2235 مرشحة في الانتخابات العراقية.. تمكين حقيقي أم مقاعد بلا تأثير؟

time reading iconدقائق القراءة - 6
امرأة تلوح بالعلم العراقي خلال حفل إعلان البرنامج الانتخابي لأحد الأحزاب قبل الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة في بغداد. 10 أكتوبر 2025 - Reuters
امرأة تلوح بالعلم العراقي خلال حفل إعلان البرنامج الانتخابي لأحد الأحزاب قبل الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة في بغداد. 10 أكتوبر 2025 - Reuters
بغداد -إدريس جواد

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العراق المقرر عقدها في 11 نوفمبر المقبل، تتجه الأنظار نحو الحضور النسائي المتنامي في المشهد السياسي، في ظل إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن عدد المرشحات بلغ 2235 امرأة، وهو رقم يعكس تزايد رغبة النساء في خوض غمار العمل السياسي، والمنافسة على المقاعد النيابية.

ولكن هذا الحضور اللافت لا يخلو من التساؤلات حول مدى قدرته على تحقيق تمثيل فعلي يُترجم إلى مكاسب حقيقية للمرأة العراقية، التي لا تزال تواجه عقبات اجتماعية وثقافية وسياسية تحدّ من فرصها في الوصول إلى مواقع صنع القرار.

ورغم أن مشاركة المرأة في الحياة السياسية تُعدّ أحد أبرز مؤشرات التطور الديمقراطي في أي بلد، إلا أن الواقع العراقي ما زال يشهد فجوة واضحة بين الكم والنوع، إذ إن تزايد أعداد المرشحات لا يعني بالضرورة وجود تأثير ملموس على مستوى الأداء أو التشريع.

وعي متزايد أم تكرار للتجربة؟

قالت الناخبة العراقية زهور الداوودي في حديث مع "الشرق" إن "الكثير من النساء ترشحن للانتخابات، لكن ما نريده هو الكفاءة لا العدد، نريد امرأة تقف إلى جانب المرأة في قضايا العمل والمجتمع والطفل، لا مجرد مرشحات بلا رؤية أو فائدة حقيقية".

وأضافت: "النساء في البرلمان السابق لم يحققن إنجازات ملموسة تخص قضايا المرأة، لذلك لا أؤيد فكرة الترشح الواسع إذا لم يكن هناك أداء مؤثر أو مشاريع تخدم النساء فعلاً".

وترى الداوودي أن أغلبية المرشحات يشاركن عبر نظام "الكوتا" النسائية، الذي ضمن للنساء نسبة محددة من المقاعد، لكن القلة فقط يدخلن المنافسة بشكل مستقل أو من خلال قوائم سياسية مؤثرة.

واعتبرت أن "المرشحة التي لا تملك غطاءً سياسياً تبقى محدودة التأثير وخاضعة لقرارات الكتل، ما يجعلها غير مستقلة في مواقفها داخل البرلمان".

تحديات الأداء والتأثير

وتشير ناشطات في المجال المدني إلى أن التجارب البرلمانية السابقة لم تكن مشجعة، إذ غابت المبادرات الفاعلة لتشريع قوانين تُعنى بحقوق المرأة أو تحسين أوضاعها.

وقالت الناشطة المدنية رؤى خلف لـ"الشرق" إن "العملية الديمقراطية تتيح للجميع حق الترشح، لكن الأهم هو مدى جاهزية النساء المرشحات، وهل يمتلكن الوعي والخبرة السياسية الكافية لخوض هذه التجربة أم لا؟".

وأضافت: "العدد الكبير من المرشحات قد يؤدي إلى تشتيت الأصوات النسائية والرجالية على حد سواء، ما يضعف فرص وصول الكفاءات الحقيقية إلى البرلمان".

وتابعت: "لدينا اليوم نحو 97 نائبة في البرلمان الحالي، لكن المدهش أن أياً منهن لم ترغب أن تنضم إلى لجنة المرأة والطفل عندما تم توزيع اللجان، وهذا يعكس غياب الإرادة المستقلة لدى بعض النائبات، إذ يتم توجيه أدوارهن من قبل الكتل السياسية التي أوصلتهن إلى قبة البرلمان".

وترى خلف أن هذا الواقع يؤكد حاجة المشهد السياسي إلى "تمثيل حقيقي يعبر عن تطلعات النساء، بعيداً عن الاستخدام الرمزي أو الوجاهي الذي يضع المرأة في الواجهة دون تمكين فعلي".

طريق التمكين

ويرى مراقبون أن زيادة عدد المرشحات خطوة إيجابية على طريق التمكين، لكنها تحتاج إلى محتوى سياسي واضح وبرامج واقعية تعكس احتياجات النساء والمجتمع على حد سواء، فالمشاركة الفاعلة، كما يقول خبراء، لا تُقاس بعدد المرشحات بقدر ما تُقاس بقدرة المرأة على التأثير في صياغة القوانين والقرارات الوطنية.

وتشير تقارير مراكز دراسات محلية إلى أن النساء يواجهن تحديات مضاعفة خلال الحملات الانتخابية، بدءً من ضعف التمويل الانتخابي مروراً بالضغوط العائلية والعشائرية، وصولاً إلى الخطاب الذكوري الذي لا يزال يهيمن على البيئة السياسية العراقية.

أصوات نسائية تدعو للتغيير

من جانبها، ترى المرشحة عن "تحالف البديل" نيران الزهاوي، أن دخول المرأة إلى العمل السياسي يجب أن يكون فرصة لتبني تشريعات أكثر عدلاً وإنصافاً، قائلةً في حديث لـ"الشرق" إن "الاقتصاد هو محور برنامجي الانتخابي، لأنه يمثل عصب الدولة، وانعكاسه مباشر على رفاهية المواطن".

وأضافت الزهاوي: "نعمل على وضع خارطة طريق تعتمد على الصناديق الاستثمارية، وصندوق المحافظات لتعزيز اللامركزية، إلى جانب الاهتمام بتطوير قانون الطفل ومراجعة التشريعات المتعلقة بالأحوال الشخصية، لضمان بيئة قانونية أكثر إنصافاً للمرأة".

وترى الزهاوي أن "المرحلة المقبلة تتطلب حضوراً نسوياً مؤثراً في صياغة القوانين والسياسات العامة، لأن صوت المرأة في البرلمان لا يجب أن يكون مكملاً فقط، بل شريكاً في بناء الدولة وإعادة الثقة بالعملية السياسية".

تمكين يحتاج إلى إرادة

وتتفق ناشطات ومختصات على أن التمكين السياسي للمرأة لا يقتصر على زيادة عدد المرشحات، بل على فعالية المشاركة وجودة الأداء، فالتجارب السابقة أظهرت أن ضعف التأثير داخل البرلمان أدى إلى تراجع الملفات الخاصة بحقوق النساء والمساواة، ما ولد خيبة أمل لدى الشارع النسائي الذي كان ينتظر مواقف أكثر قوة من ممثلاته.

ويرى خبراء في الشأن السياسي أن تعزيز دور المرأة في العملية الانتخابية لا يتحقق عبر "الكوتا" وحدها، بل من خلال توفير بيئة انتخابية عادلة، ودعم الكفاءات النسائية بعيداً عن تأثير المال السياسي والعشائرية، وتمكين النساء من خوض الحملات بثقة واستقلالية.

اختبار جديد للتمثيل النسائي

وبين الطموح والتحديات، تبقى مشاركة المرأة في الانتخابات المقبلة اختباراً حقيقياً لقدرتها على إثبات حضورها في صنع القرار، ليس فقط كمرشحة، بل كصاحبة مشروع يسعى لتغيير واقع المرأة العراقية.

فالمرحلة المقبلة، بحسب المراقبين، قد تشكل فرصة لإعادة بناء الثقة بين الناخبات والمرشحات، ولإطلاق تجربة نسائية أكثر نضجاً وفاعلية في الحياة السياسية.

تصنيفات

قصص قد تهمك