الفاشر تسقط في يد "الدعم السريع".. هل بدأت مرحلة جديدة في حرب السودان؟

time reading iconدقائق القراءة - 12
حريق ضخم في سوق مدينة الفاشر في دارفور إثر معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. 1 سبتمبر 2024 - AFP
حريق ضخم في سوق مدينة الفاشر في دارفور إثر معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. 1 سبتمبر 2024 - AFP
بورتسودان-خالد عويس

في أول رد فعل له على سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، بشمال دارفور، قال رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، إن القوات المسلحة مصمِّمة على مواصلة العمليات العسكرية حتى "تحقيق النصر".

وكشف أن قيادة الجيش ولجنة الأمن بالفاشر قررتا المغادرة بعد تقديرات بأن البقاء سيعرض المدنيين لمزيد من التدمير والقتل المنهجي، وأنه تمت الموافقة على خروجهم إلى "مكان آمن" لحماية المدنيين وتقليل الخسائر.

ووصف البرهان ما يجري في البلاد بأنه "محطة من محطات العمليات العسكرية المفروضة على الشعب السوداني"، مؤكداً أن القوات المسلحة "ستنتصر؛ لأنها مسنودة بالشعب"، مثمّناً دور " القوات المشتركة" وبقية المكوّنات المقاتلة إلى جانب الجيش.

وجدد رئيس مجلس السيادة السوداني عزم القوات المسلحة على القصاص ممن ارتكبوا جرائم ضد المدنيين، مستنكراً ما أسماه "مخالفات قرارات مجلس الأمن وانتهاك الأعراف الدولية"، ومؤكداً أن الشعب السوداني سيحاسب "هؤلاء المجرمين " ووصف الطرف الآخر بأنه "يد غادرة، ولا تنتمي لهذا الشعب"، وناشد بضرورة محاسبة مرتكبي الجرائم.

 

مشاهد مروعة!

واستيقظ السودانيون في فجر 26 أكتوبر على مقاطع فيديو نشرتها حسابات تابعة لقوات "الدعم السريع" تؤكد توغل هذه القوات داخل مقر الفرقة السادسة مشاة للجيش السوداني في الفاشر، بشمال دارفور، سرعان ما ألحقتها هذه القوات ببيان رسمي، أكدت فيه سيطرتها على هذه المدينة الاستراتيجية، التي صمدت في وجه حصار استمر أكثر من 500 يوم.

وقال حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، بعد يوم على سيطرة الدعم السريع على المدينة، إن سقوطها لا يعني التفريط في دارفور لصالح جماعات "العنف والعمالة"، في تأكيد ضمني على خسارة الفاشر.

واتهمت شبكة أطباء السودان، اتهمت الدعم السريع بارتكاب مذابح بحق المدنيين، بينما نشرت لجان المقاومة مقاطع فيديو لعمليات "إعدام ميدانية" برصاص الدعم السريع.

وانتشرت كما النار في الهشيم مقاطع مصورة في منصات التواصل الاجتماعي، خلال اليومين الماضيين، منسوبة لعناصر الدعم السريع، تحتوي مشاهد مروعة لتصفية جرحى وفارين من الفاشر، خلال عمليات مطاردة بالسيارات خارج المدينة.

وقال نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني، والقيادي البارز في تحالف "صمود"، خالد عمر يوسف، وهو وزير سابق لشؤون مجلس الوزراء بحكومة حمدوك، إن"الانتهاكات المروعة التي ترتكبها قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر مدانة بأشد عبارات الإدانة، وهي جرائم بشعة لا يتسامح معها من بقلبه ذرة إنسانية، وتستوجب التحقيق والتوثيق والمحاسبة المغلظة لمرتكبيها، وأن تتخذ إجراءات فورية لوقفها وتوفير الحماية للمدنيين المتواجدين داخل المدينة وفتح الممرات الآمنة لمن يرغب في المغادرة وعدم التعرض لهم". هذا فيما كانت قوات الدعم السريع تعهدت بحماية المدنيين وبكف يد مقاتليها عن نهب ممتلكاتهم.

وانضمت بريطانيا إلى الولايات المتحدة في دعوة الدعم السريع للالتزام بحماية المدنيين وضمان المرور الآمن. وظهر قائد ثاني الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، في مقطع مصور يدعو قواته في الفاشر إلى عدم التعرض للمدنيين والكف عن "نهب ممتلكاتهم"، متوعداً بالتوجه إلى الأبيض في شمال كردفان، والولاية الشمالية، وأم درمان، وبورتسودان.

والفاشر كانت آخر القلاع بيد الجيش والقوات المتحالفة معه في إقليم دارفور، وبسيطرة الدعم السريع عليها، خسرت الحكومة السودانية الإقليم بالكامل.

وتشكل المدينة أهمية استراتيجية بالغة لكل الأطراف، ويرى محللون أن بقاء الجيش فيها كان يعرقل خطط الدعم السريع في التقدم شرقاً لإسناد قواتها في كردفان، ومن ثم الضغط على أم درمان وولايات الشمال.

ومن زاوية أخرى، فإن سيطرة الدعم السريع وحلفائها على كامل إقليم دارفور، بعد تشكيل حكومة "تأسيس" الموازية، قد يفتح الباب واسعاً، حال فشل مفاوضات التسوية، برعاية "الرباعية الدولية"، لسيناريو ليبيا، وربما المضي قدماً في حكم ذاتي أو حتى التلويح بالانفصال.

ويرى خبراء عسكريون أن المعركة في الفاشر لم تنته بعد، وأن الأمور لن تستتب للدعم السريع طويلاً، حيث سيعمد الجيش لمحاولة استردادها مستغلاً تفوقه الجوي وخاصة بالمسيرات لإنهاك قوات الدعم السريع وإرباكها؛ ومن ثم الدفع بوحدات مشاة إلى المدينة. 

في المقابل يرى مراقبون أن الدعم السريع، ربما يكون قد وقع في "فخ" تصعيد دولي ضده، بسيطرته على الفاشر، في وجود مؤشرات متزايدة لدى الأطراف الغربية بارتكاب انتهاكات إنسانية واسعة النطاق. كما أن هذه التطورات، بحسبهم، ستلقي بظلال سالبة على ملف المفاوضات.

"تأثير سلبي على المفاوضات"

وقال قائد سابق للفرقة السادسة مشاة في الفاشر، إن قوات الدعم السريع تهدف لاتخاذ الفاشر عاصمة لحكومة "تأسيس" مستبعداً اتجاه هذه القوات للخروج مرة أخرى صوب الشرق، باتجاه إقليم كردفان ثم العاصمة الخرطوم.

ولفت  اللواء متقاعد أمين إسماعيل لـ"الشرق"، إلى أن هذه القوات التي تفتقر إلى العنصر البشري بعد فقدانها 80% من مقاتليها ستكون عاجزة عن تحقيق انتصارات في محاور قتالية أخرى.

وأضاف أن "السيناريو الليبي" المتمثل في وجود حكومة بالغرب وأخرى في الشرق، مستبعد باعتبار فقدان حكومة "تأسيس" لأي سند إقليمي أو دولي.

وتكهن إسماعيل بانعكاسات "سلبية" لهذه التطورات على "ملف التفاوض"، مؤكداً أن الجيش والحكومة السودانيتين غالباً سينأيان بالنفس عن أي انخراط في أية محادثات بعد هذا التصعيد الكبير.

في المقابل، اعتبر عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع عمران عبد الله، أن القوات تحاشت الأخطاء التي وقعت فيها خلال العامين الماضيين، قائلاً إنها "رتبت صفوفها، وأحدثت نقلة نوعية في التدريب والتسليح".

واستبعد عبد الله في حديث لـ"الشرق" لجوء حكومة "تأسيس" إلى السيناريو الليبي، مؤكداً حرصها على وحدة البلاد، لافتاً إلى أن قوات "الدعم السريع" لا تربط ملف التفاوض بأية تطورات عسكرية، بل ببحث جذور الأزمات السودانية، "في حال غَلّب الجيش السوداني مصلحة الشعب" على حد قوله. لكنه عاد ليشير إلى أن الانتصارات العسكرية "تدعم الموقف التفاوضي".

وقال إن الأهمية الاستراتيجية لمدينة الفاشر تكمن في تأمين ظهر قوات الدعم السريع، وتأمين محاور الصحراء، لافتاً إلى أن القوة المشتركة "انتهت"، حسب تعبيره.

الحرب إلى "مربع جديد"

واعتبر محمد الناير، الناطق باسم حركة وجيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور، أن انتصار الدعم السريع في الفاشر وبارا يعني "انتقال الحرب إلى مربع جديد".

وقال في حديثه لـ"الشرق" إنه يعتقد أن معركة الفاشر أزالت عقبة ميدانية كانت تعيق تحركات الدعم السريع، مشيراً إلى أن "الفاشر استنزفت الدعم السريع، وغيّرت من خططه العسكرية خلال الفترة الماضية، لتتفرغ من الآن فصاعداً لمدن مهمة في كردفان هي بابنوسة والأبيض".

وأضاف: "إذا سارت قوات الدعم السريع بهذا النسق"، فإنه لا يستبعد أن "تعود الحرب خلال هذا العام لولايتي النيل الأبيض والخرطوم، وربما نهر النيل والشمالية بعد إحكام السيطرة على كردفان ودارفور".

وفي ما يتعلق باحتمالات تقسيم السودان، أعرب عن عدم معرفته بنوايا حكومة "تأسيس"، مشيراً إلى اعتقاده بأن هذه الحكومة ستبقى في نيالا بجنوب دارفور ولن تنتقل إلى الفاشر.

وأوضح أن ما جرى في الفاشر سيحمل انعكاسات مباشرة على ملف التفاوض، و"سيزيد الضغط على جماعة بورتسودان التي تعاني خلافات وانقسامات بشأن المحادثات، لا سيما فلول النظام البائد الذي يسيطرون على مقاليد الأمور السياسية والعسكرية"، حسب قوله.

وبيّن الناير أن الفاشر تكتسب أهمية رمزية وتاريخية كونها عاصمة سلطنة دارفور، وعاصمة ولاية شمال وإقليم دارفور والمدينة الوحيدة التي بقيت خارج سيطرة الدعم السريع.

ولفت إلى أن الدعم السريع أدركت مبكراً أن سقوط الفاشر لن يكون سهلاً لعوامل عسكرية وسياسية واجتماعية، لذا استخدمت أسلوب الحصار المحكم، وقطع كافة طرق الإمداد العسكري. 

ووجه الناير اللوم لحاكم إقليم دارفور الحالي، ووزير المالية الحالي جبريل إبراهيم، على الانخراط في القتال بعد 9 أشهر من الحياد، مؤكداً أن "الأمور ما كانت لتبلغ هذه الدرجة لولا هذا الخطأ". وتوقع فض الشراكة مع الرجلين نظراً للتطورات الأخيرة.

"تقسيم" أم "تفاوض"؟

فيما اعتبر المحلل السياسي محمد الأسباط، أن سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر "تحولاً استراتيجياً" مهماً وكبيراً، موضحاً أنها باتت تمتلك "منصة انطلاق" جديدة نحو كردفان التي تسيطر فيها على مناطق واسعة في شمال وغرب وجنوب كردفان، كما تحاصر الأبيض بشمال كردفان.

وأضاف الأسباط لـ"الشرق"ن أن هذا التطور سيعزز معطيات تقسيم السودان باعتبار أن دارفور كله وجزء من إقليم كردفان تحت سيطرة قوات الدعم السريع، متوقعاً تمدد الحرب في الفترة المقبلة بغيّة "تحديد الخرائط الجديدة" باتجاه دولة بغرب السودان وأخرى في شرقه.

لكنه لفت إلى أن هذا التطور ربما يدفع أيضاً باتجاه السلام، حال أثمرت جهود "الرباعية" الدولية وضغوطها عن جلوس الأطراف على طاولة المفاوضات. مشيراً إلى أن "جرائم الدعم السريع ستمكّن القوى الغربية من تكثيف الضغوط عليه".

واعتبر أن الخاسر الأكبر من سيطرة الدعم السريع هي القوة المشتركة (مناوي وجبريل إبراهيم) باعتبار أن المدينة كانت آخر معاقلها، لافتاً إلى أن مكاسبها الدستورية والسياسية نتج عن دفاع قواتها عن الفاشر، وبعد سقوطها، ربما "يتصدع تحالف الحكومة السودانية".

ماذا نعرف عن إقليم دارفور؟

يقع إقليم دارفور أقصى غرب السودان، بحدود مشتركة مع ليبيا، تشاد، إفريقيا الوسطى، وجنوب السودان. ويحدّه من جهة الشرق الولاية الشمالية، شمال وغرب وجنوب كردفان.

وتبلغ مساحة الإقليم نحو 440 ألف كيلومتر مربع، بينما يبلغ عدد السكان ما بين 7 و9 ملايين نسمة، يتوزعون في الولايات الخمس: (شمال ووسط وغرب وشرق وجنوب دارفور).

ويتألف الإقليم من قبائل إفريقية، أبرزها المساليت والفور والزغاوة، وهي غالباً تمارس الزراعة، وهي أكثر ميلاً للاستقرار، في مقابل قبائل عربية أميل للترحال بحكم ممارستها الرعي، وأبرزها الرزيقات، السلامات، بني هلبة.

وعانت دارفور منذ 2003، من صراعات بين القوات الحكومية وجماعات متمردة يقودها حاكم الإقليم الحالي، مني أركو مناوي، ووزير المالية الحالي، جبريل إبراهيم، علاوة على عبد الواحد النور.

ثم انخرطت مجموعات عربية في القتال بدعم حكومي، ووجهت إليها اتهامات بإبادة جماعية وتطهير عرقي وجرائم حرب، لتطلق المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً بطلب من مجلس الأمن، وبات الرئيس المعزول عمر البشير، واثنان من مساعديه، في إثرها، مطلوبين للمثول أمامها في لاهاي.

وبعد اندلاع الحرب في 2023 تضاعفت معاناة سكان الإقليم، بعد معارك ضارية في مدن دارفور الكبرى، وسط اتهامات للدعم السريع بارتكاب مجازر في مدينة الجنينة، بغرب دارفور، بحق إثنية إفريقية، لكن هذه القوات تنفي الأمر، وتطالب بتحقيق دولي.

وحجر الزاوية الاقتصادي في دارفور هو الثروة الحيوانية حيث تقدر بنحو 60 مليون رأس من الأبقار والأغنام والإبل، إلى جانب مناطق خصبة صالحة لزراعة الموالح والخضر والتفاح في جبل مرة بوسط دارفور، ومناطق أخرى تزرع فيها الحبوب، وتشتهر دارفور أيضاً بإنتاج المصنوعات الجلدية والتبغ.

تصنيفات

قصص قد تهمك