادة للطائرات التي كانت تؤمنها، وفقاً لنشطاء وسكان محليين.

لكن هذه الجهود باءت بالفشل، إذ نفذ مسلحون عمليات سطو حول المناجم، وقطعوا إمدادات الوقود، ومنعوا العمال المحليين من الوصول إليها. وأفاد نشطاء وسكان محليون بأن طائرات حربية تابعة للحكومة السودانية شنت ضربات متكررة على المناجم، فيما انسحب الحراس الروس في مايو الماضي.

وقوبلت خطط روسية مماثلة لتعزيز وجود موسكو في مناطق جديدة من إفريقيا بالرفض أيضاً. ففي بوركينا فاسو، الواقعة في منطقة الساحل، وصلت في مايو 2024 قوة من المرتزقة الروس تضم 300 عنصر من شركة تُدعى "بير" (Bear)، لكنها استُدعيت بعد 3 أشهر فقط للقتال في أوكرانيا.

وبحسب مسؤولين أمنيين أوروبيين، توجد في البلاد قوة صغيرة تابعة لـ"فيلق إفريقيا" لتدريب الجيش على تشغيل الطائرات المُسيرة وتوفير الحماية لزعيم المجلس العسكري الحاكم إبراهيم تراوري. لكن المسؤولين الأوروبيين أوضحوا أن المجلس العسكري الحاكم أكد بوضوح رغبته في أن يبقى الوجود الروسي محدوداً.

وقالت الصحيفة إن جيش بوركينا فاسو لم يرد على طلبها للتعليق.

فرصة جديدة للغرب

واعتبرت "وول ستريت جورنال" أن التحديات التي تواجهها موسكو تهيء فرصة جديدة أمام القوى الغربية "لاستعادة النفوذ والوصول إلى منطقة الساحل"، بعد أن فقدته في أعقاب انقلابات عسكرية.

وفي النيجر، حيث أطاح انقلاب في عام 2023 برئيس موالٍ للغرب، تمركز مدربون عسكريون روس في البداية في قاعدة جوية العام الماضي، عقب اضطرار القوات الفرنسية والأميركية المتخصصة في مكافحة الإرهاب إلى مغادرة البلاد.

وزار المتعاقد العسكري برنس، وهو حليف للرئيس الأميركي دونالد ترمب، مؤخراً العاصمة النيجرية نيامي، قبل أن يعرض لاحقاً تقديم خدمات في مجال مكافحة الإرهاب، وفقاً لأشخاص مطلعين على هذه الاتصالات.

وفي يوليو الماضي، زار رودولف أتالا، مستشار مكافحة الإرهاب في إدارة ترمب، مالي لعرض تقديم دعم أميركي.

وفي الشهر نفسه، زار قائد القيادة العسكرية الفرنسية في إفريقيا، اللواء باسكال ياني، جمهورية إفريقيا الوسطى لبحث استئناف برامج التدريب العسكري. ومنذ ذلك الحين، أُرسل عدد من عناصر قوات الأمن في البلاد إلى فرنسا لتلقي التدريب، وفقاً للسفارة الفرنسية هناك.

تصنيفات

قصص قد تهمك