
يحل "مركز التنسيق"، الذي يقوده الجيش الأميركي والمكلف بتنفيذ خطة الرئيس دونالد ترمب للسلام في غزة، الجمعة، محل إسرائيل كمشرف على المساعدات الإنسانية الداخلة إلى القطاع الفلسطيني.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن مسؤول أميركي إنه في عملية الانتقال، التي اكتملت الجمعة، أصبح الإسرائيليون الآن "جزءاً من الحوار"، لكن القرارات ستتخذها الهيئة الأوسع، في إشارة إلى التحول من وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (وهي وحدة داخل الجيش الإسرائيلي كانت تتولى المسؤولة عن تنظيم دخول المساعدات إلى غزة) إلى مركز التنسيق المدني العسكري الذي أقيم في جنوب إسرائيل بالقرب من حدود غزة.
وقال عدد من الأشخاص المطلعين على عملية الانتقال إن هذه الخطوة تحيل إسرائيل إلى دور ثانوي في تحديد كيفية دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة ونوعيتها، بينما يتولى مركز التنسيق المدني-العسكري زمام المبادرة.
ومنذ بدء وقف إطلاق النار في غزة الشهر الماضي، ظلت المساعدات الإنسانية، رغم تحسنها، مقيدة بشكل كبير من قبل إسرائيل.
وقال المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية تيم هوكينز، في مقابلة أجريت معه، إن أكثر من 40 دولة ومنظمة ممثلة في المركز الذي تقوده الولايات المتحدة، و"إحدى فوائد جمعهم جميعاً معاً هو أن ذلك يمكّنك حقاً من فرز الحقائق، والحصول على فهم أوضح لما يحدث على الأرض، وأين تكمن الاحتياجات؟".
المساعدات الإنسانية إلى غزة.. ماذا يحدث على الأرض؟
حتى الآن، فتح الجيش الإسرائيلي مدخلين فقط لدخول المساعدات إلى غزة، حيث تأتي الغالبية العظمى من المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم في الجنوب، ولم يتم إدخال أي شحنات مباشرة إلى شمال غزة منذ أوائل سبتمبر.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن العديد من الشاحنات التي سُمح لها بالدخول هي شحنات تجارية من البضائع المعروضة للبيع في أسواق غزة، والتي لا يملك سوى القليل من الفلسطينيين المال لشرائها.
وتم إغلاق معبر "الكرامة" الذي يصل الأراضي الفلسطينية بالأردن معظم العام، رغم انتظار كميات كبيرة من المساعدات هناك الإذن للعبور إلى القطاع الفلسطيني.
ويقع المعبر شرق مدينة أريحا الفلسطينية، وهو الوحيد الواصل بين الضفة الغربية المحتلة والأردن، وتسيطر عليه إسرائيل من الجانب الفلسطيني، وله 3 تسميات إحداهما أردنية وهي "جسر الملك حسين"، وأخرى فلسطينية "الكرامة"، وإسرائيلية "اللنبي".
وقد منعت إسرائيل غالبية منظمات الإغاثة الدولية إلى حد كبير من إدخال المواد الغذائية إلى غزة منذ أشهر منذ أن فرضت تل أبيب قواعد تسجيل جديدة رفضت المنظمات التوقيع عليها باعتبارها "تطفلية"، بحسب الصحيفة.
ولطالما اشتكت منظمات الإغاثة منذ فترة طويلة من القيود التي تفرضها إسرائيل على ما تزعم أنها "مواد ذات استخدام مزدوج" بدعوى إمكانية تحويلها إلى أسلحة، والتي شملت عبوات الصمغ والمشارط الطبية والمراهم لعلاج الالتهابات الجلدية.
وقال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيجلاند، الخميس، إن "إسرائيل تعرقل البنود الإنسانية لخطة ترمب"، وأضاف: "بالنسبة لنا، فإن انخراط الولايات المتحدة بنشاط هو خبر سار للغاية".
وتابع إيجلاند: "ندعو إلى جعل الخطة حقيقة واقعة.. بالطبع، مصداقية الولايات المتحدة على المحك هنا".
وعلى الرغم من أن خطة ترمب للسلام تتضمن زيادة هائلة في حجم المساعدات، إلا أن الولايات المتحدة لم تذكر أي من القيود الإسرائيلية التي قد تُرفع الآن، وكيف يخطط مركز التنسيق المدني العسكري لإدارة عمليات المساعدات الضخمة، وما إذا كانت القواعد الجديدة ستكون مقبولة لدى منظمات الإغاثة التي تشعر بالقلق إزاء أي نوع من السيطرة العسكرية.
ولم يرد منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة على أسئلة بشأن دوره في ظل الوضع الجديد.
ضغوط أميركية على إسرائيل
وأقرّ ترمب بأنه ضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لقبول اتفاق السلام، لكن من غير الواضح إلى أي مدى هو على استعداد للذهاب في ضمان التزام إسرائيل بجميع عناصر خطة ترمب المكونة من 20 نقطة.
وكجزء من التنفيذ، كثفت القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM)، المسؤولة عن التخطيط والتنسيق العسكري الأميركي في المنطقة، من مراقبتها لغزة، بما في ذلك استخدام طائرات مسيّرة لمراقبة توزيع المساعدات ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
ونشرت القيادة المركزية الأميركية مقطع فيديو، علقت عليه بالقول: "لاحظ مركز التنسيق المدني العسكري بقيادة الولايات المتحدة قيام عناصر، يشتبه بأنها تابعة لحركة حماس، بنهب شاحنة مساعدات كانت تسير كجزء من قافلة إنسانية لتوصيل المساعدات اللازمة من الشركاء الدوليين إلى سكان خان يونس، جنوب غزة".
ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول أميركي ثانٍ قوله إن نشْر الفيديو كان جزءاً من محاولة للضغط على حماس، التي ظهر مسلحوها للسيطرة على أجزاء من غزة أخلاها الجيش الإسرائيلي كجزء من الخطة.
وأضاف: "طالما أن القيادة المركزية الأميركية مفعلة وتعمل هناك، وطالما أن الولايات المتحدة تضع سمعتها على المحك، إذا جاز التعبير، أعتقد أنك سترى المزيد من الأصول الأميركية والعمليات التي يديرها الجيش الأميركي".
وتابع المسؤول الأميركي: "إن الإعلان عن تحليق الطائرات المسيّرة كان إشارة إلى أننا لا نعتمد على استخبارات الجيش الإسرائيلي أو الطائرات المسيّرة التابعة للجيش الإسرائيلي.. لدينا أصولنا الخاصة التي نقوم بتشغيلها".
وعلى الرغم من وقف إطلاق النار الرسمي، احتفظت إسرائيل بحق الرد على أي شيء ترى أنه يشكل تهديداً لأمنها، وواصلت غاراتها الجوية من حين لآخر في غزة وأطلقت النار على المدنيين الفلسطينيين الذين يقتربون من منازلهم الواقعة في الأراضي التي لا يزال الجيش الإسرائيلي يسيطر عليها.
تحركات أميركية بشأن غزة
وحتى مع استمرارها في مراقبة أنشطة "حماس"، يُنظر إلى الضغوط الأميركية المتواصلة على إسرائيل على أنها أمر بالغ الأهمية لدفع خطة السلام قدماً وضمان استمرار الدعم من الحكومات في أوروبا والشرق الأوسط والمنظمات غير الحكومية التي يُعتبر تأييدها جميعاً أمراً حيوياً، بحسب الصحيفة.
في المقابل، تسعى إسرائيل إلى الرد على كل ما يتردد بشأن خضوعها للنفوذ الأميركي، إذ قال يوسي كوبرفاسر، وهو جنرال سابق في الجيش الإسرائيلي شغل منصب المدير العام لوزارة الشؤون الاستراتيجية، "إن نشاط الأميركيين في غزة هو شيء جديد، لكن القواعد، في رأيي، لتبادل المعلومات هي نفسها.. كل ما هو ذو قيمة بالنسبة لإسرائيل يتم مشاركته".
ومع إعلان الرئيس دونالد ترمب أن غزة تسير الآن على طريق مستقبل سلمي ومزدهر، قال مصدر مطّلع على توجهات البيت الأبيض إن "المهمة الاستراتيجية الحيوية الوحيدة" للولايات المتحدة الآن هي "مراقبة بيبي (نتنياهو) لضمان عدم عودة القتال"، مستخدماً لقب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وخلال الأسابيع التي تلت وقف إطلاق النار، أرسلت الإدارة الأميركية سلسلة من كبار المسؤولين لزيارة مركز التنسيق المدني العسكري (CMCC) وحكومة نتنياهو، من بينهم نائب الرئيس جي دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين، ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد التي زارت إسرائيل نهاية الأسبوع الماضي.
وفي مؤتمر صحافي عُقد في مركز التنسيق المدني العسكري بجنوب إسرائيل في 21 أكتوبر، تحدث المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف إلى جانب نائب الرئيس جي دي فانس والأدميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم).
وقد عرض ترمب رؤيته الواسعة لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، واصفاً مبادرته بشأن غزة بأنها "فجر تاريخي لشرق أوسط جديد"، تشمل توسيع "اتفاقات أبراهام"، وهي اتفاقات التطبيع الدبلوماسي مع إسرائيل.












