
يواجه واحد من أهم قطاعات الزراعة في الولايات المتحدة "خسائر غير مباشرة" مُجدداً، مع اقتراب انتهاء المهلة التي حددها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإبرام اتفاق تجاري مع الصين، وفق مجلة "بوليتيكو".
وذكت المجلة الأميركية، أن ترمب أطلق حربه الجمركية في مطلع العام الجاري، واثقاً بأن اعتماد الصين على السوق الأميركية، سيدفعها إلى قبول شروط تجارية تصب في صالح الشركات والمستهلكين الأميركيين.
وفي أغسطس الماضي، مدد ترمب الهدنة الجمركية مع الصين لمدة 90 يوماً إضافية، متوقفاً عن فرض رسوم جمركية تزيد على 100% حتى 10 نوفمبر المقبل. وفي المقابل، أصدرت وزارة التجارة الصينية قراراً بتعليق فرض الرسوم الجمركية الإضافية.
وبعد 6 أشهر على ما سماه ترمب برسوم "يوم التحرير"، وقبيل أسابيع من المهلة النهائية المحددة في 10 نوفمبر، اكتشف مزارعو فول الصويا الأميركيون أن الصين، التي كانت طيلة عقود أكبر مشترٍ لمحصولهم، لم تعد بحاجة إليهم.
وأفادت جمعية فول الصويا الأميركية، أن بكين لم تشتر أي شحنات أميركية منذ مايو الماضي، بعدما حولت وجهتها نحو موردين من البرازيل والأرجنتين، حيث سجلت طلبيات ضخمة من محاصيل أميركا اللاتينية، تاركةً المزارعين الأميركيين في عزلة وقلق متزايد، بحسب "بوليتيكو".
ويعيد هذا التحول المفاجئ إلى الأذهان، ما حدث في الولاية الأولى لترمب، حين انهارت قيمة صادرات فول الصويا الأميركية إلى 3.1 مليار دولار في عام 2018 مقارنة بـ14 مليار دولار في عام 2016.
وقال مارك بوش، المستشار السابق لمكتب الممثل التجاري الأميركي ووزارة التجارة في الفترة بين عامي 2012 و2018، وأستاذ الدبلوماسية التجارية في جامعة جورج تاون: "كيف يمكن أن نفاجأ؟ إنه تكرار لولاية ترمب الأولى... لم يكونوا بحاجة إلى يوم التحرير أو رسوم الفنتانيل الجمركية ليستعجلوا اللجوء إلى هذه الخطة، فقد استُخدمت على نطاق واسع خلال إدارة ترمب الأولى وحققت نتائج كبيرة".
ويأتي تراجع بكين الأخير ليشكل "ضربة قاسية"، خصوصاً أن بعض المزارعين الأميركيين لم يتعافوا بعد من تداعيات الحروب التجارية التي خاضها ترمب خلال ولايته الأولى، والتي قلصت وصولهم إلى السوق الصينية التي كانت تستحوذ سابقاً على نحو 60% من صادرات فول الصويا الأميركية.
تأثير واسع النطاق
ولم تقتصر آثار الرسوم الجمركية البالغ نسبتها 20%، التي فرضتها بكين على الواردات الأميركية، على منتجي فول الصويا فحسب، إذ تراجعت صادرات القطاع الزراعي الأميركي إلى الصين بنسبة 53% خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة الأميركية.
وتُبرز خطوة الصين بوقف شراء فول الصويا الأميركي، كيف أن طموحات ترمب في استخدام الرسوم الجمركية العدوانية "ورقة ضغط" لإبرام اتفاقات تجارية أفضل، جاءت بنتائج عكسية بصورة متكررة.
فالحكومة الصينية ردت برسوم مضادة، وبمجموعة من أدوات الانتقام التجاري غير الجمركية، وفرضت قيوداً على تصدير المعادن الحيوية، قبل أن تضغط الآن على مكابح قطاع زراعي أميركي رئيسي يواجه خطر الانهيار إذا استمر المشترون الصينيون في الابتعاد، وفق "بوليتيكو".
وقال البيت الأبيض، إنه يدرك حجم المعاناة التي يواجهها مزارعو فول الصويا الأميركيون، وسيعمل على اتخاذ إجراءات للتخفيف من الخسائر المالية الناجمة عن فقدان المشترين الصينيين.
وقال مسؤول في البيت الأبيض، طلب عدم كشف هويته للحديث بصراحة عن استراتيجية الإدارة الأميركية التجارية: "الرسوم الجمركية الأميركية تستهدف مشكلات كبيرة تتعلق بالفنتانيل القادم من الصين، والممارسات التجارية غير العادلة المستمرة منذ زمن طويل".
وأضاف: "قرار الصين وقف شراء فول الصويا، الذي كان سيساهم بدرجة كبيرة في تقليص عجزنا التجاري، مؤسف، لكن الرئيس ترمب ملتزم بتقديم الدعم للمزارعين إذا لزم الأمر، كما فعل خلال ولايته الأولى".
استهداف الولايات الجمهورية
وتشير المقاطعة الفعلية التي تستهدف صناعة فول الصويا الأميركية، في ذروة موسم الحصاد خلال سبتمبر الجاري، إلى ما يتجاوز مجرد إجراءات تجارية انتقامية متبادلة. فولايات الغرب الأوسط المنتجة لفول الصويا، إلينوي وأيوا ومينيسوتا ونيبراسكا وإنديانا، تُعد قاعدة انتخابية أساسية للحزب الجمهوري قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقررة العام المقبل.
وقال هاري برودمان، مساعد الممثل التجاري الأميركي السابق في عهد إدارتي (الرئيس الراحل) جورج بوش الأب، و(الرئيس السابق) بيل كلينتون: "الصينيون يريدون أن يشعر ترمب بالألم من خلال جعل المزارعين الأميركيين يقولون: هذا الرجل يسبب لنا خسائر فادحة".
وأضاف: "إنهم يريدون الخروج من علاقة (تجارة فول الصويا) مع الولايات المتحدة لأنها تعاقبهم بالرسوم الجمركية، لكنهم يفعلون ذلك أيضاً لأنهم يدركون أن هذه المناطق تحظى بثقل انتخابي كبير".
ويبدو أن هذه الاستراتيجية تؤتي ثمارها، إذ أغرقت جماعات الضغط الزراعية النافذة، التي كانت تقليدياً من حلفاء ترمب، البيت الأبيض بسيل من الشكاوى، محملة الرسوم الجمركية مسؤولية تجاهل الصين لمحصول فول الصويا الأميركي.
ونقلت "بوليتيكو" عن شخص مطلع على شؤون الإدارة، قوله إن البيت الأبيض "اضطرب"، و"فوجئ تماماً" من موجة الغضب التي عبر عنها مزارعو فول الصويا، محذرين من "انهيار مالي" محتمل. وقد دفع ذلك إلى تسريع وتيرة الإحاطات المقدمة لكبار المسؤولين والرئيس خلال الأسابيع الأخيرة.
وأضاف الشخص المطلع، الذي طلب عدم كشف هويته: "كانت هناك فجوة معلوماتية، لكنها شكلت فرصة للتعلم".
عائدات الرسوم الجمركية
وفي خضم تصاعد احتجاجات المزارعين، أعلن ترمب، الخميس، التخطيط لاستخدام عائدات الرسوم الجمركية لتقديم مساعدات نقدية للمزارعين "إلى أن تؤتي الرسوم ثمارها لصالحهم".
لكن هذا الإجراء يتطلب موافقة الكونجرس، فيما يُرجح ألا تصل المساعدات إلى المزارعين قبل مطلع عام 2026.
وكان تجميد الصين مشترياتها من فول الصويا، محور محادثات التي أجراها وفد أعمال من ولايات زراعية في الغرب الأوسط الأميركي مع كبير مفاوضي التجارة الدولية في الصين، لي تشنج جانج، في بكين الأسبوع الماضي.
وأكدت الصين خلال الاجتماع، تمسكها بموقفها، مشيرة إلى أنه على مزارعي فول الصويا إلقاء اللوم على رسوم ترمب وليس على بكين.
وقال المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية، هي يادونج، الجمعة: "فيما يتعلق بتجارة فول الصويا، ينبغي على الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات إيجابية لإزالة الرسوم غير المعقولة".
وقد يحرز ترمب ونظيره الصيني شي جين بينج، تقدماً نحو التوصل إلى اتفاق تجاري عندما يلتقيان على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في كوريا الجنوبية الشهر المقبل. لكن قادة القطاع الزراعي يرون أن أي اتفاق محتمل سيكون متأخراً لإنقاذ أرباح عدد كبير من المزارعين الأميركيين.