
أطلقت وزارة الدفاع البولندية، الخميس، برنامج تدريب عسكري، كجزء من خطة أوسع لتدريب حوالي 400 ألف شخص في غضون عام 2026.
وسيكون برنامج "على أهبة الاستعداد" الذي وصفه وزير الدفاع فلاديسلاف كوسينياك كاميش بأنه "أكبر تدريب دفاعي في تاريخ بولندا" طوعياً ومتاحاً لجميع المواطنين، من طلاب المدارس إلى البالغين العاملين والشركات وكبار السن.
وسيقدم البرنامج دورة أمنية أساسية، وتدريباً على حماية النفس، وإرشادات طبية، ودروساً في مجال الصحة الإلكترونية.
وقال نائب وزير الدفاع سيزاري تومتشيك في مؤتمر: "في شهري نوفمبر وديسمبر وحدهما سنقوم بتأهيل حوالي 20 ألف شخص في تدريب فردي، لكن العدد الإجمالي من حيث جميع أشكال التدريب، يبلغ حوالي 100 ألف شخص".
وأضاف تومشيك أن الوزارة تخطط لتدريب نحو 400 ألف شخص في العام المقبل "بشكل فردي وفي مجموعات كجزء من برنامج ’التعليم مع الجيش’ للتدريب الاحتياطي والخدمة العسكرية الإلزامية الطوعية".
ثالث أكبر جيوش الناتو
وعلى خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، تنفق بولندا الآن على الدفاع أكثر من أي عضو آخر في حلف شمال الأطلسي.
وصعدت بولندا إلى المركز الثالث كأكبر جيش في الحلف، بقوام يبلغ 216 ألف جندي، بعد الولايات المتحدة (1.3 مليون)، وتركيا (481 ألفاً)، وتليها فرنسا في المركز الرابع (204 آلاف)، وألمانيا في المركز الخامس (185,600).
ووفقاً لتقرير الإنفاق الدفاعي لدول الحلف، فقد ضاعفت بولندا جيشها أكثر من مرتين منذ عام 2014، وهو العام الذي غزت فيه روسيا شبه جزيرة القرم، وتخطط لزيادة قواتها بنحو الثلث خلال العقد المقبل.
لكن طموحات وارسو، لا تتوقف عند هذا الحد، فقد اعتبر الرئيس كارول نافروتسكي، خلال واحدة من أكبر العروض العسكرية في تاريخ البلاد في أغسطس الماضي، أنه ينبغي أن "نصبح قريباً ليس الثالث، بل الأول والأقوى في الناتو داخل أوروبا".
وفي ميزانية عام 2025، تم تخصيص مبلغ قياسي قدره 186.6 مليار زلوتي بولندي (ما يعادل 51.3 مليار دولار أميركي) للدفاع الوطني، أي ما يمثل 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2025، ويُعد هذا زيادة قدرها 28.6 مليار زلوتي بولندي (نحو 7.8 مليار دولار) مقارنة بعام 2024، وفق موقع القوات المسلحة البولندية.
شراء من الخارج.. وبناء في الداخل
يُعدّ الجيش البولندي، أحد الجيوش الأمامية الرئيسية في حلف الناتو، ومن أكثر الجيوش اعتماداً على المشتريات العسكرية من خارج الاتحاد الأوروبي، فبولندا تشتري دبابات، ومدافع "هاوتزر"، وأنظمة صواريخ متعدّدة الإطلاق من كوريا الجنوبية، إلى جانب دبابات "أبرامز" الأميركية، ومروحيات الهجوم "أباتشي"، وصواريخ الدفاع الجوي "باتريوت"، وغيرها من المعدات العسكرية.
ومع ذلك، فإن وارسو لا تكتفي بالشراء من الخارج، بل تركز أيضاً على تطوير إنتاجها العسكري المحلي لتقليل اعتمادها على مورّدين أجانب.
وقد بدأت بعض منتجاتها بالفعل تحظى باعتراف دولي متزايد، فبلجيكا، بعد النرويج والولايات المتحدة، اشترت نظام الدفاع الجوي المحمول على الكتف "بيورون" (Piorun) البولندي، الذي أثبت نجاحه في أوكرانيا باستهداف الطائرات، والمسيّرات، والمروحيات التي تحلّق على ارتفاعات منخفضة.
وفي أكتوبر الماضي، أعلن وزير الدفاع السويدي بال يونسون، خلال زيارته إلى بولندا، أن بلاده طلبت شراء قاذفات صواريخ بولندية مضادة للطائرات.
وبعد الاختراق الروسي بطائرات مسيّرة في سبتمبر، أصبح التركيز الحالي لبولندا منصباً على المسيّرات، سواء من حيث الإنتاج أو الشراء، ومؤخراً، أصبحت أكبر مشترٍ لمسيّرات "أهاماني" التايوانية، ما قلل من اعتمادها على المكوّنات الصينية، وفق "بلومبرغ".
استعداد وترقب
لكن سباق بولندا لتوسيع إنتاجها المحلي من الأسلحة، وتحديث قواتها لا يُحرّكه فقط دافع الدفاع عن النفس، بل أيضاً ردع العدوان؛ فقد حثّ وزير الدفاع البولندي في تصريح حديث له، على وجوب الاستعداد "لمختلف السيناريوهات.. علينا أن نتسلّح من أجل الردع".
فالأخبار الواردة من دول البلطيق الأخرى لا تبعث على الاطمئنان في وارسو، ففي نهاية سبتمبر الماضي، انتهكت ثلاث مقاتلات روسية المجال الجوي الإستوني، وحلّقت فوق البلاد دون تصريح لمدة 12 دقيقة كاملة، وعلى الرغم من نفي روسيا، إلا أن إستونيا اعتبرته رابع انتهاك روسي لأجوائها هذا العام.
ويتفق العديد من الخبراء العسكريين على أن الهجوم المحتمل ليس مسألة "هل سيحدث؟"، بل "متى سيحدث؟"، وتتباين التقديرات: فبعضهم يرى أن الإطار الزمني المحتمل هو من ثلاث إلى خمس سنوات، بينما يعتقد آخرون أن الهجوم قد يأتي خلال سبع إلى عشر سنوات، إذ تحتاج روسيا إلى وقت لإعادة بناء جيشها بعد الخسائر التي تكبّدتها في أوكرانيا.
ولا تصب الأرقام في مصلحة الناتو؛ فوفقاً لعقيد (احتياط) داريوش كوزرافسكي، وهو خبير عسكري بارز قاد بعثات تدريب تابعة لحلف الناتو في بغداد، وكييف وعضو في قسم الأمن القومي بجامعة ياجيلونيان في كراكوف (أقدم جامعة في بولندا)، أن عدد قوات الحلف على جناحه الشرقي نحو 460 ألف جندي في الخدمة الفعلية، مقارنةً بالقوة العسكرية المشتركة لكل من روسيا، وبيلاروسيا التي تُقدّر بنحو 1.4 مليون جندي في الخدمة.












