على مدى أكثر من 50 عاماً من اعتماد التعديل الدستوري الذي يتيح عزل رئيس الولايات المتحدة إذا عجز عن أداء مهامه، سنة 1967، لم يسبق أن تم اتخاذ هذا الإجراء مطلقاً، لكن تكرر ذكر التعديل الـ25 للدستور، مرة تلو الأخرى كوسيلة ممكنة لإقالة الرئيس دونالد ترمب، وتعيين نائبه مايك بنس رئيساً بالإنابة.
آخر المحاولات تأتي قبل أقل من أسبوعين من انتهاء من ولايته، بعد اقتحام متظاهرين من أنصاره الأربعاء، مقر الكونغرس بالعاصمة واشنطن، خلال جلسة التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز الديمقراطي جو بايدن.
ودعت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، إلى استخدام التعديل الـ25 في الدستور الأميركي، لعزل الرئيس دونالد ترمب من منصبه "فوراً"، معتبرة في كلمة لها، مساء الخميس، أن ترمب "شجع على تمرد مسلح ضد الولايات المتحدة".
ووصفت بيلوسي، الرئيس ترمب، بأنه "شخص شديد الخطورة، ولا ينبغي أن يستمر في منصبه".
وفي وقت سابق دعا حاكم ولاية ماريلاند، الجمهوري لاري هوجان، نائب الرئيس مايك بنس لتولي السلطة، لضمان نقلها سلمياً للرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، فيما بدأ المشرعون الديمقراطيون في مجلس النواب، في التحرك باتجاه عزل الرئيس ترمب، في محاولة هي الثانية خلال فترته الرئاسية الوحيدة.
ونشر الديمقراطيون المواد المتعلقة بالعزل، الخميس، في إطار مسعى تنحية الرئيس ترمب من المنصب، وذلك بعد اقتحام مناصريه لمبنى الكونغرس خلال جلسة للمصادقة على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن.
وقال النائب الديمقراطي في مجلس النواب ديفيد سيسيلين إنه وزع المواد التي أعدها مع زميليه في المجلس جيمي راسكين، وتيد ليو، للتحضير لإزاحة الرئيس من المنصب عقب الهجوم على مبنى الكونغرس.
وعلى نحو مماثل، طالب مشرعون بالكونغرس من الحزبين، ورؤساء جماعات حقوقية، وقادة أعمال نائب الرئيس مايك بنس بالنظر في تفعيل التعديل الـ25 في الدستور.
وقال رئيس الرابطة الوطنية الأميركية للمصنعين، ومديرها التنفيذي جاي تيمونز في بيان: "هذا تحريض على العصيان، ويجب التعامل معه على هذا الأساس".
وانضمت أصوات عدة في المطالبة بعزل ترمب، من بينها حاكم ولاية فيرمونت الجمهوري، فيل سكوت، والسيناتور الجمهوري بن ساسي من ولاية نبراسكا، الذي قال إن أحداث عنف الأربعاء "كانت نتيجة حتمية وقبيحة لإدمان الرئيس على إثارة الانقسام باستمرار".
وفي حين لم يقترح ساسي أن يحل بنس محل ترمب لما تبقى من فترته، قال النائب عن فلوريدا تشارلي كريست ذلك صراحة.
وكتب كريست، وهو حاكم جمهوري سابق أصبح ديمقراطياً عام 2012 في تغريدة: "يسمح التعديل الخامس والعشرون بإقالة الرئيس، حان الوقت لإقالة الرئيس".
كما وقع مئات من الباحثين السياسيين بياناً يدعو إلى ضرورة عزل ترمب على الفور، سواء من خلال المساءلة أو التعديل الـ25.
ما هو التعديل الـ25 في الدستور؟
استحدث التعديل الذي صُدق عليه في عام 1967، آلية قانونية لتعيين رئيس الدولة في حال شغور المنصب بسبب استقالة الرئيس أو إقالته أو عجزه أو الوفاة. وأضفى الطابع الرسمي على الممارسة التاريخية لتولي نائب الرئيس المنصب في حال وفاة الرئيس أو استقالته، كما يمنح الرئيس والكونغرس سلطة مشتركة لاستبدال نائب الرئيس.
وجاء ذلك إثر واقعة اغتيال الرئيس السابق جون كينيدي في 22 نوفمبر 1963، التي أثارت الاهتمام بشأن مسألة خلافة الرئيس. ثم كان صعود نائبه ليندون جونسون إلى السلطة ليصبح الرئيس السادس والثلاثين للولايات المتحدة (1963 - 1969).
ويشمل التعديل الـ25 حالات عدة، إذ يمكن للرئيس أن يخطر الكونغرس بأنه لن يتمكن من أداء واجباته، كما يسمح لنائب الرئيس بالاضطلاع بدور الرئيس إلى أن يتمكن الأخير من العودة.
ويتيح التعديل أيضاً لنائب الرئيس وأعضاء الحكومة عزل الرئيس، إذا اعتبر أنه غير قادر على أداء مهامه.
وتنص الفقرة الرابعة من التعديل على أنه يجوز لنائب الرئيس تولي وظائف الرئيس على الفور بصفة رئيس مؤقت، إذا أبلغ رئيسي مجلسي النواب والشيوخ بأن الرئيس غير قادر على أداء مهامه، وذلك بدعم من أغلبية أعضاء الحكومة، أو هيئة قد يعينها الكونغرس بموجب القانون.
وفي حال اعتراض الرئيس، يحسم الكونغرس الأمر بالتصويت لتحديد ما إذا كان عاجزاً بالفعل عن أداء مهامه.
هل استُخدم من قبل؟
لجأ له جيرالد فورد الرئيس الثامن والثلاثون للولايات المتحدة (1974 - 1977) عندما أصبح نائب الرئيس ريتشارد نيكسون، وينص على أنه في حال شغور منصب نائب الرئيس، يرشّح الأخير نائباً له ويتم انتخابه عن طريق الكونغرس، فيما استخدم القسم الثالث من التعديل، الذي يسمح للرئيس بالتنازل مؤقتاً عن السلطة والواجبات لنائب الرئيس، مرة واحدة بعد أن خضع رونالد ريغان لعملية جراحية في عام 1985. وعلى نحو مماثل استخدم عندما كان الرئيس جورج دبليو بوش تحت تأثير التخدير في عامي 2002 و2007.
أما القسم الرابع، وهو عملية عزل الرئيس عندما يعتقد آخرون أنه "غير قادر على الاضطلاع بصلاحيات وواجبات منصبه"، فلم يُستخدم مطلقاً، بحسب صحيفة "يو إس إيه توداي" الأميركية.
"عندما يكون الرئيس مجنوناً"
شغل بيرتش إيفانز بايه (1928- 2019)، وهو سياسي ديمقراطي، منصب عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية إنديانا من عام 1963 إلى عام 1981.
بعد فترة وجيزة من دخوله مجلس الشيوخ، أصبح رئيساً للجنة الفرعية المعنية بالتعديلات الدستورية، وأصدر تعديلين دستوريين، التعديل الخامس والعشرين الذي يحدد إجراءات انتقال منظم للسلطة في حال وفاة أو عجز أو استقالة رئيس الولايات المتحدة، والتعديل السادس والعشرين، الذي خفض سن الاقتراع إلى 18 عاماً في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
كتب بيرتش بايه في كتابه One Heartbeat Away: Presidential Disability and Succession، أنه يعرف أن الجانب الأكثر إثارة للجدل في التعديل الذي كتبه هو كيفية التعامل مع الحالات النادرة عندما يشك فريق الرئيس في قدرته على الخدمة.
وروى بايه أنه كان يخبر مساعديه عندما كانوا في المراحل الأخيرة من المفاوضات حول التعديل: "كما تعلمون، أيها الزملاء، لقد تحدثنا عن هذه المشكلة مئة مرة، المرة الوحيدة التي تلوح فيها المشكلة، المرة الوحيدة التي يقول فيها الرئيس أنا بخير وقادر ويختلف معه نائب الرئيس ومجلس الوزراء، ستكون إذا كان الرئيس مجنوناً تماماً".
لماذا تجدد الاهتمام بالتعديل؟
حظي التعديل الـ25 باهتمام واسع خلال ولاية الرئيس ترمب، إما بسبب تصريحاته أو تصرفاته المثيرة للجدل، أو بسبب تقارير داخلية حول طريقة عمله داخل البيت الأبيض.
في عام 2017، على سبيل المثال، أثار ترمب تساؤلات حول توازن ترمب عندما كتب في تغريدة أنه يملك "زراً نووياً" أكبر من زر زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.
وفي عام 2018، رسم مايكل وولف في كتابه "نار وغضب" صورة لرئيس لا يرقى إلى مستوى الوظيفة.
وقال وولف عند ظهوره في البرنامج التلفزيوني "قابل الصحافة" الذي يُبث على قناة "إن بي سي الأميركية: "ليس أمراً خارجاً عن نطاق المعقول أن نقول إن هذا النوع من الأمور يتعلق بالتعديل الخامس والعشرين".
وفي مقال رأي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" بلا اسم عام 2018، كتب مساعد كبير سابق في وزارة الأمن الداخلي أن أعضاء مجلس الوزراء "يتهامسون" بشأن اللجوء إلى التعديل الـ25 بسبب تصرفات ترمب "غير السوية".
في وقت لاحق، ذكرت نيويورك تايمز أن نائب المدعي العام، رود روزنشتاين، ناقش اللجوء إلى التعديل، عندما سقط البيت الأبيض في دوامة من الفوضى، بعد إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي. لكن روزنشتاين نفى الأمر ووصف القصة بأنها "غير دقيقة وغير صحيحة من حيث الوقائع".
وقال أندرو مكابي، القائم بأعمال المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، في عام 2019 إن الاقتراح جاء أكثر من مرة، وكان جاداً للغاية لدرجة أنه نوقش مع محامي مكتب التحقيقات الفيدرالي.
في المقابل، رفضت وزارة العدل توصيف مكابي للمناقشات حول التعديل الخامس والعشرين، لكنها لم تنفِ حدوثها.
هل التعديل واضح بشأن العجز عن الخدمة؟
يبدو أن التعديل لا يحسم هذا الأمر، وفي هذا الإطار، قال جاي بيرمان، أحد مساعدي بيرتش بايه الذين عملوا على التعديل، إن ذلك كان متعمداً. وأضاف في مقابلة صحفية "لم يحسم (التعديل) مسألة ما يعنيه الأمر. لقد وفر آلية لحل المشكلة".
هل من المحتمل أن يُستخدم؟
لم يشر نائب الرئيس مايك بنس قط إلى أنه شكك في قدرة ترمب على أن يصبح رئيساً. في عام 2019، وصف بنس "أي اقتراح" بتفعيل التعديل بأنه "سخيف".
وعلى الرغم من ولاء بنس الراسخ لترمب، لكن الرئيس وبخه، الأربعاء، بعد أن قال بنس إنه لن يخالف القانون، ويستخدم منصبه الدستوري كرئيس لمجلس الشيوخ لمحاولة منع الكونغرس من إحصاء أصوات المجمع الانتخابي.
وكتب ترمب في تغريدة على تويتر حذفتها المنصة الأربعاء: "مايك بنس لم يتحل بالشجاعة الكافية لفعل ما كان ينبغي القيام به لحماية بلدنا ودستورنا".
دعم "كبار المسؤولين"
يمنح القسم الرابع من التعديل الـ25 بعض كبار المسؤولين الحكوميين القدرة على إجراء تقييم بأن الرئيس "عاجز عن أداء سلطات وواجبات منصبه".
لكن أول شخص يجب أن يشارك هو نائب الرئيس مايك بنس، الذي يحتاج إلى انضمام أغلبية من "كبار المسؤولين في الوزارات التنفيذية"، بحسب تحليل لموقع "فوكس" الأميركي.
في عام 1985 فسر مكتب المستشار القانوني بوزارة العدل تلك الإشارة إلى "كبار المسؤولين" على أنهم الوزراء الأساسيون في الحكومة، وليس المسؤولين الآخرين على مستوى الإدارة ممن لا يحملون لقب وزير.
وفي الوقت الراهن، يوجد 15 وزيراً، رغم أن 3 منهم يشغلون مناصبهم بالإنابة، وليس من الواضح ما إذا كان المسؤولون "بالإنابة" لهم رأي هنا، ولكن مكتب المستشار القانوني نصح بالتأكد من وجود أغلبية معهم وبدونهم، من باب الاحتياط.
وهؤلاء الوزراء هم، وزير الخارجية، مايك بومبيو، ووزير الخزانة، ستيف منوتشين، ووزير الدفاع بالإنابة، كريس ميلر، والقائم بأعمال المدعي العام جيفري روزين، ووزير الداخلية ديفيد برنهاردت، ووزير الزراعة سوني بيرديو، ووزير التجارة ويلبر روس، ووزير العمل يوجين سكاليا، ووزير الصحة والخدمات الإنسانية أليكس عازار، ووزير الإسكان والتنمية الحضرية بن كارسون، ووزيرة النقل إيلين تشاو، ووزيرة التربية والتعليم بيتسي ديفوس، ووزير الطاقة دان بروليت، ووزير شؤون المحاربين القدامى روبرت ويلكي، ووزير الأمن الداخلي بالوكالة تشاد وولف.
ولذلك، سيتعين على مايك بنس وأغلبية تلك المجموعة (8 من أصل 15 شخصاً على الأقل، وربما يحتاج إلى دعم إضافي إذا كان بعض هؤلاء بالإنابة) أن يوقعوا على "إعلان مكتوب" يفيد بأن ترمب عاجز عن الاضطلاع بمهام منصبه.
في هذا السياق، يقول مكتب المستشار القانوني إنه لا يتعين عليهم التوقيع عليه فعلياً، وما عليهم سوى "توجيه أسمائهم ليتم إضافتها إلى المستند بطريقة موثوقة".
وإذا فعلوا ذلك، وأرسلوا هذا الإعلان إلى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، ورئيس مجلس الشيوخ المؤقت تشاك غراسلي، فإن ترمب يفقد سلطاته، ما يجعل بنس رئيساً بالإنابة.
وبينما سيظل ترمب من الناحية التقنية حاملاً لقب الرئيس، إلا أنه لن يتمتع بالسلطة القانونية لفعل أي شيء بعد الآن.
هل يستطيع ترمب استعادة السلطة؟
إذا تم الدفع بتجريد ترمب من صلاحياته، فإن القسم الـ4 من التعديل يتيح له أيضاً سبيلاً لمحاولة استعادتها.
أولاً، يتعين على ترمب إرسال إعلانه المكتوب إلى بيلوسي وغراسلي (رئيس مجلس الشيوخ) بأنه "لا يعاني من عجز". وبعد ذلك، يتبقى أمام نائب الرئيس والوزراء 4 أيام يمكنهم خلالها إعادة تأكيد إعلانهم بأن ترمب عاجز عن الخدمة. وإذا فعلوا ذلك، فإن الكونغرس "يحسم المسألة"، وفقاً للتعديل.
سيكون أمام الكونغرس 21 يوماً للنظر في الأمر. إذا صوت، في ذلك الوقت، ثلثا مجلسي النواب والشيوخ على أن ترمب "عاجز" بالفعل فسيظل عاجزاً. وإذا لم يكن كذلك، فإنه يستعيد سلطاته.
ومن المثير للاهتمام أن تحديد 21 يوماً تعني أنه في الوضع الراهن لن يضطر الكونغرس إلى فعل أي شيء على الإطلاق؛ حيث تنتهي ولاية ترمب بعد 13 يوماً، ظهر يوم 20 يناير.
لذا فإن بنس، بالإضافة إلى 8 وزراء في الحكومة، لديهم السلطة الكاملة لتجريد ترمب من صلاحياته لبقية المدة، إذا كانوا يريدون ذلك. وتلك هي الضمانة القانونية والدستورية التي لا تزال قائمة بالنسبة لهم إذا خرجت الأمور عن نطاق السيطرة.