قمة محمد بن سلمان وترمب.. نقل الصفقات إلى مرحلة التنفيذ

الملف الدفاعي حاضر بصفقات تصل إلى 142 مليار دولار وخطط لتوطين الصناعات الدفاعية

time reading iconدقائق القراءة - 14
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال وداعه للرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد زيارته للمملكة. 14 مايو 2025 - واس
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال وداعه للرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد زيارته للمملكة. 14 مايو 2025 - واس
واشنطن -حسن يحيى

يُرتقب أن تضع زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الثلاثاء في البيت الأبيض، مدماكاً جديداً في العلاقة الاسترايجية بين البلدين، بوضعها اتفاقياتٍ مليارية على خريطة التنفيذ، وسط تركيزٍ على ملفات الطاقة التقليدية والمتجددة والنووية، والذكاء الاصطناعي والرقائق، والتحالف في قطاع المعادن، والاتفاق الدفاعي وتعزيز التعاون العسكري. 

وتظهر أهمية الزيارة الأولى للأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن منذ 8 سنوات، من خلال التحضيرات التي يجريها البيت الأبيض، إذ تشمل الخطط حفل استقبال تشارك فيه فرق موسيقية عسكرية، واجتماعاً ثنائياً في المكتب البيضاوي، وعشاءً رسمياً، إلى جانب عقد منتدى الأعمال الأميركي السعودي.

وفي حين أشار الديوان الملكي السعودي إلى مغادرة ولي العهد إلى واشنطن في زيارة عمل رسمية حيث سيلتقي الرئيس الأميركي، أكّد ترمب الجمعة، قبيل توجهه إلى فلوريدا، أن الزيارة "أكثر من مجرد لقاء، بل تكريم للسعودية وولي العهد".

ملفات دسمة

يتوقع سفير واشنطن السابق في الرياض مايكل راتني تحقيق الزيارة "نتائج مثمرة"، مشيراً خلال مشاركته في برنامج "Frankly Speaking" على "عرب نيوز" إلى أن طبيعة علاقة البلدين "يمكن أن تكون متنوعة بقدر ما أصبح الاقتصاد السعودي أكثر تنوعاً.. لم يعد بالإمكان اختزال العلاقات السعودية-الأميركية في صيغة بسيطة قائمة على "النفط مقابل الدفاع"، بل أصبحت الشراكة تعكس حقائق اقتصادية جديدة ومجالات تعاون آخذة في التوسع.. التغيير الكبير تمثل في قرار السعودية البدء في تنويع اقتصادها".

راتني حدّد 3 محاور رئيسية للمحادثات:"اتفاق دفاعي، قد لا كون معاهدة دفاع تُعرَض على مجلس الشيوخ، لكن اتفاقاً يعزز التعاون العسكري الأميركي-السعودي يبدو وارداً"‘ على حدّ قوله.

والمحور الثاني، التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي؛ "السعودية لديها طموحات هائلة في الذكاء الاصطناعي، وتريد وصولاً مستقراً وموثوقاً للتكنولوجيا الأميركية، خصوصاً الشرائح المتقدمة".

أما الثالث، فالطاقة؛ "السعودية مستثمر رئيسي في الطاقة المتجددة، وترى الطاقة النووية جزءاً من مستقبلها، وستسعى لاتفاق تعاون نووي مدني مع الولايات المتحدة"، بحسب راتني.

بدوره، يرى الرئيس التنفيذي لمجلس الأعمال الأميركي السعودي تشارلز حلاب أن زيارة ولي العهد إلى واشنطن "ستدفع عجلة التعاون في القطاعات الرئيسية المحورية لـ"رؤية 2030، بما في ذلك الدفاع والذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي وصناعات جودة الحياة".

وكشف في مقابلة مع "الشرق الأوسط" أنه "سيتم عرض عدد كبير جداً من الصفقات ومذكرات التفاهم التي تمثل قيمة هائلة في منتدى الاستثمار الأميركي السعودي. مركزاً على قطاع المعادن الحيوية "كركيزة أساسية للتعاون الاقتصادي، والعمل المشترك بمجالات الاستكشاف والمعالجة وتبادل التكنولوجي.. وتوفر زيارة ولي العهد فرصة مناسبة في الوقت المناسب للمضي قدماً في إطار استراتيجي يعزز المرونة والتحالف حول سلاسل توريد المعادن العالمية".

استثمار بتريليون دولار

سبل زيادة الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة ستكون في مقدمة الملفات على طاولة البحث، خصوصاً بعد اللقاء الذي جمع وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت ومحافظ "صندوق الاستثمارات العامة" ياسر الرميان الثلاثاء الماضي، وناقشا فيه سبل تعزيز استثمارات الصندوق في السوق الأميركية؛ "مما يعزز النمو الاقتصادي، ويبني علاقات طويلة الأمد بين بلدينا"، بحسب منشور لوزير الخزانة.

في يناير الماضي، أعلنت المملكة عزمها زيادة استثماراتها وتجارتها مع الولايات المتحدة بـ600 مليار دولار خلال 4 سنوات. لكن "منتدى الاستثمار السعودي الأميركي" الذي أُقيم بالرياض في مايو وحضره ترمب على هامش أول زيارة خارجية له منذ توليه السلطة، شهد إعلان ولي العهد عن رفع هذا الرقم إلى تريليون دولار، بما يعكس التحول الواضح في حجم الشراكة الاقتصادية بين البلدين.

تتجسد ملامح التحول المرتقب في الأرقام القائمة حالياً، إذ بلغ رصيد الاستثمار المباشر من السعودية في الولايات المتحدة خلال 2024 نحو 11.8 مليار دولار، وفق بيانات "مكتب التحليل الاقتصادي" الأميركي. في حين بلغت قيمة المحفظة الأميركية لصندوق الاستثمارات العامة نحو 19.4 مليار دولار في الربع الثالث من السنة الجارية.

وبلغت حيازة السعودية لسندات الخزانة الأميركية، حتى شهر يوليو الماضي، نحو 131.7 مليار دولار، وفق بيانات وزارة الخزانة، مرتفعة بنسبة 0.8% عن الشهر السابق له.

أما حجم التجارة بين أكبر اقتصاد في العالم وأكبر اقتصاد في المنطقة. فبلغ خلال العام الماضي 32.5 مليار دولار. واحتلت الولايات المتحدة المركز السابع كأكبر مستورد للسلع السعودية غير النفطية في 2024 بواقع 2.8 مليار دولار، وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية. 

جذب الاستثمارات الأميركية

الاستثمارات السعودية ليست الملف الوحيد على طاولة البحث، إذ أشارت شبكة "سي إن إن" إلى أن البيت الأبيض أرسل دعوات إلى الرؤساء التنفيذيين لكبرى الشركات، لحضور العشاء مع ولي العهد السعودي، بما يمثل فرصةً لعرض أبرز التطورات وفرص الشراكة والاستثمار في المملكة.

كما سيتم على هامش الزيارة إقامة منتدى استثماري أميركي سعودي تحت عنوان "القيادة من أجل النمو: تعزيز الشراكة الاقتصادية السعودية الأميركية"، بهدف "استكشاف آفاق استثمارية جديدة في قطاعات حيوية، بما في ذلك الطاقة والتكنولوجيا والخدمات المالية والبنية التحتية والرعاية الصحية".

ومن شأن الزيارة أن تعزز من تدفق الشركات الأميركية، التي تستحوذ على حصة الأسد من المؤسسات التي نقلت مقراتها  الإقليمية إلى الرياض، في وقتٍ برزت المشروعات الكبرى التي تنفذها المملكة، بما في ذك "نيوم" و"بوابة الدرعية" و"البحر الأحمر" و"المربع الجديد"، كنقاط جذب واضحة للاستثمارات الأميركية. 

وتطمح المملكة إلى جذب استثمارات أجنبية تبلغ 100 مليار دولار سنوياً بحلول نهاية العقد. الاستثمارات الأميركية قد تكون حجر أساس في تحقيق هذا الهدف، خصوصاً أنها تشهد نمواً ملحوظاً خلال السنوات الماضية.

بحسب بيانات "مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي"، بلغ رصيد الاستثمار الأميركي المباشر في السعودية في العام الماضي 13.2 مليار دولار، بزيادة نسبتها 11.3% مقارنة بعام 2023.

اهتمام أميركي متزايد بالسعودية

رغم النمو الذي تشهده المملكة مدفوعاً بمبادرات ومشاريع "رؤية 2030"، فإن سوقها "لم تصل بعد إلى ذروة الطفرة الاستثمارية بعد"، بحسب الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك" لاري فينك في مايو الماضي. 

ونوّه رئيس أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم بأن السعودية باتت "وجهة رائعة لرأس المال"، مؤكداً أن هناك "فرصاً هائلة" للاستثمار في سوق المملكة في ظل التحولات الكبرى التي تقودها رؤية 2030. ولفت أيضاً إلى أن المناخ الاقتصادي والتنظيمي بات أكثر نضجاً، ما يتيح فرصاً أمام المستثمرين لتوسيع نطاق أعمالهم بثقة.

هذا التقييم انعكس على أرض الواقع بتزايد المؤسسات الأميركية التي دخلت السوق السعودية، خصوصاً في القطاع المالي الذي يعتبر من أبرز المستفيدين من المشاريع الضخمة. في أكتوبر الماضي، انضمت "ستيت ستريت" التي تدير أصولاً بنحو 5.4 تريلون دولار، إلى عدد من المؤسسات المالية العالمية التي حصلت على تراخيص لافتتاح مقرات في المملكة، ومن بينها "جيه بي مورغان" و"غولدمان ساكس" و"سيتي غروب" و"مورغان ستانلي"، و"بلاك روك".

لا يقتصر التواجد الأميركي على هذه القطاعات، إذ أشارت سارة السحيمي، رئيسة مجلس إدارة "مجموعة تداول السعودية"، إلى وجود أكثر من 4000 مستثمر أجنبي مؤهل في السوق المالية، مضيفة: "يمكنني القول إن 55% تقريباً من الاستثمارات الأجنبية عبر برنامج المستثمر الأجنبي المؤهل في سوقنا تأتي من الولايات المتحدة".

وبلغت قيمة ملكية المستثمرين الأجانب المؤهلين في سوق الأسهم السعودية 340 مليار ريال بنهاية 2024

الذكاء الاصطناعي

من المؤكد أن لقاء بن سلمان-ترمب سيتطرق إلى قضية الذكاء الاصطناعي، وبشكل أساسي مبيعات الرقائق الإلكترونية المتطورة، في وقتٍ تسعى السعودية لأن تكون لاعباً رئيسياً في هذا المجال. 

وأطلقت المملكة في مايو الماضي شركة "هيوماين" لتكون حجر الزاوية في استراتيجيتها المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وتطمح الشركة حالياً لأن تصبح المملكة ثالث أكبر مزود لقدرات الحوسبة في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين. 

لكن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى رقائق، بالتالي ترخيصاً من واشنطن. ويعمل المسؤولون في المملكة منذ أشهر مع نظرائهم الأميركيين على اتفاق لتسهيل منح هذه التراخيص.

في أكتوبر الماضي، أكد رئيس شركة "هيوماين" طارق أمين أن الزيارة ستتناول قضية تصدير الرقائق الأميركية إلى السعودية. 

وأكد خلال مقابلة مع "بلومبرغ" على هامش "مبادرة مستقبل الاستثمار" أنه "سعيد للغاية" بالتقدم الذي أحرزته المحادثات بشأن صادرات الشرائح، وأضاف: "نحن قريبون جداً"، وتابع: "يمكن التوصل إلى نتيجة إيجابية في نوفمبر"، وذلك في إشارة إلى زيارة ولي العهد السعودي.

صفقات الدفاع وتوطين الصناعات

بالإضافة إلى الملفات الاقتصادية، فإن العلاقات الدفاعية وتوطين الصناعات، تحظى بحصة وافرة من برنامج الزيارة. 

بحسب بيانات معهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، فإن السعودية احتلت المرتبة الأولى كأكبر مستورد للأسلحة من أميركا خلال آخر 10 أعوام، مستحوذة على 17% من إجمالي الصادرات.

هذه العلاقات قد تتطور أكثر، خصوصاً بعد الاتفاق على شراء معدات دفاعية تُقدّر قيمتها بنحو 142 مليار دولار، خلال زيارة ترمب إلى المملكة في مايو الماضي. 

ستوفر الحزمة التي وصفها البيت الأبيض بـ"أكبر اتفاقية مبيعات دفاعية في التاريخ"، "معدات تغطي مجموعة واسعة من تكنولوجيا الدفاع، من قدرات القوات الجوية إلى الأمن البحري، وكذلك خدمات المعلومات والاتصالات"، بالإضافة إلى الاستفادة من التدريب والدعم لبناء القدرات، مع فوائد تمتد إلى الأكاديميات الدفاعية السعودية والخدمات الطبية الدفاعية.

بالإضافة إلى ذلك، قد يشمل اللقاء بين ولي العهد السعودي والرئيس الأميركي وصع الأسسس لصفقة شراء طائرات "F-35" التي تصنعها شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية، خصوصاً بعدما قال ترمب إنه يدرس بيع هذه الطائرات إلى المملكة.

وقبل أسبوع عُقد لقاء جمع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، ووزير الحرب بيت هيغسيث، ومبعوث ترمب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، حيث استُعرضت "العلاقات السعودية الأميركية وأوجه الشراكة الاستراتيجية بين البلدين"، وفق وكالة الأنباء السعودية "واس".

تطمح السعودية لأن تصل نسبة توطين الصناعات العسكرية إلى 50% بحلول نهاية العقد، وتمثل الشركات الأميركية الأكثر تطوراً بالعالم في هذا المجال مصدراً رئيسياً لتحقيق هذا الطموح.

وكان الرئيس التنفيذي لـ"لوكهيد مارتن" في السعودية وأفريقيا جوزيف رانك أشار في مقابلة مع "الشرق" خلال مايو الماضي، إلى أن الشركة تطمح للدخول في مرحلة الإنتاج المشترك وتطوير المنتجات مع السعودية، لتتخطى مرحلة تصنيع المكونات وأعمال الصيانة التي تقوم بها حالياً داخل المملكة.

المعادن والطاقة النووية ملفات بارزة

يلاحق ترمب المعادن النادرة في كل العالم بهدف الحد من هيمنة الصين على هذا القطاع الحيوي. وترى واشنطن في السعودية شريكاً مهماً بحكم مواردها المعدنية الواعدة واستثماراتها العالمية في التعدين. وفي مايو 2025، وقّع البلدان مذكرة تعاون حول المعادن الحرجة تهدف إلى تطوير سلاسل إمداد مستقرة لهذه الموارد.

وقبل أيام من زيارة ولي العهد، عقد وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف، اجتماعاً ثنائياً مع وزير الداخلية الأميركي ورئيس المجلس الوطني لهيمنة الطاقة دوغ بورغوم، في الرياض.

الاجتماع ركز على بحث فرص تعزيز الشراكات الاستراتيجية في قطاع التعدين والمعادن، وخصوصاً المعادن الحيوية والعناصر الأرضية النادرة.

أما في ما خص الطاقة النووية، فأعلن وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان في سبتمبر الماضي، أن المملكة تتجه نحو الاستفادة من هذه الطاقة، وتطبيقاتها الإشعاعية للأغراض السلمية، وتواصل تنفيذ مشروعها الوطني للطاقة النووية بجميع مكوناته، ومن ذلك مشروع بناء أول محطة للطاقة النووية في المملكة.

وفي أبريل الماضي، أعربت الولايات المتحدة عن انفتاحها لتوقيع اتفاقية مع السعودية بشأن الطاقة والتكنولوجيا النووية السلمية. ومن شأن اللقاء بين ولي العهد والرئيس الأميركي أن يمهد نحو وصول المملكة إلى هذه التكنولوجيا الحيوية لتنويع مصادر توليد الكهرباء وتحلية مياه البحر.

تصنيفات

قصص قد تهمك