
أعلن البيت الأبيض، الأربعاء، استضافة الرئيس الأميركي جو بايدن، لزعماء دول العالم، في الـ9 والـ10 من ديسمبر المقبل، في "قمة الديمقراطية"، في إطار الوفاء بأحد تعهداته بالانتخابات الرئاسية في 2020.
وكانت حملة بايدن الانتخابية، أعلنت أواخر العام الماضي أن بايدن سينظم ويستضيف خلال عامه الأول في البيت الأبيض قمة عالمية للديمقراطية "لتجديد الروح والهدف المشترك لدول العالم الحر".
لماذا تعقد القمة؟
تأتي قمة الديمقراطية، بحسب الصفحة المخصصة لها على موقع الخارجية الأميركية، لمعالجة "التحديات الخطيرة التي تواجهها جميع الديمقراطيات، راسخة كانت أم ناشئة".
وتبرز من بين هذه التحديات، بحسب الوزارة، "ضعف العديد من الدول وهشاشة حكم القانون فيها، وتزايد عدم المساواة والفساد، إضافة إلى سعي النظم الاستبدادية لإضعاف الديمقراطية عبر الحدود من خلال التأثير في الانتخابات، وادعاء أن نموذجها أقدر على العمل من أجل مصالح الناس".
وقالت الخارجية الأميركية، إن الرئيس بايدن يسعى من خلال القمة إلى "البرهنة على أن الديمقراطية لا تزال تعمل، وأنها قادرة على تحسين حياة الناس بطرق ملموسة".
وأضافت أنه "لتحقيق ذلك، فإنه على الديمقراطيات أن تحتشد لتعزيز مجتمعاتها المنفتحة والداعمة للحقوق من الداخل، وللوقوف سوياً في دفع تهديدات قادة الاستبداد، وإظهار أن الديمقراطيات قادرة على مواجهة أكثر القضايا إلحاحاً في الوقت الحاضر".
ما علاقة ترمب والصين؟
بمعزل عن الغايات المعلنة، تبدو القمة أيضاً موجهة لخدمة هدفين يتعلقان بالسياسات المحلية والخارجية لإدارة بايدن.
فمن الناحية المحلية يسعى الرئيس بايدن، بحسب وكالة "فرانس برس"، إلى تقديم نموذج مختلف عن سلفه الجمهوري دونالد ترمب، وذلك من خلال استعادة الدور التقليدي لساكن البيت الأبيض باعتباره "قائد العالم الحر"، وهو الدور الذي رفضه ترمب متخذاً من شعار "أميركا أولاً" أولوية خلال عمله في الداخل والخارج، على حد تعبير الوكالة.
خارجياً، ترمي القمة، وفقاً لما تعتبره صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إلى "توحيد الحكومات الديمقراطية ضد الصين، ومساعيها لنشر نفوذها الاقتصادي والسياسي والعسكري".
وأشارت الصحيفة إلى أن القمة تأتي في إطار جهود بايدن للدفع باتجاه مواجهة الصين. فمنذ رحلته الخارجية الأولى، واجتماعاته بقادة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى G7، والناتو في يونيو الماضي، سعى الرئيس الأميركي إلى حشد هذه التحالفات من أجل التصدي لسلوك الصين، على حد وصف الصحيفة.
كما نصَّت الوثيقة الأصلية التي تضمَّنت تعهدات حملة بايدن الرئاسية بعقد قمة للديمقراطية على الصين كأحد المسوغات لهذا الانعقاد، مشيرة على وجه التحديد إلى محاولات بكين تقييد حرية التعبير من خلال السيطرة على التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.
من سيحضر القمة؟
وفقاً لبيان البيت الأبيض، فإن القمة ستجمع رؤساء الدول والمجتمع المدني والعمل الخيري والقطاع الخاص، دون أن يكشف أي تفاصيل تتعلق بقائمة المدعوين.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول أميركي رفض الإفصاح عن اسمه، أن "قائمة المدعوين ليست نهائية، وأنها ستعتمد جزئياً على الدول التي تبدو متقبلة" للقمة.
ووفقاً للصحيفة، لم يحدد هذا المسؤول القادة الذين ستوجه إليهم الدعوات، لكنه قال إن الغاية من القمة هي "جمع خليط من الديمقراطيات الراسخة والناشئة".
واستبعدت الصحيفة أن توجه الدعوة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الرغم من إصراره على حيازة الشرعية الديمقراطية، كما أنه من غير الواضح ما إذا كان بايدن سيدعو بعض القادة مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ممن وصفت الصحيفة مؤهلاتهم الديمقراطية بـ"الباهتة".
ما أبرز الملفات؟
وفقاً لبيان البيت الأبيض، تسعى قمة الديمقراطية إلى حشد الالتزامات والمبادرات بشأن 3 محاور رئيسية: "محاربة الاستبداد، ومكافحة الفساد، وتعزيز احترام حقوق الإنسان".
وقالت وزارة الخارجية الأميركية، إن القمة ستناقش أيضاً العمل معاً للتصدي بفاعلية للتحديات الكبرى في الوقت الحاضر، مثل وباء كورونا، وأزمة المناخ، وتزايد عدم المساواة.
وبحسب الخارجية الأميركية، فإن القمة ستكون بمثابة فرصة للولايات المتحدة من أجل الاستماع، والتعلم، والانخراط مع مجموعة متنوعة من الفاعلين ممن يعتبر دعمهم والتزامهم عنصرين أساسيين في تجديد الديمقراطية عالمياً.
ماذا بعد القمة؟
بحسب موقعها الإلكتروني، ستطلق "قمة الديمقراطية" عاماً من العمل لـ"جعل الديمقراطيات أكثر استجابة ومرونة، وبناء مجتمع أوسع من الشركاء الملتزمين بالتجديد الديمقراطي العالمي".
وأشار الموقع إلى أنه بعد عام تقريباً من قمة ديسمبر 2021، سيستضيف الرئيس بايدن قمة ثانية لتقييم التقدم المحرز، وصياغة مسار مشترك في المستقبل، لافتة إلى أنه إذا سمحت ظروف الصحة العامة، فإن القمة الثانية ستعقد بالحضور الشخصي للمشاركين.
كيف ستحقق أهدافها؟
على الرغم من هذه النبرة المتفائلة في البيانات الأميركية، فإن خبراء حذروا من أن القمة قد تأتي بنتائج معاكسة.
وتوقع الخبير في الاقتصاد السياسي المنسق العام لمنظمة "بروجريسيف إنترناشيونال" ديفيد آدلر، والباحث في دراسات الحرب والسلام بجامعة كولومبيا ستيفين ويرثيم، أن "تفشل القمة" في تحقيق أهدافها.
وأشار الخبيران في مقال مشترك بصحيفة "الجارديان" البريطانية، إلى أن القمة "تنذر بدفع السياسة الخارجية الأميركية قدماً في المسار الفاشل الذي يُقسِّم العالم إلى معسكرين متعاديين، مانحاً بذلك الأولوية للمواجهة بدلاً من التعاون".
وقال الخبيران، إنه "إذا أراد بايدن أن يفي بوعده في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، فإنه على إدارته تجنُّب إعادة خلق مشكلات القرن العشرين"، مؤكدين أنه "فقط من خلال الحد من معاداة الدول الواقعة خارج ما يسمى بـ(العالم الديمقراطي)، يمكن للولايات المتحدة أن تنقذ ديمقراطيتها".
واعتبر الخبيران، أن القمة المرتقبة تفترض وترسِّخ تقسيم الأرض بين دول العالم الحر، والبقية، بشكل ينعش "خريطة ذهنية" قديمة، صاغها صانعو السياسة الخارجية الأميركية قبل نحو 8 عقود خلال الحرب العالمية الثانية.
مسؤول أميركي، على الطرف الآخر، أكد لـ"واشنطن بوست"، أن إدارة بايدن لا تحاول من خلال عقد القمة "تحديد من هو ديمقراطي ومن ليس كذلك"، مضيفاً أن "ما نبحث عنه حقاً أثناء انخراطنا في هذا المسعى هو نوع من الإرادة والقدرة على الوفاء بالتزامات ذات مغزى لتعزيز الديمقراطية والحقوق".