وسط "رفض عربي".. تفاصيل مقترح أميركي مؤقت لتقسيم غزة بين إسرائيل و"حماس"

time reading iconدقائق القراءة - 9
فلسطينيون في دير البلح بشمال قطاع غزة يدفنون عدداً من ضحايا الغارات الإسرائيلية مجهولي الهوية. 22 أكتوبر 2025 - REUTERS
فلسطينيون في دير البلح بشمال قطاع غزة يدفنون عدداً من ضحايا الغارات الإسرائيلية مجهولي الهوية. 22 أكتوبر 2025 - REUTERS
دبي -الشرق

تبحث الولايات المتحدة وإسرائيل خطة لتقسيم قطاع غزة إلى منطقتين منفصلتين، تُدار إحداهما من قبل إسرائيل، والأخرى من حركة "حماس"، بحيث يُسمح بإعادة الإعمار فقط في الجزء الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، وذلك كحل مؤقت إلى حين نزع سلاح الحركة الفلسطينية، وفق خطة ترمب، وإزاحتها عن السلطة، حسبما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين.

وجاء هذا الطرح خلال مؤتمر صحافي في إسرائيل لنائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، وصهر الرئيس دونالد ترمب، جاريد كوشنر، الثلاثاء، حيث أكدا أهمية الالتزام بوقف إطلاق النار الحالي، الذي انسحبت بموجبه القوات الإسرائيلية لتفرض سيطرتها على نحو 53% من مساحة قطاع غزة.

وقال دي فانس، خلال المؤتمر الصحافي، إن "هناك منطقتين في غزة، إحداهما آمنة نسبياً، والأخرى بالغة الخطورة"، مشيراً إلى أن الهدف هو "توسيع الرقعة الجغرافية للمنطقة الآمنة".

بينما ذكر كوشنر، خلال المؤتمر أيضاً، أن "الأموال المخصصة لإعادة الإعمار لن تُوجه إلى المناطق التي تبقى تحت سيطرة حماس، بل سيتم التركيز على بناء الجانب الآمن".

وتابع: "هناك تفكير جارٍ الآن في المناطق التي تسيطر عليها قوات الجيش الإسرائيلي، طالما أمكن تأمينها، لبدء الإعمار كمرحلة أولى لتأسيس غزة جديدة، توفر للفلسطينيين مكاناً للعيش والعمل والحياة".

وأعلن نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، الثلاثاء، إطلاق "مركز التنسيق المدني العسكري" في جنوب إسرائيل بهدف دعم جهود إعادة إعمار غزة، ومراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، معرباً عن تفاؤله باستمرار الاتفاق المبرم بين إسرائيل وحركة "حماس"، ومؤكداً في الوقت نفسه أن مسار السلام "يسير في الاتجاه الصحيح رغم التحديات".

وقال دي فانس خلال المؤتمر الصحافي إلى جانب كوشنر والمبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وقائد القيادة المركزية الأميركية الوسطى براد كوبر، إن "الإسرائيليين والأميركيين يعملون معاً لوضع خطة لإعادة إعمار غزة، وتنفيذ سلام طويل المدى، وضمان وجود قوات أمن على الأرض في غزة، ليست أميركية، تكون قادرة على حفظ السلام على المدى الطويل".

رفض عربي

لكن وسطاء عرب عبّروا عن قلقهم من المقترح الأميركي الجديد، بحسب "وول ستريت جورنال"، وقالوا إن الولايات المتحدة وإسرائيل طرحتا هذه الفكرة خلال محادثات السلام الأخيرة.

وأعربت دول عربية عن رفضها القاطع لفكرة تقسيم غزة، معتبرةً أنها قد تفضي إلى إقامة منطقة دائمة تحت السيطرة الإسرائيلية داخل القطاع، ومشددةً على عدم استعدادها لإرسال قوات للمشاركة في حفظ الأمن في غزة وفق هذه الشروط.

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، إن الخطة لا تزال "فكرة أولية"، مشيراً إلى أنه "سيُعلن عن مستجدات في الأيام المقبلة".

وقد نص اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي توسط فيه الرئيس الأميركي ترمب، ودخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الجاري، على تحديد خط أصفر في الخريطة يمثل حدود منطقة السيطرة الإسرائيلية، والتي تشكل ما يشبه "حزاماً سميكاً" يطوّق مناطق السيطرة الفلسطينية. ومن المقرر أن تتقلص هذه المنطقة تدريجياً مع تحقيق معايير محددة مسبقاً.

ويجسد جوهر فكرة "تقسيم غزة" الصعوبات المستمرة في نزع سلاح حركة "حماس"، وتأسيس سلطة بديلة قادرة على إدارة القطاع، إلى جانب إيجاد بيئة آمنة لاستثمارات بمليارات الدولارات اللازمة لإعادة الإعمار، وفق "وول ستريت جورنال".

وتتضمن خطة ترمب للسلام في غزة، تشكيل "لجنة فلسطينية غير سياسية" تتولى إدارة الخدمات العامة والشؤون المحلية لسكان غزة، إلى جانب إنشاء قوة دولية لتوفير الأمن، إلا أن تفاصيل هذه الترتيبات لم تُحسم بعد.

 تمكين السلطة الفلسطينية

وتدفع عدة دول عربية باتجاه تمكين السلطة الفلسطينية من إدارة قطاع غزة، في حين يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدة منحها أي دور في ذلك.

وأوضح مسؤولون في البيت الأبيض، أن جاريد كوشنر، هو صاحب الفكرة الأساسية وراء خطة "إعادة إعمار غزة المقسّمة"، التي وضعها بالتعاون مع المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، مؤكدين أن كوشنر عرض الخطة على ترمب ونائبه جي دي فانس، ونالت دعمهما.

لكن بعض المسؤولين أشاروا إلى أن الخطة لا تزال تواجه تساؤلات جوهرية قبل أن تصبح قابلة للتطبيق، أبرزها كيفية توفير الخدمات اليومية للفلسطينيين في الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من غزة، وما إذا كانوا سيقبلون أصلاً بالانتقال إليه.

وقال مسؤولون إن الإدارة الأميركية، كانت قد ناقشت فكرة إعادة الإعمار في المناطق غير الخاضعة لسيطرة "حماس" حتى قبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، على أمل أن تسهم هذه الخطوة في تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين، وأن تشكل نموذجاً لـ"غزة ما بعد حماس".

وأعرب بعض المسؤولين عن قلقهم بشأن كيفية ضمان عدم تسلل عناصر من "حماس" إلى الجانب الخاضع لسيطرة إسرائيل من القطاع، فيما اقترح آخرون إنشاء برنامج تدقيق وفحص أمني تقوده السلطات الإسرائيلية لتحقيق هذا الهدف.

ورأى عدد من الوسطاء أن الولايات المتحدة تحاول كسب الوقت بينما تسعى لإيجاد حل لقضايا الحكم في غزة بعد الحرب.

وقال مراقبون إن أولوية واشنطن القصوى حالياً تتمثل في الحفاظ على وقف إطلاق النار، الذي يواجه تحديات متكررة بسبب حوادث ميدانية وخلافات تتعلق بعدم إعادة "حماس" جثامين بعض المحتجزين الذين ما زالوا في غزة.

وأرسلت الإدارة الأميركية فانس وكوشنر وويتكوف إلى إسرائيل لتثبيت وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة "حماس"، فيما من المقرر أن يصل وزير الخارجية ماركو روبيو إلى إسرائيل، الخميس.

ترحيب إسرائيلي بالخطة

وحظيت فكرة "إعادة إعمار غزة المقسمة" بدعم عدد من المحللين الإسرائيليين، الذين يرون فيها فرصة لإضعاف حركة "حماس" سياسياً وعسكرياً.

وقال عوفر جوترمان، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إن "الخطة قد تضعف حماس سياسياً، وتتيح للجيش الإسرائيلي تنفيذ عمليات تقوض قدرات الحركة القتالية بشكل تدريجي"، واصفاً الخطة بأنها "قابلة للتنفيذ ومثالية".

وأردف: "بمرور الوقت، يمكن لإسرائيل أن توسّع نطاق سيطرتها على حساب حماس، مع تعزيز المنطقة العازلة بين البلدات الإسرائيلية القريبة من الحدود وقطاع غزة، التي كانت هدفاً لهجوم السابع من أكتوبر 2023".

وقال العميد المتقاعد أمير أفيفي، وهو مسؤول دفاعي سابق لا يزال على صلة بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، إن "المبادرة ما زالت في مراحلها الأولى، وتتأثر بخطط إسرائيلية سابقة كانت تهدف إلى إنشاء مناطق خالية من حماس داخل القطاع لتقويض سيطرة الحركة".

لكن تلك الخطط لم تُنفذ مطلقاً، وقوبلت بانتقادات واسعة باعتبارها غير واقعية. كما أن محاولة محدودة، بدعم أميركي وإسرائيلي، لإنشاء "مناطق خالية من حماس" لتوزيع المساعدات الغذائية، واجهت فوضى وأعمال عنف، بعدما حاول مدنيون الوصول إلى نقاط الإمداد عبر مناطق القتال.

وأشار أفيفي، إلى أن الهدف "ليس تقسيم غزة بشكل دائم، بل ممارسة الضغط على حماس لنزع سلاحها"، مضيفاً أنه "لن يفاجأ إذا حاولت إسرائيل توسيع منطقة سيطرتها في حال رفضت حماس التنحي".

مقاومة فلسطينية

من جانبها، حذرت الباحثة تهاني مصطفى، الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، من أن أي خطة لتقسيم غزة "ستواجه مقاومة شديدة من الفلسطينيين".

ولفتت إلى أن "الفلسطينيين يخشون منذ بداية الحرب من أن تحاول إسرائيل تطبيق في غزة ما قامت به في الضفة الغربية، عبر فرض سيطرة أمنية كاملة ودفع الفلسطينيين إلى مناطق صغيرة ومتفرقة".

وتابعت: "تمثل غزة آخر مساحة جغرافية متصلة يمكن أن تشكل نواة لدولة فلسطينية، وخطة كهذه قد تؤدي إلى ما كان الفلسطينيون يخشونه منذ البداية".

واختتمت بالقول إن مطلب خطة ترمب بنزع سلاح "حماس"، دون أي ضمانات ملموسة لعملية سلام "هو جوهر المشكلة"، مضيفة: "في نهاية المطاف، ستكون النتيجة حالة من الجمود".

تصنيفات

قصص قد تهمك