
قال حاكم إقليم دارفور السوداني مني أركو مناوي إن سقوط مدينة الفاشر بيد قوات الدعم السريع "ليس النهاية"، مندداً بما اعتبره "صمت العالم"، فيما وصف الاتحاد الأوروبي التطور الميداني بأنه "نقطة تحول خطيرة" في الحرب.
وطالب مناوي قوات الدعم السريع بألا تفرح "لأن هذه ليست النهاية"، مضيفاً أنه "لا بد من هزيمة مشروع تجزئة السودان لصالح وحدة البلاد ومستقبلها"، واصفاً الحرب الحالية بأنها "حرب وجود".
وأضاف: "لسنا دعاة حرب لكن السلام لا يمنح ويصنع بالصمود والكرامة"، ومع ذلك اعترف مناوي بوقوع "أخطاء كبيرة وإخفاقات نتحمل مسؤوليتها في قيادة الدولة والقوة المشتركة".
ووصف مناوي ما ارتكبته قوات الدعم السريع في الفاشر بأنه "وحشية لا تمت للإنسانية بصلة"، متهماً إياها بأنها "أبادت سكان الفاشر بأطفالها ونسائها وشيوخها وشبابها".
واتهم مناوي المجتمع الدولي بالصمت على ما حدث في الفاشر، مؤكداً أن "صمت العالم لن يطمس حقيقة أن الفاشر تنادي والتاريخ لن يغفل التخلي عن الإنسانية"، وقال: "العالم خذل مدينة الفاشر وسكانها، لكنهم لا ينحنون".
وتعهد حاكم إقليم دارفور "بإعادة بناء ما تهدم في الفاشر"، مشيراً إلى أن الحكومة الاتحادية والإقليمية ستولي اهتماماً كبيراً بمسألتي النزوح وتوثيق الإبادة الجماعية.
واستيقظ السودانيون في فجر 26 أكتوبر على مقاطع فيديو نشرتها حسابات تابعة لقوات "الدعم السريع" تؤكد توغل هذه القوات داخل مقر الفرقة السادسة مشاة للجيش السوداني في الفاشر، بشمال دارفور، سرعان ما ألحقتها هذه القوات ببيان رسمي، أكدت فيه سيطرتها على هذه المدينة الاستراتيجية، التي صمدت في وجه حصار استمر أكثر من 500 يوم.
وكان رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان قال، الاثنين، إن القوات المسلحة السودانية تستطيع أن تقلب الطاولة، وذلك بعد أن أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مقر قيادة الجيش في مدينة الفاشر التي كانت آخر موقع للجيش في إقليم دارفور غرب البلاد.
واندلعت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023 بعد خلافات حول خطط لدمج الدعم السريع في القوات المسلحة خلال عملية سياسية للانتقال إلى حكم مدني بعد الإطاحة بالحكومة السابقة في 2021.
الفاشر والجنائية الدولية
من ناحية أخرى، قال مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، في رد على أسئلة لـ"الشرق"، إنه "في ظل تحقيقاتنا الحالية بجرائم مزعومة في غرب دارفور، نتلقى معلومات عن عنف متصاعد في الفاشر ومحيطها".
وأضاف: "قلقون من الهجمات واسعة النطاق على معسكر زمزم للنازحين في أبريل، ومن الأحداث التي تتكشف حاليا في الفاشر، عملنا مستمر لجمع أدلة حول المزاعم المتعلقة بجرائم ارتكبت وما زالت ترتكب في شمال دارفور".
وفي إحاطات إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، أفاد المكتب بأن هناك أسبابًا تدعو للاعتقاد بأن جرائم مشمولة في نظام روما الأساسي تُرتكب حاليًا في دارفور.
وأوضح أن "التحقيق في الجرائم الأخيرة لا يزال جاريًا ويُحرز تقدمًا، ويتخذ المكتب الخطوات اللازمة لدفع التحقيق قدمًا فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة في غرب دارفور".
وكما ورد في أحدث تقارير المكتب بشأن هذه الحالة، يعمل فريق دارفور بكثافة، بما في ذلك من خلال عمليات انتشار ميداني متكررة، وتعميق التواصل مع مجموعات الضحايا والمجتمع المدني، وتعزيز التعاون مع السلطات الوطنية.
وأضاف المكتب في إحاطته إلى مجلس الأمن الدولي: "رغم أن التركيز الحالي للمكتب ينصب على الجرائم المزعومة في غرب دارفور، لا يزال يتلقى معلومات بشأن تصاعد العنف في الفاشر، شمال دارفور والمناطق المحيطة بها، ويشعر المكتب بقلق خاص إزاء الهجمات واسعة النطاق التي استهدفت مخيم زمزم للنازحين في فبراير وأبريل 2025، وكذلك الأحداث الجارية حاليًا في الفاشر".
وفي ظل كثرة الادعاءات بشأن الجرائم المرتكبة أو التي تُرتكب في شمال دارفور، يواصل المكتب جهوده في حفظ الأدلة، كما يجري تطوير شراكات مع جهات يمكنها المساعدة في أنشطة الحفظ هذه، بما في ذلك في سياق شمال دارفور.
وأكد المكتب أن "الوضع في دارفور يحظى بأهمية قصوى، وأنه قد أحرز تقدمًا ملموسًا وإيجابيًا وذا دلالة"، وأضاف: "مع ذلك، فإن المكتب ملتزم بواجب السرية تجاه المحكمة، وكذلك تجاه الضحايا والشهود، ولذلك لا يمكنه مشاركة تفاصيل حول طبيعة التقدم المحرز في التحقيق أو أي نتائج محددة".
الاتحاد الأوروبي وسقوط الفاشر
من جانبه، وصف الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر بأنها "نقطة تحول خطيرة" في الحرب تهدد بمزيد من التدهور في الوضع الإنساني.
وأضافت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد كايا كالاس، والمفوضة الأوروبية لإدارة الأزمات حاجة لحبيب، في بيان مشترك، أن استهداف المدنيين على أساس انتمائهم العرقي في دارفور عمل يؤكد على "وحشية" قوات الدعم السريع.
وأكد البيان أن قوات الدعم السريع تتحمل مسؤولية حماية المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ودعا جميع الأطراف إلى خفض التصعيد على الفور واحترام حقوق الإنسان والالتزام بمسؤولياتها وفقا لما جاء في "إعلان جدة".
قلق مصري
وأعربت مصر عن قلقها البالغ إزاء التطورات الأخيرة في السودان، ودعت إلى اتخاذ كافة الإجراءات الممكنة لتحقيق هدنة إنسانية فورية في كافة أرجاء السودان، وصولاً إلى الوقف الدائم لإطلاق النار، "بما يحفظ أرواح المدنيين وسبل معيشتهم اليومية، ويصون مقدرات البلاد".
وفي بيان لوزارة الخارجية المصرية، أكدت القاهرة مواصلتها تقديم كل الدعم الممكن للسودان "لتخطي محنته الحالية".
وشددت مصر على موقفها الثابت الداعم لسيادة السودان "وصون وحدته، وسلامته الإقليمية، ودعم مؤسساته الوطنية، وعلى الرفض القاطع لأي محاولات لتقسيم السودان أو الإخلال بوحدته وسلامة أراضيه".
وتلقى بدر عبد العاطي وزير الخارجية المصري اتصالاً هاتفياً من مستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول، الثلاثاء، لبحث التطورات المتسارعة في السودان، خاصة في مدينة الفاشر.
وشدد عبد العاطي على أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية للتوصل إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في السودان، وتحقيق تسوية سياسية شاملة في إطار نتائج اجتماع رباعية السودان الأخير في واشنطن، منوهاً بضرورة الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه ومؤسساته الوطنية.
كما أعربت وزارة الخارجية السعودية، الثلاثاء، عن بالغ قلقها واستنكارها "للانتهاكات الإنسانية الجسيمة" التي وقعت خلال الهجمات الأخيرة لقوات الدعم السريع على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بغرب السودان.
وشددت الوزارة، في بيان، على "ضرورة قيام قوات الدعم السريع بواجبها في حماية المدنيين، وضمان تأمين وصول المساعدات الإنسانية، والالتزام بالقانون الدولي الإنساني، وفق ما ورد في إعلان جدة (الالتزام بحماية المدنيين في السودان) الموقع بتاريخ 11 مايو 2023.










